|
لا عقل مع العزة والكرامة
سلام مكي
الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 21:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا عقل مع العزة والكرامة سلام مكي ما مرّ على أوربا قبل أن ينالها التنوير، كان أكثر بؤسا، وخرابا، وتعصبا مما يمر به العراق، لكنها، استطاعت في النهاية أن تنتصر. لكن، على من؟ وبمن انتصرت؟ أوربا لم تكن عدوةً لسوى عبدة التعصب واللاهوت والخرافة. حين كانت هذه الأنساق مهيمنةً على الذهنية الغربية، كان الفرد الأوربي عبدا لرجل الدين، وحليفه الحاكم. لكن بفضل ديكارت، ومن بعده سبينوزا وديدرو وفولتير وغيرهم، استطاعت أوربا أن تتخلص من عبوديتها للجهل والتعصب. العراق اليوم لا يحتاج الى الكثير حتى يتخلص من أدرانه المزمنة. العراق يحتاج الى مثقفين حقيقيين، يدعون الناس الى استثمار الهبة العظيمة التي وهبها لهم الله: العقل. ذلك الكائن المغيب عن العراقيين جميعهم، المركون على رفوف الانتظار والدهشة. نعم، من الممكن أن يغيب العقل، حين تكون الظروف استثنائية، معقدة. لكن الى متى؟ ثم ان هذه الظروف لا يمكن أن ترجع طبيعية دون أن يُستخدم العقل ولو من قبل أشخاصٍ محدودين يمكنهم ان يشغلوا حيزا في الفراغ المفزع! وإلا، ما معنى أن المتظاهرين لا يزالون منقادين الى حفنة من رجال الدين والقبليين الذين لا يجيدون التحدث بلغة سليمة ولا يعرفون من الكلام سوى مفردات الإقصاء والإغواء والوعيد بحق المخالف والمختلف معهم. الجماهير لا بد أن تقاد، لكن من يقودها؟ رجل الدين؟ لا يمكن لمن يحمل أفقا ضيقا، وتفكيره إن لم يكن صدأً، فهو مشغول بأوهام أو أحلام كان أسلافهم الأقدمون يحلمون بها ولم تتحقق. لا يمكن لحرّاس العقائد والأوهام أن يقودوا الجماهير المتعطشة للحرية والحياة. رجل الدين، نعم، يمكنه توفير حياة، لكن ضمن أفقه ووفق محدودية تفكيره، وما يراها مناسبة وحقّة. رجل الدين يتصور نفسه حامي الحقيقة وراعيها، بينما الجماهير بعشراتها والوفها تملك حقيقةً تختلف عن الحقيقة التي يملكها رجل الدين. الجماهير لديها أفاق أوسع من أفق رجل الدين، وتطلعات أكبر ، لا تنتهِ بفكرة أو عقيدة. بينما لرجل الدين دائرة رسمتها أوهام أسلافه واعتبرت حدودها خطوط حمر لا ينبغي لأحد يتجاوزها، وإلا؟ فجهنم مأوى المتجاوزين! ثم ان لرجل الدين وظيفة معينة حددها دستور أو قانون رجل الدين، وميدان هذه الوظيفة هو المسجد أو النوادي الاجتماعية التي لها توجهات مشابهة ومتطابقة مع توجهات المؤسسة الدينية التي ينتمي اليها رجل الدين، يمارس في هذا الميدان وظيفة الوعظ والنصح والتوجيه والتذكير بالآخرة. أما الميادين الأخرى فلها من يقودها وينوب عن الجماهير فيها. لكن المشكلة تكمن في إن رجل الدين يتصور نفسه وصيا على كل شيء! ومهنته صالحة لكل ميدان وزمان، متناسيا إن سيادته على المجتمع وتحالفه مع السلطة كانت نتيجة للفراغ الفكري والسياسي لا أكثر. فاليوم ثمة المثقف والأكاديمي اللذان انتزعا عقول الناس من براثن رجال الدين، وأطلقوا العنان للتفكير والتفكيك والنقد. واليوم، وبعد أن قطعت النخبة أشواطا في بث الوعي، وتعددت الوسائل والاتصالات ومحركات البحث، التي من شأنها كشف الحقيقة أو تلمس الطرق التي تؤدي اليها، لا زال الكثير منقادا الى رجال الدين، لازال مسيطرا على العاطفة، ونائبا عن العقل، لا يسمح للآخرين بالتفكير والآخرون لا يفكرون بأن عليهم أن يفكروا بعقولهم لا بعقول رجال الدين، فحين تتحول وظيفة رجل الدين من واعظ الى خطيب، يمتهن المنابر ويحفظ الأشعار التي تلهب حماسة الجماهير، فإنه سيسيء الى الدين أولا، ثم الى الجماهير التي تنظر الى الحروف التي يطلقها فمه لتردد بعدها: الله أكبر! عجبا! ما علاقة الله بما يقوله رجل الدين؟ السؤال الذي يتردد: لماذا يبرز رجل الدين في الأزمات؟ لماذا يكون في الصدارة حين يتقهقر النظام؟ لماذا يعمد الى لغة التهديد والوعيد في خطاباته، بينما يعتمد أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة حين يستتب النظام؟ نفس الوجوه التي تلتف حوله في وقت الفوضى، تتخلى عنه في النظام. الغريب أن الكل يختفي حين يبرز رجل الدين، لا المثقف ولا حتى السياسي، رغم ان الأخير حليف له ويشاركه في الهيمنة. نسأل مرة أخرى: أين المثقف من كل هذا؟ لماذا لا يقول: لا لرجل الدين؟ لماذا يتخلى عن موقعه ولا يمارس وظيفته التي يدعيها؟ المثقف حين يخطب فهو يدعو الى العقل والحرية، انه يوقد التفكير في عقول الناس ومن ثم يتركها بعكس رجل الدين الذي يحاول جعل كل العقول مطفأة لكي لا يرى سوى عقله. المثقف يبلور الحقيقة في عقله، ثم يطرحها للناس ليختاروا من أي طرف يمسكون، بينما رجل الدين يحشو حقيقته الجاهزة في العقول والويل ثم الويل لمن يمتنع! كل هذا والناس الذين يدعون العزة والكرامة، كالأموات في دكات المغتسل، يقلبهم رجال الدين كيفما يشاؤون، ولا أمل بأن يفكروا. بأن كرامتهم المزعومة لا تتقاطع مع العقل، فبإمكانهم المطالبة بالعزة مع احتفاظهم بعقلهم.
#سلام_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|