محمود عبد الغفار غيضان
الحوار المتمدن-العدد: 3988 - 2013 / 1 / 30 - 18:15
المحور:
الادب والفن
المتلصص 4
11- أبي
علَّمتني حكاياتك عن حبِّ أمي كيف يكونُ العشق.. وعلَّمني تأدُبك معها في جموحِ غضبك كيفَ تكونُ الرجولة... لم تكن مشكلة أبدًا أنك لم تعلمني القسوةَ مع النساء... ولم تكن مشكلة كذلك أنك لم تعلمني الاختيار... وإنما كل مشكلاتي أنك لم تعلمني أنه ليس هناك امرأة كأمي.
12- أبي
باعتك أمي نفسها وكل ما ملكت يمينها- أعني ذلك حرفيًّا- وبعتَ نفسك وكل ما ملكت يمينك لأجلي وكل إخوتي- أعني ذلك حرفيًّا أيضًا-... أكنتَ تعلمُ أننا أسكناك كل مسامنا، لهذا قبل أنْ يتمَّ البيعُ دورته... بكلِّ حبٍّ رحلتَ؟!
13- أبي
وقفتَ أمام أبيكَ متحديًّا رغبته في تزويجك ثانيةً بحثًا عن الولد المنتظر... كي لا تكسر قلب أمي... ووقفت أمام كل الدنيا كي لا تكسر خاطر بنياتك النابغات وأرسلتهن لمدنِ النورِ البعيدة... وقفتَ أمام أبيك... وقفت أمام الدنيا... وحينما كان عليك أن تصفعني بعنفٍ دون وقوفٍ لا أستحقه أمامك... تركتني للزمن يصفعني بغيابك للأبد!!
14- أبي
عندما وقفتَ أمام الفقر علمته بكنز أولادك كيف يكون الغنى... عندما وقفت أمام الجهل... علمتَ القرية كلها أن المرأة ليست عورة... فتحت أبواب الكون باتساع الكتب التي لا تبلى لبناتٍ درجن على حمل الهمِّ قبل بلوغِ الــ هاء واو ياء... وعندما جاءك الموت... بكل حكمةٍ لم تقف أمامه... لم تشغل بالك أبدًا بكتابة سيرتك الذاتية... نثرت حروفها الفريدة على بدنِ الزمن فعلمتَ القرى المجاورة كلها أنَّ وداعكَ يجبُ أنْ يليق حقًّا بك.
15- أمي
بعكس كل العقد التي نضدها النفسانيون صغيرًا عشقتُ أبي أكثر منك... كان أبي دونك يعرف ذلك بكل تأكيدٍ لأنه مَن علمكِ كيف تغمسين ريش محبتك في مكحلة بيناتك الطيبات أكثر مني... فصار بيتنا دون مبالغةٍ الوحيد في القرية الذي لم يكن فيه لولد على بنتٍ فضلاً... وعندما ازدانت أعينهن بأنبل أمثلة الرجولة... لم تكن أصابعك تغادر رأسي الملقى على حجرك كلما رأيتك... في تدليلٍ أتحدى أنَّ طفلاً بعمري قد ذاق مثله!!
محمود عبد الغفار غيضان
30 ديسمبر 2013م
مجموعة "دهاليز عالم ثالث"
#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟