أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الذات الحرة في بناءاتها ورؤاها المتمايزة ..















المزيد.....


الذات الحرة في بناءاتها ورؤاها المتمايزة ..


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 3991 - 2013 / 2 / 2 - 20:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الذات الإنسانية الحرّة تتماثلُ تخلقاً وتفرداً وألقاً وإبداعاً وتطوراً مع انشغالاتها الداخلية ورؤاها الخاصة ، إنها تتدفقُ هناك بايقاع شهي ، يختالُ تناغماً وانسجاماً مع مداراتها التكوينية الداخلية ، هي الذات الصانعة لكينونتها الحقيقية بعيداً عن غباء التأويلات العرجاء وهلوسات النصوص التراثية ، وبعيداً عن تدافع الأصوات الضاجّة بالصخب والفوضى والسطحية والتفاهة ، وبعيداً عن تراسل التعريفات الدارجة والمنقولات الاستهلاكية السائدة ..

الذات الحرة تجد نفسها دائماً في مدارات الاشتهاء المعرفي ، تتجلى هناك تخلقاً وحريةً وتفكيراً وفتحاً جديداً متجدداً وملهماً ، إنها تتواصل مع تفاعلاتها وحركتها الدائمة وتغييراتها وانطلاقاتها وحتى مع مغامراتها الاستنطاقية الفاعلة في هذا المسار المعرفي التفكيري ، والذي يمنحها شغف التواصل الفعلي والتداخل التواصلي مع جماليات الحياة وحركتها وتحولاتها وتشعباتها واتجاهاتها وفلسفاتها العديدة ..

الذات الحرة تتأسس فلسفياً بعمق مع تكويناتها وبناءاتها ورؤاها المستقلة بالتمايز والتفرد ، من حيث إنها تمقتُ التوافق البليد مع السائد من التفسيرات الجاهزة ، ولا تنساق خلف العشوائيات الثقافية ، وتتحصّن ضد ضحالة العقل الساذج ، تأتي بالأفكار الجريئة من رحم الولادات البِكر ، تنبذُ من قاموسها هيمنة الأسبقيات اليقينية والتخندقات التحيّزية ، وتتمردُ على سُلطة اللون الواحد ، وتذهبُ بعيداً حد المغامرة في بناء أساساتها المعرفية ودعاماتها الفكرية ..

إنها تتماثلُ شغفاً مع عزلتها الفارهة ، تتوحدُ ، وجدانياً وشعورياً وفكرياً وإبداعياً مع عزلتها الاختيارية ، ليسَ لأنها تهوى التعالي أو التوحش أو الهروب أو الانسلال أو التقوقع أو التراجع ، بل ترى في العزلة مناخاً مفعماً بالإلهام والتحديق والتفكّر والتعمّق ، وفي العزلة تستحضر الذات الحرة حضورها التفاعلي مع تأملاتها وانشغالاتها الفكرية وابداعاتها الذاتية والتفكيرية ، ومع تجلياتها الخاصة ، وفي العزلة تتحسسُ الذات الحرة بعمق وجودها الفعلي المعرفي المتناغم تماماً مع انشغالاتها الفكرية ، إنها تلامسُ عميقاً هناك تجلياتها الولاّدة بالجديد والمغاير والمبتكر ..

وفي العزلة تتحقّقُ الذات الحرة من تواجدها دائماً على قيد الانشغال الداخلي والتفكير المستقل والاختيار الإرادي ، إنها صانعة لعزلتها المغايرة والمتمايزة والفاعلة ، ولا تستطيع إلا أن تكون كذلك ، لأنها تتوحّدُ ذكاءً وموهبةً وشغفاً وتحديقاً مع بناءاتها المعرفية الناطقة ، والتي تشكّل الأساس الفلسفي للذهنية الذاتية ، الذهنية التي تستمد طاقاتها ونشاطها من كونها مفكّرة وناقدة وباحثة ومحدّقة ومنتجة ..

ومن طبيعة الذهنية الذاتية الحرة ، إنها تجد في عزلتها استدعاءً بهياً للهدوء ، تستدعيه بمزاجية مرهفة من عزلتها الباذخة ، ذلك الهدوء الذي تعتبرهُ ملاذها الطبيعي الحر ، إنه هدوء الذهنية في انساجمها التلاحمي مع انشغالاتها التفكيرية واستنطاقاتها المعرفية ، وهو الهدوء ذاته الذي يوفر لها توافقاً عميقاً مع استقلاليتها الإرادية ومناخها الداخلي وايقاعاتها الشعورية ، ويعمّقُ في انشغالاتها الفكرية توازناً رصيناً يدفعُ بها حثيثاً نحو المزيد من الإبداع والتجديد والانتاج ، وبالهدوء أيضاً تملك قدرة الاستحواذ والسيطرة الاحتوائية على توترها وقلقها وانفعالاتها ، وليسَ غريباً أن يقول الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل ( الهدوء هو العنصر الذي تتشكلُ من خلالهِ كل الأعمال العظيمة ) ..

الذات الإنسانية الحرة عاشقة للتمرد ، لا تستكين أبداً للمعرفيات التلقينية واليقينية ، وترفض الاقتعاد في منظومة الثقافات السائدة ، وترى في التكرار الاستنساخي جموداً وسذاجةً وتعاسةً وضياعاً وموتاً ، إنها تستهوي المجازفات والمغامرات الفكرية والانشغالات المبتكرة والتفتحات الثقافية المُلهمة ، وكأنها هنا تتجلّى ثقةً واقداماً وتخلقاً بمقولة الفيلسوف جبران خليل جبران وهو يصف الإنسان من خلال ذاته الحرة المتمردة ( أن تنظر في هوّة عميقة دون أن ترتعد قدماك ، أن تحدّق في الشمس دون أن يرتعش جفنك ) ..

إنها تبني بالتمرد الواعي هويتها المتمايزة وشخصيتها الواثقة ومسلكها المستقل وانفتاحها الشهي على سفوح الآفاق الرحبة ، ولا تضعُ قدميها في طريقٍ يعجُّ بالمردّدين والصارخين والمصفقين والتائهين والساذجين ، بل تتركُ بصماتٍ شاخصة هنا وهناك ، تدلُّ على تفردها وهويتها وذهنيتها المتقدة بالجديد والمبتكر والمتغيّر ، وربما هنا تتماهى مع مقولة الشاعر والفيلسوف الأمريكي رالف والدو اميرسون ( لا تمشي مع ما يوصلك إليه الطريق ، إذهب في مكان ليس فيه طريق وأترك بعض الخطوات ) ..

إنها بالتمرد تعي حريتها الكاملة ، وتتنفّسُ وجودها الداخلي ، وتتلمسُ طريقها المستقل ، وتبني أساساتها المتينة ، وتتوحّدُ تناغماً مع انشغالاتها العميقة ، وتستحضر بجمالية واعية ميراثها الإنساني الحر ، وتستنطقُ ذاكرتها المعرفية بتواصلها الجميل والمتوهج مع امتدادات الذاكرة الإنسانية الحرة ، إنها تتخلقُ بالتمرد سبيلاً حراً وذكياً يحلّقُ بها معراجاً فكرياً متحرراً من ثقافة الاستلاب ومن ثوابت السائد من الأنماط المجتمعية القمعية ، ومن استبداد العقل الجمعي ، وربما هي هنا تتجلّى عميقاً بمقولة الفيلسوف الفرنسي البير كامو ( الطريقة الوحيدة للتعامل مع مجتمع غير حر ، هي أن تصبح حراً جداً ، لدرجةِ أن يصبح مجرد وجودكَ قانون تمرد ) ..

الذات الحرة تدرك كينونتها المعرفية عن طريق الوعي ، والوعي عندها المعادل الموضوعي للعقل المستقل والمتوهج والمفكّر والباحث والناقد والمبدع والمنتج ، والوعي في انشغالات الذات الفكرية يعني الحضور الشاخص للعقل ، الحضور المُدرك لجوهر الوجود الإنساني الذي يضع العقل على قيد الإحساس العميق بتواجده الإدراكي ووحدتهِ الكاملة مع انشغالات الذهنية الذاتية الحرة ، فالذات الحرة تجد طريقها إلى الوعي ، ومن خلال الوعي تتلمسُ عميقاً وحسيّاً أبعاد وجودها الذاتي ، إنها علاقة انسجامية تناغمية تستحضر بجمالية ممتعة الأفكار والتصورات والمعرفيات الفكرية وتراكمات الذاكرة الثقافية ، وتستحضرُ أيضاً خبرات الذاكرة الإنسانية ومخزون خبرات الذات المفكّرة ومنظومة الأفكار التراسلية التي شاركت في صناعتها الذات والوعي الذاتي عبر مراحلَ من الانسجام والتناغم والتخلق والتبادل والاتحاد فيما بينهما ، ونتجَ عن ذلك أيضاً أن بلورت الذات بناءاتها الحرة بتمايزها الذهني وتشكلاتها المعرفية واستنطاقتها الفكرية وذاكرتها الثقافية الملهمة ، واستنهضت في أعماقها تبعاً لذلك دوافع التغيير والارتقاء والتطوير والتجديد ..

والذات الحرة تنتهجُ بوعي مسارها الارتقائي الذي يُبقيها دائماً على قيد التواصل الحميمي مع مكوناتها التغييرية الداعمة لوجودها التفكيري والنقدي والمعرفي ، إنها تتلمسُ في هذا السبيل منجزها الفكري المفتوح على كل الآفاق والتداولات الثقافية ، والمفتوح بحرية ورحابة على الآخر كمنجز ثقافي يساهم بإيجابية في بناء الوجود الإنساني الحر ، والذات الحرة إنما تتعالق هنا مع الآخر لكونه يقاسمها الذاكرة الوضاءة للإرث الإنساني ، ويبادلها في الوقت نفسه جوهر الفعل التأسيسي للعقل الإنساني الحر ، ويتّحدُ معها في تثبيت الأساس الفلسفي للهوية الإنسانية المنعتقة من شرور الأدلجات الشمولية والعصبيات المذهبية والطائفية والدينية واللاهوتية والعنصرية ، ويدخل معها في ملامسة واقعية وحقيقية لمسارات التفكير الإنساني الباعث على الخلق والتجديد والتغيير والتطور ..

والضرورة المعرفية دائماً تقتضي من الذات الحرة ، أن تكون في خضم المساءلة التفكيرية للمتغيرات والتحولات من حولها ، تلك المساءلة التي ترتكز على التحليل والمعاينة والبحث والنقد والاستنتاج ، وهي ذاتها المساءلات والتساؤلات المتعافية من اعتلالات العقليات الاطلاقية المحكومة بالأطر الدوغمائية والمعتقدات اليقينية النهائية ، والمتمردة على انغلاقات الفكر الاستحكامي الهادم للتفكير والنقد والتجديد والإبداع والتنوع والتعدد ، إنها بذلك تضع الذات ذهنيتها النقدية الواعية على دكة التجديد والتطور والإنتاج ، ومن غير المساءلة التفكيرية تجد نفسها وقد تلاشت في الخواء والفراغ الأصم ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الإنسان المعرفية .. تجلياتٌ في الإبداع والتجديد
- في فلسفة المشاعر الإنسانية
- الشغف .. أكثر حالات الإنسان تألقاً وتفرداً
- الإنسان التعبيري .. إنسان النزعة الخلاقة
- حرية التفكير طريق التمرد المعرفي
- فلسفة الحضور في الوعي التنويري
- شجن الذاكرة
- الأصل في فلسفة الوعي الإنساني
- التافهون
- الإنسان المعرفي .. إنسان التنوير
- الأفكار بين التأمل وموهبة الخلق
- ما معنى أن يتمنّى الإنسان
- وقاحة مفضوحة
- الإنسانيون ( 4 من 4 )
- الإنسانيون ( 3 من 4 )
- الإنسانيون ( 2 من 4 )
- الإنسانيون ( 1 4 )
- القناعات وَهْم البدايات
- تلك اللذة العليا
- ثقافات بلا منطق


المزيد.....




- لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف ...
- أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
- روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ ...
- تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك ...
- -العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
- محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
- زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و ...
- في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا ...
- النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
- الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الذات الحرة في بناءاتها ورؤاها المتمايزة ..