كريم مرزة الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 11:15
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ياامة ضحكت من جهلها الاممُ ...!!
باسم تحرير الأوطان , نقتل العصور والأزمان , ونعود القهقرى إلى ما وراء الحُقب الجاهلية , وباسم الإطاحة بالدكتاتور الفرد , نطيح بالجماعة , ونقسّم المجتمع إلى أوصال متنافرة متقاتلة , ونهلك الحرث والنسل لا نبقي ولا نذر , ليتربع عرشاً إنسان ٌمجهول على حساب عرش لإنسان ٍ معلوم , وكلاهما يعيشان بين كرش ولذة رخيصة , وما للناس في تحديد مستقبلهم من غايةٍ ووسيلة , إنـّها خبطة شعواء , وعلى الكادحين والمستضعفين والمجاهدين والمناضلين العفاء , ودفع الضريبة الهباء بالدم والروح والفداء , والعقبى إمّا شهداء وفقراء , وإما تسوّل وبغاء , فالإنسان هو الإنسان , إذا لم يرتفع المجتمع كلـّه من شأن ٍ إلى شان , لعن الله أول الشياطين المنتفعين حتى آخر القرود المقلدين لما فعلوا ويفعلون من خلف الخباء لمصّ دماء الأبرياء !! عاشت الأقلام المأجورة , والأصوات المبحوحة , والمحطات الباذخة الصارفة الأجيرة المأجورة , لإيقاض الفتنة الفوضى الغوغاء دون هدف واضح الملامح , ودستور عادل متحضر واضح , والله من وراء القصد كما يقولون ولا يفعلون ...!!
إذا كنت لا تستحي أفعل ما شئت بالعقول الغافية المغلوبة , والعواطف المترقبة المسلوبة التي تتطلع إلى الرفاهية والرخاء , فإذا بها تساق إلى الهاوية والبلاء , ولات حين ندم , من سخرية الأقدار , ومهازل الأيام أن يفطن الأغبياء لمصير الأذكياء , نعود لمتنبي العراق والشام ومصر وما جاورها , هذا اليماني الأصيل ..! , ابن الكوفة الحمراء , إذ يخاطب سامريّه :
أسامري ضحكة كلّ راءٍ *** ** فطنت وكنت أغبى الأغبيـــــاءِ
صغرت عن المديح فقلت أهجى *** كأنك ماصغرت عن الهجاءِ
أنـى كان اللات والعزى وهبل ومسيلمة الكذاب رموز الصدق والعدل والتضحية والعلاء , يهتفون على أكتاف هارون والمأمون وعمر بن عبد العزيز وسيف الدولة الحمداني والظاهر بيبرس والمعز ... ؟!! وأنـّى استجدى الأشوريون والأكديون والبابليون والكنعانيون واالأموريون والفينقيون والفراعنة حضارات من لا حضارة له , ورؤية من لا رؤية له حتى أرنبة أنفه , ليس أنا في صدد استلاب التاريخ , وإنما استحضاره لتوظيفة أمجاده الغابرة في تنبيه وتحفيز الذات الحاضرة , والذات المغايرة , لعلهم يتذكرون ...!! كتبنا من قبل , ونكتب الآن , وأنا الأدرى بأنك ستقول : أعرف هذا من قبل , وأقول لك ببساطة لا تعرفه , لأن ليس المهم أن تمر بـ " المعاني " السامية , والأدوية الشافية , " فهي مبذولة في الطرقات - كما يقول الجاحظ - " بين أفواه الناس , وألسنة العامة , ولكن المهم والأهم أن تمسكها وتنبّه عليها , وتفقه مدى نجاعها , وتطبقها فعلاّ لا قولاّ , أقول قولي هذا ليس من باب التماهي , وإنـّما لكي نتأمل خطورة الموضوع للفرد والمجموع. وسأركز على بعض النقاط المهمة , وكل نقطة تحتاج إلى دراسة مستقلة .
1 - الطائفية والمناطقية والقبلية والإثنية , كل قطر لديه منها ما لديه , وفي العراق ابتلينا بالدرجة الأولى , بهذه الطائفية المقيتة , وتلك الإثنية الذميمة , إذ ينسى وليد دمشق ما يكون مذهبه لو ولد في النجف , وينسى وليد النجف ما يكون مذهبه لو ولد في القيروان - على حد تعبير الدكتور العالم أحمد زكي - , ونزيد على الخصوصية العراقية , وينسى وليد البصرة ما يكون قومه لو ولد في أربيل , وينسى وليد أربيل ما يكون قومه لو ولد في الأنبار , والإنسان إنسان على كل حال , تقذفه الحياة , ولا يدري من شأنه إلا أنه من بني البشر , وإلى هذا ذهب الشطر الأول من الحديث الشريف " كلّ ُ مولودٍ يولدٍ على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " , فبعد أنْ يشبَّ هذا الوليد ويصبح صبياً يافعاً , يكون - كما يقول الإمام الغزالي : " أمانة عند والديه , وقلبه الطاهر جوهرة نفيسه ..." , والوالدان جزء أساسي من مجتمع هو المسؤول عن دفع الناشئ إلى رحاب الإنسانية الشامل , أو إلى زوايا النازية والشوفينية , والتعصب الجاهل , , ومن هنا تكمن أهمية التعليم , و" التعليم في الصغر أشدُّ رسوخاً وهو أصلٌ لما بعده " , والقول المحصور لابن خلدون , وهذا التعلم إنْ كان سلبياً , قد يمرُّ بدور السبات , ينتظر مَن يؤجّجه ليجيش ويلتهب , لذلك يقول العرب- وقيل : حديث ضعيف - , ونعيد " الفتنة نائمة لعن الله ن يوقظها " . وهل تتخيل كلّ الناس يفقهون اللعنة ؟ سامحك الله وسامحني , وإليك قول الشيخ الوائلي :
ويدٌ تكبًّلُ وهي مما يُفتدى *** ويدٌ تقبّلُ وهي مما يقطعُ !
ٌومشتْ تصنفنا يدٌ مسمومة ٌ*** متسننٌ هذا وذا متشيع !
علامة التعجب من عندياتي , لأن أمة العرب والعراق عجبٌ في عجب !!
2 - عدم احترام الرأي الآخر : وتجرّنا النقطة الأولى إلى هذه النقطة المأساوية , منذ القدم نحن تعلـّمنا على عدم احترام فكر الآخرين , وللأسف الشديد , وقع في هذه الإشكالية أكبر عباقرة العرب المعاصرين والغابرين , فمن دراستي للتاريخ وتاريخ الأدب العربي - وأنا ممن يؤمن باستحضار التاريخ لتفهّم وحلّ المشاكل المعاصرة , وإلا لا جدوى من الدراسوالدارسين - أقول : قد أدهشني الأصفهاني ومن جارها , والمعري ومن والاه كالعقاد الكبير , وضيف الرئيس (رئيس المجمع العلمي المصري) , وحنا الأديب وغيرهم , عدم احترام رأي دعبل الخزاعي لهجائه كل خلفاء عصره العمالقة , وأركان دولهم , ورميه بسوء الطبع , وسلاطة اللسان , والإرتزاق وهذه تهمة مضحكة , بالرغم من السخرية والهجاء جاء على لسانه بعد بلوغه الخمسين من عمره المديد , حيث أتخذ الموقف منهم , ومن المحال الآن أن نعرف ما ستكون عليه الأمة المشرذمة من بعد عهده بقليل حتى اليوم العليل , لذا قررت تأليف كتاب ضخم عنه , تحت عنوان ( دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي ) , وأنا القائل :
لا تقتل الأمل البصيص لصغره *** فلربما ثمراته القمران !!
وهذه النقطة تجرّنا إلى الفقرتين الآتيتين :
3 - هيمنة العقل الجمعي على إبداع العقل الفردي وحريته : مجتمعاتنا العربية , يهيمن عليها العقل الجمعي المُسيّر بدوافع مصلحية سياسية ..اجتماعية ..دينية .. ضيقة الأفق , وأي خروج لمتعقل أو مفكر , أو مبدع ... يكون مصيره القتل على الأغلب , أو الأحتقار والاستهزاء , أو الملاحقة فالتشرد على أضغف ىالإيمان , غلبنا الغرب في المجال بشكل مطرد منذ عصر التنوير حيث جانلوك وتوماس هوبنز وجان جاك روسو ورفاقهم , ومن العجيب أن تاريخنا أدرك هذه الحقيقة من أيام الرشيد , إذ يقول أبو نؤاس :
ليس على الله بمستكثر ٍ*** أنْ يجمع العالم في واحدِ
4 - تبعية الثقافة للسياسة : ولكن مَن يتجرأ على الهارون الرشيد ومَن قبله ومَن بعده من المفكرين والمبدعين , وأنتم أعرف بالمعتزلة وما دهاهم , وأخوان الصفا وما أخفاهم , وأصحاب تهمة الزندقة ومن صفـّاهم . ومن هنا شرعت ببحوثي ( هؤلاء بين أيدي هؤلاء ) , وسبق أن كتبت مقالاً مكثفاً ,أدرجت فيه هذه النقطة قائلاً :
ما جدوى الثقافة أن نحملها , ونزعم التعلق بتلابيبها , إذا لم تكن مشروعا وطنيا خالصا , وإنسانيا شاملا , وعربياً جامعا , تذيب الفوارق , وتكسر الحواجز , وتخلق المعاجز , وتنفتح على الرأي الآخر , اعلاميا وثقافيا , دون تشنجات أومشاحنات , أوصراعات غير مشروعة , وفق التوازنات المدروسة والمتعقلة للقضايا المفصلية المؤثرة عليها , وبالتحديد السياسية والدينية و المصالح المادية - للمثقف والأخر - السائدة في المجتمع , بلا خضوع مُذل ولا تهور مُخل ! , وتشرع - وأعني الثقافة - ببناء مراكز بحوث علمية دقيقة , يُعتمد عليها إحصائياً لفض النزاعات والمعوقات والإشكاليات , ومعرفة آراء الناس وتطلعاتهم ومطالبهم , وتحقيق ما يمكن تحقيقه منها , وفي الحالات ذات الأهمية القصوى لتغييرالمسار سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ..., مشاركا حقيقياً في صنع القرار , لرفد الحضارة والإزدهار , غير مُهيمَن عليه بسياسة التبعية والإحتواء إغراءً أو رغماً.
5 - السيف الجمعي وما يجرّه على الناس , والقلم الجمعي وما يقدمه للناس : تعوّدت مجتمعاتنا على فلسفة إنساننا إنسان بالقوة , وشعوبنا لا تستكين إلا بالسيف , وقد توارثنا هذا الإقصاء الجمعي من تاريخنا وسرنا عليه , فهذا سديف الشاعر يخاطب أبا العباس السفاح في مجمع بني أمية قائلاً :
لا يغرنك ما ترى من خضـوع ٍ *** إن تحت الـضـلـوع داء دويا
بطن البغض في القديم فأضحى *** ثابتاً في قلـوبـهـم مـطـويا
فضع السيف وارفع السوط حتى** لا ترى فوق طهرهـا أمـويا
فقطع السفاح رؤوس الجمع , بما فيهم صديقه سيدهم سليمان بن هشام ( أبو الغمر) , ومن بعد يأتي دعبل ليقول :
أرى أمية معذورين إنْ قتلوا *** ولا أرى لبني العباس من عذر ِ
وغيره :
تالله ما فعلت أمية فيهم *** معشار ما فعلت بنو العباس
والحقيقة أن ّالمشكلة الكبرى قد خرج الأمر عن نطاق السلطان إلى الصراع بين التكتلات السياسية , والتجمعات المناطقية , وأتباع الطوائف الدينية , الغرب تقدّم أيضا علينا بأشواط للجوء إلى الأقلام والانتخابات لحل الصراعات والاختلافات , ونحن ما زلنا نتعثر , فسرعان ما نحمل المدفع والرشاش لحل النزاعات دون أنْ نأبه بالدماء المطلولة , والأرواح المزهوقة , لا نصبر متعقلين , ولا نتسامح متنازلين , ولا نحكـّم العقل المتأني في إصدار قراراته لضبط انفعالات العاطفة الجياشة في اندفاع تصرفاتها , ولا ندري بأنّ الصاعدين على الأكتاف والدماء والأرواح لا يعرفون من بعد (فطيمة بسوق الغزل..!!) , فإذن متى سيكون القلم وسيلة , والازدهار الحضاري غاية , ونبتعد عن السلبيات , بتمحيص الروايات , وترتيب احتمالات ؟ ! والحوار مفتوح , لا ينتهي بموضوع , وكلّ ما كتبنا أنها " شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ " , وسنكمل المشوار في البحوث والأشعار , والله من وراء القصد .
#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟