|
كيف تقضي على الإسلام في 5 أيام بدون أوهام
يوسف ابو شريف
الحوار المتمدن-العدد: 3993 - 2013 / 2 / 4 - 20:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في حيي العشوائي، وفي مدينتي العشوائية التي تقع في بلدي العشوائي، مجرمون عشوائيون غالبا ما يرتكبون جرائم عشوائية. وهؤلاء يحتاجون إلى عقود من التطور حتى يصلوا إلى ما يسمى بالجريمة المنظمة على غرار من سبقوهم في البلاد المتقدمة. فالجريمة المنظمة في الدول المنظمة تحتاج إلى عقل يدبرها و سلطة تحميها ، أما في بلادي فتهاجر العقول المدبرة ، ولا تحتاج السلطة إلى أن تحمي مجرمين من خارجها لأن الإجرام هو السلطة وهو القانون. وما يسمى بالجريمة المنظمة في البلاد الأخرى هو عندنا جريمة نظامية ، محمودة الوقوع أمينة العواقب، أو جريمة مقننة لا يستطيع أشرف قاض تجريمها حتى لو أراد. وبعيدا عن السياسة فإن المجرمين في بلدي يسمون (زعرانا) ، وهم غالبا ما يكونون شبابا صغار السن يبحثون عن اعتراف ما من المجتمع بهم بعد أن تتوالى إخفاقاتهم في الحياة، ويعجزون عن امتلاك مقومات النهوض الذاتي؛ ( فشل في التعليم ،وفشل مهني ، وفشل في العلاقات الاجتماعية)ـ أما جرائمهم فهي صغيرة مثلهم وغالبا ما تكون سرقة دكان أو شقة، أو الاعتداء بالضرب على الناس، أو التحرش بفتاة مارة. و لأن التخطيط لأفعالهم يكون عفوياً بل غبيا ومكشوفا فإن ذلك يسهل في معظم الأحيان من اكتشاف جرائمهم والقبض عليهم من قبل السلطات، وهذه هي قلة التنظيم الوحيدة التي نحمد الله على وجودها في مجتمعنا ولا يحمد على مكروه سواه. في بيئة الانحراف تلك يعيش قانون غريب عجيب إسمه قانون (التعليم) ، ولمن ظنوا للوهلة الأولى بأن قانون التعليم أصله من (علم يعلم وتعلم فهو عالم طالب للعلم) أستبيحهم عذرا بأني سأخيب ظنهم هذه المرة، لأن أصل الكلمة هنا هي: ــ ( ضرب فلان فلانا على وجهه بآلة حادة فترك في وجهه علامة ، فصار الضارب معلما (بكسر اللام) على المضروب، وصار المضروب معلما عليه (بفتحها)ـ وصاراسم العملية برمتها(تعليم) مأخوذة من من العلامة التي على الوجه وليس من العلم الذي تحت الجمجمة. أما تفاصيل القانون فيقول بأن النكرات في عالم الإجرام الذين لا سمعة إجرامية لديهم ، ولا ترقى جرائمهم إلى أن تؤهلهم للوقوف في الصف الأول الإجرامي يلجأؤن لاكتساب سمعة طيبة، أقصد (سمعة قذرة) في محيطهم بأقصرطريقة وأسرع زمن وأقل كلفة، وذلك بالبحث عن مجرم عتيد معروف في عالم الإجرام وضربه بالسكين على وجهه، ثم ترك ندبة أو (علامة) لا تمحى هناك. ثم يشيع الخبر بعد ذلك في الوسط الإجرامي، وينادي مناد على الملأ بأن فلانا الذي كان بالأمس نكرة في العالم السفلي قد (علّم) المجرم العتيد أبا فلان. فيكبر شأن المجرم الصغير في الوسط الإجرامي، ويصبح بين ليلة وضحاها من مشاهير المجرمين ويتكاثر المعجبون به والحاسدون له كما يتكاثر الذباب في بيت القاذورات، وتفرش له أرضية السجن بالأسفنج الوثير الخالي من البق دون أن يبذل البطل الكرتوني في ذلك مجهودا كبيرا. والتعليم هنا لايحصل غالبا بسبب حق مسلوب أو كرامة مهدورة، أو خلاف على غنيمة منهوبة، بل يكون بهدف الشهرة لاغير، وهذا يعني أن معظم عمليات التعليم التي تحصل بين هؤلاء لا ثأر بين طرفيها ولا حق يؤخذ، بل وتحصل أحيانا دون سابق معرفة بين الضارب والمضروب . وهناك شيء آخر يمكن قوله في قانون التعليم الغريب ذاك، بأن شهرة الضارب تزيد، ومكانته الإجرامية ترتفع كلما زادت مكانة المضروب الأجرامية. وعلى ذلك يصبح الضارب نجما من نجوم (الزعرنة) إذا تمكن من (تعليم) (البيغ بوس) أو أكبر رأس في المدينة. ثم لا يلبث أن ينقضي وقت قصيرعلى ذلك المعلم الجديد حتى يصبح هو نفسه هدفا للسعاة إلى الشهرة الإجرامية ـ ربما سيتساءل أحدكم الآن :ـ ـ ما الذي يريد قوله هذا الثرثار ، وما يهمنا نحن المثقفون والعلماء والنخب من أمر هؤلاء المجرمين وقوانينهم؟!!! لكل من ملّ الانتظار ويستعجل الجواب أقول بكل أسف بأن ذلك القانون الذي اخترعه المجرمون وأصحاب السوابق ذات يوم يستخدم اليوم على نطاق واسع في عالم الأدب والثقافة الشرقيين. فالنكرات في عالم الأدب والعلم والمعرفة تلمسوا أنفسهم بعد طول فشل وخيبة فوجدوا أن مواهبهم معدومة، وقدراتهم ملجومة،وعقولهم فاسدة، وبضاعتهم كاسدة ، فقرروا أن يبحثوا عن الرأس الأكبر في المجتمع الشرقي ليعلموه كما يعلم الزعران من مواطنيهم وجوه زملائهم. وما عسى (البيغ بوس) أن يكون في هذا الشرق إلاّ محمدا ودينه. ليس هناك في شرقنا هدفا أسهل وأفضل من الإسلام للحصول على الشهرة (بتعليمه). فأتباعه كثر، لو أن كل واحد منهم صاح صيحة ضد المعتدي لامتلأت الأرض باسمه وهو النكرة ، وهم على أتم الاستعداد للردح وشق الجيوب، بل بالتهديد والوعيد وإحراق الأعلام، ودهن الوجوه (بالشحار والسخام). وهذا كله يعطي (الأزعر الثقافي) زخما بطوليا، حيث تزيد شهرته الشيطانية عند أعدائه وشهرته الثورية عند رفاقه. ويحمل عديم الموهبة على أكتاف البسطاء ككاتب عصره وثائر زمانه، ويقدم له لقب العبقري والثائر الشجاع على طبق من الفضة دون أن يحمل من صفات الكتابة والعبقرية أو شجاعة الثوار الحقيقية شيء. فتمعنوا أيها الرفاق النخبويين أي حضيض وصلت إليه ثقافتنا، وتنويرنا حين يكون (الزعران) هم صانعو أساليبنا وقدواتنا في التعامل مع محيطنا. وعندما يصبح هؤلاء حملة مشاعل تقدمكم وثقافتكم.
مرت مظاهرة تندد بالرسوم المسيئة للإسلام من جانب عملي، ووقفت مع زميلي الأوروبي نتفرج على الحشود الغاضبة المزمجرة التي ملأت الشارع في ذلك اليوم. سألني زميلي وكأنه أراد استفزازي بسؤاله المزين بابتسامة هادئة : ــ لماذا لا تتظاهر معهم ، ألست من أصول إسلامية والأمر يعنيك؟! قلت له: ـ يا عزيزي ميشائيل، هؤلاء الغوغاء لا يفعلون شيئا بمظاهراتهم سوى أنهم يزيدون من شهرة من يتظاهرون ضدهم، ويرفعونهم إلى مكان لا يحلمون الوصول إليه في وضع طبيعي، حتى لو قضوا عمرا في حضيضهم المعرفي والفني الذي كان قبل ذلك قدرهم إلى الممات. هؤلاء المتظاهرون لن ينجحوا سوى بزيادة أكوام المال في جيوب خصومهم، فيدعمونهم وهم يظنون جهلا بأنهم يفعلون خيرا لأنفسهم ولدينهم.ـ رسامون نكرات، ومجلة نكرة ، تصبح في يوم وليلة الأشهر في العالم بسبب غضب هؤلاء وقلة تعقلهم، وأنا أعرف بأنهم لن يوقفوا أحدا عن الرسم، ولن يقتلوا أحدا أو ينتقموا كما يهددون. كل ما سينتج عن حفلتهم الغاضبة اليوم هو أنهم سيشجعون بغضبهم كل نكرة ليحاول تسلق سلم الشهرة على أكتافهم ويرتفع على جناح غضبهم . يا عزيزي ميشائيل، سيأتي يوم على هؤلاء الرسامين ومجلتهم وسيمحون فيه من ذاكرة تاريخ محيطهم القريب. وهذا اليوم أقرب مما تظن. عندها لن تستفيد منهم هذه الأرض في شيء سوى أنهم سيتحولون الى مواد عضوية يغذون التربة من حولهم كما يفعل روث البقر، بل وإن الدنمارك نفسها ستكون إسما منسيا في يوم من أيام التاريخ القادم، ولن يتذكر أحفاد هؤلاء الرسامين بأن أحدا ما قد رسم، أو أن آخرا قد تظاهر ضد رسمه، أو أن الحادثة قد وقعت في بلد ما كانت تسمى بالدنمارك. أما محمد والمسيح وموسى فهي أسماء وجدت على هذه الارض لتبقى ما بقيت الشمس ولن تمحى إلاّ إذا محيت الشمس نفسها. فأي غبار تاريخي ذاك الذي تدعوني لمحاربته بخروجي في مظاهرة؟! لأجعل من نفسي مطيّة للنكرات يسرعون على ظهري إلى عالم الشهرة. خاتمة:ـ إلى كتّاب الشرق ومثقفيه ونخبته، (وضعوا تحت نخبته ألف خط بكل الألوان) ألا تلاحظون بأن الثقافة الشرقية ، أصبحت اليوم كالمقبرة ؟ ساكنة لا تدب فيها الحياة الاّ إذا جاءتها جثة لتدفن، فتزيد اللطامات من حركة الحياة في المقبرة الميتة لدقائق معدودة، حتى ينتهي الدفن ثم تعود المقبرة إلى صمتها حين يغيب الأموات، وتتورم خدود اللطامات. عليكم أن تختاروا اليوم ، إما أن تكونوا مثقفين تحملون رسالة أو أن تبقوا لطامات جنائز تبحثون عن (جنازة تشبعون فيها لطما).
أعتذر في النهاية لكل من دخل ليقرأ الموضوع بناءً على العنوان ولم يجد ما يسره كما كان متوقعا ...(هذه أيضا حركة ((((زعرنة)))) مني)ـ
#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمى الوان
-
حياة جديدة من رواية طين بلادي رواية لم تنشر بعد
-
رائحة ابطي بين المشوي والمحشي
-
أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|