أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - زهير الخويلدي - الحاجة الى تثوير فلسفة التربية والتعليم















المزيد.....

الحاجة الى تثوير فلسفة التربية والتعليم


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 3986 - 2013 / 1 / 28 - 21:02
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


" الثورة السياسية نفسها محكوم عليها بالفشل اذا لم يصاحبها الغاء الأخلاقيات القمعية"
الجدير بالملاحظة أن قطاع التعليم والتربية في الدائرة الوطنية يعاني من أزمة بنيوية مست العمق المادي والرمزي الذي يرتكز عليه وأثرت سلبيا و بشكل أساسي على الرأسمال البشري ومنتوجه المعرفي والقيمي. ولعل الأمر لا يتطلب القيام بإصلاحات شكلية وجراحات تجميلية تركز على المظهر وتحرص على الترقيع وسد الثغرات بقدر ما يستلزم القيام بمراجعات جذرية وإحداث قطائع فعلية مع الطرق البيداغوجية القديمة والمستنفذة والبرامج التعليمية المفرغة والمملاة من الدوائر الرأسمالية المعولمة والتخلي عن ذهنية التسيير الاداري وتفكيك العلاقة التي كانت قائمة بين الممارسات البيروقراطية والسياسة الشمولية والتي سعت الى تأبيد الوضع وتبرير السائد ومحاربة ظاهرة الفساد والهدر للطاقات وإضاعة الوقت ومقاومة العنف المستفحل الانفلات والتسيب والقمع المُمَنهج للإبداع والحريات والتصدي لظواهر الوأد المبرمج للنقد والتفكير المختلف وتعميم الجهل والتشجيع على الكسل وزرع تقاليد مؤسساتية داخل الفضاء التربوي تقوم على صقل المواهب وتنمية روح الخلق والارتقاء.
رأس الأمر أن قطاع التربية والتعليم يحتاج بشكل عاجل وجذري الى عملية تثوير تقوض الأسس القديمة الخاوية وتعمل على بناء منظومة تعليمة متطورة ترتكز على دعائم مابعد حديثة قادرة على مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع في هذا الزمن الاستثنائي وتسدد المؤسسة التربوية نحو تنمية موهبة العقل وحفظ كرامة الانسان.
لب القول أن مقصد التربية والتعليم يجب أن يتوجه نحو تطوير الذكاء وشحذ الارادة بغية التأثير في الانسان ودفعه الى السير في طريق التطور والارتقاء وتهذيب ملكاته وطبعه وتحويل الطبيعة وعالم الأشياء المادية نحو انتاج منافع صناعية وقيم معنوية تسدد سلوكه نحو تحصيل الخير العام وتؤهله للسكن في الكون والعناية بالحياة.
غاية التربية هي توجيه الانسان من أجل أن يكرس نفسه في حياته للقيام بمهمة خاصة ووظيفة محددة في مجتمعه وفي الدائرة الانسانية تعود بالنفع عليه وتحقق المصلحة المشتركة دون تسبب ضررا للغير والسوء للنوع البشري.
غاية المراد من التربية ليس بلوغ كمال الطبيعة البشرية ولا دفع الانسان الى السير في اتجاه واحد وبشكل مبرمج وإنما دفعه الى الثورة على النمطية والقولبة وتوسيع فضاءات التجربة وفتح الآفاق وإطلاق حركة تنوير عميقة تؤهله للتفكير وتضع كل ما يفعله بنفسه من صلاح وتدبير على ذمة الآخرين ومن أجل صلاحهم وتطورهم. ربما في نهاية المطاف يكون الهدف الجوهري للتربية والتعليم البحث عن المعنى للحياة وإعادة تأهيل الانسان للقامة في العالم وبلوغ الانسجام المقبول بين الفرد والمجتمع والإنسانية والتوازن النسبي بين الرغبة والمعرفة والقدرة.
على كل حال تظل المدرسة المكان الذي يتكثف فيه المخيال الجماعي والوسط الرمزي الذي ينشط فيه اللاشعور السياسي للناس وكذلك الحاضنة التي تتأسس فيها الحياة المشتركة أين يتقاسم التلاميذ همومهم ويرسمون آفاقا لطموحاتهم ويتعاون فاعلو المجتمع المدني على تشخيص متطلبات المرحلة ويحلمون بحياة مستقبلية أفضل. والحجة على ذلك أن اليوتوبيات والمثل العليا والقيم المطلقة والحكايات الكبرى التي رفضها الواقعي الاجتماعي وطردها الناس من مساحات وعيهم تجد في المدرسة مرتعا لها ومكانا الانتشار وتتسرب الى أذهان المتعلمين.
من المعلوم أن المدرسة تتأثر كثيرا بالمناخ الاجتماعي والتحولات التاريخية وأن حدوث ثورات أو اصلاحات في مجال الدين والسياسة ينتج عنه بالضرورة رجات ارتدادية وانفلاتات داخل الوسط التربوي ولكن مساهمة المدرسة في الارتقاء بالمجتمع وتأثيرها في حركة التاريخ وتطوير السياسات وتثقيف الناس وتكوين العقول وإنضاج الأفكار وتدعيم القيم التقدمية والسلوك المتحضر في الحياة اليومية أمر لا يمكن أن الاختلاف حوله.
في هذا السياق تواجه المدرسة العمومية اليوم تحديات كبيرة مما يعوقها عن أداء رسالتها التربوية على أحسن وجه وأهمها:
- هيمنة ثقافة الميوعة وعقلية الاستهلاك وتفضيل معايير البسيط والسهل والراحة التي استبدت بالشارع واخترقت أروقة المؤسسات التعليمية.
- تنافس غير متكافىء مع التعليم الخاص الذي يبحث عن النجاح على حساب الاستحقاق وبروز مفاجىء للتعليم الموازي الذي يركز على اللغات والمواد الدينية.
- اكتساح موجة من الأفكار الحزبية المغشوشة وآراء الايديولوجيات الضيقة وانتشار للدعاوي الدينية والمعتقدات الماضوية.
بيد أن التربية تحتاج الى العلوم والفنون والآداب لكي تخفف الألم عن الانسان وترفع عنه الجهل المقدس وتحارب الأمية الجديدة وتعمل على تنمية البشر من الناحية الفيزيائية والأخلاقية وتوجه المجموعات نحو قيم المواطنة والديمقراطية وتدفعهم الى احترام بعضهم البعض وحسن تدبير الكون وتحمل مسؤولية الوجود على الأرض.
" تشكل التربية المنهج الأكثر تطابقا مع المثال الديمقراطي، ليس فقط لتوجيه الناس نحو مصيرهم وإنما أيضا لاحترامهم مطلب الحرية" . علاوة على ذلك تساعد المدرسة التلاميذ على ثقافة النقد الذاتي وحسن استعمال العقل وتغرس الفكر المدني وتضمن تطورا دائما للمجتمعات وحماية واعية للسكان وتجنبهم مهالك النزاع والتباغض.
بناء على ذلك أن برنامج المدرسة الأول هو اعداد مواطن صالح للمستقبل ونشر ثقافة الارتقاء بالبشر وصيانة العائلة من آفات التفكك وتقوية أواصر القربى بين الأفراد وزرع مشاعر المحبة وقيم التوادد بين الأشخاص. لذلك عمدت فلسفة التربية منذ نشأتها الى طرح الأسئلة الكبرى التي تهم الطبيعة البشرية وتوفير شروط ترقيها وتنميتها وحرصت على تخليص المسألة التربوية من الخلفية الميتافيزيقية والأخلاقوية ومقاربتها وفق منهجية علمية وذلك من خلال تكوين جملة من المعلومات والإحصائيات والرسوم البيانية والمعدلات حول نسب النجاح وأشكال الهدر ودرجات الذكاء ورصد تجارب وملاحظة ممارسات وخلق وضعيات وإخضاع عالم التربية الى محك التجريب.
في كل الأحوال أن مقاصد التربية تتحدد من خلال مراكمة المعارف الموضوعية وإعداد الكفاءات وبلورة البرامج الجادة وتهيئة الظروف السياسية وجو من الحريات وتعصير البنى التحتية وترفع الأفكار التربوية الى مستوى النظريات الفلسفية وتجمع بين التربية والتنوير وتجدل الصلة بين العقلنة والأنسنة وبين الدمقرطة والشرعنة.
بيد أن مهمة فلسفة التربية اليوم هي التصدي الواعي والمتبصر لمظاهر التعصب واللاتسامح والدغمائية والابتعاد عن السقوط في النسبوية والبراغماتية والعدمية وتدبير خيار ثالث يركز بالأساس على التعقل والتوازن والتفاهم. من جهة أخرى حري بفلسفة التربية ألا تكف عن اعطاء الأطفال الوسائل اللازمة والوصفات السحرية التي يصيرون بها كهولا وإنما أن تدفعهم مهما كان سنهم وجنسهم الى التعلم مدى الحياة وحب العلم وإجلال أهله.
هكذا تسعى فلسفة التربية الى تغيير رؤية الانسان الى الكون وزرع الأمل والحلم بميلاد يوم جديد يطل على الانسانية يختفي فيه الحرب والعنف والظلم ويظهر فيه العدل والسلم والمحبة وتتغلب الفضائل على الرذائل وينتصر التعارف العالم على التدافع الجاهل وتتحول المدرسة الى الجبهة الأمامية لمقاومة القمع والتخلف والفساد.
زد على ذلك تساهم التربية في تخطي أزمة الانتقال من حقبة تاريخية ثورية الى حقبة أخرى حينما تعتبر الماضي منبعا أصيلا وتأسيسيا للقيم والمعايير وتتعامل مع الحاضر بوصفه فضاء التجربة الممكنة وتنظر الى المستقبل على أنه المدخل الذي يحمل المجتمع امكانات التجاوز والانتصار على ذاته وتثوير الذهنيات والتغيير الجذري.
غاية المراد أن فلسفة التربية تعمل على تنمية استقلالية النظر والعمل والاعتزاز بالهوية الوطنية للمجتمع وتكوين الفرد وبناء المواطن والحفاظ على المؤسسات المدنية للدولة والخروج بالناس من الوصاية والقصور الى الرشد والنباهة والاستنارة والتعويل على الذات وتفعيل الاندماج بين الأنساق الاجتماعية وتهيئة الظروف الملائمة للخلق والإبداع وتقوية عزيمة الشخص في مواجهة تسلط الدولة واستبداد الحشد وسطوة الصورة والدفاع عن السيادة وإزالة كل أشكال القمع وتفكيك البنى النفسية التي تعيد انتاج الكبت وجعل التحرر النفسي طريقا نحو المبادأة.
من الضروري أن تتحول المؤسسة التربوية الى وسيط رمزي بين القيم الخصوصية التي تحرص العائلات على التمسك بها والقيم الكونية التي تقوم وسائل الاتصال المتطورة على الدعاية لها واشهارها تحت عنوان العولمة. مجمل القول أن الدرس المستفاد من أزمة التعليم هو ضرورة التعجيل بالتثوير البيداغوجي والثورة التربوية بغية ايجاد برامج تعليمية تستكمل أهداف الثورة وتحرص على تعزيز قيم الشجاعة والفداء والتضحية والايثار في وجدان الناشئة وتضع الانتصار الى الكرامة الانسانية كبوصلة لها وتجعل من الانحياز الى الفطرة البشرية السليمة وانقاذ الطفولة من المنحدر الخطر الذي تبشر به السلعنة والعولمة المتوحشة مشروعا حضاريا لها.
ألا يجب على فلسفة التربية أن تعثر على منوالها ومقاصدها في الانسان في حد ذاته؟ وكيف تسمح للإنسان بأن ينمي في ذاته ملكة الحرية بوصفها الماهية التي تخصه والوضعية الجذرية التي يوجد بها وعليها في العالم؟
المراجع:
ب.أ. روبنسون ، اليسار الفرويدي، ترجمة عبده الريس، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى،2004.
Le dictionnaire des sciences humaines, sous la direction de Sylvie Mesure et Patrick Savidan, edition PUF, Paris, 2006.



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادىء أولية في الثورة الثقافية
- فن السياسة وحسن التدبير
- من الثورة الى التثوير، حول أطياف 17 ديسمبر والثورة الثقافية
- تشذر الخطاب الفلسفي
- شذرات ثورية في زمن مؤقت
- شذرات ثورية
- الإرادة والإختيار والعدل عند الفارابي
- منهج التربية: من الاستبداد الى الديمقراطية
- معركة الإعلام بين المعارضة والسلطة
- ما معنى أن يكون المرء على اليسار حسب جيل دولوز؟
- ورقة فلسفية عن الثورة العربية
- ثلاثة نماذج معيارية للديمقراطية عند هابرماس
- طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد في مرآة التراث والذات والآخ ...
- من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
- وداعا أنور عبد الملك فارس الثقافة الوطنية
- التنوير العقلي بدل التعصب الايديولوجي
- الدين دعامة رئيسية للثورة
- في الفرق بين التمرد والثورة
- جداريات الثورة والكتابة البركانية
- الرأي المشترك والتفكير المنطقي


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - زهير الخويلدي - الحاجة الى تثوير فلسفة التربية والتعليم