|
رومانسية مدمرة
لينا سعيد موللا
الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 21:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في بداية أيام الثورة كثرت ظاهرة المتفاخرين بالوطنية، ولأن الوطنية متباينة الفهم لدى البعض فبعضهم تفاخر بمنطقته وما قدمته على مر التاريخ من أيام سرجون الأكادي وحتى اللحظة الحالية، والآخرين بدينهم، وآخرون بمذهبهم، ولأن الوطن السوري جامع لكل التفاصيل، فقد طلبت بأن يحذف كل صديق مذهبه أو ديانته، مع الاحتفاظ بقيمتها في قلبه ووجدانه، ويكتفي بإيمانه بوطنه السوري، وكان كم المتجاوبين جيداً .
إلا أن البعض لامني، فقد اكتشفوا في دعوتي تخل من أحد مكونات الوطنية، مع أني لم أجد في الدين يوماً حاملاً لهوية وطنية، ولا يصلح لأن يكون، فالأوطان تبنى على الحقوق وعلى اندماج الانسان بالوطن والمجتمع، بالعطاء والاحساس بالمواطنة . أما الدين فمفهومه شخصي متباين حتى بين أبناء العائلة الواحدة، وهو مرتبط بالراحة والسكينة.
النظام يحاول جاهداً وكاذباً تصوير نفسه بأنه يحارب تيارات إسلامية متطرفة، وتتخذ الدول الراغبة في مساعدته من ذلك ذريعة، فأكثر ما يؤذي النظام هو مشهد الثورة الوطنية، ثورة المبادئ، لذلك سعى إلى تشويهها .
ومشكلة السوريين احتفاظهم برومانسية عاطفية دينية، ورواسب تاريخية في أن الشعارات الدينية التي تتشابه و تتقاطع مع تيارات سلفية هي فأل خير وهي الأنسب ، وأن الانتصار لا يمكن إلا أن يكون بصيغة الجهاد لا بعبارات الكفاح ضد الظلم أو محاربة المستبد والطاغي، أو تحرير الوطن من المفسدين والقضاء على مئات الظواهر المريضة . إذ كان لا بد من استعمال عبارات عامة اعتاد الناس تردادها يومياً وفي مواضيع شتى، طمعاً بالحصول على رضى الله وتفضيله في كل شيء ومن ثم الولوج إلى القضايا الأرضية والزمانية . كان هذا على حساب الموضوعية، فنادرة هي التعليقات أو الشرائط المصورة التي نجحت في إظهار حقيقة الثورة، وكأن الثوار في مجملهم قد تحاشوا الحرفية أو الموضوعية، باعتبارها عبء على قلب المؤمن، وتكاثرت الأخطاء .. فبدأ البعض يغيب الشعارات الوطنية مستبدلاً إياها بأخرى دينية امتثالاً لأوامر الممولين ، والبعض الآخر وجد أن للشعارات الأخيرة مردودية عالية في شحن المعنويات .
لكن مهما يكن فإنه يجب أن لا ننسى أن الشعب الذي قاد الثورة ومنذ الساعات الأولى قد بين أن ما يريده، دولة مدنية لا دينية ولا عسكرية، وأن قطاع كبير جداً من المواطنين يرتاب من استعمال الشعارات الدينية المشابهة لتيارات دينية ارتكبت الفظائع في دول الجوار ويخشى سلوكها وتأثيرها السيء على مستقبل الثورة والوطن، وهذا ما أثر على قناعاته وطريقة تعاطيه معها .
ولا بد من الاشارة أن خسارة هذا القطاع يشل الثورة ويوقف تقدمها، ويسيء لسمعتها في الداخل والخارج، وإن التمسك بهذه الشعارات وهو ما يتمناه النظام لاثبات مزاعمه، هو إساءة لأهدافنا التي ضحى كل السوريين لأجلها .
ومن هنا فإن بروز جبهة النصرة كفصيل مقاتل ضد النظام جاء تتويج لمسعى إقليمي عربي دولي وتنفيذ وطني من النظام والمعارضة، بتوازع ملفت للأدوار .
فالنظام الذي أفرج عن بعض المساجين وبعضهم محكوم بالاعدام أفسح لهم المجال لتقلد قيادة مجموعات سورية تقاتل النظام باسم الجهاد الديني ضد الكفرة، ورفع جميع الشعارات المريبة للداخل والخارج، وأغلبها إقصائي، أما الاعلام العربي فقد توجه إليها فوراً لينقل تصريحات قادتها ولينقل صورة عن مهنيتها وأخلاقها ، وإظهارها على أنها تبلي بلاءاً حسناً.
لكنها تفعل ذلك لأسباب أبعد ما تكون عن الأهداف التي جمعت الثوار ضد النظام، وتلقفها الغرب فوراً ليعتبرها أحد الفصائل الارهابية، وبالتالي حقق النظام ثغرة كبيرة، حاول توسيعها مع الوقت بالتناغم مع الدول الداعمة له، لتصويره على أنه المدافع عن الحضارة الانسانية في مواجهة الزحف الأصولي، على اعتبار أن هذا العدو مشترك بين جميع دول العالم، وشاهدنا رايات أثارت استياء المشاهدين ارتفعت في مالي لترتفع أصوات من الثوار أنفسهم باعتبار أن القضية المالية هي امتداد للثورة السورية وكانت هذه قمة المهذلة وضيق الأفق .
وهنا أقولها بصراحة .. لا يهمني .. إذا قال جورج صبرة عن جبهة النصرة كلاماً جميلاً أو أن معاذ الخطيب قد دافع عنها، واعتبرها من أصل المقاومة المسلحة، فكلاهما وقع بالفخ طائعاً بعد أن تم إحراجه .
المعيار والفيصل، لأجل ماذا تقاتل؟ وماذا يؤدي انتصارها في نهاية المطاف . وماذا يؤثر على حقوقي ؟ ولماذا أسست الجبهة، وإلى ماذا تهدف من وراء نضالها المسلح؟ وما هي أهدافها الحقيقية؟ ومن أين أتت؟ ومن يمولها؟ ولماذا تحوز على تسليح خاص؟ وتستبدل علم الثورة براية القاعدة؟ ولماذا تركز عليها وسائل الاعلام، حتى باتت ثورتنا تكنى بالجهاديين على الأرض وتهمل أصحاب القضية الحقيقيين ؟؟؟؟
إن هذه الرومانسية من قبل البعض مدمرة، وأتمنى أن يدرك الثورا على الأرض، أن ثورة الحقوق يجب أن تدار بطريقة ذكية يمكن تسويقها بين كل السوريين على الدوام لأنها تقوم على التلاحم الشعبي الكامل، ولا تكون بالعناد ومجابهة كل من يجد في هذا التيار خطر ماحق على حقوقه وحتى على وجوده. وأنا هنا أتحدث عن غالبية السوريين الذي قالوا كلمتهم بمئات الشعارات، عن صورة سوريا الجميلة التي أرادوها .
وإذا قال قائل أن الشعب السوري متدين وهذا أسلوبه، فأنا أحني له رأسي احتراماً، لكن التدين شيء، والتبصر شيء، وفعل ما ينفع شيء آخر.
أتمنى أن يصل ندائي إلى جميع السوريين، ليساهموا جميعاً وكل من موقعه بإصلاح اتجاه القافلة قبل أن ينحرف كلياً، نحن لا يمكن أن نلتف ونجتمع إلا حول أهداف ثورتنا التي خطيناها بدماء ضحايانا. أما خلافاتنا في كل شيء، وهي بالتأكيد موجودة، فالتعايش معها كعنصر إثراء متروك لآليات ديمقراطية تغني المشهد السياسي والثقافي في سوريا القادمة .
في النهاية سوريا للجميع، ومن يحاول مصادرتها والتحدث باسمها إنما يعيد صورة النظام التي حاربناه، لأن الوطن هو فسحة للأمل والحرية والفرص، وعلينا أن نحترمه ونحافظ في سلوكنا على مسافة واحدة من الجميع، هذا مفهوم الوطن وواجبه علينا .
قادمون لينا موللا صوت من أصوات الثورة السورية
#لينا_سعيد_موللا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤامرة
-
عن اجتماع جنيفا
-
هواجس المحظيات
-
نهاية المطاف
-
قائد من الداخل
-
إنها الحرب
-
الثورة السورية بعد سقوط الطاغية
-
وجهة الأسد بعد السقوط
-
حقائق يجب معرفتها
-
كلمة لا بد منها
-
الديمقراطية عسلها وسلبيتها على الآخرين
-
توحيد الجهود
-
لونا الشبل خلفاً لجهاد مقدسي في وظيفة الناطق بوزراة الخارجية
...
-
طبول الحرب تقرع
-
أحلامنا واقعاً
-
عندما يكون الحل ممكناً والنوايا صافية
-
الأمل والمثابرة والقناعة في أن سوريا للجميع
-
التفاني حتى آخر قطرة
-
دعوة للتبصر
-
رقعة الشطرنج
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|