سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 13:14
المحور:
القضية الفلسطينية
عاشت الحركات الاسلامية عقلا سحريا يمحي كل حدود الطبيعة او الواقعية, لتقيم ملكوتها الخاص بها, والذي يستفاد في الدين كسياسة والسياسة كدين.
ولطالما قدمت الحركات الاسلامية حل للأزمات التي تعاني منها الأمة العربية والأمة الاسلامية حلا سحريا, فإذا به هنا مسحورا, مخبولا, مرصودا, ينتظر امرأة أسحر منه لتفك سحره.
وقبل الخوض في الحركات الاسلامية الفلسطينية- حركة المقاومة الاسلامية حماس, وحركة الجهاد الاسلامي, موضوع القراءة, علينا ذكر ثلاث قضايا هامة, أولها: ضرورة الوعي بمعرفة بأن الجماعات الاسلامية بشتى راياتها ومسمياتها تعتبر قطاعات رئيسية في شعوبها, وفي نسيجها الاجتماعي, لذا يجب دراسة الجماعات الاسلامية لسياق التطور السياسي والاجتماعي للشعوب العربية والاسلامية.
ثانيها: ان الحركات العربية الاسلامية تعيش في أقطار مختلفة وبالتالي تحيا داخل أطر التخلف.
ثالثهما: الانتشار السريع للفكرة الاسلامية جاء نتيجة حتمية للفشل القومي, وانحصار المد اليساري في العالم العربي والعالم الاسلامي بشكل عام.
هذه الأسباب الثلاثة تجعلنا وللمرة الثانية قبل الدخول في قراءة الحركات الاسلامية الفلسطينية ان نذكر مفصل مهم في رؤية التجديد للفكر الاسلامي الذي بدا واضحا انه اختلط على مؤسسي الحركات الاسلامية في العالمين العربي والاسلامي, وفي تقديري ان التجديد المطلوب ليس في العقيدة او الخطاب الديني بل تجديد في الفكر الاسلامي على يد العلماء المسلمين ليواكب العصر كما فعل ابن تيمية في بدايات مراحل عطاءه الفكري, وعاد وانكفئ إبان الغزو المغولى ولاسباب موضوعية لا مجال لذكرها هنا,وكذلك فعل محمد عبده بعد ان تأثر أستاذه الأفغانى الذى أرى أنه ذهب بعيدا,ولم يكن مجددا فقط بل ذهب لحد تبنى العلمانية روحا وممارسة,وحاول جاهدا التفريق بين النص الدينى والحياة الدنيوية, وإعطاء كل واحدا حقه دون سطو أي أحد من الحالتين على الأخر,والتجديد فعلا ثوريا مطلوب لكن من أين نبدأ هذا هو السؤال.
الاجابة بالفقه, فالفقه بإعتباره يمثل التشريع أو القانون أوحتى الدستور, فالتجديد بهذا المعنى أمر طبيعي ليساير مقتضيات العصر ومتطلبات المجتمع العربى والاسلامي.
لكن الذي حصل فعليا من قبل الحركات الاسلامية أنها فعلت العكس تماما عندما قامت بتطويع الفقه المنتقاه من تاريخ الهزائم العربية واعتبرته رافعة ايديولوجية لنشر دعوتها, وهنا وقعت في مطب معرفي حيث لم تقرأ بشكل فعال مراحل القطع الذي مر فيه الفقه الاسلامي, ودور علماء المسلمين الذين خضعوا لمتطلبات الهزيمة وعاشوا وتعايشوا معها وتعاملوا معها قدرا لا مفر منه, في هذا السياق تكون الدعوى "لتجديد الفكر الاسلامي" ضرورة عاجلة لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة في مختلف مناحي الحياة.
هذا الخلط هو الذي جعل حركة المقاومة الاسلامية حماس ومن خلفها حركة الجهاد التأخر في الانطلاق الفعلي في مقارعة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية سواء كانت حدود 1967 او فلسطين التاريخية حيث اختلطا عليهما الأمر وتوهما انهما "أنبياء" العصر, وتصورا بأنهما يمكنهما من خلال تحرير الانسان الفلسطيني من وثنية العصر أولا ومن بعدها, بعد تأهيله اخلاقيا حسب المواصفات الاسلامية التي اعتقدوا إنها النموذج الأمثل لإقتناء الفلسطيني لتلك القيم, يستطيع العمل الكفاحي العسكري والسياسي, وعلى الرغم من الفارق في المنطلقات والرؤى لكلا من حماس والجهاد الاسلامي, الا انهما في الشكل العام أنفقا على هذا الشكل ولو بشكل غير معلن, وتناسوا كل الظروف الموضوعية التي أوجبها الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية, تقارعه فصائل فلسطينية مسلحة من مختلف الأطيان السياسية من وطنية الى أقصى اليسار, آمنت سلفا ان الكفاح المسلح هو الطريق الأمثل لتحرير فلسطين.
الحركات الاسلامية الفلسطينية كانت وقتها مشغولة بقضايا هامشية ولا أثر لها داخل المجتمع الفلسطيني, الا بقدر ما يثير الصراعات والنزاعات السياسية التي في كثير من الحالات وصلت حد التكفير فعلى سبيل المثال, كانت تلك الحركات تكفر المقاتل الفلسطيني الفدائي- ويعتبر كافرا, وانه ليس شهيدا, مما كان مثل هذه الدعوات تثير الرفض الشعبي الفلسطيني سواء داخل الاراضي الفلسطينية او الشتات الفلسطيني, ولعل الصورة الأكثر إيلاما عندما ظهر المرحوم "مؤسس حركة حماس" الشيخ أحمد ياسين على احدى قنوات التلفزيون الاسرائيلي يهاجم فيها منظمة التحرير الفلسطينية ويعتبرها منظمة كافرة, هذا التصرف جعل الشارع الفلسطيني يفقد تعاطفه مع تلك الحركة في بداية الأمر, واستوجب الامر سنوات حتى قامت الانتفاضة الفلسطينية الأولى, وقدمت الحركة الاسلامية الآلاف من الشهداء وشاركت بشكل فعال في يوميات الانتفاضة الفلسطينية الأولى حتى استطاع المجتمع الفلسطيني نسيان هذا الخطأ الفادح, ولا نبالغ ان قلنا ان حركة حماس ما زالت تدفع ثمن هذا الخطأ حتى الآن, فقد استطاع بعض منتقديها توجيه سهام قاتلة لها كالقول أنها انطلقت برعاية اسرائيلية لمحاربة منظمة التحرير الفلسطينية, صحيح ان هذا القول فيه الكثير من الادعاء الا انه نما في أرض خصبة وفرتها وقتها حركة حماس, وكا انشغلت حركة حماس في قضية اخرى, لكن هذه المرة أكثر تعقيدا من الأولى, قضية المرأة عندما هاجمت الفصائل الفلسطينية التي تحتوي في عضويتها نساء معتبرة ان النساء مكانهم الطبيعي البيت, ولا نعرف من أين جاء هذا الفهم للمرأة, وليس صحيح انه موجود في الفقه الاسلامي, فالمتواجد داخل هذا الفقه هو فقه الهزيمة, وإبان تعرض العالم العربي لغزوات كثيرة مثل التتار والمغول , فكان الرد الطبيعي أن تلزم المرأة بيتها, على اعتباره حصنها الحصين, وحتى هذا الحصن تهالك أمام أول دخول للعسكر الغازي ولم يكترث بأي محرمات!
ولم تتدارك حركة حماس هذا الخلل, وبقيت المرأة عنصر غير فعال, وينظر له كم أكثر منه نوعية, على عكس حركة الجهاد الاسلامي التي تجاوزت هذا الفهم الخاطئ وأدخلت المرأة ميدان المعركة وقامت بعمليات استشهادية بغض النظر من يتفق مع نتائج هذا العمل او يختلف عليه, لكن الأداة التي قامت بهذا العمل تعتبر خطوة متقدمة ان لم تكن جريئة في مجال الفكر النضالي الاسلامي, الأمر الذي دفع بالشيخ احمد ياسين بالهجوم على حركة الجهاد الاسلامي التي قامت بتلك الخطوة, واعتبرها انها تجاوزا عن المألوف في العمل الاسلامي.
طبعا الذي دفع الشيخ احمد ياسين بالتوجه بالنقد ليس فكريا عقائديا كما كان يتصور البعض وقتها بل القواعد التنظيمية لحركة حماس هي التي رأت أن هذه الخطوة رفعت من شعبية حركة الجهاد وأخذت من رصيدهم, لكن سرعان ما عادت الأمور لمجرياتها الطبيعية وانحاز المجتمع الفلسطيني الى عقليته القروية المحافظة, وهذا تصرف طبيعي ومقبول لأن التغيير يتطلب فعل تراكمي وليس حوادث منفصلة, وهنا لا تلام حركة الجهاد لكن الواقع المحافظ هو الذي فرض هذا الاستثناء!
هذه افصح صور عن امتلاك الدنيا الاسلامية الفلسطينية.. وكذلك الآخرة الفلسطينية "الشهادة" بالاستثناء, فهي لا تحتاج الى بيان ونقد لأن العقل الاسلامي الفلسطيني المخبول تجاوز كل اتصال بالعقل والمعقول, ويخضع لحملة الذرائعية عن ضرورة اقرار نهج اسلامي منتقاه من روح الهزيمة في التراث العربي, ولعل حركة المقاومة الاسلامية حماس عبرت خير تعبير عن هذا النهج, ومن الآن فصاعدا سنقرأ خطوات حماس السياسية في كيفية مشاركتها في العمل السياسي والنضالي في الساحة الفلسطينية, ونبتعد عن حركة الجهاد التي حاولت بدورها تلبس الفقه الشيعي لمقارعتها للاحتلال الاسرائيلي وهذا موضوع آخر, نأمل في قراءات قادمة الكتابة عن هذه الحركة التي لعبت دورا غير قليل في حركة المقاومة الفلسطينية.
حماس التي تأثرت بثلاثة مناهج عربية اسلامية حاولت جاهدة أن تخلق لها منهاجا خاصا بها لكنها ما زالت في البدايات. فالنهج الأول الذي تأثرت به هو النهج الاسلامي البدوي القادم من الجزيرة العربية والذي تمثل بنبرة متعالية لحد الافراط ومتواجد داخل أنظمة الحكم في الخليج العربي والذي يعتقد انهم فرسان الدعوة الاسلامية وعلى ضوء هذا الاعتقاد فإنهم اكسبوا انفسهم شرعية تاريخية لا نعرف من أين مصاردها المعرفية؟! اذ ليس من باب المصادفة ان تكون بدايات حركة المقاومة الاسلامية حماس انطلقت من الكويت ومن مؤسسيها خالد مشعل الرئيس الحالي لحركة حماس, الذي كان يعمل مدرسا في الكويت وهو خريج جامعة الكويت, أما المنهج الثاني القروي, وبدا هذا التأثر واضحا من مدرسة الاخوان المسلمين في مصر حيث نشئت هؤلاء كانت من الريف المصري, لذا لا عجب من يتابع تاريخ حركة الاخوان في مصر يكتشف الدعوات الاخلاقية والقيم الريفية التي رافقت البدايات, وكانت ردا غير منطقي على قيم المدينة في مصر لأن الاخوان المسلمين في مصر لم يروا من المدينة الا القيم الاخلاقية فقط وأهملوا باقي التطورات التي أدخلت على المدينة في مصر, من خلال حملة نابليون, وحملات الاستعمار البريطاني, وهيمنة النخب المتفرسة لعقود طويلة في مصر نتيجة مشروع محمد علي, وبدا واضحا هذا التأثر من قبل حركة حماس في هذا المنهاج عندما رفضوا الكفاح المسلح ولجأوا لقومية المجتمع اخلاقيا اولا, ومن ثم العمل النضالي, لكن الاحداث الفلسطينية المتسارعة والمتلاحقة فاجأتهم, لذا اضطروا لمواكبتها.
والمنهاج الثالث الذي تأثروا به هو نهج المدينة, وهو بالمناسبة مصري أيضا, الذي طغي فيما بعد على المناهج تحديدا في حركة الاخوان المسلمين المصريين فبعد ان اكتشفوا أهمية المدينة وأن دعوتهم لم يكتب لها النجاح اذ أصروا على بقائهم في الريف خاصة وأن المجتمع المصري كان وقتها يمر في مرحلة مخاض عسير لدرجة ان الريف تتمدن وأصبحت الفروقات بين المدينة والريف شبه معدومة, وتأثرت بطبيعة الحال حركة حماس بهذا النهج المدني, وأصبحت حماس تلفف دعواتها بمفردات سياسية يستخدمها سياسو المدن, وطغت عليهم عقلية المناورة السياسية التي في كثير من الحالات أوقعتهم في خطايا, كمباركة أحد رموزهم اتفاقية كامب ديفيد وذهابهم رأس وفد يباركون للرئيس "المؤمن" الراحل أنور السادات, وكان هناك اعتقاد واهم لديهم بأن الرئيس المؤمن الذي فسح المجال الواسع لحركة الاخوان في مصر العمل لضرب اليسار المصري بأنه سيعود بالنفع الكبير عليهم, وسيكون مقدمة منطقية لضرب منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في نظرهم تضم مجموعة من الكفرة والملحدين, لكن الأيام أثبتت هذا الخلل الكبيير في تلك الرؤية وسرعان ما عادوا عن هذا النهج.
وإنغلقوا ضمن قيم تتراوح ما بين المدينة والقرية, ولعل الحالة الاجتماعية الفلسطينية لها خصوصياتها فالبرغم من صغر الجغرافيا الفلسطينية الا انها بقيت هناك تمايز بين الريف والمدينة, وعلى الرغم من أن القرية لا تبعد أمتار عن المدينة لكن رغم هذا القرب بقي القروي قروي وابن المدينة ابن المدينة, وطبعا حماس في هذا المضمار تذكرت متأخرا ان هناك قيم مخبأة وغير معلن عنها بشكل جلي, لكن في الانتفاضة الثانية بدأت تظهر ملامحها بشكل واضح, خيم اللاجئين الذين يتواجدون بكثافة في غزة أولا وثانيا في الضفة الفلسطينية ومن هنا تحديدا تأتي قراءتنا لعدم مشاركة حركة حماس في انتخابات الرئاسة, لكنها قبلت على نفسها المشاركة في انتخابات البلدية التي نالت على احدى عشر بلدية في القطاع, وكان نجاحهم متعوق, فقد لقيت حماس في هذا المضمار دورا ذكيا حيث رفضت الاعتراف رسميا وحملها تبعيات أوسلو, على اعتبار ان المشاركة في انتخابات الرئاسة لها استحقاقات دولية, وثانيا ادراكها العميق أن الظرف الدولي وهو لاعب رئيسي تاريخيا في الساحة الفلسطينية لا يسمح لهم في أي منافسة حقيقية في انتخابات الرئاسة.
هذا على الصعيد السياسي اما على الصعيد الشعبي فقد استطاعت حماس تسويق نفسها على أنها المدافع الأول عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة لديارهم الأصلية وعلى الرغم من هذه الدعوات ما هي الا شعارات براقة, لا يمكن الركون لها لأن حماس لم تقدم مشروعا اقتصاديا وثقافيا ولا حتى سياسيا بكيفية استيعاب اللاجئين في أراضي 1967 او حتى عودة جزء منهم الى أراضي 1948 في حال موافقة اسرائيل, فالقضية كانت بالنسبة لهم شعارات سياسية لكسب المزيد من الشارع الشعبي الفلسطيني وظهرت نتائج هذه السياسات في الانتخابات البلدية, وحماس التي استثمرت جيدا العمليات الاستشهادية, فكانت بعد كل عملية تركز على موضوع اللاجئين الفلسطينيين على الرغم من أن المواقيت لتلك العمليات كانت محط تساؤل حقيقي لمصلحة من أن يتم مثل تلك العمليات في أوقات يبدوا فيه بعض الانفراج السياسي الذي كان سيؤثر على حياة المواطن الفلسطيني, حماس التي ضربت عرض الحائط كل هذه الظروف وانحازت لمشروعها السياسي جعل الكثير يتساءل هل هناك اختراق اسرائيلي على المستوى الأول لحركة حماس خاصة أن التصفيات التي قامت بها من خلال جهاز الموساد للكوادر العسكرية لحركة حماس والتي تعتبر الذراع العسكري لها أمرا لافتا للنظر خاصة لقدرة جهاز الموساد بإصطياد الكوادر العسكرية, حماس التي لم تتعامل مع هذا الموضوع بشكل جدي واكتفت ان ترمي الكرة في ملعب السلطة الوطنية الفلسطينية معتبرة أن أجهزتها مقصرة في ملاحقة العملاء وتحولت القضية الى المتاجرة والمزايدة, وقد يبدوا هجوم حماس على السلطة وفي ظل فساد مستشري في أجهزة السلطة يدغدغ المشاعر الفلسطينية ويأججها لكن اذا دققنا قليلا فلا يعقل ان يملك العملاء قدرة تقنية في معرفة مفاصل الحركة العسكرية والا تحولت الحركة الى مقهى شعبي وهي بالتأكيد ليست كذلك لكن حماس لا تملك من الجرأة لمناقشة الموضوع بعقلانية ومعرفة عالية لمعرفة أين يكمن الخلل في قدرة الموساد في إصطياد واغتيال كوادرها بل العكس الذي فعلته حماس ان استثمرت هذا الدم المهدور لصالح برنامجها السياسي وحماس في هذه القضية تحديدا أوقعت الشعب الفلسطيني في ارباك واضح وجعلته يدفع فواتير سياسية كبيرة على الصعيد الاستراتيجي فحقيقة الأمر الفلسطينيين في الضفة والقطاع قد تعبوا كثيرا من ان يتحولوا لمشاهدين عصر الفضائيات العربية لقراءة بيانات حماس بعد كل عملية استشهادية وفي اليوم التالي لا يجد المواطن الفلسطيني ما يسد رمقه, بتعبير دقيق لم يكن هناك انتفاضة شعبية بالمعنى الذي يتخيله المواطن العربي, وفلسطيني الشتات فالذي كان موجودا فعليا عمليات عسكرية وبيانات سياسية ومظاهرات مناسبتية فقط لتغذية الماكينة الاعلامية العالمية واكساب بعض المشروعية على البرنامج السياسي لحركة حماس ومن الخطايا الكبرى التي ارتكبتها حماس في حق نفسها أولا ومن ثم في حق الشعب الفلسطيني ثانيا, فهي لم تدرك ان الحفاظ على الذات, قد تكون في احدى المراحل النضالية لها الأولوية ونحن نسوق هذا الكلام ليس اعتباطا فالذي فعلته حماس مؤخرا في مشاركتها في انتخابات البلدية يؤكد على ما ذهبنا اليه, فحماس فقدت الكثير من كوادرها واعتبرت المشاركة استراحة المحارب! وحماس كغيرها من الحركات الاسلامية التي تنتشر في الوطن العربي والعالم الاسلامي تعاني من عقدة تاريخية بأنها المالكة الوحيدة للفكر القادر على تحريك الجماهير بغض النظر عن ماهية الفكر والظروف التي تستوجب استخدام هذا الفكر بأدوات عقلانية, لا المتاجرة بدم الشهداء! الخلل الذي وقعت فيه الحركة أنها لم تفرق جيدا بين الحاجة والضرورة فالحاجة ان تبقى الحركة قوية ومتماسكة تنظيما والضرورة ان تبقى الحركة فصيل فلسطيني واع لما يدار من مؤامرات ضد طموحات الشعب الفلسطيني وليس الخلط بينهما بطرق ديماغوجية وشطارة في غير محلها لأن ذلك سيدفع الشعب الفلسطيني بقبول ما كان يرفضه من ساعات وليس أيام او سنوات! ونلحظ من مظاهر الخلل تزايد هيمنة النصوصين في قيادة الحركة والتي تخضع النص لمفردات الواقع اليومي مما جعل اسرائيل تستفيد من أي استفادة واستطاعت تمرير مفهوم الارهاب على العالم والصاقة بالفلسطينيين وبالتالي أصبح الصراع بين الارهاب ومن ضده, وبطبيعة الحال الارهابيون هم الفلسطينييون والذين يقفون ضدهم هم الاسرائيلييون, وقد توج الفلسطينييون اعترافهم بهذا المفهوم الاسرائيلي عندما قبلوا وقف اطلاق النار وكأن هناك حرب بين جيشين, وبما ان الفلسطينيين لا يملكون الا مجموعات استشهادية عرفها الغرب من خلال المفهوم الاسرائيلي بأنهم ارهابيين واسرائيل من خلال جيشها- أنهم يحاربون الارهاب, هذه هي الصورة كما هي بعيدة عن التزويق والتزوير فليس المهم ان ترفض هذا الادعاء على شاشات التلفزة العربية بل الأهم أن تلتزم بالمضمون على أرض الواقع!
وهذا ما تم بالفعل بأن توقفت العمليات الاستشهادية وبدأت العملية السياسية تدور عجلتها لكن الأرضية مختلفة هذه المرة فالحوار الآن يتم من سيوقف الارهاب الفلسطيني ضد الاسرائيلي هذا هو أساس الحوار, وعلى هذا الاساس ستخرج النتائج السياسية, ولقد زاد وضوح هذا الخلل وضاعف من تأثيراته عجز النصوصيين حتى الآن من اقامة العلائق والخيوط بين النص الديني وبين نص الواقع, واعتقدوا أنهم الاوصياء على النص الديني وحدهم يحق لهم تفسير وتقدير هذا النص, وحسب برامجهم السياسية, الأمر الذي سيجعلنا نرى أنه خلال الفترة القادمة من الصراع السياسي بين الفلسطينيين والاسرائليين نوعا آخر من المفاهيم التي قد تفاجأ الكثير من الفلسطينيين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية سواء الذين يعيشون في الاراضي الفلسطينية او في الشتات, ومن نخبهم السياسية والثقافية ومن أبرز ملامح هذا التغيير ان يتحول الصراع السياسي الى صراع خدمائي بين الفلسطينيين, بعد ان سلمت حماس سلفا موقفها السياسي الى أروقة قيادات السلطة الفلسطينية المنتخبة, وهي في هذا الخصوص عليها ان تقبل اللعبة الديمقراطية حتى آخر المطاف, وستتحول اسرائيل الى لاعب ظل يدفع بالأمور الى نهايتها المأزومة وبدلا من أن نفاوض اسرائيل على حقوقنا السياسية سنفاوضها على الخدمات, وهذا ما سنراه قريبا وعاجلا, وليس صحيحا ان الصراع سيتحول الى أمني فالأمن الداخلي الفلسطيني سيتولاه الفلسطينيين أنفسهم! وبالتالي لا يجرؤ أي طرف من خرق الاتفاقات المبرمة والتي ستبرم فيما بين الفلسطينيين والاسرائيليين ما دام الكل شارك في اللعبة الديمقراطية الفلسطينية التي جاءت في ظروف سياسية ليست في صالح الفلسطينيين بعد ان خسروا معركتهم السياسية والاعلامية.
#سليم_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟