|
حاجز الخوف.. كسرناه أم استبدلناه؟
مختار سعد شحاته
الحوار المتمدن-العدد: 3983 - 2013 / 1 / 25 - 16:26
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ثقب إبرة:
يبحث المحبطون –عكس المُعتقَد عنهم – عن ثقب إبرة؛ للخلاص من إحباطاتهم، وتفويتًا على سيطرة الشعور بالفشل على مفاصل إنسانيتهم، وهم في ذلك مدفوعون بحب الحياة ذاتها، تماشيًا مع حقيقة وطبيعة الخلق الإنساني بحب الحياة، وهو بحث مستمر مهما بدا عليهم من مشاهد تشي بظاهر الإحباط، فهم لا يتوقفون إطلاقًا في بحثهم عن ذاك الثقب؛ لأجل العبور نحو عالمهم الذي يطمحون إليه، وهو عالم مشحون بالأحلام على الدوام. تأمل معي حال هؤلاء من ثوار يناير مصر، تراهم يجدون في بحثهم عن ثقب الإبرة، يواجهون كل هذا العنت الذي يحارب أمالهم ويشحذ نصل سكينه لذبح طموحاتهم في "العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية"، كان هؤلاء الذين تصدروا المشهد ما كانوا يومًا قريبًا- يدينون بكل الفضل إلى هؤلاء المحبطين، وجُلهم من الشباب المجهولين صُناع زخم واقع الثورة في شوارع مصر وميادينها، من هؤلاء المدفوعين بالحلم نحو التغيير، هؤلاء الذين تم عزلهم عن سابق عمد وترصد إلى جزيرة واحدة، صاروا إثرها مسجونين في جملتهم: -"كفاية إننا كسرنا الخوف".
هل كسرنا الخوف وبم استبدلناه؟
وكأن خروج ثورتهم كانت وفقط لكسر خوفهم! فهل عانى المصريون طوال حكم نظامهم الديكتاتوري من كل هذا الخوف، ليقنعوا في النهاية بهذا المكسب "كسر الخوف" باعتباره أهم ما تحقق؟! أمر يدفع للدهشة والوقوف أمامه للتفكير بعض الشيء، فثورة يناير مصر لم يكن على قائمة أسباب خروجها كسر حاجز الصمت كما يروج الكثير لذلك الأمر، باعتباره كافيًا كمؤشر لنجاح الثورة، والحقيقة بعيدة كل البُعد عن ذلك، وواقع الحال المصري والشارع يكشف بعدًا مرُبكًا آخر، يجعل من جملة " كفاية إننا كسرنا الخوف"، شاهد ارتباك وسجن أكثر منه شاهد نجاح لثورتهم، فلا "عيش..حرية.. عدالة اجتماعية" تحققت في واقعهم، ولا كفاهم وكفى مصر وفقط حاجز الخوف، ليطمئن الشارع المصري الشعبي والنخبوي. دعونا نُسلّم بأن "حاجز الخوف" قد كُسر، ولكن لندقق في واقع هذا الكسر، لحظتها يمكن أن نرصد ما هو أخطر من مجرد الخوف، بل ويحتاج إلى كسر حاجزه هو الآخر، فقرب الصورة أكثر، ودقق في المشهد بتفاصيله المريرة، تجد حاجز الخوف وقد استبدلته مصر بحواجز عدة، منها ما ارتبط بالخوف طوال عقود من الحياة، ومنها ما حلَّ محل الفراغ الذي تركه كسر هذا الحاجز. نعم حواجز كثيرة منها حواجز القلق والتوتر والإحباط المصحوب بانعدام الثقة، وكُلها تُفضي إلى حاجز أعظم هو الارتباك العام. هذا كله ربما يراه البعض مؤشرًا صحيًا في تاريخ الثورات، بل ويدافع عنه باستماته باعتباره الوضع الطبيعي لكل ثورة تسعى لتحقيق أهدافها، وهو ما لا يمكننا معه إغفال تساؤل حيوي هنا، ألا وهو : -"من الدافع لكل هذا؟ ومن المحرك لكل هذه الحواجز؟ ومن سرّع كسر حاجز الخوف ليستبدله بتلك الحواجز كلها، وبما يضمن له مصالحه الخاصة؟!".
نظرية المؤامرة:
إن المتامل لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين على مدار عقودها الماضية يلحظ طبيعة شديدة الحرة في هيكل تلك الجماعة، من حيث كونها جماعة سرية تعتمد حالات الارباك وتتعمدها لضمان الحفاظ على هاجس اوحد لتكوينها، ألا وهو اعتبارهم بأنفسهم أصحاب الحق المطلق والنظر المبين لكافة الأمور، وهو كله لا يمكنهم تخيله إلا بهذه الحواجز مترادفة او متشابكة. ودعونا نتطرف في نظرية المؤامرة خاصتنا ونعكسها على سلوكيات تلك الجماعة العجيبة، وعلى المشهد السياسي المتشكل ساعة بساعة طوال تاريخ هذه الثورة البيضاء، ستجد أمرًا غاية في التطرف واللاإنسانية متى سيطر هاجس نظرية المؤامرة تلك تجاه هذه الجماعة، وجدلا أعد قراءة الأحداث من واقعها، ودعنا نسأل، من الفصيل الذي تدرب على العمل وتعاطي الامور في هكذا جو من التوتر والارتباك؟ وحدهم هذه الجماعة، وتاريخها السري وطبيعتها تلك لا تحيا وتنتعش سوى في هذا المناخ، وعليه فإن تم كسر حاجز الخوف واستبداله بحواجز أخرى كالاحباط والتوتر والقلق..إلخ، هو ما سيربك كل الفصائل التي تعمل في النور، وعلى رأسها القوى الثورية الحقة، فالثائر الحق يعتمد الوضوح، وغالبًا ما تُحركه أرضية الموقف والمشهد الراهن، بلا تخطيط مسبق او متعمد في الدفع بالامور نحو مناحي بعينها، لذلك لزم على هذه الجماعة أن تُسرع بالامور لاجل كسر هذا الحاجز حاجز الخوف، واستبداله بما يناسب طبيعتها للعمل، باختصار ومباشرة فقد دفعت الجماعة فقط جموع الثائرين لكسر حاجز الخوف، وجعلهم يتعلقون به باعتباره أحد اهم مكتسبات ثورتهم التى فشلت – حتى الآن – فى تحقيق كل مطالبها أو بعضها، فسادت الموجة العامة لتلك الجملة متى تحدثت عن منجزات الثورة المصرية " يكفينا أن كسرنا الخوف". أعرف انها نظرية متطرفة ترتكن إلى نظريات المؤامرة ضدد الجماعة، وربما فيه بعض التجني عليهم من زاوية الإطلاق العام، لكن من استفاد من كل هذا القلق والتوتر والإحباط وغيره من تلك الامور التى سادت؟ وحدهم جماعة الإخوان المسلمين، فهي التى تربت على العمل في هكذا أجواء.
من يعيد الثورة إلى مسارها؟
أقول: إن كُنا كسرنا حاجز الخوف – وهو واقع- يلزمنا ألا نستبدله بحواجز اخرى لا تقل خطورة عن هذا الحاجز، بل يلزمنا ثورات وثورات لا تقل عن ثورة يناير لكسر تلك الحواجز الجديدة ما دامت الثورة لم تحقق أهدافها، وأترك السؤال الأخير: -أيكفينا كسر حاجز الخوف وفقط؟ ام أننا حين خرجنا صدحنا بهتافات أخرى تمثلت في "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية" تطورت لتتحول إلى "الشعب يريد إسقاط النظام". فمن يعيد الثورة إلى مسارها؟ ومن ينتبه لكل محاولات السرقة ولاختلاس التى مارسها النخبوييون إلى جوار هؤلاء المتاسلمين، ضاربين عرض الحائط بكل أحلام الثوار وطموحاتهم؟ ومتى تحكم الثورة؟ وهل سياتى اليوم الذي نختصر فيه تاريخ عامين بمجرد سطر به كلمة من مادة "نجح" بدلا من مادة "كسر". يا سادة نحتاج أن ننجح في فهم الخوف واستثماره أكثر من حاجتنا إلى كسره واستبداله، فالخوف قرين قلوب المحبين، فلا محب لا يخاف، فلنعد إلى درجة الخوف اللازمة لكل حبّ حقيق، فنحن إن كُنا نحب ثورتنا وبلدنا فنحن في أمس الحاجة إلى بعض الخوف لا إزالته، وهو ما يحاول الثوار تداركه، هو خوف على لا خوف من، فهل يعي من يستمر في مسلسل سرقاته للثورة أن هؤلاء الشباب قد يعودوا يومًا إلى حاجزهم الاول، أو سينقلب السحر على الساحر؟!
مختار سعد شحاته. روائي. الإسكندرية – مصر.
#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(ست-حكايات لحبيبي الذي يحب القهوة والأحلام تريحني، وحكاية لا
...
-
(خريطة سكندرية خاصة)
-
دماء على أسفلت التدين.
-
من حالات ربٌّ يُحبُ النساءَ.
-
رسالة إلي الشيخ -العريفي-.. أرونا فعلكم قبل خُطبكم الرنانة.
-
الحمد لله أنها خلقت من ضلع أعوج.
-
الجنة بين الحلم والخيال والواقع.
-
.من تاريخ العُري الوطني.
-
اقرأ .. وحاجة إلى إعادة فهمها القرآني.
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|