مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3996 - 2013 / 2 / 7 - 16:49
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيرة هى المرات التى صلى فيها يسوع الى الله و الذى كان يسوع يخاطبه بعبارة " ايها الاب ". وقد علم الاخرين ان يفعلوا الامر نفسه. (متى 6 من 9 - 11 : لوقا 11 عدد 1 , 2) وفى صلاته مع رسله قبل ساعات قليلة من موته التمس قائلا : " ايها الاب , قد أتت الساعة. مجد ابنك ليمجدك ابنك , وهذا يعنى الحياة الابدية : ان يستمروا فى نيل المعرفة عنك , انت الاله الحق الوحيد , وعن الذى ارسلته , يسوع المسيح ". - يوحنا 17 عدد 1 ,3.
لاحظ ان يسوع المسيح صلى الى شخص دعاه " الاله الحق الوحيد ". كما انه اشار الى ان الله اسمى منه عندما تابع : " فالان ايها الاب , مجدنى انت بقربك بالمجد الذى كان لى بقربك قبل ان يكون العالم ". (يوحنا 17 عدد 5) فبما ان يسوع صلى الى الله طالبا ان يكون بقربه , افيعقل ان يكون هو فى الوقت نفسه " الاله الحق الوحيد " ؟ لنتفحص هذه المسألة بأكثر تدقيق.
أعدم يسوع بعد ساعات قليله من تقديمه الصلاة المذكور انفا. لكنه لم يبق ميتا وقتا طويلا, فقد امتدت فترة موته فقط من بعد ظهر الجمعة الى صباح الاحد. يخبر الرسول بطرس : " يسوع هذا الذى اقامه الله , ونحن كلنا شهود لذلك ". (اعمال 2 عدد 31 , 32) وهل يعقل ان يسوع هو الذى أقام نفسه ؟ كلا , لأن الكتاب المقدس يقول تن الموتى " لا يعلمون ىشيئا ". (جامعة 9 عدد 5) فالاله الحق الوحيد , الاب السماوى ليسوع , هو الذى اقام ابنه. - اعمال 2 عدد 32 : 10 عدد 4.
بعيد ذلك قتل استفانوس تلميذ يسوع على يد مضطهديه. وفيما كانوا على وشك رجمه , نال استفانوس رؤيا. قال " ها انا ارى السموات مفتوحة وابن الانسان واقفا على يمين الله ". (اعمال 7 عدد 56) فقد رأى استفانوس يسوع , " ابن الانسان ". فى دور داعم لله فى السماء , " عن يمين الله ". تماما كما كان بقرب الله قبل مجيئه الى الارض.
بعد مضى فترة على قتل استفانوس , ظهر يسوع عجائبيا لشاول , المعروف اكثر باسمه الرومانى بولس. وعندما ذهب بولس الى اثينا , اليونان , تكلم عن الاله الذى صنع العالم وكل مافيه. وقال ان هذا الاله " الاله الحق الوحيد ". " مزمع ان يدين المسكونة برجل قد عينه , وزود ضمانة للجميع اذ اقامه من الاموات ". (اعمال 17 عد 24 ,31) لقد تكلم بولس عن يسوع بصفته رجلا - اى شخص ادنى من الله - اقامه الله الى الحياة السماوية.
وصف الرسول يوحنا هو ايضا يسوع على انه ادنى من الله. فقد قال يوحنا انه كتب انجيله لكى يساعد قراءه على الايمان " ان يسوع هو المسيح ابن الله ". لا الله نفسه. (يوحنا 20 عدد 31) كما نال يوحنا ايضا رؤيا سماوية رأى فيها " الحمل " الذى حدد هويته فى انجيله بأنه يسوع (يوحنا 1 29) وقد راه يوحنا واقفا مع 144,000 اخرين قال عنهم " اشتروا من الارض ". وأوضح ان هؤلاء لهم اسمه (الحمل) واسم ابيه مكتوبا على جباههم ". رؤيا 14 عدد 1 ,3.
فهل يمكن ان يكون " الحمل " هو نفسه اباه ؟ قطعا لا. فالكتاب المقدس يظهر انهما مختلفان. حتى ان لهما اسمين مختلفين.
كما رأينا ان اسم ابن الله , اى اسم الحمل , هو يسوع. ولكن ماهو اسم ابيه ؟ يظهر اسم الاب فى الكتاب المقدس الاف المرات. مثلا, تقول المزمور 83 عدد 18 : " اسمك يهوه , وحدك العلى على كل الارض ". لكن من المحزن ان اسم الله , يهوه , أزيل فى ترجمات عديدة للكتاب المقدس واستبدل بالكلمتين " الرب " و " الله " ( استخدم اللقب " الرب " ايضا للاشارة الى يسوع. وبسبب ذلك يقول البعض ان لقب " الرب " انتقل من يهوه الى يسوع فى العهد الجديد. غير ان هذه الفكرة لا اساس لها فى الكتاب المقدس. - قارن رؤيا 11 عدد 15) الى ان ترجمات كثيرة ردت الاسم الالهى الى مكانه الصحيح.
وأحد الامثلة البارزة للترجمات التى ردت اسم الله يهوه الى مكانه الصحيح هى الترجمة الاميركية القانونية الصادرة سنة 1901 باللغة الانكليزية. تذكر مقدمتها : " ان المنقحين . . . بعد التأمل الدقيق وصلوا الى الاقتناع الاجماعى بان الخرافة اليهودية , التى اعتبرت الاسم الالهى اقدس من ان ينطق به , لا يجب فى ما بعد ان تسود فى الانكليزية او اية ترجمة اخرى للعهد القديم. وذلك على غرار ما فعله المرسلون العصريون فى الترجمات العديدة التى اصدروها.
ولكن ماذا عن التعليم القائل ان يهوه ويسوع هما فعليا الاله نفسه, كما تدعى عقيدة الثالوث ؟ عرفت مجلة المنبر الحى , فى عدد نيسان - حزيران 1999 , الثالوث كما يلى : يوجد اله وأب واحد , ورب واحد هو يسوع المسيح , وروح قدس : ثلاثة اقانيم . . . هم واحد او متساوون فى الجوهر . . . ثلاثة اقانيم كل منهم هو الله , لهم الخصائص الطبيعية نفسها , ومع ذلك هم متميزون , وكل منهم يعرف بخصائصه ". ( يعرف الدستور الاثناسيوسى الذى صيغ بعد موت يسوع ببضع مئات من السنين , الثالوث كما يلى : " الاب هو الله , الابن هو الله , والروح القدس هو الله. ومع ذلك ليسوا ثلاثة الهة بل اله واحد " )
ومن اين نشأ تعليم الثالوث المعقد هذا ؟ تقتبس مجلة القرن المسيحى من احد القسوس , وهو يعترف ان الثالوث هو " من تعاليم الكنيسة " وليس من تعاليم يسوع. هل يمكن ان يكون منسجما مع ما علمه يسوع ؟
علم يسوع تلاميذه ان يصلوا هكذا : " ابانا الذى فى السموات. ليتقدس اسمك ". ويصف الكتاب المقدس " ابانا " الذى اسمه يهوه. بأنه أسمى من الابن. فيهوه , مثلا , هو " منذ الازل الى الابد ". غير ان الابن , بحسب الكتاب المقدس , هو " بكر كل خليقة ". وقد علم يسوع نفسه ان يهوه اعظم منه عندما قال : " ابى اعظم منى ". ( متى 6 عدد 9 : مزمور 90 عدد 1 , 2 : كولوسى 1 عدد 15 : يوحنا 14 عدد 28. كلها بحسب الترجمة البروستانتية. غير ان عقيدة الثالوث تعلم ان الاب والابن كلاهما هو الله.
تؤكد صلوات يسوع ايضا ان الاب اعظم من الابن وأن الاب هو شخص منفصل عن الابن. وأحد الامثلة هى الصلاة التى صلاها يسوع قبل موته : " يا ابتاه ان شئت فاصرف عنى هذه الكأس ولكن لتكن لا مشيئتى , بل مشيئتك ". (لوقا 22 عدد 42) فلو كان الله ويسوع متساويين فى الجوهر كما تقول عقيدة الثالوث فكيف يمكن ان تكون مشيئة يسوع , او رغبته , مختلفة عن مشيئة ابيه.
علاوة على ذلك , لو كان يهوه ويسوع الشخص نفسه , فكيف يمكن ان يكون احدهما عارفا بأمور لا يعرفها الاخر ؟ على سبيل المثال , قال يسوع عن وقت دينونة العالم : " اما ذلك اليوم او الساعة فلا يعرفها احد , لا الملائكة فى السماء ولا الابن , الا الاب ". - مرقس 13 عدد 32.
لم يعلم يسوع ولا المسيحيون الاولون عقيدة الثالوث. فكما ذكرنا سابقا , انها " من تعاليم الكنيسة ". قالت مجلة المنبر الحى : " احيانا , يبدو ان الجميع يفترضون ان عقيدة الثالوث هى تعليم لاهوتى غير قابل للجدل فى الدين المسيحى ". لكنها اضافت بعد ذلك ان هذه العقيدة ليست " فكرة من الكتاب المقدس ".
وتناقش دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة عقيدة الثالوث باسهاب وتعترف : " بعد البحث والتدقيق نجد ان عقيدة الثالوث هى فكرة ابتكرت فى اواخر القرن الرابع . . . الصيغة اله واحد فى ثلاثة اقانيم لم تتبلور , وبالتأكيد لم تدخل كاملا فى الحياة المسيحية والعقائد الدينية التى تقوم عليها , قبل نهاية القرن الرابع ".
وقال بروفسور فى جامعة برن فى سويسرا يدعى مارتين فيرنر : " عندما يناقش العهد الجديد علاقة يسوع بالله الاب , سواء فى الاشارة الى مجئ يسوع كانسان على الارض او فى كونه المسيا , تفهم مرتبته وتفهم بشكل صريح بأنها ادنى ". فمن الواضح ان ما امن به يسوع والمسيحيون الاولون يختلف كل الاختلاف عن عقيدة الثالوث التى تعلمها الكنائس اليوم . اذا , ما هو اصل هذا التعليم ؟
يخبر الكتاب المقدس عن الهة والاهات كثيرين عبدهم الناس , بمن فيهم عشتروت , ملكوم , كموش , ومولك. (ملوك الاول 11) وقد امن كثيرون فى امة اسرائيل القديمة بأن البعل هو الاله الحق. لذلك اثار ايليا , نبى يهوه , التحدى التالى : " ان كان يهوه هو الله فاتبعوه , وان كان البعل فاتبعوه ". (ملوك الاول 18)
شاعت ايضا عبادة الالهة الوثنية ضمن مجموعات من ثلاثة الهة قبل ولادة يسوع. يعلق المؤرخ ول ديورانت : " من مصر اتت افكار الثالوث الالهى ". وكتب جايمس هايستنجز فى دائرة معارف الدين والاخلاق : " فى الديانة الهندية مثلا , نواحه المجموعة الثالوثية من براهما , سيفا , وفيشنو. وفى الديانة المصرية المجموعة الثالوثية من اوزيريس , ايزيس , وحورس ".
( يعتقد الكثير من المسيحيون ان اسم يهوه ينتمى فقط الى جماعة شهود يهوه. وهذاخاطئ تماما لأن الاسم يهوه معروف على نطاق واسع لدى علماء الكتاب المقدس والدارسين الجادين للكتاب المقدس. وهو موجود بكثرة فى النسخ الاصلية وحتى النسخ العربية التى تطبعها الكنائس يذكر اسم يهوه عدة مرات )
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟