أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سنان أحمد حقّي - (كتاب الفاشوش ) من عرض وتقديم شوقي ضيف..!















المزيد.....


(كتاب الفاشوش ) من عرض وتقديم شوقي ضيف..!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 19:55
المحور: كتابات ساخرة
    



(كتاب الفاشوش ) من عرض وتقديم شوقي ضيف..!
إختاره وأخرجه سنان أحمد حقّي
عثرت في أحد أعداد مجلة الكاتب المصري ( عدد نوفمبر عام 1946 )مقالا للأستاذ الدكتور شوقي ضيف حين لم يكن دكتورا ولا أستاذا يستعرض فيه ويُقدّم لكتاب (الفاشوش ) الذي وضعه ابن مماتي في الحقبة الأيوبيّة ، والأستاذ الدكتور شوقي ضيف كاتب وأديب ولغويٌّ معروف له عدة مؤلفات مشهورة في الأدب والنقد واللغة وكان قد تولّى رئاسة المجمع العلمي المصري حتّى وفاته عام 2005 وهو مجمع علمي نشيط وله شهرة واسعة كما أنه كان عضوا في عدد من المجامع العلمية العربيّة مثل المجمع العلمي في دمشق وبغداد وغيرها وقد كان قد حاز على جائزة الدولة التقديريّة في مصر وحاز على جوائز مماثلة من دول أخرى كالمملكة العربيّة السعوديّة ودول عربية وخليجيّة أخرى .
اقدّم عرض وتقديم الدكتور شوقي ضيف لقرائنا الأفاضل للإطلاع على نوع من الأدب الساخر في الحقبة الأيوبيّة ولكي نعرض للقارئ الكريم أيضا أسلوب الدكتور شوقي ضيف يوم لم يكن قد بلغ ما بلغ من مكانة أدبيّة مع أنه يكتب بلغة فريدة ما كانت لتمر على رئيس تحرير مجلة الكاتب وهو الدكتور طه حسين لولا أنه إستساغها وأجاز نشرها
كتاب الفاشوش في حكم قراقوش لابن مماتي
بقلم : شوقي ضيف ( 1910 ــ 2005 )
هذا الكتاب أقدم الكتب الفكهة في تاريخ مصر العربيّة ، وقد الّفه ابن مماتي صاحب ديوان الجيش والمال و لعهد صلاح الدين ،أو كما نقول نحن الآن وزير الماليّة والحربيّة وكان آباؤه من نصارى أسيوط نزحوا إلى القاهرة في عهد الفاطميين واتصلوا بهم وفوّضوا إليهم كثيرا من شؤونهم وأعمالهم فلما قدم صلاح الدين وعمّهُ أسدُ الدين شيركوه من قبل نور الدين ، وأصبح إليهما أمرُ مصر إضطهدا موظفي الدولة من القبط ، واضطُرّت أسرة إبن مماتي تحت تأثير هذا الإضطهاد أن تُسلم حتّى تحتفظ بمكانتها في الدولة ، واستقامَ لها ذلك ؛ فإن صلاح الدين قرّب منه المهذّب مماتي ، وجعله قيّما على ديوان الجيش ، فلما توفي خلفه ابنه على عمله ، ثم أُسندت له الشؤون الماليّة فأحسن تدبيرها وتصريفها.
وقد اشتُهر ابن مماتي في عصرهِ بسرعة البديهيّةِ واللذعِ في النادرة. يقول ياقوت عنه في كتابه (معجم الأدباء): إنه كان ذا خاطرٍ وقّادٍ مسارع. ويقول أيضا : إن له نوادر حسنةٌ حادّة، وقد تعلّقت هذه الشخصيّة الفكهة بشخصيّةٍ أخرى عاصرتها هي شخصيّة قراقوش التركي أحد قوّاد صلاح الدين وأصفيائه ، وكان فيهِ ــ على ما يظهر ــ شئٌ من الغباء والغفلةِ والشدّةِ والقسوة ، ومع ذلك كان صلاح الدين يُسلم إليه مقاليد مصر حين يغيب عنها في حروبه الصليبيّة ، وهو الذي قام على بناء قلعة الجبل المعروفة بقلعة صلاح الدين. ويُحدّثنا الرواة أن صلاح الدين كان يُشرك معه بعض أولاده في إدارة مصر أثناء غيبته ، لما يعلم من عدم فطنته ونباهته . ولكن حدث ذات مرّة أن ترك له حكم مصر منفردا فتشوّش عليه الأمر، وأتى في حكوماته بين الناس من الحمق والغفلة ما جعل أكبر كاتب فكهٍ لعصره وهو ابن مماتي يضع عليهِ الحكاياتِ المضحكة وقد نسقها في الكتاب الذي نحن بصدده الآن وسمّاه هذا الإسم الطريف ( كتاب الفاشوش في حكم قراقوش) وإنه ليستهلّه بقولهِ : ( إنني لما رأيتُ عقلَ بهاء الدين قراقوش محزمة فاشوش ، قد أتلف الأمّة ، والله يكشف عنهم كلّ غمّة ، لا يقتدي بعالم ، ولا يعرف المظلوم من الظالم، والشكية عنده لمن سبق ، ولا يهتدي لمن صدق، ولا يُقدر أحدا من عظم منزلته أن يرد (على ) كلمته ، ويشتط اشتطاط الشيطان ، ويحكم حكما ما أنزل الله به من سلطان ، صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين ، عسى أن يُريح منه المسلمين).
ويذهبُ بعض المستشرقين ، وهو الأستاذ كازانوفا الذي عني ببحث هذا الكتاب ونشره ، إلى فكرة طريفة خلاصتها أن ابن مماتي لم يُؤلّف هذا الكتاب لغرض الضحك فقط عن غفلة قراقوش وغبائه ، بل ألّفه سخطا على الدولة الجديدة التي خلفت الدولة الفاطميّة ، وهي دولةٌ كانت تتعصّب على القبط عكس دولة الفاطميين ، فأراد أن يكيد لها بتعقّب أحد حكامها تعقيبا مضحكا أو قل تعقيبا ساخرا ، يسخر أثناءه من صلاح الدين وما كان طغيانه هو وحاشيته أو بطانته. وهي فكرةٌ قيمة ، وإن كان يضعف منها أن ابن مماتي لم يكن نصرانيا حين تأليفه هذا الكتاب ، أو على الأقل ليس بين أيدينا دليل ، على أنه كان نصرانيا حينئذ، إذ كان قد أسلم. ومع ذلك ربما كان أسلم على ضعن وموجدة . ومن يدرس لعل المصريين جميعا قبطا ومسلمين كانوايتعصّبون على دولة صلاح الدين ، وخاصّة وأنه ألغى كثيرا من أعيادهم الفاطميّة ، وأيضا أنه أتعبهم في غاراتهم وحروبه الصليبية . ويظهر أن بطانته كانت كلها أجنبيّة أو تكاد .ومن هنا تسلّل بعض معاصريه ، وهو ابن مماتي إلى الكيد لهذه الدولة عن طريق الفكاهة ، وهو كيدٌ قديم عُرفت به مصرمنذ عهد الرومان ؛ فقد كانوا يستقبلون ظلم بعض القياصرة بالفكاهة الساخرة يُنفسون بها عن صدورهم . وهذا ما لجأ إليه إبن مماتي في عهد صلاح الدين ، فقد تعقّب أهم قواده ، وما كان من حكوماته الطائشة بين المصريين ،، فألف فيها هذا الكتاب الطريف ، كتاب الفاشوش. واول ما تلقاه في الكتاب من هذه الحكومات أن سيدة حجازيّة تقدّمت لقراقوش تشكو له جارية مملوكة لها فعجب أن تكون امرأة بيضاء خادمة لسيّدة سوداء فرد شكواها عليها مدعيا أنها ليست السيدة بل هي الجارية والجارية هي السيّدة ، وهمّ بحبسها لولا أن تدخّلت الجارية فعفت عن سيّدتها . وتمضي حكومات قراقوش على هذا النحو المضطرب : فمن ذلك أن رجلين من أصحاب اللحى الطويلة جاءاه يشكوان إليه رجلا ( أجرودا)* كان ما زال يعبث بلحيتهما ، ونظر قراقوش إليهما وإلى خصمهما فلم يجد له لحية ، وحينئذ قلب الوضع في القضيّة إذ ظنّ أنهما اللذان إعتديا عليه بنتف لحيته ، فصاح في غلمانه : ودوهما إلى السجن ولا تخرجوهما حتّى تطلع لحية هذا الرجل وهكذا ردّ الأمر إلى نصابه على ما ظنّ وتصوّر.ومن هذه الحكومات المضحكة أن الشرطة جاءته يوما بأحد غلمانه ، وقد قتل نفسا محرّمة بغير حقّ ، فقال اشنقوه ، فقيل له: إنه حدادك الذي ينعل لك الفرس فإن شنقته انقطعت منه فنظر أمام بابه فرآى رجلا قفّاصا فقال: أشنقوا القفاص وسيبو الحداد!
ونحن إنما نضحك من هذه الحكومات لأن منطق الحكم فيها ليس هو المنطق الذي ألفناه ، فإن قراقوش يتصرف في القضايا بحمق غريب ، وهو حمق لا يستقيم مع عقولنا ولا منطقنا ، حمقٌ فيه طيش وفيه غفلة وفيه ظلمٌ صارخ، وهل يريد إبن مماتي غير ذلك ؟ إنه لا يُريد إلاّ أن يعرض علينا قراقوش في صور مضحكة تُضحكنا من حكوماته وما يعتورها من غباء ونزق ، وما تُخفي في باطنها من ظلمٍ يُجسّمه إبن مماتي تجسيما .وأننا نضحك لا للظلم الذي وقع على هؤلاء الأشخاص ، وإنما للتباين بين المقدمات والنتائج ، فسيّدةٌ تدخل عنده لتشكو خادمتها ، فإذا هما تخرجان في حال شاذة ، إذ ترى السيدة أصبحت خادمة والخادمة أصبحت سيّدة، وكذلك الشأن في الرجل ( الأجرود) فقد دخل بدون لحية ، وخرج ولا بدّ له من لحية إلاّ أنها نتفت ، أو قل : دخل متهما وخرج متهما . وفي النادرة الثالثة ترى القاتل يبرأ والبرئ يُقتل ، وكأنما لسنا بإزاء دار من دور الحكم والقضاء ، إنما نحن بإزاء ملعب هزلي نرى فيه رجلا يأخذ سمت الحاكمين ويصطنع شاراتهم ، ولكنه ما يبدأ النظر في القضايا والحديث مع الخصوم : المدعين والمتهمين حتى يشوش عليه الأمر فإذا هو يحكم دائما حكومة مهوسة . وأي هوس هذا الحاكم الذي يقلب الأوضاع في قضاياه قلبا يزري بعقولنا لأنه يلغيها إلغاء.يلغي ما فيها من منطق وفكر مستقيم .
ونستمر في قراءة كتاب الفاشوش،فإذا ابن مماتي يروي أن قراقوش طلب إلى أحد القضاة أن يُهيّئ له حساب القمح والشعيروالفول والحمص،وقام القاضي بطلبه إلاّ أنه وضع الحساب كلّه في جريدةٍ واحدةأو كما نقول نحن الآن في صحيفةٍ واحدة،فاختلط الأمر على قراقوش ،وظن أن القاضي خلط هذه الأصناف بعضها ببعض ،ولولا ذلك ما استطاع أن يجمعها في جريدة واحدة وأمر بحبسه !وتنبه القاضي للمسألة فأرسل إليه من الحبسِ بحساب كل صنف في جريدة على حدة.حينئذٍ سُرّ قراقوش وعفا عنه قائلا:لقد تعبت يا فقيه و نقيتُ هذا من هذا وذا من ذا .زفوه في المدينة . أرأيت إلى إبن مماتي كيف يسخر من قراقوش إذ جعله يظن حين أفرد القاضي كل صنف في جريدة أنه نحى الأصناف بعضها عن بعض، وينقلنا إبن مماتي من هذه النادرة إلى نادرة أخرى لا تقل عنها طرافة ، وذلك بأن النيل توقف بمصر أياما ، فنظر قراقوش فرآى جمال السقايين وهي تسير في شوارع القاهرة عشرين عشرين فقال: يا غلمان نادوا في المدينة قد أمر بهاء الدين قراقوش أن لا يملي أحد من البحر إلاّ جملا واحدان ففعلوا ذلك ، فأوفى النيل ، فقال : يا هؤلاء كيف رأيتم رأيي عليكم ؟ : ما هو إلاّ رأيٌ مبارك. وكان قراقوش ظنّ أن هذه الجمال هي التي تُنقصُ ماء النيل، فتمنع الفيضان ! وأيضا فقد فاته أنه إنما حرّم هذه الجمال أن تحمل الماء مجتمعة ولم يحرم عليها أن تحمله منفردة ، فحكمه من هذه الناحية لا نتيجة له، ولكنه قراقوش مثله عصره والعصور التالية في الغفلة والغباء.وما نظن أحدا في تاريخ مصر والمصريين بلغ من التشهير بحاكم ما بلغه ابن مماتي من التشهير بقراقوش وحكوماته بين الناس ،وهو لم يبلغ ذلك عن طريق هجائه لقراقوش بالشعر،وكان شاعرا ممتازا ،وإنما بلغه عن طريق هذه النوادر الشعبية التي اختار لها لغة المصريين الدارجة ،وكأنه كان يريد أن يطابق بين ما يرويه وبين اللغة الحقيقية التي كانت تدور بين قراقوش ومن يحكم بينهم من الناس حتى يحافظ على أ صل نوادره محافظة دقيقة .ولعله كان يريد لهذه النوادر أن تشيع بين العامة ،ومن أجل ذلك اختار لها هذه اللغة الدارجة ،وهي فعلا قد شاعت فإن المصريين في مدنهم وريفهم كلما قابلهم حكم ظالم قالوا :(دا ولا حكم قراقوش)وقد يكون قراقوش دون كل هذا الظلم الصارخ الذي صوره ابن مماتي كما يذهب إلى ذلك الدكتور عبد اللطيف حمزة في كتابه (حكم قراقوش )؛فقد نصب نفسه في هذا الكتاب مدافعا عن قراقوش في تحيز ظاهر.ونحن لا نستطيع أن ننفي ما أثبته كتاب الفاشوش على قراقوش من ظلم وغباء ؛فإن نفيه لا يدل عليه دليل واضح ،بل المعقول أن يكون على الأقل لهذه الحملة التي حملها ابن مماتي على قراقوش أصل من سيرته وخلقه وحكوماته بين الناس .
وقد وفق ابن مماتي توفيقا لا نظير له حين اختار دار الحكومة ليعرض فيها قراقوش هذا العرض الفكه ، وهو عرض أراد به أن يشوه الدولة الأيوبية الجديدة كلها ومن تصطنعهم في أعمالها وشؤونها ،وإنه ليستمر فيروي نادرة بديعة ،وهي أن شيخا وصبيا أمردا إحتكما إلى قراقوش في دار ،كل منهما يدعى أنها له ؛فلما مثلا بين يديه قال قراقوش للصبي :أمعك كتاب يشهد لك؟.ثم رجع إلى نفسه فتراءى له إن الدار لا تكون إلا للشيخ الكبير ،حينئذ قال للصبي :يا صبي ادفع له داره ،وإذا صرت في عمر هذا الشيخ الكبير دفع لك الدار! وعلى هذا النسق ما يزال ابن مماتي يصور قراقوش في هذه الصور الهزلية التي كان يسمر بها المصريون لعهد صلاح الدين سمرا فيه لهو ومتعة ،وفيه هذا البلاء الذي صبه قراقوش على رؤوس الناس . والغريب أن ابن مماتي حين تصدى له في هذه النوادر والفكاهات لم يترك منه جانبا إلاوشوهه ومسخ خلقه حتى دينه ،فقد قص أن شاعرا تقدم إليه ليمدحه ببعض شعره ،فلما فرغ من إنشاده قال له قراقوش :( يا مقرئ ! لقد قرأت قراءة طيبة .)فقد ظنه يتلو قرآنا ،وكأنه لا يفرق بين القرآن والشعر ،وليس ذلك كل ما يريده خصمه به، فإنه يريد شيئا وراء ذلك ،يريد أن قراقوش لا يعرف ما يقال فيه ذما .
ومهما يكن فإن مماتي عرف كيف يحيل قراقوش إلى شخصية روائية للغفلة والحمق. وقد أضافت العصور التالية إلى هذه الشخصية خطوطا وألوانا أخرى ،إذ نسب إليها كثير من القصص المضحك .بل إننا نجد كتبا تروى نوادرها ، كتبا جديدة ، فقد ألف السيوطي كتابا استعار له نفس اسم كتاب ابن مماتي ، ولكنه يختلف عنه في كثير من طرفه ونوادره ، مما يدل على أنه من صنعه أ و على الأقل من صنع الأجيال التالية لابن مماتي ، وهو حقا يلتقي مع كتاب ابن مماتي في كثير من نوادره ولكنه ينفرد بطرائف جديدة .وكأنما أصبحت شخصية قراقوش شخصية روائية ،فالرواة والقصاصون يضيفون إليها كثيرا من النوادر والحكايات المضحكة .ولعل من أطرف ما ساقه السيوطي ما رواه من أنه (سرقت عملة في زمن قراقوش ، فقال لأصحاب العملة :الحارة بتاعتكم لها درب (بابا) فقالوا له :نعم .فقال :اذهبوا اتوني به ففعلوا وجاؤوا بالدرب إليه .فقال مدوه ،فقالوا له : يا مولانا هذا خشب لا يعقل .فقال : افعلوا ما آمركم به فمدوه وضربوه ونزل قراقوش ووضع أذنه بجانبه وجعل يوشوشه ،فلما فرغ قال :اجمعوا باقي أهل الحارة ،فلما حضروا قال لهم الدرب يخبرني أن الذي سرق العملة على رأسه ريشة ،وكان سارق العملة (واقفا) بجملة الناس ،فتوهم ورفع يده إلى رأسه ،فرآه قراقوش ، فأمر به وقرره بالضرب ، وأحضر العملة ودفعها إلى أصحابها .وما من ريب في أن هذه النادرة لو صحت لأ ضحكت الناس طويلا في عصره وبعد عصره .ويحكي السيوطي أيضا أنه (كان بمصر رجل تاجر وكان بخيلا ،وكان ولده يقترض على موته قدرا معلوما ،فزاد عليه ، وما مات والده ، فاتفق مع الغرماء أن يدفنوا والده بالحياة ، فدخل هو والدائنون عليه ،وغسلوه ،وكفنوه ،ووضعوه في النعش وهو يستغيث فلا يغاث ،وجاؤوا حول تابوته ذاكرين يصيحون حوله ،فلما دخلوا للصلاة عليه اتفق أن قراقوش كان مارا فنزل وصلى عليه ،فلما سمع الميت بذلك قال :الحمد لله جاءني الفرج فجلس في التابوت ،وقال يا مولانا السلطان ! خلص حقي لي من ولدي فإنه يريد دفني بالحياة ، فقال له :كيف تدفن والدك بالحياة ؟ فقال الولد :كذب علي يا مولانا السلطان ما غسلته إلا وهو ميت ، ولا حملته إلا وهو ميت ،وهؤلاء (الحاضرين) يشهدون بذلك ،فقال للحاضرين : أتشهدون بذلك ؟فقالوا :نشهد بما قال الولد ،فالتفت قراقوش للميت وقال:أنا جئت أصدقك وحدك و أكذب هؤلاء الحاضرين ،روح اندفن بلا شفاعة ،لئلا تطمع فينا الموتى ، ولا يبقى أحد يندفن بعد هذا اليوم ، فحملوه ودفنوه بالحياة في ذمة قراقوش .) ويحكي السيوطي أيضا (من طرفه أنه طار له باز ،فقال :أقفلوا باب النصر وباب زويلة ،فإن الباز لا يجد له موضعا يطير منه !) وعلى هذا النمط نجد شخصية قراقوش تصبح شخصية خيالية لكل حاكم مهوس ، فيه بله .وفيه غفلة ؛ولذلك كثر القصص حوله ،وكثرت النوادر التي تروى عنه. وهناك كتاب يظهر أنه ألف في عصر متأخر ،وهو يذهب مذهب الكتابين السابقين ويسمى (الطراز المنقوش في حكم السلطان قراقوش) .والحق أن ابن مماتي نجح نجاحا هائلا في تشويه شخصية قراقوش وعرضها أو عكسها في هذه المرايا المحدبة من فكاهاته ونوادره .
ومع مرور الزمن وتتابعه أصبح اسم قراقوش يتخذ رمزا لكل شخص مضحك .وأكبر الظن أن كلمة (كراكوز) التي تطلق في الشام وتركيا على خيال الظل ترجع في اشتقاقها إلى اسم قراقوش ، وقد دخلت إلى مصر باسم (أراجوز ) .وأن في ذلك ما يدل على نجاح ابن مماتي في( التشنيع ) على قراقوش والتندر عليه ،وهو تشنيع نفذ منه إلى كل ما كان يريده المصريون في عصر صلاح الدين من ضحك على الدولة الأيوبية الجديدة وتفكيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أجرودا : الرجل الذي لا تنبت له لحية

إختاره وأخرجه
سنان أحمد حقّي

























































































































































































































































































































































































































































































































































































































































































#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردٌّ مقابل في قصيدة النثر العربيّة ..!
- أسود وأبيض بيكاسو.. !
- هل كان العسكريون خيارا صائبا لتولي الحكم والسياسة؟!
- الفلسفة..! لماذا..؟
- تأملات كونيّة..في الوجود والعدم!
- الإحتجاج والشجب والإستنكار إحدى أهم وسائل التعبئة الجماهيريّ ...
- المنطق العام ومنطق الأشياء..!
- إلى النّمريّ الكبير..!
- الماركسيّة لا تقمع الواقع بل تنبع منه..! حول مقال الأستاذ ال ...
- النمري ومكارم إبراهيم والرأسماليّة..!
- مهدي محمد علي .. زائرُ الفجر..!
- الظواهر الدينيّة حاضرة بقوّة في التاريخ..!
- عودةٌ إلى الشيوعيّة والأديان..!
- نعم ، لي فيها ألف ناقةٍ وألف جمل..!
- كيف يتم تطبيق الشريعة؟
- وعاءُ العقل والعلم و وعاء العمل ..!
- إسلاموفوبيا..!؟
- منتجوا الثقافة ، نُقّادا..!؟
- ترجمة جديدة لقصيدة لوركا - الزوجة الخائنة -
- ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!


المزيد.....




- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سنان أحمد حقّي - (كتاب الفاشوش ) من عرض وتقديم شوقي ضيف..!