أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الجنوبيون














المزيد.....

الجنوبيون


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 15:57
المحور: الادب والفن
    


الجنوبيون
الجنوبيون يحملون في عيونهم جذوة لا تنطفئ، يقتحمون النهار، لا يملّون العشق يومًا. يقبّلون النساء قبل المغيب وعند الصباح يأخذوهنّ في أحضانهم بلهفة لا تخبو.
الجنوبيون يشعلون النار لحرق الفضاء والانتقال نحو الحلم الدافئ عنوة بالرغم من امتداد حبال الوهم عبر الصحارى، يحرقون السأم ولا يخشون انهيار الموج أو إقدام جحافل الغيم من كلّ الجهات.

كلّ فصول الجنوب صيفٌ، والشتاء يبدو أحمقًا ما أن يهلّ على المضارب، حتى يجمع أمتعته الرطبة الماطرة ويمضي بعيدًا خلف الأفق. الجنوبيون وحدهم يحدّقون بعين الشمس، يحاولون اختراقها والنفاذ من جزئها الآخر. لا يخضعون، لا يستسلمون حتّى القطرة الأخيرة من دمائهم، الجنوبيون يتقنون العشق وانتظار السلوى حتّى مطلع الفجر، لا يتنازلون قيد أنملة عن هتك ستائر الخجل والمضيّ نحو التحدّي الكامن في ثنايا النهار.

الجنوبيون يتاخمون الاتجاهات كلّها، يتحدّون المستحيل، يخترقون بأجسادهم عرين القصيدة، لا يتردّدون لحظة واحدة عن قطف عناقيد العنب، والتهام رحيقها نبيذًا صخب الحضور، يدير الرؤوس تجاه قرص الشمس، ولا ينحنون. يرفضون كلّ غوايات الشمال والغرب، يقسمون بقطع المتوسّط سباحة إذا ما انقطعت بهم حبائل العودة يومًا ما – الجنوبيون.

الجنوبيون يفتحون صدورهم، يخرجون قلوبهم من مكامنها ثمّ يشعلون النار بأنحائها، ليدفّئوا برودة الإقليم ليلا. يبكون فرحًا، يدمعون حزنًا حين ينفجر الناي بعزفه المتصاعد نحو أديم السماء. يناشد الجمال، يستجدي اللحظات الآسرة المقبلة مع البدر. يسامرون الشاطئ، يستيقظون حين ينام الكون، ثمّ يمضون نحو الحلم حين يستيقظ الملل.
الجنوبيون يندفعون نحو الغد، يأكلون التراب ولا يخونون، يعبرون قلب الصحراء عنوة ولا يغرقون في السراب سوى لوهلة يتبعها القفز فوق المستحيل. الجنوبيون يتقنون دروس العشق والرقص حول النار حين تشدّ القبيلة الرحال تجاه مضارب خاوية عذراء. يغزون كثبان الرمل، يرفضون الاعتراف بمغيب العمر، يطلقون العنان للخيل كي تنفذ كالبرق في السهول، ترتقي الجبال، تلامس قمم الدنيا وتصهل حين تقبل إناثها.

الجنوبيون لا يغدرون جزافًا، يطرقون الأبواب قبل اقتحام القلاع يواجهون الطائرات المقاتلة بسيوف مشرعة، يجرح الأثير ولا يترك صدىً لتأوّهات. الجنوبيون توقّفوا عن بسط الأردية البيضاء لكلّ من تقدّم بمشروع حرب أو قتال أو خطبة عابرة. لكن الغربان لم تفتأ عن الحضور لتشارك في الولائم المجانيّة، المشبعة بمرق لحوم الإبل والأغنام الصاغرة لحدّ السكّين صباح العيد والاستشهاد.

الجنوبيون يتألمون صمتًا يشتهون حِجْرًا دافئًا، يتحلّقون حول النار، يرقصون ويدورون بحثًا عن الذات التائهة منذ عهد الجاهلية. وحين أدركوا بأنّ للجاهلية أيادٍ بيضاء ضاعت هويّتهم وقضوا ثمانون عامًا أخرى في سيناء. لم تتمكن الأقمار الصناعية من الكشف عن آمالهم، فشلت في قراءة أفكارهم واستقراء همومهم، لكنّها حدّدت بقايا رفاتهم، لم يطلقوا النار والقذائف تجاههم – فنى الجنوبيون بعد أن فقدوا البوصلة وابتلّت أقدامهم بمياه المحيط الباردة.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى دينيتاس
- الجدران الوهمية
- برتقال أبو صرّة
- أحمقٌ يقود قطيعًا
- أعطني عامًا من عمرك
- المعذرة – رفعت الجلسة
- عِشْقٌ وانْتِظار
- تمرّد الكمانُ فغنّى القلبُ ثملا
- سَبَقَ لي يا وَقْتُ
- رحيل القصيدة
- الطبقة العاملة والإنتاج
- العلمانية هي أقصر الطرق إلى أنسنة المجتمع
- واقع المرأة ما بعد الربيع العربي
- المجتمعات العربية ومعضلة البحث عن هوية
- هل يصلح العطّار ..
- القصيدة العارية
- ظلّ النورس
- أورهان باموق يتحدث عن الحياة والأدب
- حفل تشريح جثة مثقف عربي قتل متلبسًا بالحياة
- بلا أجنحة


المزيد.....




- ترويج للشذوذ وإساءة للمسيحية.. انتقادات حادة لافتتاح أولمبيا ...
- شاهد/حزب الله تدمر المنظومة الفنية في ‏موقع راميا بصاروخ موج ...
- حركة -فتح-: مجزرة دير البلح ترجمة حقيقية لخطاب نتنياهو في ال ...
- مغني الراب -كادوريم- يثير ضجة في تونس بإعلانه المفاجئ عن الت ...
- تحتضن مواقع مهمة.. أبرز آثار بلدة العيزرية شرقي القدس
- تردد قناة وناسة للأطفال 2024 على النايل سات وتابع أجدد الأفل ...
- وزارة الإعلام الكويتية تعلق على الأنباء المتداولة حول تكاليف ...
- أحمدو همباتيه باه: رائد الأدب الشفاهي الأفريقي وحارس ذاكرة ا ...
- بعد تقارير عن -أجر بيومي فؤاد-.. تعليق كويتي رسمي بشأن دفع م ...
- المفكر المغربي طه عبد الرحمن: تناولت السيرة النبوية من منظور ...


المزيد.....

- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الجنوبيون