|
زى ما أنت كافر عندي أنا كافر عندك.. ومافيش حد أحسن من حد
إبراهيم عرفات
الحوار المتمدن-العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 15:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقول المسلم: زي ما أنت كافر عندي أنا كافر عندك..المسلمين في نظر المسحين كفار أيضًا. إن الدين عند الله هو الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين.
ويظن أنه بقوله هذا له الحق في أن ينعت الآخرين بالكفر وينظر إليهم بتعالي. نؤكد مرارًا وتكرارًا أن "ذهنية التكفير" لا وجود لها سوى في أدبيات الفكر الإسلامي. في القرآن، ينقسم الناس إلى فسطاطين: مسلمين وكُفار؛ وفيه يجادل محمد خصومه المختلفين عنه في الاعتقاد فلا يقول يا أهلي وعشيرتي مع أنهم في الواقع كذلك وإنما يبدأ يخاطبهم بعبارة "قل يا أيها الكافرون". وماذا ننتظر من المسلم بعد ذلك أن يقول؟ إن كان نبيه قال "يا أيها الكافرون" هل يسمو المسلم على خلق نبيه ويقول "قل يا إخواني في الإنسانية"؟ كلاّ بل الشجرة لا تنتج إلا ثمرًا من جنسها فشجرة البرتقال مثلاً لن تكون ثمارها الجوافة.
وكأني بشخص يصرخ بي لأنه يريد تبرير ما هو عليه: مالك يا براهيم؟ زعلان ليه؟ مش احنا بس اللي بناكل زبالة وعايشين ع الزبالة يا أخي ولكن الزبالة مكوّن رئيسي في تكوين بقية شعوب وأديان العالم الأخرى. مش احنا بس اللي بنقول على المخالف لنا كافر. أنتوا كمان بتقولوا عليه كافر. كلنا بناكل زبالة ومافيش حد أحسن من حد. الزبالة؟ دي ما فيش أحسن منها يا إبراهيم.. كلها فيتامينات ومفيدة للصحة. ليه زعلان؟ أنتم أيضا عندكم اللي يرفض المسيحية كافر وابن كافر. في المجتمعات الإنسانية يتفانى الإنسان لأن يصل بالآخرين لأعلى ما يمكن أن تبلغه إنسانيتهم. وفي المجتمعات التي تغط في الجهل وتعيش بذهنية القرون الأولى الغابرة يتمنى الإنسان لو كل الناس مثله تتعاطى الزبالة. قلناها مليون مرة: مصطلح كافر لا وجود له في أدبيات الفكر أو اللاهوت المسيحي؛ وهناك إما إنسان أو لا إنسان.
تقول سيدة مسيحية: بالنسبة لي كمسيحية، كلمة "كافر" و"كفار" لا وجود لها بالمرة في قاموسي وقاموس أي إنسان ناضج علّمه إنجيله إن الله هو رب الجميع ويشرق بشمسه على الجميع ولا يفرق في عطاياه بين مؤمن وكافر بل الجميع ينعمون بعطفه وحبه الغير مشروط والغير متناهي، ويكفي الرجوع لإنجيل الفصل الخامس للتحقق من ذلك. الكلمة "كافر" حادة وموجعة؛ وفيها يغيب عن بالنا أن كل إنسان يصيب من معرفة الله بقدر ما، وحتى الملحدين إذ الدين لله والله للجميع وليس حكرًا على أي إنسان! الحكم لله وليس لنا ويجب أن يكون كل ما يشغلنا هو أن نتقاسم إنسانيتنا مع بعضنا البعض ونعمل معًا بيد واحدة لجعل كوكبنا الأرض آية بديعة في الجمال الإنساني.
المسيحي المستنير بروح الله يعلم أن الله قد جعل الأبدية في قلوب المسلمين كما أنه وضعها في قلوب الملايين من البشر (سفر الجامعة) وأنه قد غرس ناموسه الأدبي في باطن كل إنسان. جاء في الإنجيل: لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً (رومية 2/ 14، 15). وهذا يوافق ما قاله شيخنا مسكويه في رده على أبي حيان التوحيدي في كتاب الهوامل والشوامل في المسألة 77: للإنسان- بما هو إنسان- أفعال وهِممٌ وسجايا وشِيمٌ قبل ورود الشرع، وله بداية في رأيه، وأوائل في عقله لا يحتاج فيها إلى شرع؛ بل إنما تأتيه الشريعة بتأكيد ما عنده، والتّنبيه عليه، فتُثيرُ ما هو كامِن فيه، وموجود في فطرته، قد أخذه الله- تعالى- عليه، وسطّره فيه من مبدأ الخلق، فكل من له غريزة من العقل، ونصيب من الإنسانية ففيه حركة إلى الفضائل، وشوق إلى المحاسن لا لشيء آخر أكثر من الفضائل والمحاسن التي يقتضيها العقل، وتوجبها الإنسانية.
تُرى، ما هي الأفعال والهمم والسجايا المحفورة في باطن الإنسان؟ وما هي تلك الأوائل في عقله والتي لا يحتاج فيها إلى شرع؟ إنه ذلك الناموس الأبدي المحفور في العقل الباطن لكل إنسان. والذين بلا ناموس مكتوب لهم ضميرهم، باطنهم، عقلهم الباطن، وهو ناموس لأنفسهم فيدلهم على وازع الخير الإلهي ويحضهم على اجتناب الشر.
بحسب تعليم الكتاب المقدس، المسلم وحتى وإن لم ينل الخلاص الذي يناله المسيحي فهو عنده معرفة عامة بالله مقابل المسيحي والذي يعرف الله معرفة الخواص لأن الله "الآب" قد دخل حياته فاشترك في ما له في حين الله في الإسلام كان منعزل مبتعد منعزل عن الإنسان لا شركة بينه وبين الإنسان. بأية حال، المسلم في اللاهوت المسيحي يصيب من معرفة الله وهي "معرفة عامة" ومن هنا لا يحق لنا أبدًا أن نقول عنه إنه كافر أو أن نطلق الأحكام بمنتهى السهولة وكأننا نأخذ مقام الله في الحكم والإدانة. في المسيحية يتنازل الله ويأتي للإنسان وفي الإسلام يصل المسلم بمجهود إلى الله صعودًا من أسفل إلى فوق. نزول الله في المسيحية وتنازله هو التجسد وهنا الله يبدأ المبادرة، وفي الإسلام على الإنسان أن يطبق الأحكام والفرائض ويعمل بها لكي ينال رضى الله وكل شيء في الإسلام متوقف على أعمال الإنسان. قالت الطفلة الصغيرة لأمها: يا ماما، ماذا عن بابا؟ هل سيذهب إلى الجحيم لأنه لا يؤمن مثلنا بالمسيح؟ كان الأب في وقت من الأوقات يعمل بالتبشير في أفريقيا ثم انغلق قلبه عن الإيمان وأصبح ملحدًا. عندها ابتسمت الأم لطفلتها وأكدت لها إن الأمر ليس كذلك وأن الله يعلم ما في قلب أبيها وهو وحده الذي يقرر. كانت تلك إجابة ذكية وفي موقف عسير فالله لا يكتب النعيم أو الجحيم على أحد بل اختيارتنا هي التي تقرر لنا إما أن نكون في نعيم الله أو خارج إطار هذا النعيم.
المسيح نفسه لم يكفر اليهود وهم أصحاب الشريعة، وعندما أتى بشريعة الكمال فقد جاء بها ليكمل شريعة الناموس، ولكنه لم يكفر شريعة الناموس اليهودية وإنما قال ماجئت لأنقض بل لأكمل. وحتى على الصليب غفر لهم ولم يكفرهم أو ينعتهم بالكفر أو يقول مثلاً: الويل للكافرين كما يفعل القرآن. كلنا يعلم أن آخر كلمات المسيح على الصليب هي دعاء بالغفران لمن صلبوه فقال: يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.
المسيحية تعلمني أن أرى الله في كل شيء، في كل إنسان، وأيضا في المقابل أن أرى كل إنسان وكل شيء في صميم الله. كل إنسان ألقاه، أيًا كان هو/ هيّ، هو بهاء الله وضياؤه لأنه مخلوق على صورة الله وفي وجهه أعاين "سر الله" وأيضا "سرّ الإنسان". علمتني المسيحية النظرة الإنسانية في كيفية النظر للآخرين؛ وهذه النظرة الإنسانية هي الرقي الإنساني الذي ما بعده من رقي. على المصطبة قد تجلس والدتي وتضرب كفًا بكف وتقول لبقية النساء ضاحكة: "شوفي ياختي، يوضَع سره في أضعف خلقه". سرّ الله محفور في كل إنسان ألقاه، والله هو الذي قد استودع سرّه في هذا الإنسان. وكل شخص أقابله هو سر الله الظاهر لي. فلان مثلاً قد يكون مسلم أو ملحد أو أي ملة ولكن سر الله فيه، حتى وإنْ لم يشعر هو/ هي بذلك؛ والمهم هو أن نشعر نحن بذلك فنبصر افتقاد الله في هذا الشخص الواقف قدامنا. نعم، افتقد الله شعبه بل افتقد الله الإنسانية. أريد يا رب رؤية الإيمان والتي بواسطتها أقدر إني أعاين إعلان الله وكشفه عن ذاته في التاريخ وبأشكال متنوعة ودرجات متفاوتة. كل إنسان ألقاه هو معجزة من معجزات ربنا والتي تتحرك وتمشي على ساقين. كل إنسان يكشف لي عن حضور الله في حياتي. وبالتدريج يكشف الله عن نفسه ولا شيء في التاريخ البشري يحدث بشكل اعتباطي، والمهم هو أن نحسن نحن القراءة وندقق النظر متأملين في خشوع. دعونا نعانق كل إنسان نلقاه على أنه/ أنها ظهور الله. أنا ظهور الله. أخي محمد هو ظهور الله. الله ظاهر فيه بشكل معين وبنسبة معينة. الله ظاهر في كل إنسان وسره حاضر في كل إنسان ألقاه . . . أيًا كان الإنسان القائم أمامي بما فيه من مميزات وعيوب فهو حتمًا يحرك فينا التوق لمناجاة الله وعباداته متيقنين أن الله " يوضع سره في أضعف خلقه".
أنت هو جنتي يا إلهي. الجنة ليست لي وحدي بل هي جنتك وأريد للجميع أن يقطنوا فردوسك الأزلي. يا إلهي، النعيم هو أنت والجحيم هو غيابك من حياتي، وما دمت أنت في حياتي فأنا في النعيم. لا أريد المكافأة ولا الجائزة ولكني أريدك أنت فإنْ كنت لي بالكامل فأنا لي كل شيء ولا ينقصني أي شيء. لن أقول لك ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك بل سأقول أرجوك أعني حتى أترك فعلاً كل شيء وأتبعك لعلي أفوز بك، ومن يمكنه أن يتبعك إن لم يترك كل شيء ويمشي وراءك؟ سأقول مع الفيلسوف الكتالوني رامون لول في كتابه "العاشق والمعشوق": سألوا العاشق: وما الظلمة الكبرى؟ فأجاب: إنها غياب المحبوب. ثم سألوه: وما النور الأكبر فأجاب: إنه حضور المحبوب. إذا حضرت أمامك يا إلهي فأنا في النور ونورك يقشع كل ظلام يحاربني وأنت المحبوب وأنا حبيبك، وما من حبيب لي سواك. في تلك البقعة الساكنة، باطني أنا، مخدعي سأغلق بابه، وأنفرد بك يا إلهي ولن أبصر أحدًا من البشر أو شيئًا سواك.
#إبراهيم_عرفات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل قتل الله ابنه في المسيحية؟
-
الإنجيل من التحريف إلى الدعاء والصلاة به
-
قلب الأم والمسيح
-
تظاهرات المسلمين واهتزازات عرش الرحمن: فائدة النقد
-
عطشت نفسي إلى الصفاء، إليك يا إلهي
-
أطير من نفسيّ إليك يا ربيّ
-
في محراب الحب ناجيتك ربيّ
-
الإسلام.. المسيحية: أيهما أولى بالعقل من الآخر؟
-
واقعنا العربي المنكوب وسبل التعافي
-
الكتاب المقدس رفيق رحلتي من الإسلام للمسيحية
-
ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟
-
مفهوم التنزيل الإلهي والعبور من الإسلام إلى المسيحية
-
شهادة الحب من المسيحيين للمسلمين- الفقرة الأولى
-
تاء العورة والانتكاسة الحضارية في مواجهة الرقي الإنساني
-
ما الهدف وراء أن يصبح المسلم مسيحيًا؟
-
اللهم أعز الإسلام والمسلمين!
-
ما معنى قول المسيحي للمسلم إن الله يحبك؟
-
تنزيه الله أم عزلته؟
-
محورية الإنسان في المسيحية
-
هل تصلح اللا دينية كمنهج في الدفاع عن المسيحية؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|