طلال صالح بنان
الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 08:08
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
هناك توجه عالمي لتمكين المرأة من حقوقها الاجتماعية والسياسية, ومن
نصيبها (العادل) من ثروة المجتمع المادية والمعنوية. أصبحت أجندة
المرأة, ولأول مرة, تقريباً ,واحدة من أهم أولويات حركة النظام الدولي,
وليس فقط توجهات النظم السياسية المحلية. أصبح هناك تصورٌ أكثر شمولاً
لمفهوم التنمية في المجتمعات المحلية, لا يقتصر على المعايير المادية
(الاقتصادية), ذات الطبيعة الكمية, ولكن يشمل أيضاً معايير المتغيرات
القِيَمِيَة, مثل: قياس مستوى الحريات العامة.. ومساحة المشاركة السياسية
المتاحة, ومداها.. ومدى تسامح المجتمع, واستجابة النظام السياسي, لقضية
تمكين المرأة من ثروة المجتمع وحركة السلطة فيه.
مطالب تمكين المرأة, إذن: لم تعد تعتمد على حركة البيئة الداخلية
للنظام السياسي, ولكنها تشكل, هذه الأيام, أهم محاور مطالب واتجاهات
حركة السياسة الدولية. إن كانت المطالب المحلية بالاهتمام بالجانب
السياسي للتنمية, لم تنفك تتفاعل في كثير من الدول العربية, نتيجة
لتطور التعليم ومستويات المعيشة المرتفعة, نسبياً, وكذلك عامل التواصل
مع الخارج الذي وفرته سبل الاتصال الحديثة والمتقدمة. إلا أن هذه البعد
المحلي, في العالم العربي, وحده لا يستطيع أن يفسر لنا, هذا الاهتمام
الكبير بمجالات التنمية السياسية في مجتمعات المنطقة, التي عُرف بعضها
بمحافظته المتأصلة, ما لم نضف إلى تحليلنا هنا البعد الأجنبي, بما
يمتلكه من عوامل ردع أكثر تأثيراً, تدفعه أغراض استراتيجية معروفة
ويدعمه وجود عسكري أجنبي غير مسبوق, في العراق.
فجأة: ما كان غائباً, أضحى مطلوباً.. وما كان ترفاً سياسياً واجتماعياً,
أضحى ضرورة.. وما كان السكوت عنه سلامة, أضحى الجهر به فضيلة. حركة
التاريخ, بالنسبة لمجتمعات المنطقة, قررت مؤخراً, أن يمر خط سيرها
بمجتمعاتنا. وكان هذا الزخم المتلاحق والآخذ في التراكم, دفاعاً عن حقوق
المرأة مطالبة بتمكينها, ربما بصورة تفوق مطالبة الرجل نفسه بهذه
الحقوق!? حتى بدا الأمر أن الحقوق كلها كانت تذهب, في مجتمعاتنا, إلى
الرجل, وحده... وأنه بالفعل, يتمتع بحقوقه السياسية.. ويحتكر التمتع
بها أو بمعظمها, دون المرأة, كما هو حال الرجل في المجتمعات النامية
والمتقدمة..!?
صحيح أن الرجل, في كثير من دول المنطقة العربية, وخاصة بعض مجتمعات دول
الخليج العربية, سبق نظيره في مجتمعات عربية أخرى, من حيث ممارسته
وتمتعه بحقوقه السياسية, ولكن, كل أشكال المشاركة السياسية, التي
خبرتها بعض مجتمعاتنا العربية, تقل عن تلك التي تُمارس في الدول التي
سبقتنا في مجال الأخذ بمبدأ الإرادة العامة, بمعنى آخر: التجربة السياسية
العربية أخذت في معظمها, بجانب شكليات الديموقراطية, ولم تراع, جانب
مضمون تفعيل القِيَم, في النظرية والممارسة الديموقراطية.
كنا نرى انتخابات تُجرى, ولكن النتيجة كانت دائماً لصالح النخب الحاكمة..
وكنا نرى مؤسسات تشريعية تُشكل, بوسيلة الانتخاب الحر المباشر, ولكن لا
تُمَارس سلطة تشريعية حقيقية ولا رقابة سياسية فعالة. حتى أن بعض الأنظمة
السياسية العربية, كانت سباقة لجذب المرأة إلى الحياة السياسية,
بإعطائها حق الانتخاب والترشيح, إلا أن المجتمع كان يرفض تقبل هذا, ويكون
مجال دخول المرأة للعملية السياسية عن طريق التعيين... إمعاناً في تزيين
وجه النظام ليبدو أكثر (ديموقراطية) وآصل (ليبرالية), بينما في حقيقة
الأمر, يعكس أبشع صور الديكتاتورية.
عوامل عدة, تحول دون اتساع نطاق المشاركة في البلدان العربية, وهذه
يشترك في معاناتها الرجل والمرأة معاً. يضاف إلى معاناة المرأة
السياسية, خلفية بعض المجتمعات العربية المحافظة. هذا المتغير الأخير
كان عائقاً حقيقياً أمام تمكين المرأة, ربما بصورة أعنف من تلك المتغيرات
السياسية الأخرى, التي يشاركها فيها الرجل.
أحياناً, يُستَغَلّ في بعض الأقطار العربية هذا التوجه المحافظ داخل المجتمع,
لتأجيل الأخذ بمطالب المرأة في تمكينها, لاعتبارات خاصة بإدارته, وضمان
الاستقرار.. ولكن, في أحيان أخرى, تبدو النخبة السياسية الحاكمة, أكثر
(ليبرالية) في الدفع بقضية تمكين المرأة.
في ما يخص ما يُثار, الآن, من قضية تمكين المرأة الكويتية سياسياً بمنحها
حق التصويت والترشيح لمجلس الأمة, على سبيل المثال: نجد المعارضة
الأساسية تأتي ليس من الحكومة, ولكن من مجلس الأمة, الذي يسيطر عليه
محافظون. دخلت على الخط. السلطة القضائية, مؤخراً, بتجنبها الفصل في
الخلاف, ورمي الكرة ناحية أمير البلاد, الذي من حقه أن يحل البرلمان, إذا
ما صممت الأغلبية على موقفها, على أمل أن يأتي مجلس أمة آخر محتمل أن
يكون أكثر تعاطفاً مع قضية تمكين المرأة في الكويت, وإن كانت هذه
المجازفة غير مضمونة, مما يفسر عدم لجوء الأمير لهذا الخيار, عندما
أثيرت القضية من قبل عام 1990.
كان بإمكان لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف, التي سبق لها أن أفتت في عام
1985, بأن الإسلام يحرم منح المرأة حق التصويت, إما أن ترجع لتلك
الفتوى.. أو ترجع للدستور نفسه, الذي ليس فيه ما يدل, صراحة, على
اختصاص الرجل دون المرأة بالممارسة السياسية لاختيار أعضاء مجلس الأمة.
(انظر نص المادتين: 29, 85 من الدستور الكويتي). ثم أنه كان من الممكن
للجنة الفتوى, أن تفتي بأسبقية وسيادة نصوص الدستور, على قانون الانتخاب
الصادر عام 1962, الذي يقصر حق الانتخاب والترشيح للرجل فقط. ولكن يبدو
أن المؤسسة القضائية اختارت, هي الأخرى, أن (تلعب) سياسة.. ولا تحسم
الأمر, حفاظاً على مصالحها السياسية..!?
خارج لعبة السلطة المعقدة هذه, نرى دولاً في المنطقة لجأت إلى أسلوب
تغيير الدستور, بهدف تجديده, مثل قطر, ليستوعب مشاركة أكثر للمرأة, كما
جاء في دستور 2003 القطري. دول خليجية أخرى مثل البحرين كان للمرأة
فيها تاريخ طويل في المشاركة السياسية, إلا أن ذلك لم يتأكد بصورة واضحة
إلا في دستور مملكة البحرين الجديد2002,(انظر: الفقرة ب من المادة :5 ,
والمادة:8 من الدستور). لذا نرى أن هناك ثماني سيدات في مجلس الشورى
البحريني(المُعَيّن)..وسيدتين في مجلس الوزراء.
دول عربية أخرى, وإن كانت شرعت في فتح الباب على مصراعيه لمشاركة
المرأة من أجل تمكينها سياسياً واجتماعياً, إلا أن الطريق لا يزال طويلاً
أمامها لتتمكن من حقوقها السياسية والاجتماعية, بما يوازي ثقلها الإنساني
والاجتماعي في المجتمع. المرأة في الإمارات العربية المتحدة, على سبيل
المثال: دخلت الجيش, والشرطة.. ولا وجود لأي عائق أمامها في مجال العمل
العام, ربما بنفس القدر الذي يتمتع به الرجل, إلا أن كلاً من المرأة
والرجل هناك, لم يصلا إلى مرحلة المشاركة السياسية الفعلية, بممارسة حق
الانتخاب والترشيح لمؤسسات النظام السياسي الرسمية, وغير الرسمية.
المرأة السعودية, مثال للمرأة العربية, التي تناضل على جبهتين, سياسية
واجتماعية. هناك إرادة سياسية من النظام لتمكينها اجتماعياً وسياسياً,
ولكن, في المقابل, هناك توجه اجتماعي طاغ للحيلولة دون ذلك. في الوقت
الذي تجاوزت فيه المرأة الإماراتية البعد الاجتماعي للقضية, يظل الأمر
أكثر صعوبة بالنسبة للمرأة السعودية. وإن كانت المملكة, في هذا المجال,
سجلت سبقاً مقابل الإمارات, بأخذها بخيار الانتخابات البلدية, وإن جاءت
مقصورة, مؤقتاً, على الرجال.
لا يمكن النظر لقضية تمكين المرأة في المجتمعات العربية, خارج الخلفية
الاجتماعية والثقافية للمجتمع, وكذلك مدى تطور قيم النظام السياسي, في
مسألة مصادر شرعيته. كذلك لا يمكن النظر للقضية, خارج إطار البعد الدولي
لها. ولكن يمكن القول: إنه تتبلور, هذه الأيام, في المجتمعات العربية
حركة إصلاح سياسي, حقيقية, تهدف إلى اتساع نطاق المشاركة السياسية أمام
قطاعات المجتمع المختلفة, سيكون للمرأة نصيب وافر منها.
الفَرَسُ الفائزة, بالدرجة الأولى, في هذا السَبق, هي المرأة... ويعتبر
الرجل هو المستفيد الأول, في النهاية.
#طلال_صالح_بنان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟