|
بعض مظاهر الفساد في قلب الشركات الرأسمالية المنتجة للسلاح ..
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 3994 - 2013 / 2 / 5 - 15:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو للوهلة الأولى أن العلاقة بين الفساد المالي وصفقات بيع وشراء الأسلحة شيئا غريبا لكثير من أبناء شعبنا. تجسدت هذه الغرابة ، بشكل خاص، بعد أن توقف، أخيراً، التوقيع على صفقة الأسلحة الروسية – العراقية بسبب انتشار شبهات الفساد حولها كما قيل من بعض المصادر المقربة من حكومتي البلدين المتعاقدين (العراق وروسيا) بعد أن تباينت خلفيات التحقيقات و التصريحات والآراء التي قيلت حول بعض ترتيبات فصولها الأولية، مما تعذر على الجميع ، حتى الآن، معرفة حقيقتها وحقيقة الجدار الفاصل بينها والفساد الذي أحاط بها ، خاصة وأن هناك من لا يستطيع كشف وجهة النظر الأخلاقية المتعلقة بمنافعها و بأعبائها المحاطة ، في العادة ، بأعلى أشكال السرية لحمايتها وحماية المتورطين فيها الذين يستلمون منافعهم بأساليب وقائية متقنة يصعب كشفها على أي نظام رقابي. ظلت رحلة هذه الصفقة مرهقة بشكل وأضح للمسئولين، العراقيين والروس، ومرعبة للغاية في عيون الناس العراقيين والجهات المتابعين لها والمشككين في نزاهتها لأن الصحافة العراقية لم تتمكن من لعب دورها الضروري في الوصول إلى كل الحقائق المتعلقة بها على المستويين العراقي والروسي ما عدا بعض فرص الصحافة التلفزيونية كـ(برنامج الساعة التاسعة) في قناة البغدادية الفضائية، حيث يتابع الصحفي العراقي أنور الحمداني متابعة دءوبة قصة الصفقة وميولها ونزعاتها النفعية من دون أن تتوفر له أو على منضدته معلومات دقيقة ، وافية ، متراكمة عنها، رغم اعتماده على بعض (حجج) و(حكايات) ذات أصول ممتدة إلى تحقيقات هيئة النزاهة البرلمانية ذات الرؤية والقابلية الفطرية. هذه الحالة العراقية جعلتني أتذكر حالة مصرية واجهها الصحفي المصري إحسان عبد القدوس خلال حملته الشهيرة في عام 1951 على صفحات مجلة (روز اليوسف) وغيرها ، التي كشفت للرأي العام المصري والتاريخ المعاصر (فضيحة الأسلحة الفاسدة) التي تعاقد عليها القصر الملكي وبعض رجال حكومته.. وقتها حاول أحد الباشوات المتهمين في الفضيحة أن يغتال إحسان عبد القدوس .. دبّر خطته التي أوكل تنفيذها إلي بعض (البلطجية) ليفاجئوا الصحفي الجريء إحسان في الظلام.. وانهالوا ضرباً بالسكاكين علي رأسه لائذين بالفرار.. لكن السماء كتبت نجاته بمعجزة..! الصفقة العراقية – الروسية وما أحاط بها من أفكار مبتذلة لم تتعمق في عواقبها، السياسية والاقتصادية والعسكرية، للتعرف على شكل من أشكال التعاملات التجارية السرية بين شركات السلاح العالمية وبين بعض أصناف( البيئة الفاسدة) المتنافسة، عادة ً، في مثل هذه التعاملات المغلقة الأبواب. هذه الحال من التعامل على مصائر الشعوب تفرض على الوطنيين من قادة الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والمثقفين أن يتناولوا كل ما يتعلق بها ، خاصة في غياب الشفافية عن الحاجة العسكرية الفعلية للجيش العراقي للتسلح ، في المرحلة الحالية والمستقبلية، بما يؤمن القوة العسكرية الضرورية للعراق لحماية حدوده من أي عدوان خارجي ومن خطر التنظيمات الإرهابية بقيادة تنظيم القاعدة.
صحيح من حيث المبدأ أن أول حالة من احتياجات الدولة - كل دولة في عالمنا المعاصر - باستثناء دولة الفاتيكان يتعلق حقها في الدفاع عن نفسها أو في ما يتعلق بوجود مجموعات إرهابية أو مافيا مسلحة تشكل خطرا شديدا على مؤسساتها وعلى مواطنيها أو في حالات تعتبر تهديدا من دولة على حدود وأراضي دولة أخرى . في أحيان أخرى لا تكون هذه الحالة متطابقة مع الضرورة حين تكون سياسة الدولة بصفة أساسية تنحو منحى سلمياً كاملاً مع جيرانها ، سواء في الظروف المعقدة وغير المعقدة، أو تكون واقفة على (الحياد التام) في كل نزاع دولي مسلح كما هو شأن الدولة السويسرية خلال الحربين العالميتين، الأولى والثانية. في هذه الحال يكون نمط السلاح خفيفا للحفاظ على السلم الأهلي ومكافحة الجرائم المنظمة ، الفردية والجماعية، وتطبيق القانون داخل كيان الدولة ذاتها مع تحاشي ظاهرة عسكرة المجتمع بكل الحالات . التسلح بمعناه العام تزويد الدولة وقواتها المسلحة ، الجيش والشرطة، بالسلاح على مختلف أنواعه والذخائر والمعدات القتالية. ظهر وجوده وظهرت حاجاته الحديثة في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الاحتلال الفرنسي – البريطاني لدول هذه المنطقة وإخضاعها لما سمي بالانتداب ، بعد سقوط الدولة العثمانية من جهة وبعد تقسيمها وفقا لاتفاق سايكس- بيكو ووفقا لوعد بلفور 1917 قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى وتأسيس دولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، من جهة أخرى . هذه الوقائع التاريخية كانت مصحوبة بموجب معاهدات واتفاقيات استعمارية تلعب فيها القوات الأجنبية على الأراضي الوطنية لدول المنطقة الدور الأول في فرض السياسة الاستعمارية على البلدان الوطنية قبل تحررها من الانتداب وبعد استقلال اغلبها في منتصف القرن العشرين. في عدد كبير من المصادر العربية والعالمية، والإسرائيلية أيضا، فأن السلاح الحديث هو من أكثر البضائع صعوبة في الإنتاج وأكثرها ارتباطاً مع التقدم التكنولوجي وأكثرها حاجة إلى المال والاستثمار، لذلك تخصصت بإنتاجها وبيعها شركات كبرى في بعض الدول الرأسمالية الكبرى أو توابعها. صحيح أن (الأسلحة) هي (بضاعة رأسمالية) تباع وتشترى لكنها بضاعة من (نوع خاص) أكثر غرابة ورهبة من أية بضاعة أخرى، فهي تنتج سرا بموجب قوانين بلدانها لكنها لا تطيع القانون في تسويقها. تمارس عمليات بيعها من اجل تحقيق أعلى نسب الأرباح لحاملي أسهم شركاتها من دون أن تهتم بالمصير البعيد المدى للمشترين أو المستعملين أو للوسطاء أو الوكلاء. إنها تجارة تتعامل مع جيوش الدول ومع عصابات المخدرات ومع المافيات ، إنها تأسر المنتجين وترهب المشترين، كما أنها من نوع (بضاعة) ليست جديرة بثقة الناس الاعتياديين في المجتمع لأنها بضاعة لا إنسانية، لا أخلاقية شرط استعمالها الأول والحيوي هو قتل الناس وتدمير (المجتمع الآخر)و(الحضارة الأخرى) إذا حصل منهما عدوان، لكنها جديرة بثقة وجدارة مجموعة قليلة من مدراء مصانعها أو وكلاء مخابرات دول إنتاجها أو تجارها ووسائطها ووكلائها السريين بمستوى يقومون فيه بدفع الرشاوى للإدارات المنتجة آو المتحكمة فيها أو المسوقة لها مقابل الحصول على (معاملة تجارية تفضيلية) ، خاصة عند التعامل مع بعض الكيانات الحكومية الصغرى المؤشرة لدى مخابرات الدول الخمس العظمى أنها خارج المعادلة التسليحية العلنية أو المشروعة ونموذجها الحالي ( إسرائيل ، إيران ، فنزويلا ، تنظيم القاعدة وغيرها من البلدان والمنظمات والأحزاب المصنفة بالإرهابية). خلال كل تلك الفترة الماضية كان تسلح دول منطقة الشرق الأوسط بما فيها (عراق صدام حسين ) مرهوناً بتقارير عملاء المخابرات الأجنبية والمجندين السريين في تجارة السلاح، الذين يعتمدون في عمليات البيع والشراء على العمولات المالية والرشاوى والهدايا المقدمة لهذا الزعيم أو الجنرال أو ذاك الوزير لاستمالته لطرف من الأطراف أو لتنفيذ بعض المطالب المتعلقة بأسعار السلاح ونوعه.. وقد تكشفت خلال القرن الماضي الكثير من الفضائح المالية وغيرها في الأرشيف البريطاني والأمريكي والايطالي والألماني والصهيوني في الآلاف من وثائق المستعمرات والدول المستقلة وفي عشرات الآلاف من التقارير السياسية والعسكرية ، الدولية خصوصاً . خلال فترة نظام حزب البعث بقيادة الحاكم الدكتاتور صدام حسين كان الهمُ الأكبر هو تحويل تنظيمات الحزب الحاكم إلى قوة عسكرية مسلحة (مغلقة) كما توجّه العمل في عقل البنية الفوقية البعثية إلى جعل بنية الجيش كلها رهينة الميزانية الكبرى لعسكرة المجتمع وبناء القواعد العسكرية – القتالية من زاخو حتى الفاو، بما يؤمن (حماية النظام) من الأخطار الخارجية والداخلية. كان هذا التحويل شكلا من أشكال خلق البيئة الفاشية بقيادة عسكرية تريد وتستهدف تقييد المجتمع كله بقيود السلطة العسكرية وليس بناء مستلزمات الدولة المدنية . يمكن القوة بثقة أن الحقائق التاريخية طيلة 35 عاما من حكم حزب البعث العراقي أن صدام حسين كان منذ بداية صعوده إلى السلطة، خاصة بعد نيله أعلى رتبة عسكرية في البلاد بقرار من قيادة الحزب ومجلس قيادة الثورة ووزارة الدفاع، التي كانت جميعها أحجاراً بيده يحركها كما يهوى ويشاء. هذا المنصب العسكري بالذات، الذي جعله القائد العام للقوات المسلحة راح يضغط عليه ليفرقع النار في داخل حدود البلد وفي خارجه، كي يحرك ذات يوم قطعاته العسكرية داخل العراق وخارجه من أجل أن يرى بأم عينيه كيف ترتجف الأرض الإيرانية والكويتية المجاورة والأرض الكردية والأرض الوطنية المنتفضة عام 1991 جعلها تحت وابل المدافع ترتجف بهياج الطائرات إرضاءً لنفسيته التي يجد ارتياحاً لها وشفاء لأمراضها من خلال النجوم والتيجان الموضوعة على كتفيه والنياشين العسكرية المعلقة على صدره. كانت أجراس الحرب تقرع في عقله للتغلب على عُقده النفسية ، خاصة وأنه كان قد اكتسب عيوناً جديدة لعبت دوراً في العلاقة مع رغبات وإشارات السياسة الأمريكية الراغبة في إشعال (حرب نفطية) بين بلدين متجاورين منتجين للثروة السريعة الاشتعال لكي تكون أبارها ومصباتها زبداً متصاعداً لمدة زادت على ثماني سنوات يؤدي إلى تصاعد أسعارها في السوق العالمية. كانت حرب الخليج الأولى رهبة كبرى قهرت الشعب العراقي وشعوب الخليج كلها في الحرب الخليجية الثانية من دون أن تقهر صدام حسين نفسه، الذي كان همه الأكبر عسكرة حزبه والمجتمع ابتداء من طلاب المدارس الابتدائية وانتهاء بأساتذة الجامعات. ظل صدام حسين طيلة وجوده في السلطة لاعباً بأوراق السياسة وموائد الفساد المالي مثلما يلعب بأوراق الجاسوسية والمخابرات في المجالين العربي والدولي مما جعل نافورات هدر أموال الدولة والشعب تدور وتعلو في هذه الحرب التي خمد تاريخها يوم 8 – 8 – 1988 بمعاناة عنوانها:( لا غالب ولا مغلوب) رغم أن العذاب الحقيقي للشعبين الإيراني والعراقي يؤكد أن الطرفين المتحاربين كانا مغلوبين. المنتصر الوحيد كانت الشركات النفطية الاحتكارية وشركات السلاح الغربية والشرقية رغم أن تلفزيون بغداد وطهران كانا يشدوان بأناشيد الانتصار الكاذب. كان صدام حسين يدفع مختلف أنواع الرشاوى والعمولات للحصول على ( المدفع العملاق والأسلحة الكيماوية وتطوير صواريخ سكود الروسية بأسماء إسلامية) لكنه لم يشاهد أبراج أسلحته مهدمة في كل مكان ولم يشاهد جنود جيشه وسلاحهم المحمول معفرة بتراب حروب الخليج الثلاثة كما لم يأبه لمئات الدبابات والشاحنات والطائرات ساقطة على الأرض هدمتها سنوات الحروب وصارت على طول جبهة الحرب مأوى للديدان والجرذان البرية ولكي تنقل إلى مكبات النفايات الخردة حيث أهدرت مبالغ طائلة وجهود كثيرة . في ذات وقت فجيعة حرب الخليج الأولى كان صدام حسين يفكر ويخطط لاحتلال دولة الكويت ونقل فجيعته إلى شعبها حين عبَرَ بجنوده المساكين المساقين حصى الصحراء الجنوبية لاحتلالها فجر يوم 2 – 8 – 1990 كان من نتيجتها زحف أسلحة حرب الخليج الثانية ضد شعب العراق ثم لطمته حرب الخليج الثالثة، التي أزالت عهدا بشعا في العراق إلى مزبلة التاريخ وضاعت على صدام حسين كل أغنياته العسكرية البشعة التي تدفقت سيناريواتها بأفعال من الوساطة والرشاوى والعمولة . أيان كانت صفقات (البضاعة العسكرية) فأنها ترتدي حتما ثياب (الفساد المالي السري) في غالبية صفقاتها إنْ لم تكن جميعها. من طبيعة صفقات الأسلحة أن اتفاقاتها تجري بغاية السرية وكثيراً ما اقتاتت شركات الأسلحة الغربية أرباحها حتى من بيع (السلاح الفاسد) بالصفقات الفاسدة ولا يمكن نسيان صفقات السلاح البريطانية الفاسدة التي تزود بها الجيش العراقي والجيش المصري في الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى. مثلت منطقة الخليج على مدي العقود الثلاثة الماضية احدي أكثر مناطق العالم من حيث كمّ الحروب التي شاهدتها، والمدي الزمني الطويل لها، وحجم انعكاساتها الدولية والإقليمية، وإلى حد كبير، فقد احتلت مركز الثقل الصراعي في إقليم الشرق الأوسط بشكل عام، على نحو تجاوزت به مركز الثقل التقليدي للصراع العربي - الإسرائيلي.
في العام 2012 - بعد مغادرة قوات الاحتلال الأمريكي واستبدال وجوده المباشر باتفاقية أمنية - ظهرت مجددا عباءة عسكرة المجتمع العراقي رغم أن الشعب العراقي عاش ويعيش منذ عام 2003 حتى الآن تحت زنزانة عسكرية عراقية خالصة تضم مليون مقاتل كان كيانها ملتفا بالوجود العسكري الأمريكي، الذي ما زاد العراق إلا قدرة أولية على التجهيزات العسكرية لمكافحة الخطر العسكري الأول المتمثل في القوة التخريبية للمنظمات الإرهابية السرية المتمثلة في تنظيم القاعدة وحلفائها من بعض فلول نظام صدام حسين وفي بعض الميليشيات السرية الطائفية . هذه التنظيمات كلها تقوم نشاطاتها العسكرية على عمليات تخريب وتهديم بعض البنية التحتية وبعض أبنية دوائر الدولة، كما تدور فعالياتها الأخرى حول ممارسة عمليات قتل المواطنين الأبرياء واغتيال بعض رجال الدولة . يمكن رؤية خرائط سباق التسلح متحركة على رمال الشرق الأوسط منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 لكنها تزايدت واتسعت بعد الحرب العالمية الثانية، كما اتسعت أكثر في استيراد التكنولوجيا لتحديث عسكرة المنطقة بعد حرب الخليج الثالثة. الآن في هذه الأيام بالذات خطط عيانية وتصريحات سياسية من بعض قادة العراق الجديد لتعزيز الجيش العراقي الناشئ بسلاح متطور ومتعدد الأغراض لتسارع خطط سباق التسلح في المنطقة الجارية كلها تحت عنوان واحد : التسلح من أجل (الدفاع عن حدود الوطن) كأنما هذا السباق لا يندرج ضمن إطار الصراع العسكري في منطقة الشرق الأوسط وهو صراع موجود ومستمر منذ القدم وقد تبلور بصورة واضحة وجلية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن العشرين وبعد ظهور الموارد النفطية في الخليج بصفة خاصة، مما جعل ببلوغرافيا المنطقة كلها قائمة على سياسة غربية مركزية لا تنفصل فيها السياسات العسكرية عن السياسات النفطية. لا ادري، وأظن أن كل أحد غيري لا يدري أيضا : هل تتوقع حكومة العراق الجديد أهدافا عسكرية متحركة ضدها مما يجعلها تسرع للدخول إلى ساحة سباق التسلح وصرف مليارات الدولارات على شراء الأسلحة بوقتٍ لا توجد مجاري وبالوعات تصريف مياه (مطرة واحدة) على العاصمة بغداد ..؟ هل تتوقع الحكومة العراقية صبيباً من مطر أسلحة معادية ـ جوية أو أرضية ـ قد تنهمر على حدودها ذات يوم، بينما الدولة العراقية أخذت نصيبها المكتوب لحمايتها ، استراتيجياً، على وفق الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية وهي الاتفاقية الوحيدة في المنطقة تملك تأثيرا كبيرا جدا على البيئة السياسية – العسكرية في الشرق الأوسط ، البيئة ذات الشراكة العميقة مع إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية..؟ لقد تبلورت، الآن ، بصورة أوضح ـ خاصة بعد حرب الخليج الأولى ـ اتجاهات لتعزيز القوات العسكرية في عدد من بلدان المنطقة ( السعودية ، إيران ، تركيا، إسرائيل ). لا شك أن جميع حالات التبلور قائمة على خلافات حادة بين القادة السياسيين في الشرق الأوسط.. كما أن هناك قوى سلطوية دولية تتخذ لنفسها مواقع القوة والتدخل في الشئون الداخلية لبلدان المنطقة ، من خلال قاعدة (فرق تسد) المعروفة ، لضمان السيطرة على جميع طرق التجارة الدولية وفعالياتها في ظروف اقتصاديات (العولمة) ومعطياتها. غني عن التذكير أن جميع أنواع تجارة السلاح، الإستراتيجية والتكتيكية، خضعت منذ زمان بعيد إلى نفوذ وقواعد الوسطاء والتجار السماسرة، وبنيت أغلب صفقاتها على (السرية الكاملة) في التعامل بين أطراف كل صفقة من صفقاتها، معتمدة بالأساس على انتهازية الوسطاء ومصالحهم الذاتية، الأنانية، وتفضيلها على أية مصلحة أخرى. وقد اظهر كل تاريخ تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط والعالم أن الكثير من الشخصيات التجارية والدبلوماسية والسياسية والقنصلية مارست بصورة شخصية غاية في السرية هذا النوع من العمل التجاري المقرون بعمولات ذات نسب عالية، استنادا إلى ما كشفته الكثير من وثائق الدول العظمى والشركات الرأسمالية الكبرى، سُمح بنشرها بعد 25 عاما أو أنها تسربت من مصادرها الأصلية . اذكر منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر : صفقة سلاح شركة أيميس الألمانية إلى سلاح الجو المصري عام 1989 حيث كشفت أسرارها بموجب الوثيقة رقم DL210 A 42. وقبلها وعن نوع آخر من العمولة يتضح في الوثيقة رقم DL2/KOKO/18، المحررة في برلين بتاريخ 15 آب 1984 أنها موجهة من إدارة الجمارك في ألمانيا الديمقراطية إلى السيد ايلسينغ مدير قسم المراقبة في وزارة التجارة الخارجية وهي مكونة من 4 صفحات. وفي وثيقة أخرى حول اليمن في هذا السياق تحمل رقم DL210 A 22 هي رسالة مكونة من صفحتين ومؤرخة في 20 تموز 1988 موجهة من قسم التموين إلى السيدHaedicke يطلب فيها وسائل مالية لممثلي الوفد اليمني. وتقول الوثيقة أنه تم اعتماد وديعة مالية من مستحقات شركة Kind لتغطية مصاريف العلاج الطبي لأعضاء الوفد ( عضوان قياديان في وزارة الدفاع اليمنية ) بقيمة 10 آلاف مارك ألماني غربي. الصفحة الثانية تتضمن قائمة مفصلة لصرف ذلك المبلغ على الإقامة والعلاج. وتقول الرسالة أن أعضاء الوفد طلبوا شراء بعض الأغراض الشخصية. ونظرا للمبلغ المتبقي من الوديعة المالية نطلب الموافقة على شراء الهدايا التي يرغب أعضاء الوفد في شرائها. من وثائق الفساد الألمانية المتعلقة بالعراق تلك التي حررت في برلين بتاريخ 6 تشرين أول أكتوبر 1983 وهي مكونة من 3 صفحات كتب في أعلى يمينها (سري للغاية) موجهة من السيد فيشرت إلى أوليش وهي تقول في خاتمتها : من خلال الاتفاقية 142 المبرمة مع العراق أنه من الضروري دفع مبلغ مالي بقيمة 2% من إجمالي القيمة إلى وسيط يدعى Jalla Jaffa . والمؤسسة لا تتحفظ على توصية بهذا الشأن. تعتبر فضيحة ( إيران ـ كونترا) من أبرز القضايا التي تعكس الفارق الشاسع بين مدى اهتمام الغرب الشديد بقضايا الفساد وما يحدث لدينا من حالة قد تشبه عدم الاكتراث بها، مع أن هذه الفضيحة تمس منطقتنا بشكل مباشر رغم ارتباطها بمناطق أخرى تقع على الجانب الآخر من المحيط. هناك المئات من الوثائق التي أطلقها الأرشيف البريطاني والأمريكي تشير إلى الدور السري الذي لعبه السمسار المليونير السعودي (خاشقجي) الذي لعب دورا كبير في انعقاد الصفقات السرية في عمليات التسلح السعودي والإيراني والإسرائيلي أيضا لقاء عمولات هي الكبرى في العمل التجاري ـ العسكري كله. منذ تلك الفترة ظهرت مكاتب وساطة جديدة متعددة الجنسيات في لبنان والخليج وصربيا ومصر وغيرها في أماكن متعددة لا يستبعد منها العراق للاتجار بالسلاح من مناشيء عالمية متعددة بحيث صار من الصعب التصديق بخلو هذا النوع السري من التجارة يخلو من التعامل الفاسد. باختصار يمكن القول أن الصناعة العسكرية في كل البلدان الرأسمالية ومثيلتها في روسيا أكثر احتياجا لتصريف إنتاجها من (السلع العسكرية) لأن هذه (السلع) ليست من نوع السلع العامة، التي تستهلك يوميا.كما أنها ليست من نوع السلع الاستهلاكية التي يشتريها كل إنسان، بل هي من نوع السلع الاحتكارية التي يتحكم بأسعارها المنتج نفسه بصفتها حاجات مستعجلة متعلقة بظروف حربية أو باستعداد لها. لذلك فأن أصحاب الرأسمال العسكري يقدمون أقصى العمولات لتسويق سلعهم وهم لا يترددون في رفع أسعار البيع أضعافاً لتحقيق الموازنة بين (التكاليف العامة) و (المنفعة الخاصة) التي هي بكل الأحوال لصالح محتكر الأسلحة في استغلال المحتاج إليها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء العراقي موضع السؤال عن العدالة ..
-
حوار مع الرئيس جورج بوش الابن ..!
-
أفلام الرعب من أخراج الشيخ صباح الساعدي..!
-
عالية نصيف لا تملك الحاسة السادسة ..!!
-
اضطراب عصبي في مجلس النواب العراقي..!
-
كوكب حمزة يبحث عن قيم الحرية
-
شيء عن بدر شاكر السياب لم يكتمل بعد..
-
ليس بالسياسة وحدها يحيا الإنسان ..!
-
طبائع الفساد و الفاسدين
-
أجمل ما في بلادنا حرية اللصوص..!
-
تأبط شراً ..ّ وتأبطوا شراً .. !
-
الأحلام والديمقراطية
-
تمثلات الاستبداد والتوليتاريا في روايات جورج أورويل
-
عن نظرية : خلي بالك من زوزو..!
-
الله والديمقراطية
-
هذا الفيلم لا يسيء إلا لمنتجيه..
-
دولت رئيس الوزراء يعتذر لاتحاد الأدباء ..!
-
يا اتحاد الأدباء: لقد وسِّد الحال لأهل الظلام فارتقبوا الساع
...
-
مرة أخرى أمام القاضي السيد مدحت المحمود..
-
الديمقراطية والطغيان
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|