أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - الغَرَقُ في بِركَة الكَلِماتِ














المزيد.....

الغَرَقُ في بِركَة الكَلِماتِ


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3995 - 2013 / 2 / 6 - 23:14
المحور: الادب والفن
    


أنْ تَكونَ أديباً مَعناهُ أنْ تَتَأبَّدَ - كَسيزيفَ – في مُكابَدَةِ التَسَلُّقِ السَرمَديّ بِصَخرَةِ الالتِزامِ مِنْ قَعرِ العُقوبَةِ وحَتّى شَفا الصَفحِ عَنْ ذاتِك، ذاتُكَ التي أنكَرَتكَ مِنْ فَرطِ تَشَرُّدِكَ عَنها فَما عادتْ تَستَبينُ مَلامِحَكَ أو تَتَعرَّفَ عَلى تَقاطيعِك، فَلا تَحتَجَّ ساعَةَ أوشَكتَ عَلى الخُروجِ إذا ما رَكَلَتْ تِلكَ الذاتُ الضائِعَةُ عَن كاهِليكَ حِملَكَ الثَقيلَ لِتَعودَ مُتَدحرِجاً نَحوَ قاعِكَ في أزَليَّةٍ تَبدو لا نِهائيّةَ العَذابِ، وانتَ الساذَجُ الذي يُمنّي النَفسَ كُلّ ذاتَ طُلوع ٍ بِصُلحٍ سَيطوي بِساطَ شَكّ تَفتَرِشُهُ أسئِلَةٌ نَهِمَةٌ رُبَما ليسَ آخِرَها: ما جَدوى الكِتابَة؟
لَئِن أجهَدنا أنفُسَنا في عَبَثَ المُحاوَلاتِ لالتِقاطِ خَيطٍ قَدْ يَقودُنا – بِشيءٍ مِنْ حُسنِ الحَظّ – إلى تُخومِ الحَقيقَةِ أو مَنابِعِها الغائِرَةِ خَلفَ سَلاسِلَ مِنْ جِبالِ الزيفِ والأوهامِ، فَلَنْ نحظى إلّا بِما هو دونِ تهدِئةِ الغَلواءِ أو إشباعِ الفُضولِ.
لَكِنْ لا ضَيرَ مِنَ إدلاءِ الدَلوِ وَنَشرِ الشِباكِ حتّى وإنْ عادَ الدَلوُ خائِباً بـ "يوسُفَ" أو ارتَدّتْ الشِباكُ عَنْ "عِفريتٍ حَبيسٍ في قُمقُمٍ مَختوم".
الكِتابَةُ يا سادَتي هي ذَلِكَ التَفاوتُ الجَميلُ بينَ البَشَر، تِلكَ المُنحَةُ الرَبّانيّةُ والهِبَةُ السَماويَّةُ التي اُختُصّتْ بِها قِلّةٌ وَحُجِبَتْ عَنْ كَثرَة، فَشَقيَ المُصْطَفونَ وَسَعِدَ المَحرومون.
هيَ مَلَكَةُ التَناغُمِ الذي يَصِلُ حَدَّ الدِقّة الموسيقيّةِ المُرهَفَةِ في تَدفُقاتِ النَزفِ بين شَرايينِ الأديبِ وأورِدةِ القَلَم.
هيَ أنْ تَغرِسَ الآفَ الدَبابيسِ في محجَرِ عَينِكَ، في نِهاياتِ أعصابِكَ، في جَنّةِ الساديينَ الضَيقَةِ المَعروشَةِ بينَ اللَحمِ الطَريّ والأظافِرِ كُلَما دَهَمتكَ نَوبَةُ كِتابَةٍ مُفاجِئة أو انتابَكَ صُداعٌ أَدَبيٌّ عارِض.
هي أنْ تُقبِلَ على شَهيّ الطَعامِ جائِعاً بِلا شَهيّة وَعلى الأفيونِ صاحياً بغيرِ وَصفَةٍ أو نَصيحَةٍ طبيّة، أنْ تُعيدَ رَسمَ موناليزا الحَضارةِ عَلى رُقُمِ الطينِ السومَريّة.
أنْ تَشرَحَ للغافِلينَ سِرَّ اختِفاءِ الشُعراءِ والأُدباءِ والحالِمينَ بِعَصرِ سيادةِ الكَلِمَةِ مُنذُ فَجرِ الدَواةِ والحُواةِ والرِقاعِ والنِطاعِ وَمحاكِمِ التَفتيشِ والرقابَةِ الفِكريّةِ حتّى رابِعَةُ الإرهابِ والاغترابِ والانقلابِ وَجرائِمُ التَدوينِ الإلكترونيّة.
أنْ تَصرُخَ، أنْ تَصدَحَ، مِلئَ حِبالِكَ الصوتيّة، أنْ تَجنَحَ في قارَبِكَ المشروخِ مُتأبِطاً دُستورَ المَدَنيّة وَبِشارَة النورِ نَحوَ جَزيرَةِ الوَثنييّنَ وأكَلَةِ اللُحومِ والأفكارِ والآمالِ البَشريّة.
شُكراً لِلقَتَلَةِ على مَرَّ تاريخِ اغتيالِ الأدبِ حينَ صَلّتْ سيوفُهُم يومَ سَحَبوا الدِثارَ عَنْ فِراشِ النُبوّةِ فَلم يَجِدوا غيرَ إنسانٍ يُتمتِمُ بِهذيانِهِ الدائِمِ عَنْ انجيلِ الحُبّ الضائِع.
شُكراً لِفِرَقِ الاغتيالِ مُساهَمَتَها الفَذَّةِ في مَدّ قامَةِ ضَحاياها مِنْ الأُدباءِ الراحِلينَ، اولئِكَ الذين لَحَظَ جُمهورُ النَظّارةِ - مُنذُ ما قَبلَ سِقراطَ وحتّى ما بعَدَ لوركا - طيفَ ابتِسامَةٍ شاحِبةٍ عَلى مُحيّاهُم المُصفرّ قَبلَ انهِمارِ زَخّة الرَصاصِ الأخيرة، هَل كانوا بِهذهِ الشفّافيّةِ التي تَرَكتهُم يُلقونَ مِنْ شُرُفاتِ أرواحِهِمُ الظَمِئةِ نَظرَةً عَلى باحَةِ الاعدام؟ هُناكَ حيثُ ساوَمَهُ قاتِلوهُ على مَنحِهِ فُرصَةَ ذُلّ أخرى شَرطَ تَقبيلِ خاتَمِ السُلطانِ واعلانِ بيعَةِ الشيطانِ وَنقضِ العَهدِ المُبرَمِ مَعَ الذاتِ، مَعَ النَفسِ، مَعَ الإنسانِ عَينهِ وليسَ أحداً غَيرَه؟ هَل كانَ اختيارُ التَحوّلِ إلى قِديسٍ غيرِ مُتوّجٍ يَشطُبُ جَميعَ مُحاوَلاتِ التَقَرُّبٍ، ويُلغي كُلَّ فُرَصِ التفاوُضِ؟
لا زالَ سيزيفُ يُجرجِرُ صَخرَتَهُ الثَقيلة، ولا زالَ كُلَّ أدباءِ الأخدودِ العَربيّ مُتشردينَ عَن ذواتِهِم، يَخشونَ أن يَفضَحَهُم زَعيقُ كَلِماتِهِم الغاضِبَة، مُنغَمِسينَ في جَحيمَهُمُ الذاتي وَفَضائِحيَتِهِمُ الخاصّة، ولا زالَ الجنرالاتُ في مَكاتِبِهُم التي حولوها مؤخَراً إلى صالوناتِ تَعذيبٍ حَداثيّ، لا زالوا يُمرّرونَ الكَهرَباءَ في أجسادِ أُدباءَ ثوريينَ يَرفُضونَ لَثمَ أقدامِ صاحِبِ الذاتِ العَليّة او مُجرّدَ النُطقِ بِوحدانيّةِ آلِهَةِ الأرض المُتعَجْرِفَة، لا زالَ نَفسُ الأديبِ المُحبَطِ يَقِفُ عارياً أمامَ مِرآة الحَمّام مُطلِقاً الرَصاصَ على صَدغِهِ، هكذا، بِتلقائيّة، ودونَ وَصيّة، في إعرابٍ دَمويّ عَنْ استنكارهِ لِجريمَةِ اختِطافِ الذائِقَةِ الشِعريّة، فَحَتّى المَجانينُ لَهُم قَضيّة، وَحتّى الأدباءُ يَجري عَليهِم قَدَرُ الغَرَقُ في بِركَةٍ مِنْ كَلِماتٍ لَيلَكيّة، ولا زالتْ طوابيرُ المُعجَبينَ والمُقتَفينَ والمُنتَحِلينَ والمُتاجِرينَ تُلقي – في ذِكرى الغَيبَةِ - كَلماتَ الرِثاءِ وأزهارَ التأبينِ عِندَ ضَريحِ الأديبِ الذي استَمرَّ مَجهولاً، في رَقْدَةٍ أبَديّة.

ليث العبدويس alabedwees@yahoo .com




#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموتى لا يبتسِمونَ في الصُور
- ليلى لَمْ تَعُدْ مَريضَة
- أغلى رَغيفُ خُبزٍ في العالم
- زيرا الصَغيرة... والطائِراتُ المُغيرة
- كُلُّ الطُرُقِ تؤدّي إلى دِمَشْق
- ذَبحَةٌ أَبَويّة
- الحَبلُ السُرّيُّ العَرَبي
- اعترافاتُ مُثقّف مُرتَزق
- الدخُولُ إلى صَبرا وشاتيلا
- إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب
- العَروسُ والكلاشينكوف
- وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - الغَرَقُ في بِركَة الكَلِماتِ