|
لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 3993 - 2013 / 2 / 4 - 21:38
المحور:
مقابلات و حوارات
وتحسست جيبي وأخرجت الظرف المطوي المحتوي على الرسالة التي استلمتها منذ يومين لأتأكد من الكلمات الأخيرة " إذا كنت في الزمان والمكان المحدد أعلاه، فإن الله سيكون حاضرا وسيجيب على كل تساؤلاتك وباللغة التي تختارها" وضعت الرسالة في جيبي وأخرجت كراستي، وبدأت في كتابة السؤال الأول : - أولا وقبل كل شئ أريد أن أشكرك على تقبل دعوتي لهذه المقابلة وتفضلك للإجابة على بعض الأسئلة التي تهمني وتهم قراء هذه الصحيفة. وسوف لن أستعمل معك أسلوب المجاملات الذي تعودنا عليه مع الشخصيات المدنية، لن أستعمل معك ألفاظ الجلالة وألقاب التنزيه والأسماء الحسنى وبقية القائمة، وكمقدمة وقبل الدخول في صلب الموضوع، ما هو رأيك في الإشاعات المتواترة منذ زمن الآن من قبل بعض المثقفين عن موتك أو انتحارك أو على الأقل تقاعدك أواستقالتك عن مهمتك المفترضة في إدارة العالم؟ - حقا لا داعي للمجاملات والمنمنمات اللفظية فكل ذلك مجرد تضييع للوقت. أما بخصوص كل هذا اللغط وكل هذه الأخبار والإشاعات التي تروجها دور النشر، فلا يغيب على بال أحد أن هدفها الأول والوحيد هو إزدياد مبيعات هذه المطبوعات، وهو الهدف أيضا من هذه المقابلة، كما ذكرت أنت نفسك في البداية. إن إسمي يباع جيدا ليس في هذا الوقت بالذات ولكن منذ عدة قرون، وعليه فإن هذه الإشاعات يمكن أن تكون كلها صحيحة من ناحية ، حيث إنني لا أتحمل ولا أمارس أية مسؤولية مهما كان نوعها لما تقومون به على هذه الأرض، ومن ناحية أخرى الإعلان عن موت الله أو إنتحاره هو مجرد لغو وكلام فارغ من المعنى. فهؤلاء المفكرون والفلاسفة والصحفيون والشيوخ والفقهاء وأصحاب العلم عينوني مسؤولا عن إدارة العالم بدون استشارتي وبدون موافقتي بل وضد إرادتي. لنفترض إنني خلقت العالم - الفرضية لتسهيل الحوار ـ كما هو، كاملا ونهائيا فإنني بطبيعة الحال لن أعدله ولا أريد تعديله، وإلا لخلقته منذ البداية بطريقة مغايرة. إنه يسير بطريقة منتظمة ويقينية - كالساعة السويسرية - ليس هناك فيه أي خلل ولا يحتاج لقطع غيار ولذلك فهو لا يحتاج لا إلى مهندس لتشغيله ولا لمدير لإدارته، العالم هو كما هو ويدور كما ينبغي أن يدور. إن كنت حيا أو ميتا، موجودا أو غير موجود إن هذا لن يغير ذرة واحدة في الكون من مدارها.الكل يعرف اليوم أن الشمس نجم له حياة محدودة وأنه سيختفي ذات يوم وأن الأرض ومن عليها سيختفون معه ورغم أن ذلك قد يأخد عدة ملايين من السنين فإن ذلك لا يمكن أن ينقص من هذه الحقيقة. إن مصدر هذه الإشاعات كما يبدو، ناتج عن الخلل الذي طرأ على الأنظمة الإجتماعية التي ابتدعها الإنسان، هذا الخلل الذي أدى إلى الحروب والمجاعات والجرائم السياسية واستعباد البشر دفع بعض المثقفين والمفكرين إلى القول بأن هذه الكوارث مصدرها غيابي عن العالم واستقالتي وأحيانا موتي حسب البعض منهم، في غياب الله "كل شئ مسموح" أي أنهم يضعون مسؤولية فشل المشروع الإنساني على أكتافي. وبطبيعة الحال إذا كان الإنسان غير قادر على تنظيم حياته وعلاقاته الإجتماعية بدون وجود قوة عليا تخيفه فهذه مشكلته وهو موضوع آخر ولا يدخل ضمن اختصاصاتي والتي هي في الواقع جد محدودة. - سؤالي الثاني يتعلق مباشرة بهذه الإختصاصات "الجد محدودة" وهو رأيك في نظام الأديان عموما، والأديان السماوية بالذات والتي تعنيك بالدرجة الأولى، حيث أنها تعرف نفسها باعتبارها صادرة عن إرادتك مباشرة؟ - الإنسان منذ البدايات الأولى لوجوده ومنذ خطواته الأولى على ظهر البسيطة بدأ في بناء تكوينات عقلية وخيالية لتحتوي القوانين والعلل والأسباب التي وراء الحوادث. الإنسان ابتدع القصص الدينية لينظم حياته الإجتماعية أولا والروحية ثانيا، وهو أمر يبدو لا مفر منه لولا أن مصدر هذه الأساطير ليس الإرادة الجماعية لمجتمع أو آخر، وإنما في أغلب الأحيان الإرادة المحدودة للطبقة الحاكمة ولطبقة رجال الدين الذين يخدمون هذه الطبقة. ومع مرور الوقت استقلت الأديان عن مصادرها وأصبحت منظومات ايديولوجية تفسر العالم ووجوده وعلاقات الإنسان بهذا العالم، وفي نفس الوقت تكونت المؤسسات الدينية المتعددة التي تستغل هذه الأيديولوجيات وتستعملها لفرض سلطتها ورؤيتها على بقية االناس. وهذا كله أمر طبيعي ولا خطر منه على البشر لو لم يجعلوا "الله" مركزا لهذه المنظومة ويدخلوني عنوة في هذه القصة. فالإنسان كائن إجتماعي عاقل وله وعي يمكنه من إستقراء الحوادث وتنظيمها وتفسيرها، ومهما يكن النظام الذي يختاره لتنظيم حياته وتفسير الأشياء التي حوله، فإن ذلك يظل ضمن المحاولات البشرية لمواصلة المعرفة وتسهيل حياته وجعلها أقل مللا وأقل عبثية، أي إعطاء معنى لوجود الإنسان. ولا شك أن الخطأ المميت للأديان عموما والسماوية بالذات هو الإدعاء بأنها صادرة مباشرة عن الله، وهذا في حقيقة الأمر "غش" صريح وواضح كعين الشمس بالإضافة إلى تناقضه العميق مع مقولات هذه الأديان ذاتها وتعريفها للذات الإلهية. الأديان خلقت إلها خرافيا على نموذج الإنسان المثالي، إله في منتهى القوة والجبروت والتسلط، مطلق القوة والعلم والحكمة، يكافئ ويعاقب ويجازئ وينتقم ويعاقب، مثله مثل قاض في محكمة كونية، وهذا في حد ذاته " كفر" بالله الذي هو متعال عن كل هذه الإهتمامات الأرضية والإنسانية المزرية ومنزه عن هذه المقولات المادية. - إذا كانت الأديان مجرد خرافات وقصص قديمة، وإله هذه الأديان مجرد "سوبرمان"، فهناك على الأقل الرسل والأنبياء الذين يحاولون في كل مرة إرجاع الأمور إلى نصابها وتعديل ممارسات البشر الدينية والدنيوية، فما هو رأيك في هؤلاء الأنبياء؟ - الإنسان كما قلت سابقا كائن عاقل وقابل للتطور وله وعي يمكنه من تفسير العالم وتغييره دون الرجوع إلي، لأنني في نهاية الأمر ككائن متعال ومطلق لا يمكنني الإهتمام بهذه المخلوقات الضئيلة المزعجة وتنظيم حياتها. فالإنسان رغم إمكانياته العقلية والإجتماعية فإنه يظل مجرد حشرة نملية ضئيلة ولا ضرورة لها، دابة بين بقية الدواب فلماذا الإهتمام بهم أكثر من غيرهم؟ السبب في غاية البساطة، هذا الإنسان خلقني على صورته، ثم قلب المعادلة وأدعى بأنني خلقت الإنسان على صورتي، وكان لا بد من وجود وسيلة لإيصال هذه الفكرة أو الرسالة إلى البشر، فكانت فكرة النبوة والمرسلين أو سعاة البريد الذين يحملون رسائلي إلى الناس بلغات مختلفة. الفكرة جيدة وإنسانية، غير أنه لا يجب المبالغة، فصفاتي وكينونتي تمنع علي البشرالإتصال المباشر بالله، فيجب على النبي إذا أن يكون مخلوقا خارقا للعادة بدوره، وبالتالي أضطر الإنسان لخلق شخصية أخرى مقدسة تربط بين الله والبشر وهم الأنبياء القادرين وحدهم على سماع ما يقوله الله. غير أن الله بقدراته اللانهائية قادر بالإتصال بالبشر دون الحاجة إلى وسيط أو مترجم، فإرسال ساعي بريد ليحمل رسالتي للبشرية هو نوع من الإعتراف بعجزي عن إيصال ما أريد للبشر واحدا واحدا وبطريقة مباشرة. الأنبياء والرسل هم مصلحون وقادة سياسيون أرادو النهوض بمجتمعاتهم وتطويرها وإرساء قواعد وقوانين إجتماعية وأخلاقية جديدة واستعملوا لغة العصر الذي يعيشون فيه. ولا أحد يستطيع اليوم أن يتقبل الفكرة القائلة بأنني خلقت البشر ليعبدوني، إنها فكرة وثنية ولا أساس لها من الصحة، فالله ليس إقطاعيا يمتلك ملايين العبيد، فأنا لا أحتاج للبشر ولا أحتاج لضجيجهم المزعج، هؤلاء الذين يقضون جل وقتهم في الصلاة والإبتهال وقراءة الأشعار الرديئة، كنت أفضل أن يقوموا بأعمال أكثر فائدة للبشرية ومستقبل العالم. في العالم القديم، الأمور كانت أكثر وضوحا، الآلهة كانت متعددة ومنظمة مثل البشر في عائلات وقبائل ولكل مهمته المحددة، هناك الآلهة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، هناك الآلهة التي تنام طوال اليوم وتقيم الحفلات والولائم وهناك الآلهة الشغيلة التي لا تكف عن الكد والعمل لتوفير ما يريده الآلهة العظام، حتى قررت هذه البروليتاريا الإلهية ذات يوم الثورة وإعلان إضراب عام عن العمل، وبعد مناورات عديدة ومفاوضات طويلة توصلت الآلهة إلى حل يرضي الجميع وهو "صناعة" مخلوق جديد يقوم بالعمل محل هذه الآلهة المنهكة، وهكذا خلقت الآلهة هذا المخلوق الفاني ليقوم بالأعمال الشاقة، يزرع الأرض ويرعى القطعان ويصنع الخبز والنبيذ. غير أن الآلهة واجهتها مشكلة جديدة، فهذا الإنسان انتشر في الأرض وتكاثر شعوبا وقبائل وكان ضجيجهم مزعجا لدرجة تمنع كبيرالآلهة من النوم، وفي النهاية قرر بكل بساطة التخلص نهائيا من هذا المخلوق وذلك بإغراقه في طوفان عظيم. واليوم رغم أن البشر تخلصوا من بقية الآلهة وبقيت وحيدا عظيما ولا إله غيري، إلا أنهم أضافوا شخصيات الأنبياء كوسيط بيني وبينهم لتسهيل الأمور كما يبدو وإضفاء صيغة إنسانية مفهومة من الجميع.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقاء مع الله .. الحلقة الرابعة
-
لقاء مع الله .. الحلقة الأولى
-
لقاء مع الله .. الحلقة الثانية
-
ليبيا: الثورة المسروقة .. مرة ثانية
-
ليبيا: الثورة المسروقة
-
بوادر هزيمة الثورة اللبية
-
العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة
-
العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثانية
-
العدمية وأسطورة الكينونة
-
كوكا كولا... إشكالية المثقف
-
سفر العدم والجنون
-
الخيال
-
الخطوة الأولى لفك الحصار... تسريح الجيوش
-
الوعي المحاصر
-
الله والشاعر والفيلسوف
-
عن الأسرة والكراسي
-
طبيعة الكارثة
-
مناورات لفك الحصا ر
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|