|
رجالة قيصر وحريم النار
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 15:32
المحور:
الادب والفن
رجال قيصر .. . وحريم النار
د . أبو الحسن سلام
" المرء على دين خليله ؛ فلينظر أيكم من يخالف " ( حديث) من الحق أن نقول : إن مرآة الحاكم حاشيته ؛ أينما ولى وجهه شطر ناحية فثمة وجهه معكوسا على تلك المرآة !! والحاكم الحق سريعا ما يولى وجهه شطر شعبه : فهو ( مرآته المصقولة ) الناصعة صفحتها التي ينعكس عليها وجهه ووجهته الحقيقية التي لا يكف شعبه عن اتخاذها قبلة يتوجه إليها متأملا إشراقات صباح مستقبله المأمول نحو مزيد من الحرية ومزيد من العدالة الإجتماعية ومزيد من الكرامة الوطنية والإنسانية. أما مرآة حكم السوء فتتمثل في حاشيته التى تعكس أقنعة البراءة والنزاهة والعدالة والتحضر والسماحة والخبرة وحقوق المواطنة دون أن تتيح لوجهه الحقيقي منفذا يناظره الشعب ؛ فيكتشف زيف ملامحه وكلاحة وجهه وخبث نظرته وعمى بصيرته ويتحقق من سحنته فيتبين تجاعيدغضب القرون الوسطى على آلية نطقه ؛ بعد أن أعادت حاشية سوءاته تشكيله في مسخ غير آدمي يتكلم وحده طوال الوقت بما لا يفهمه هو نفسه بعد أن أدخلت اليه الحاشية فيما يجوز أن يطلق عليه عقلا أن شعبه خلق على هيئة أذن صاغية لكل ما يخرج منه حتى رجع صوته وعندها يتوج بلقب الدكتاتور الأوحد الذى يأمر وعلينا السمع والطاعة فملكيته للحقيقة المطلقة لا ينازعه فيها أحد . ولأن للطبيعة قوانينها الصارمة التي وتصدرها قانون التدرج الذي تتجلى مظاهره في أن الجديد يجب القديم ويوبخه أو ينفيه ؛ والذي يكشف عن أن الضغط يولد الإنفجار ؛ لذا فإن أول من ينقلب عليه أقرب الخلصاء في حاشيته عند أول علامة تلتقطها قرون الاستشعار عند بعض حواشيه لدخان ثورة غضب شعبي تلوح سحابتها في الأجواء .. وهذا ما حدث مع ( يوليوس قيصر ) الذي تضخم وتضخم على طريق الحاكم الفرد الأحد والصوت الذي لا سمع ولا طاعة إلا لنبر زفراته ؛ بما شكل ضغطا مكثفا على أقرب خلصائه فأنقلبوا عليه وفكروا في جسده على درج مجلس النواب كل طاقات كبتهم بدعوات سيوفهم التى ملئت جسده المحشو بكبرياء التفاهة التي شحنته بصواعق الغرور والتسلط لينفذ منها دماء الطاغوت ويصبح عبرة لمن يجيء من بعده تلك هي القصة التي تدور حولها مسرحية وليم شكسبير ( يوليوس قيصر ) التى قدمها في مصر لأول مرة جورج أبيض عام 1910 بإخراج رائد الإخراج المسرحي في مصر وبلاد العرب القدير عزيز عيد ؛ الذي جعل مسار حملة جثة يوليوس قيصر من وسط الصالة مخترقا الجمهور صعودا إلى خشبة المسرح تقليدا مسرحيا ذا ملمح تعريبي - غالبا دون علاقة له بنظرية التغريب الملحمي - باعتبار أسلوب عزيز عيد هو نفسه أسلوب أندريه أنطوان - رائد المدرسة الطبيعية في فن الإخراج المسرحي - وهو مشهد تكريم لذلك الديكتاتور - ولا أدري إن كان عزيز عيد قاصدا ذلك أم أن هذه الحفاوة مجرد استعراض لمهارة أسلوب الإخراج إمعانا في الميل نحو الطبيعية - ولأن شكسبير قد أراد بمسرحية تلك نقد صورة الحاكم الفرد المتسلط الذي يزعم بأنه الآمر الناهي في شعبه ؛ فقد كتب بمسرحيته تلك الخلود لأن إنتاجها على المسرح مازال يتكرر من عصر إلى عصر تال له في كل بلاد الدنيا وبخاصة تلك البلاد المتخلفة شرقا وجنوبا التيىتحكم بالعسكرتارية البيروقراطية وبالنظم الشمولية والنظم الدينية أو التي تخلط الدين بالسياسة. ولأني شاهدت منذ أيام في القاهرة أحدث عرض مصري ليوليوس قيصر لفرقة قصر ثقافة طنطا المسرحية بإخراج المخرج الشاب. (رامي الطنباري) على مسرح الصوان بأرض السامر الناطور من زلزا أوائل التسعينيات فأعجبني اختيار المخرج والفرقة لهذه المسرحية التي تتعرض لعلاقة الحاكم الديكتاتور بحاشيته وعلاقته بشعبه الذي يتكرر اللعب بمصيره والضحك عليه بالخطب الرنانة المعسولة والشعارات البراقة الزائفة والوعود الكاذبة أو بشعارات تستخدم الدين استخداما سياسيا لتحقيق أغراض إنتهازية لا علاقة اها بالدين . فلا شك أن إختيار رامي الطنباري لنص يوليوس قيصر لعرضه في هذه الأيام بالتحديد له دلالته وأهميته حيث نشهد مرحلة تشكل شكلا جديدا لم نعنده بين الحاكم والمحكوم في ظل نظام تشتبك فيه التفاسير المحسوب على تيار ديني من هنا وتيار ديني آخر على يمينه وكلها تيارات دينية متباينة في آراء المتداخلة على طريق التسييس الديني مرة على الصعيد المذهبي الجماعي ومرات على الصعيد الإنفرادي المنفلت في تصريحات تتضح بوسام الفتوى - مع أنه لا فتوى بدون سؤال- لذلك يحسب لفرقة طنطا المسرحية ولمخرجها والذين قاموا على إنتاجها ذلك الإختيار الموفق الذي يعبر عن جوهر ما يتخوف منه شعبنا بعد معاناة تقترب من العامين بعد انتفاضته العظيمة في 25 يناير 2011 على ديكتاتورية بشعة ؛ أملا في ألا يتكرر النهج الديكتاتوري مرة أخرى متوارثا خلف قناع التدين تحت شعار التقوى بعد أن نزع عنه قناع عسكرتارية بغيضة آخفى وجه مصر الحقيقي قرابة 50 عاما منذ هزيمة 67 . هذا عن موضوع العرض وعن روعة الاختيار
النص الشكسبيرية بين النبوءة والمعرفة :
أما التناول فلنا معه وقفة نقد له فيها ماله وعليه ما عليه ؛ بخاصة وأننا أمام نص شكسبيري منتقص من حيث عناصره الفكرية التي أراد شكسبير ( أسطى الإبداع المسرحي الشعري عبر العصور) وهذا يجرنا إلى قضية الإعداد المسرحي من حيث ضروراته وآثاره الإيجابية والسلبية وحول الضرورة التر رآها مخرج العرض للتلاعب في بنية النص الشكسبيري طول زمن العرض - وهي مشكلة خاصة باختلاف الإيقاع المعاصر عن إيقاع عصر شكسبير الإليزابيثي(1654 - 1616 ) فضلا عن كثرة المشاهد وتعدد الأماكن وما يلزم ذلك من تغييرات في المناظر ؛ الذي أثقل بها إنتاج أعمال شكسبير نفسه لمئات السنين في مسرح العلبة الإيطالي ؛ - وهو لزوم ما لم يكن لازما في عصر شكسبير نفسه حيث لا ديكورات ولا ستار ولا تبديل مشاهد عن طريق إظلام منصة العرض وإعادة إضاءتها ما بين منظر وآخر - لذا لجأ مخرجو المسرح الحديث والمعاصر إلى حذف بعض المشاهد من المسرحيات الشكسبيرية عند التصدي لعرضها ليتناسب زمن عرضها إيقاع عصر إنتاجها ؛ ومن ناحية ثانية لجأ غالبية المخرجين كل تبع أسلوب الإخراج إلى التخلف من عبء الديكورات أو تجريدها إذا كان منهج المخرج تعبيريا أو ترميزيا أو كان العرض عرضا جامعيا. على أن مخرجي الحداثة وما بعدها قد كانت لهم مآرب أخرى تتجه نحو خلق دلالات متعددة للنص الشكسبيري الواحد أو تفكيك أنساقه ونقض خطابه - عن طريق ما يعرفه بقراءة الإساءة- فما الذي فعله مخرج عرض يوليوس قيصر بالنص الشكسبيرية ؟ هل كان عبثه بالنص الشكسبيرية متقصداخلق دلالات متعددة لخطابه ؟. أبدا . هل سعي إلى تفكيكه ونقض خطابه ؟ لم يحدث. فماذا فعل ؟ أراد الخروج من مأخذ الملل الناتج عن المنولوجات أو الديالوجات الطويلة بين قيصر وزوجته (كالبورنيا) والثنائيات الحوارية بين ( بروتس وزوجته ) فقطع الثنائيات الحوارية إلى أوصال متداخلة تداخلا زمنيا - لا لأن زمن حدوثهما معا متزامن قياسا على الزمن الحقيقي وإنما اعتمادا على الزمن الخيالي المسرحي الافتراضي) مع أن كلا الحدثين ( حوارية قيصر وزوجته وحوارية بروتس وزوجته ) في النص الشكسبيري غير متزامنين . كذلك عبث المخرج في بنية مشهد أنطونيوس وخطبته التأريخية المظهر والسياسية المخبر فمزق الخطبة الشهيرة التي وضع فيها شكسبير المغزى الحقيقي الذي يلجأ إليه الحكام والسياسيون المحنكون في الضحك على لبون شعوبهم بمعسول الوعود والأكاذيب المغلفة بآمال زائفة نحو المزيد من الحرية والعدالة والرفاهية وانخداع غالبية الشعب الفقير الأمي بالشعارات دينية كانت أم سياسية أم اقتصادية. لقد مزق رامي الطنباري خطبة أنطونيوس معلم الخطبة التاريخية السياسية في خداع الحكام لشعوبهم ومعلم الخطبة الدرامية في تاريخ النص المسرحي ؛. تلك الخطبة التي لا تجاربها في تاريخ النص المسرحي سوى خطبة دفاع بوذيين عن أنطونيوس في تاجر البندقية ؛ كما مزق خطاب بروتس في مواجهته لكاشياس قبيل التمهيد لمؤامرتهما على قتل قيصر أو في أثناء سير معاركهما مع أنطونيوس وإكتافيوس قيصر؛. وبذلك أراقت رغبة المخرج رحيق حواريات شكسبير المراوغة بهدف الاستمالة وكسب التعاطف والتأييد أوالمواجهة طلبا لكشف مناط التناقض بين الرفقاء أوالفرقاء ولعل ثالثة الأثافي في عبث المخرج بهذا النص الشكسبيرية تمثلت في حذفه لمشهد أراه مشهد ضرورة درامية - تماماً كمشهد البواب في مسرحية ماكبث الذي كان بمثابة مشهد ضرورة حياتية لتمكين ناكري وليدي ناكري من الاغتسال من دماء الملك دنكن بعد قتلهما له ولتمكينهما من استبدال الملابس الملوثة بدم الملك حتى يستقبلان ماكدف وولدا الملك في الصباح - حذف المخرج رامي الطنباري مشه معلم زوجة بروتس الذي حملته برسالة تحذير ليوليوس قيصر وهو في طريقه إلى مجلس الشيوخ صبيحة الرابع عشر من مارس وفيها تحذره من مؤامرة لاغتياله . حذف المخرج هذا المشهد لأنه لم يقرأ نص شكسبير قراءته التي يستحقها !! شكسبير أسدى البناء المسرحي المراوغ الذى تأسس على خبرة ومعلمة في فن الكتابة الدرامية استخدم وسيلتين لنقل المعلومة : الوسيلة الأولى عن طريق التنبؤ بالغيب وقد رسم لها شخصية العراف الذي يقطع الطريق على موكب قيصر متصايحا يصبحان التحذيرية إعلانا لما تنبأ به حول مصير قيصر. ولم يكتف شكسبير بذلك لعلمه بأن هناك معرفتين ولازمته حياتنا الإنسانية عبر العصور وعبر البلدان وهما ( المعرفة االظنية الغيبية والمعرفة اليقينية ) ومنةالبراعة التي تحسب لفن شكسبير توظيفه لكلا المعرفتين في نص يوليوس قيصر ؛ إذ وظف شخصية العراف توظيفا دراميا ناقلا لنبوءة الغيب بمقتل قيصر على أيدى رفقائه وأركان حكمه نشفعها برؤيا منتمية استشفافية لزوجته : كالبورنيا ودعمها بمعلومة يقينية عبر رسالة بوذيين زوجة بروتس التي شكت في استقبال زوجها لكاشياس وكاسكا وسنا وديمتريوس في بيتها ليلا دون سابق إنذار ؛. ولما ألحت على زوجها إن يصارحها بما يجري لم تتلق منه جوابا لذا استدعت معلمها السابق تميدريوس وحملته برسالة تحذير لقيصر قبيل دخوله إلى مبنى البرلمان إن حذف مخرج عرض يوليوس قيصر لذلك المشهد دليل على أنه لم يقرأ النص قراءة تحليلية تقارب بين مشهد وآخر وصولا إلى جوهر فلسفة التفكير الدرامي الشكسبيري الذي يبطن أكثر مما يظهر تتويجا للتعبير الدرامي بوساطة الاستعارة والتورية والمسكوت عنه.
العرض بين الروعة والتشويه:
لا يوجد إنتاج إبداعي دون روعة مع تشويه في التعبير أو التصوير ؛ غير أن العبرة في الصورة المسرحية هو أثرها الممتع والمقنع في آن واحد . ولعلىالإيقاع أهم ركيزة في خلق حالة تواصل حميمية بين العرض المسرحي وجمهوره . ولا شك أنومخرج عرض يوليوس قيصر قد قصد لتدخله في النص الشكسبيري حذفا وتقطيعا وتحميها لمشاهد ثنائية متداخلة متعارضة أو متقاربة هو اللعب في الميزان الإيقاعي للصورة المسرحية تخوفا من الحوارية الطويلة بين شخصية وأخرى مما أدى به إلى تقنية المونتاج وهى تقنية خاصة بفنون الشاشة في الأصل ؛ غير أن جهده ذاك قد أدى إلى عكس مقصده فأصاب الميزان الإيقاعي ( تمبو) الأداء بالبطء و(الجابات) التي أعطبت التدفق الإيقاعى للمشاهد على المستوى الأحادي أو منظومة التدفق الإيقاعي العامة للعرض فطالت مساحة التشوية روعة الأداء الفردى المتميز عند بعض الممثلين. على أن عوامل إبطال روعة الصورة المسرحية في ذلك العرض لم تتوقف على دور المخرج رامي الطنباري معدا للنص الشكسبيرية فحسب وإنما تعداه إلى الميزانسين mise -in scene فحركة الممثل غير متجانسة مع حواره الصوتي. وكنا نعرف طوال الوقت أن الحركة تنبع من الحوار- هكذا تعلمنا- ولأن مسرحية يوليوس قيصر مسرحية ليست عبثية ولا هي مسرحية سيرياليىة حتى يكون لدى المخرج مسوغا منطقيا لفصل حركة الممثل عن تعبيره الصوتي ومن الصور اللافتة للنظر أيضاً حركة المجاميع التى كانت أقربىإلى الحشو الزخرفي غير المبرر والذي كان سببا في الصويرة على منولوجات بعض الشخصيات من ناحية التعبير الصوتي وحجب رئوية جمهور زوايا جمهور صالة الجمهور عن رؤية الشخصية المتحدثة. إلى جانب ذلك خلقت حركة تبديل المكعبات ( البوقان) ضوضاء مرئية دونومبرر لحركتها وربا لوجودها على المسرح في مجمل المشاهد . كذلك كان أثر المبارزات غير المتقنة بسيوف خشبية أثر قلل من قيمة استعمالها عما لو كانت سيوفا حقيقية لها صليل السيوف في المبارزات وفي الحروب .
وعلى الرغم من هذه الملاحظات تظل جرأة الأقدام على إخراج هذا النص الكلاسيكي المنسرح لحدث تاريخي كبير هو أهم عنصر يحسب للمخرج والفرقة ؛ بخاصة ونحن نعيش حالة مناظرة لحالة التسلط الفردي الذي ترتب عليه نزع روحه عن جسده بأيدى حاشيته التي عاشت تنافقه. وإذا كان رجال قيصر هم السبب في تطويع قابليته للتسلط وتضخيم ذاته وتأليهه إن خنوع الشعب كان السبب الرئيسي في تكريس ذلك التسلط والاستحواذ على كل السلطات وتكميم الأفواه .
هناك خيط رفيع بين الحاكم المطلق على دولة والحاكم المطلق في البيت وإذا كان قيصر قد تضخم وتسلط بنفاق رجاله وخنوع شعبه سببا في تحول رجاله إلى قنبلة انفجرت فيه فمزقته شر ممزق ؛ فإن ما حدث لفتحية شلقم لا يختلف من حيث النتيجة بفعل حريم النار .. أو بناتها العوانس المكبوتات بفعل تسلطها وسطوتها عليهن إلى حد منعهن من مجرد النظر إلى الشارع من خلف نوافذ بيتها المحصن بجبروتها حيث الصرامة في التقيد بالملابس السوداء وإظهار كل علامات القاتمة في ذلك الحصن المنيع المسيج بأسلاك صرامة تلك الأم الغليظة القلب التى مات عنها زوجها. لكم كان أداء الانساوات اللواتي قمن بتمثيل مسرحية. ( حريم النار) المقتبسة عن مسرحية لوركا الشهيرة ( بيت برنارا ألبا) لقد كانت نسوة هذا العرض صارمات مرحات كنساء وندسور المرحات أما صرامة مظهرهن فقد اقتصرت على اصطفافهن صفا في عرض أقرب إلى طابور أمناء الشرطة في حضرة ضابط القسم الذي تمثله الأم في ذلك العرض البديع القيم الذي اقتبسه نصا محمولا على تعبير حواري صعيدي صارما في نبر كلماته مموسق بوقع حروف كلماته في الشدة والليونة الجنوبية العذب وقع جرسها على الأذن البجراوية . المنظر : بيت ريفي طرازه عربي له باب عمومي ذكرني باب بيتنا الكبير بحري البلد بجوار وابور المياه القديم في مدينة طما السوهاجية باب زو شخصية كباب دوار بيت أبودومه له هيبة وعندما أتفرح الباب من ذات نفسه وانبلج من فرحته شحيح ضوء اقتحمت ساحته الداخلية خيم سوداء عبئت بصرخات حادة تردد أصواتا أتحدى من يتبين معناها إلا أنها ولولت حريم غيب القبر سبع إحداهن فجتسابقن في سباق عويل مجامل لصاحبة الدار فاقدة الرجل الذي يصفوه خلف قائدة مظاهرة العويل كلمات وقعت على سمعي كما لو كانت أسما و لحيوانات مختلطة ما بين ما كان منها أليفا مثل يا جملي وما كان منها متوحشا مثل يا سبعي أوصاف جمعت بين نقيضين جمله وأسدها هكذا !! في الحقيقة عاد بي منظر تلك الخيام السوداء المعيشة بنشوة صغيرات السن يتكشف بياض وجوههن من داخل تلك الأكياس السوداء عاد بي إلى يوم وفاة جدتي خضرة التي لم أرها طوال حياتي ؛ ليس لأنها كانت مختبئة كتلك الفتتان الصغيرات في الأكولة السوداء التزاما جبريا منهن للعادة - ولأوامر ريهام مخرجة هذا العرض البديع الوقور على الرغم من رفاعة بنات فتحية شلقم التى كانت والحق أقول رفاعة شرعية. - أقصد مشروعة- لأن غريزة التنفس بين حوا وآدم هي الشريعة الوحيدة لإعمار الأرض التي استحالوا الله عليها مكرمين حيث يقول. " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ( الذاريات 19) ولأن العبادة شيء مقدس فلا شك أن مؤدييها مقدسين أيضاً ولأننا لم نأتي إلا عن طريق اختلاط الماء الثنائي المقدس في حصن منيع إلى حين ؛ فإن ذلك حتمي التحقق بوسائل حبذا لو كانت مشروعة وهي متحققا على كل الأحوال ؛. لذلك لا يفلح حوام العفة الحديدي الذي وضعته الأم فتحية شلقم ولا أدري لما اسمها فتحية وهي المنغلقة على نفسها والمغلقة كل نوافذ التواصل بين عوانسها وطموحاتهم في نيل العرسان ؟ لقد بهرت أيما إبهار بعودة الكورس المسرحي الإغريقي المظهر في جمع تلك النسوة المكبوتة باباوات السواد كاربات اجتمعت على رمة .. جوقة إغريقية بحق في تتوحد نبذها الصوتي الصارخ في البرية مجاملة لإمرأة لم تظهر بعد بينهن ؛ ربما لتكفكف دمعها في حجرة الذكريات في خلوة ذاتية مشروعة أو ربما كان غيابها لقضاء ضرورة.. ومن عجب أن شيئا من تخميناتي تلك لم يكن صحيحا ذلك أنها بعد ولولاتها الحريم المنهيات شرعا عن الولولة واللطم قد اقترفت تلك الخطيئة الأمر الذي جداً بالجنوبي شاذلي فرح أن يطلق عليهن مريم النار تمشيا مع الهياج السائد منذ عام مضي بتصليح في الطرقات العامة بضرورة تكييس الحريم تكييسا شرعيا حسب فتاوى مجهولة الهوية لم يكن تخميني في محله هذه المرة أيضاً .. إذن لم يكن هناك بد من تمحيها جديدة حول غياب صاحبة المأتم عن مركز الصدارة في جلسة العديد تلك .. وهنا .. هنا تذكرت خاصية مسرحية لا يتقنها غير مخرج عقر. وتتمثل في إدخار لحظة دخول بطل العرض المسرحي لفترة تمهيد سابق على دخوله كعنصر توكيد لتفرده في فنه .. فقد أخرت المخرجة ريهام دخول فتحية شلقم بطلة المندية تكريما لأدائها .. لكن التكريم يدخر لصاحب تاريخ عريض في عطائه وفي فنه .. فهل لممثلة فتحية شلقم كرامة فنية تقدرها مخرجة العرض فتضفي على دخولها إلى المسرح للمرة الأولى تمهيدا يسبقها ويمهد الجمهور لدخلتها ؟ علم ذلك عند ريهام . وربما عند الشاذلي بن فرج وعلى كل حال كان لدخلتها على ذلك النحو من التمهيد والتنفير ما أكد سطوتها وصرامة تعاملها مع بنويتاتها الخمس اللواتي انفرط عقد صيانتها بالردع والحزم والفتاوى والتسلط لأن الضغط يولد الإنفجار تبعا للقانون الطبيعي للحياة .. فهكذا تفجرت شهوة بنتها (قوت) فصارت تتسلل ليلا مرة وراء مرة لتمارس حبا محرما مع خطيب أختها ( أحمد على) - ولا أدري لماذا هو أحمد على .. هل تأثرا بأحمد على الذي عشقته شريهان في فيلم ( عرق البلح) وظلت تغنى له ولا أدري لما قاربت بين نتيجة تسلط قيصر وجبروته في عرض رامي الطنبارى لفرقة طنطا المسرحية ونتيجة جبروت فتحية شلقم وتسلطهاىعلى بناتها التى شهرتهم نيران العنوسة في آتون الكبت الجنسي ؛ حيث الضغط الذي يصل إلى مداه يفجر كل الثوابت . ولقد رأيت أن الأثر الدرامي البليغ المستفاد من كلا الغرضين هو تنبيه كل منةولى أمر الغير حاكما على شعب أو رب أسرة وراعي بنات أن يتجنب التسلط والإنفراد بالرأي متشددا في أحكامه وقراراتها في مواجهة رعيته شعبا أتي به منتخبا فتسلط عليهم وترك لرجاله السوء حرية العيث بينهم بالتسلط والتجبر قولا وتهديدا دنيويا وأخرويا أو أما استشعرت النقص بعد رحيل بعلها فأقمصة دور الذكورة فتسلمت على حريم الدوار طلبا لطاعة عمياء لكل ما يصدر عن أم جاحدة منقادة لخادم حيوبون تنقل لها أخبار بناويتها وتنم عن أسرارهن الصغيرة القاتلة وظنت أن تشددها وصرامتها وتقييدها لحرية بناتها سوف يصون شرفهم ويحول بينهن والمعصية فإذا بها تستيقظ على بركان ينفث لهب جهنم الذي فجر حوائط حرصها المتزمت الذي انتهي بفضح الحريم وشيوع صيت أهل البيت بحريم النار-
Sent from my iPad
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنون الطفل بين القانون الطبيعي والقانون الرياضي
-
عروض النوادي والإبداع الافتراضي
-
حيرة الناقد المسرحي أمام جهود العشماوي البحثية
-
الدين والدولة - حوار عن بعد بين متأسلم و مسلم علماني
-
الفاعل الفلسفي في الإبداع المسرحي
-
فكرة المخلص ( المستبد العادل ) في المسرح الشعري
-
المسرح بين أدب السيرة والتراجم الأدبية
-
هل يمكن تعلم الإخراج
-
الناقد يتأبط نظرية
-
استلهام الكاتب المسرحي للتراث بين الارتباك الاتصالي والوعي ا
...
-
تشريح نصوص مسرحية
-
الإبداع بين الحرية والالتزام
-
هوامش مهرجاناتية
-
الثقافة الجماهيرية من ثروت عكاشة إلى فاروق حسني
-
مسرح الثقافة الجماهيرية بين المد والجذر
-
درامية التعبير الصوتي في فن الأداء المسرحي
-
فنون التمثيل داخل التمثيل بين بيرانديللو ومحمود دياب
-
ثقافة التناكح في حياة المسلم
-
ذكريات .. لزمن آت
-
ضوء أسود وحوائط عازلة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|