زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1150 - 2005 / 3 / 28 - 07:49
المحور:
القضية الكردية
هل يريد الكرد ان يتغيروا ؟وهل يحس الاكراد بحاجة للتغيير ؟ وهل ان رغبة التغيير تكفي لاحداثه ام هنالك مجموعة عوامل تحسم الامر ؟وماذا اذا لم يتغير الكرد ؟تلك هي مشكلة الكرد وان كانت مشكلة الشرق الاوسط كله , قضية حياتية لا بد من مناقشتها باسهاب وهو ما ارمي اليه من هذه المقدمة .
التغيير عملية تحول نوعية حتى اذا احتوت تراكمات كمية ,وهو جزء من قوانين الطبيعة وحقيقة الانسان ,وان استحال مطابقة الحقيقة البشرية والمجتمعية تماما مع الطبيعة بكل التفاصيل ,ونظرة الى التاريخ في كل اقسامه _ ان توافقنا على تسميته علما له فروعه بدءا من تاريخ الكون والبشرية والعلوم .......الخ _ تؤكد هذه النظرة .
ويكاد القانون الاساسي في هذا الاطار ان يفرض خياراته الصارمة : اما التغيير او الزوال ,اي اما ان تنفذ اوامر التاريخ والطبيعة الاساسية او ستتحول الى مهب الريح , بدءا من الزوال مرورا بالتقوقع والتحجر والتشوه والاندثار ,والتغيير استجابة ضرورية لمتطلبات ومتغيرات ومتحولات ذاتية وموضوعية في الظاهرة المعنية او الظروف المحيطة بها او كلها معا, رغم انه لا يمكن فصل الامور عن بعضها بشكل يشبه القص بالسكين ,فالامر اذا يتجاوز الرغبة نحو الضرورة والحاجة ,حتى تكون الحاجة ام الاختراع اي التجديد .
حينها يجب ان لا ننسى انه ليس عملية سهلة ,انما تحتاج الى تحديد الزمان والمكان والشكل والاسلوب والمستوى ووتيرة اجراء هذه التحولات , فلا يجوز نسيان ان هناك تحولات تخلق التاريخ لكن بعضها قاتلة تتناقض مع التاريخ والمستقبل والواقع .اي لا بد من ادراك ضرورات التجديد واتجاهاته واهدافه كلها ,ليس هذا فحسب بل لا بد من امتلاك الطاقة اللازمة لذلك عبر التمتع بديناميكيات مؤهلة لاحداث هذا التغيير .
هذه العملية تعتمد اساسا على القوى الذاتية و تفعيل المحركات الداخلية ,اما المؤثرات الخارجية فتلعب دور العامل المؤثر وليس الحاسم ,لكن عندما تدخل القوى الذاتية في حالة سبات لاسباب لسنا بصددها يغدو العامل الخارجي فتيلا لتفجير وتحريك هذه القوى التي ستفعل فعلها لانها ضرورية لتامين عملية التحول الطبيعية.
التغيير يعترضه بالتاكيد مقاومات جادة تتناسب مع حجم القوى المتمسكة بالحفاظ على الوضع السائد ,وهي بالطبع القوى المستفيدة من الواقع الموجودة ,وتبقى السلطة والمصالح الاقتصادية والسياسية _ رغم عدم جواز فصلها تماما_ اهم الاسباب المحددة لذلك .طبعا لا بد لنا من الابتعاد عن منطق الحتميات والضرورات الاجبارية لانه منطق غير علمي وغير سليم في احداث التغيير ,لكن يمكننا الجزم بنتيجتين لا ثالث لهما ,اما التغيير, او قبول العيش خارج قوانين الكون , والصراع معها بشكل غير متوازن سيؤدي الى الانكفاء والانكماش والتحلل.
يجب ان ندرك مبررات التغيير ومستوياته واختيار اللحظة والخطة المناسبة ,لانه عملية دقيقة يتوقف عليها خلق المستقبل المنشود ,لذا لا بد من رؤى موضوعية علمية للتاريخ والمستقبل ,على ان تتمتع القوى التي يعنيها التحول هذه الامور بنظرة شاملة تفهم من خلالها مصالحها بمقدار اخطار التشبث بالقديم ,ليس هذا فحسب ,بل ان كل القوى بدءا من المنظمات وحتى الجماهيريجب ان تصل الى قناعات كاملة بهذه الضرورة ,واستحالة الاستمرار بالمسيرة القديمة المهترئة ,اي لا بد من نشوء وعي جماعي ومجتمعي كاف لهذه الظاهرة ,لانها بذلك فقط تفعل كل قوة المجتمع لاحداث المطلوب ,من هنا تظهر ضرورة الاستناد الى براديغمائيات حديثة مناسبة تنسجم مع الواقع والحدث .
.بالطبع ان المنظمات الجماهيرية على اختلاف انواعها ومشاربها ,وخصوصا الاحزاب السياسية والطبقة المثقفة_ ان صح ان نسميها طبقة_ تبقى مكلفة اكثر من اية فئات اخرى للمشاركة في هذه العملية لا بل قيادتها وتوجيهها عمليا داخل المجتمع ,لانها ان تخلفت عن اداء هذا الدور فانها ستفقد مكانتها في مجتمعها وستحطم العلاقة الطبيعية بينها وبين المجتمع ككل ,وستكون المسؤولة بالتالي عن اهمالها لوظيفتها الاساسية في مسيرة شعوبها ,وستخل بالتزاماتها بالقيم الكونية التي تدعي الارتباط بها ,وستتحمل معها مسؤولية فتح الطريق امام تاثيرات القوى الاجنبية وتداعياتها ,لا بل حتى مسؤولية الانهيار الكامل .
لا بد لهذه القوى ان تقدم الطرح المضاد للطرح الموجود الذي تمثله القوى المحافظة ,وتدير الصراع لتصل الى رعاية التركيبة الجديدة المنبثقة من هذا الصراع وفق الثلاثية الهيجلية المعروفة .
هذه الازمة التي يعيشها الشرق الاوسط بدوله وشعوبه , تشكل مرحلة انتقالية بينية تفرض فيها عمليات التجديد نفسها كضرورة لا تقبل التاجيل ,وكردستان او الكرد بموقعهم الجغرافي والحضاري والسياسي بامكانهم لعب هذا الدور اكثر من الجميع لكن شرط القيام بالمهام الموكولة ,بعد استنفار الطاقات الكامنة وفق البراديغمائيات الصحيحة ,فالكرد بحقيقة اوضاعهم التاريخية والسياسية ,وما يتعرضون له من ممارسات ,وباعتبارهم القوة الاكثر حاجة للتغيير,لانها به تعبر عن وجود مشرف في عائلة الانسانية المعاصرة ,قادرون من حيث المبدا على القيام بدور حاسم على مستوى المنطقة,شرط الايفاء بمتطلبات التغيير على الصعيد الداخلي اولا لتامين لعب ادوار اكثر اتساعا وشمولا .فالانظمة والدول السائدة في الشرق الاوسط غير راغبة لطبيعتها التسلطية ومصالح الفئات الحاكمةفي اجراء التغيير ,وقد حاولت باجهزتها قتل الديناميكيات الذاتية للمجتمع او لنقل خنقها ,لذا لا بد من انها ستتعرض لانفجارات هائلة تحطم النظام عن بكرة ابيه كرد فعل طبيعي للجماهير ,وهذا ما يفسر انتفاض الجماهير الشعبية في كثير من دول العالم بتاثيرات ودعم خارجي ,خصوصا في الدول ذات الانظمة التسلطية كما يحصل في الدول الاشتراكية السابقة مثلا ,لانها حولت جماهيرها عبر الضغط الى برميل بارود ينتظر صاعقا غالبا ما تقدمه لها القوى الخارجية ,والسبب الاساسي بالطبع هو البعد عن اجراء التحولات والتغييرات اللازمة .والمنسجمة مع روح العصر بالاسلوب وفي الزمان والمكان المناسبين ,فتجرفها سيول وفيضانات التغيير ,لا يختلف الامر في هذه المنطقة ايضا و بات البعض يتحدث عن ضرورات او امنيات موجة ديمقراطية تسونامية تضرب الشرق الاوسط .
وضع القوى الكردية في هذا الاطارتراجيدي,لانها تعاني وهي لا تملك السلطة من كل امراض الانظمة المتسلطة في الشرق الاوسط ربما لانها نتاج الثقافة الشرق اوسطية ,وما اخذته من الاشتراكية المشيدة لم يغير هذه الحقيقة بل زادتها سوءا ,فبالاضافة الى المعاناة الثقافية والاجتماعية والوطنية ,تعاني من امراض السلطة والتسلط وكانها بذلك تريد ان تكون نسخة عن الانظمة السائدة , تحدد اهدافها برغبتها في التحول الى واقع شبيه بما تحياه الانظمة وتمثله وهي تظن انها بذلك تحقق المساواة مع الشعوب الاخرى وتنسى ان هذه الانظمة نفسها لم تحقق لشعوبها شيئا من هذا القبيل وانها بحاجة لتغيير جدي سيطالها ان عاجلا او اجلا .
هذه الامراض ومخلفاتها من مفاهيم التخوين والفضح ,بالاضافة الى الانقسامات الهائلة غير المستندة الى منطلقات سليمة ,غياب الذهنية الديمقراطية في التعامل الداخلي والخارجي ,ونسيان انها يجب ان تتطور كادوات ووسائل ديمقراطية ,واعتمادها نظرية ان تكون اجهزة دولة ,كل هذه الامور بالاضافة الى امور خاصة بكل جزء وكل منظمة جعلتها بعيدة عن التغير بما يتلاءم مع المتطلبات ,وباتت مهددة بالبقاء خارج العصر .
لهذا فالمنظمات الكردية كلها تتعرض لهزات جدية وتراجع , لانها لا تحقق التغيير المطلوب المنسجم مع المتغيرات العالمية,فالاتحاد الوطني الكردستاني بدا بالانحلال كحزب او كمنظمة على الساحة ويبدو انه يجد ضالته في العودة الى جذوره الحزب الديمقراطي الكردستاني ,الذي رغم ان الاجواء الدولية والاوضاع الاستثنائية قد هيات له ارضية لتحقيق بعض الانجازات والاستمرار بما تخلقه هذه الاجواء من تعاطف جماهيري ,رغم عدم تجاهلنا لمحاولات تحوله برجوازيا ,لكنه رغم كل شيء فهو الاخر مهدد كتنظيم بالتراجع اذا اصر على نفسه ,واقول هنا كتنظيم واريد تمييزه عن الوضع الناشيء في العراق بشكل عام وكردستان الجنوبية بشكل خاص ,فهو مجبر على تجاوز نفسه والتخلص من عقليته العشائرية والتنظيمية السابقة وتبني المستجدات العالمية والقيم الكونية ,وهو في هذا الاطار يعاني من مشاكل ثقافية وحضارية وطبقية عامة تحولت الى عادات وتقاليد كلاسيكية وكانها لا تريد تجاوز اصولها العشائرية لا بل بشكل اضيق العائلية .
الوضع في حزب العمال الكردستاني الذي طرح شعار التغيير واضح بما فيه الكفاية ,الام ومخاضات عنيفة , دوامات تستمر ,ويستمر معها الدوران داخل حلقة ضيقة ,فرغم انه يدرك ويؤكد ضرورة التغيير ,وحول ذلك الى شعار العمل في الفترة الراهنة والقادمة وعلى اعلى المستويات بدءا بقائد الحزب ورئيسه ,وصولا الى اعلان صيغ تنظيمية جديد الا انه ينزف من قواه ويبتعد عن الانتاجية المطلوبة حتى باتت الناس تراهن على قوة استمراره ,وان كنت اود هنا ان اشير الى وضع هذا التنظيم الخاص في تعرضه لضغوطات واتفاقات كبيرة على مستوى المنطقة والعالم وادت لاعتقال رئيس الحركة .
لماذا لا يتغير الكرد او بشكل ادق المنظمات الكردية ,رغم انها جميعا تدرك او تقول انها تدرك ضرورة التغيير والتحول الحياتية ,وحولتها الى شعارات تضج بها الكتب ومواقع الانترنت وغيرها ؟
موضوع هام لكنه معقد له جذوره التاريخية والجعرافية والسياسية والثقافية وحتى الحضارية ,بالاضافة الى الحقائق السوسيولوجية والنفسية التي تنبع من تشكل الانسان الكردي والشرق اوسطي برمته ,لكن هنا ساحاول قدر الامكان ذكر الاسباب التي اجدها الاهم تاركا الموضوع للمناقشة والعودة اليه ببعض التفصيل فيما بعد ,
التغيير يجري اولا في الفكر وهذا يعني ان التغيير بحاجة الى عقلية متنورة قادرة على تحقيقه ,لكن تاريخ الكرد وغياب الثورات التنويرية والنهضويه عن ساحته جعلته منغلقا الى حد كبير يعاني من الدوغمائيات بكل ابعادها مما افقده عنصرا هاما من عناصر التغيير ,وعليه لا بد لنا منمما يفرض وبشكل عاجل الوصول اليها,ولا اعني بذلك عدم وجود نخب او مجموعات واشخاص معينين , انما العبرة تكمن في الحالة الشعبية العامة .
من ناحية اخرى تختفي الرغبة الجادة والاكيدة في التغيير ,لان ذلك يعني تحمل الام الخلاص من العادات والتقاليد القديمة على كل المستويات بدءا من السياسة وحتى الاجتماع ,بدءا من الفكر وحتى الممارسة العملية ,اي هناك تهرب من هذا العمل والجهد الصعب والمضني والمكلف ,فكيف اذا اضفنا لذلك الام الولادات الجديدة ,انه بهذا الشكل يظهر نوعا من القبول بالامر الواقع الذي يروق للبعض من اصحاب المال والجاه والسلطة , فيطبلون ويزمرون لاستمرار الوضع الراهن تحت شعارات عديدة ربما اسخفها ضرورة التمسك بالاصالة ,واظهار التجديد بصورة الانكار للذات .
الحركات والمنظمات تفتقر الى برنامج وخطة عمل واضحة ومحسوبة للتغيير ,لذا ما ان تجد اية صعوبات او تظهر بعض السلبيات المرحلية حتى تتراجع عن بشكل ارتدادي متحججة ان التغيير يؤدي الى اضاعة القيم المكتسبة , . عملية التغيير شاملة ومتداخلة جدالا تسير في طريق سليم وسهل ,تفرض ان نكون مستعدين لدفع الاثمان التي ترخص مهما كانت غالية بالمقارنة مع تحقيق النجاح في مسالة حياتية كالتغيير .
كثيرة_ ان اردنا الغوص _ اسباب غياب التغيير لكن اللوحة خلقت منطقا قدريا للكرد عليهم التخلص منه اذا كانوا يصرون على الحياة واعتقد ذلك,والتغيير تتحمل مسؤولياته النخب الثقافية والسياسية ,التي لا تتناولها بالجدية اللازمة لانها تتضرر من التجديد كونها راضية بمواقعها الراهنة فتحولت بدراية او دون دراية الى نسخ او امتدادات للانظمة التي تريد الحفاظ على الوضع الراهن ,فتمتنع عن بذل الجهود اللازمة والكافية ,حتى لتكاد معظمها اما انها ترفض التغيير عمليا _ولا تنقذها شعاراتها وتغنيها بالتغيير _ او انها _وهذه هي الطامة الكبرى والفجيعة والمصيبة _تقف منتظرة الاخرين ان يحققوا التغيير ليستفيدوا هم منه ,وكانهم يجهلون ان من يحقق ذلك يعرف كيف يحتكر نتاجاتها .
قي النهاية اريد القول ودون الدخول في حتميات التغيير والمنطق الحتمي الذي ارفضه ,اما ان نتغير ونغير ما بانفسنا لنغير العالم و لننسجم مع العالم الحديث دون ان نفقد اصالتنا ,او سنبقى على هامش مسيرة العصر ننتظر الفتات من الناس ,ولا اظن ان شريفا يمكنه ان يرضى .
التغيير والتحول النوعي هو مشكلتنا وعلاجنا الاساسي لا بد ان نعمل ونكون مستعدين لدفع الثمن لانه ثمن الحياة في هذا العصر .
زردشت صابر
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟