|
من حق المرأة المؤهلة للامامة أن تؤم الذكورفى الصلاة
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 08:00
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
فى المنامة عاصمة البحرين فى يوم19 ابريل2004 أوقفت الشرطة البحرينية في مسجد الفاتح سيدة تنكرت بزي إمام شقت طريقها بين الرجال، وقبل وصولها الى المنبر حيث أرادت أن تلقي خطبة، بحسب تعبيرها.
وفى نيويورك، الولايات المتحدة فى الخامس من مارس الحالى أمت امرأة أمريكية مسلمة صلاة الجمعة، وشارك في الصلاة رجال من الجالية المسلمة في نيويورك، رغم انتقادات حادة من قيادات مسلمة في الشرق الأوسط تقول إن ما فعلته يخالف العقيدة.
وكانت أمينة ودود، وهي أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة فرجينيا، أمت جموع المصلين في إحدى ضواحي منهاتن، وقالت ودود قبل بدء شعائر الصلاة إن "مسألة المساواة بين الرجل والمرأة أمر مهم في الإسلام، وقد استعمل المسلمون، وللأسف، تفسيرات تاريخية متشددة للعودة إلى الوراء."وأضافت "ونحن، من خلال هذه الصلاة، نتقدم نحو الأمام. فهذا العمل هو بحد ذاته تجسيد للإمكانات المتاحة في الإسلام.وشارك في الصلاة قرابة مائة شخص من الرجال والنساء.ونظم هذه الصلاة، عسرة نعماني، وهي كاتبة ومراسلة سابقة لصحيفة الوال ستريت.وقالت نعماني إن القصد من هذه الخطوة لفت الانتباه حول عدم المساواة التي تطال حياة المرأة الروحية، وجوانب أخرى من حياتها بشكل عام.وأضافت نعماني "نحن نطالب بحقوقنا كنساء مسلمات. لن تقبل بعد اليوم الدخول من الأبواب الخلفية أو البقاء في الظل. وسنكون في نهاية المطاف قياديات في العالم الإسلامي. وتظاهر عدد من المعترضين خارج المبنى حيث أقيمت الصلاة، إلا أن الشرطة أبعدتهم ومنعتهم من الدخول. ورفعت الآذان امرأة مسلمة أمريكية من أصول مصرية اسمها سهيلة العطار، ولم تكن مرتدية للحجاب. وقال أحمد ناصف، وهو مسؤول في مجموعة "Muslim Wake up "، إن المقصود من الصلاة هو إعطاء فرصة العبادة الروحية على قدم المساواة بين الرجال والنساء.أضاف "ليس الهدف أن نقول لباقي المسلمين كيف يقيمون صلاتهم، إلا أننا نحتاج لأن نكون منفتحين نحو الأفكار الجديدة."وفي رد فعل على إمامة المرأة، كتب شيخ الأزهر في صحيفة الأهرام المصرية إن الإسلام يبيح للمرأة أن تؤم نساء أخريات في الصلاة، وليس جمعا من المصلين من ضمنه رجال.وأضاف "لا يصح أن يرى الرجال جسد المرأة أمامهم، رغم أنهم يرونها في حياتهم اليومية، يجب ألا يكون ذلك في أثناء العبادة، حيث الأساس هو التواضع والتعبد."
حسنا...لنقل تعليقنا على هذا الموضوع. أولا :
1- ما قاله شيخ الازهر هو الرأى السائد فى الفقه السنى.وبدلا من أن نرد عليه هو فقط سنرد أيضا على أئمته المقدسين الذين ينقل عنهم. الامام مالك اقدم من دون فى الفقه والحديث لم يتعرض للموضوع اصلا فى كتابه "الموطأ. الامام الشافعى فى كتابه "الأم" هو أول من أصدر فتواه فى الموضوع . عن صلاة الجمعة قال": ولا تجمع امرأة بنساء لأن الجمعة امامة جماعة كاملة، وليست المرأة ممن لها أن تكون امام جماعة كاملة." "الأم 1- 171 " أى لا تصح لأمرأة أن تقيم صلاة جمعة حتى لو كانت للنساء فقط لأنه ليست للمرأة ان تكون اماما لأى جماعة. الشافعى لم يستدل بآية ولا حتى حديث من الأحاديث الكاذبة التى ملأ بها كتابه ، واكتفى باستدلال عقلى هو أنه لا يجوز للمرأة أن تكون أماما لجماعة كاملة. وهى عبارة ركيكة تحمل وجهة نظر ذكورية متحيزة، والرد عليه سهل من القرآن والتاريخ . القرآن الكريم ذكر أن امرأة كانت ملكة لسبأ، كانت تملك قومها وأوتيت من كل شىء ولها عرش عظيم ، واعترف لها الملأ من اتباعها قائلين : " نحن أولو قوة وأولى بأس شديد والأمر اليك فانظرى ماذا تأمرين".النمل 23-33" نحن هنا امام امرأة تقود جماعة وقد ذكرها القرآن معترفا بكونها ملكة لقومها وأشار الى حنكتها بينما تكرر القصص القرآنى فى ذكر مستبد آخر ، لكنه من الذكور وصل به استبداده الى ادعاء الالوهية ومطاردة اثنين من انبياء الله تعالى وقومهما المضطهدين ، فاستحق اللعنة والغرق وصار مثلا لكل مستبد يهلك نفسه وشعبه ودولته. أنه فرعون الذى لا يتعظ بسيرته المستبدون من حكامنا العرب الذين لم يصل واحد منهم الى حكمة المستبدة العربية الحسناء بلقيس فى العصور القديمة مما يؤكد انهم تأخروا بنا للوراء عشرين قرنا من الزمان. جدير بالذكر ان شيخ الأزهر أفتى بأن المرأة من حقها ان تترشح لرئاسة الجمهورية وهذا اجتهاد جميل نشكره له ونشجعه عليه، وان كان قد جاء متأخرا بحكم العادة، اذ سبقناه ونشرنا بحثا أثار ضجة فى حينه لأنه يحمل عنوانا جريئا يقول " حق المرأة فى رئاسة الدولة الاسلامية" وبعد اذاعته فى ندوة عالمية فى القاهرة كانت تحت رعاية الدكتورة نوال السعداوى ، وبعد ترجمته الى الانجليزية - نشره مركز القاهرة لحقوق الانسان فى دورية "رواق عربى" سنة 1999 . السؤال هنا : اذا كان للمرأة أن تكون اماما فى الحكم وقيادة المسلمين – برغم أنف الامام الشافعى – ألا يصح لها أن تؤمهم فى الصلاة؟ قد يقول قائل : ان امامة السياسة غير امامة الصلاة . وأقول انه فى التراث السنى لا فارق بين الاثنين فالخليفة الحاكم هو الأمام أيضا فى الصلاة. بل انها مهمته الأولى ، ومنها يكتسب لقب الامام فى كتب الفقه بالذات حيث يطلق لقب للامام على الحاكم السياسى .
2- نرجع الى الشافعى فى الرد عليه بالقرآن لنقول ان الله تعالى ضرب مثلا أعلى لكل المؤمنين – رجالا ونساء - فى كل عصر بامرأتين هما امرأة فرعون والسيدة مريم عليهما السلام .كما ضرب أسوأ مثل للبشرية – أيضا – بامراتين هما زوجة نوح وزوجة لوط عليهما السلام. أى ان المراة هى مثل أعلى فى الخير والشر بغض النظر عن زوجها. كان الزوج مستبدا احمق – مثل فرعون – بينما كانت زوجته اماما للمؤمنين . كان الزوج نبيا عظيما وكانت زوجته على النقيض خائنة له. القرآن ذكر هذين المثلين ليدل على استقلالية المرأة بذاتها واستحقاقها أن تكون قدوة فى الخيرأو فى الشر. والامامة هى أن يكون الامام قدوة للمأموم فى الصلاة. . ولماذا نذهب بعيدا، ألم تقم السيدة عائشة – حسب المعروف فى الروايات التاريخية – بقيادة جيش كامل تحارب به الامام الشرعى للمسلمين؟ بغض النظر عن تقييم موقفها فان من احتج عليها لم يقل ان امامة المرأة ممنوعة ولكن قالوا فقط ان الواجب على نساء النبى هو لزوم البيت وعدم الخروج منه باعتبار ذلك حكما خاصا بهن فقط حيث قال تعالى لهن " وقرن فى بيوتكن . "الأحزاب 33"
3- نعود للشافعى وهو يصدرأحكامه التشريعية على امامة المرأة فى صلاة الجماعة العادية ، يقول:" ولا يجوز أن تكون أمرأة امام رجل فى صلاة بحال أبدا " ويرى انه يجوز لها أن تؤم النساء فقط ، وانه من صلى وراءها من الرجال والصبيان لا تصح صلاته. واستدل بقوله تعالى "الرجال قوامون على النساء " وان النساء ممنوعات من أن يكن أولياء (كناب الأم للشافعى "1"- 145" ط. الشعب . القاهرة) الشافعى هنا يخلط الأوراق . فلا قوامة للرجل على زوجته اذا اشترطت الزوجة ذلك فى عقد الزواج . وهى عموما مشروطة فى القرآن بالانفاق عليها من الزوج ، والقوامة لا تعنى التسلط الزوجى وانا الرعاية والمسئولية بالانفاق عليها ، وهى شأن مختص بعلاقتهما الزوجية لا شأن له بالصلاة التى هى علاقة بالله تعالى ، والامام فى الصلاة يجب أن يكون الأفضل فى قراءة القرآن والأكثر أقامة للصلاة والأكثر التزاما بالخلق القويم – اى شروط موضوعية فى امامة المصلين وليست شروطا نوعية جنسية . وعلى أى حال ماذا يكون الحكم اذا كان الزوج من نفس نوعية فرعون موسى وكانت زوجته من نوعية امرأة فرعون واراد الزوج أن يصلى هل يؤم زوجته وهو لايجيد سوى العصيان ؟ أما قول الشافعى بحرمان المرأة من الولاية فقد سبق الرد عليه قرآنيا وتاريخيا. الا ان المضحك فيما يقوله الشافعى فى نفس الصفحة وهو يشرع امامة المرأة للنساء فقط " تؤم المرأة النساء فى "الصلاة" المكتوبة وغيرها, وآمرها ان تقوم فى وسط الصف . وان كان معها نساء كثيرات أمرت ان يقوم الصف الثانى خلف صفها، وكذلك الصفوف . وتصفهن صفوف الرجال اذا كثرن". هنا تشريع جديد يأمر به الشافعى النساء كما لو كان الاها مع الله تعالى . واضح اذن انه شرع الشافعى وليس شرع الله تعالى لأن الذى يأمر وينهى ويبتدع ويخترع فى الدين هو الشافعى وهواه الشخصى .
4- المضحك اكثر ان الفقهاء الآخرين من اتباع الشافعى ومن اتباع المذاهب السنية الأخرى ساروا على نفس طريق الشافعى يصدرون الأوامر التشريعية التى تعبر عن أهوائهم وغرائزهم ويجعلونها شرع الله تعالى!! تعالوا بنا الى السفر الضخم :"الفقه على المذاهب الأربعة " 1-409 ، 384-385 "ط. القاهرة 1970.) وقد جمع فيه الشيخ الجزيرى الراجح فقط من اقوال فقهاء المذاهب الأربعة فى عصور الآزدهار الفكرى متجاهلا التخلف الفقهى فى العصر العثمانى والذى لا يزال يتم تدريسه فى الأزهر, وفيه من بذىء القول وانحطاط الفكر ما يخجل منه سيدهم ابليس نفسه!! عن حضور المرأة لصلاة الجمعة يلخص الكتاب آراء المذاهب . ونحن ننقلها عنه ونعلق عليها :( الحنفية قالوا ان الأفضل للمرأة أن تصلى فى بيتها الظهر بدل الجمعة لأن الجمعة لم تشرع فى حقها). أقول هذا خطا لأن الأمر بصلاة الجمعة جاء عاما للجميع من ذكر وانثى شان كل العبادات . وقال المالكية (اذا كانت المرأة عجوزا لم يعد فيها للرجال مطمع يجوز لها حضور صلاة الجمعة. اما اذا كانت عجوزا لا يزال فيها مطمع للرجال فيكون مكروها لها حضور صلاة الجمعة. ويحرم عليها حضور صلاة الجمعة اذا كانت شابة وخيف من حضورها افتتان الرجال بها فى طريقها أو فى المسجد.) ونقول ما هو معيارافتتان الرجال بالمرأة العجوز أو بالشابة؟ ما هو مقياس مطامع الرجال فى هذه أو تلك ؟ هل نقيم للنساء مسابقات جمال ليحكم الرجال على من فيها مطمع ومن زالت عنها المطامع الجنسية وعليها أن تقدم استقالتها من عالم الأنوثة والآشتهاء الجنسى ؟ وما شأن ذلك كله بعبادة الصلاة وهى المفروض ان تسمو بالناس وتجعلهم يفكرون فيما يسمو عن الغرائز ؟ قال الحنابلة (يباح حضورها صلاة الجمعة بشرط ان تكون غير حسناء. أما اذا كانت حسناء فانه يكره لها الحضور) المشكلة ان كل انثى ترى فى نفسها انها حسناء, وأن كل أنثى لا تخلو من حسن. وان أذواق الرجال فى جمال النساء يختلف من رجل لآخر. فأين المعيار وكيف نطبقه، وهل نعلق على كل مسجد اسماء الحسناوات الممنوعات من الدخول وبجانبه اعلان آخر يرحب بالقبيحات المؤمنات ؟ وهل اذا أرادت حسناء ان يزداد ايمانها بحضور صلاة الجمعة فنقول لها : عيب ياحلوة روحى الديسكو أحسن حتى لا تغرى جموع الأبرار فى المسجد ؟؟!! جاء الشافعية بتفصيلات " مفيدة" ، قالوا ( انه مكروه حضورها ان كانت مشتهاة - أى يشتهيها الرجال – حتى لو كانت فى ثياب رثة. اما اذا لم تكن مشتهاة ولكن تزينت وتطيبت وتعطرت فيكون مكروها أيضا حضورها صلاة الجمعة. وفى كل الآحوال يشترط الشافعية لحضور المرأة صلاة الجمعة شرطين: اذن ولى الأمر ، وألا يخشى من ذهابها افتتان أحد بها. والا يحرم عليها الذهاب الى صلاة الجمعة). المستفاد من كلام الشافعية انه لا يجوز للمرأة القبيحة أو العجوزالتى لا يشتهيها الرجال ان تذهب للمسجد الا وهى فى حالة يرثى لها – آخر بهدلة – ثم لا يكفى هذا بل لابد أيضا أن تاخذ تعهدا مسبقا على الرجال الأبرار فى المسجد ألا يفتتن بها أحد اذا جاءت , ثم تستجدى ولى أمرها لكى يسمح لها بالذهاب للمسجد لصلاة الجمعة. لا يهم أن يكون اصغر سنا منها أو أن يكون ابنا لها، المهم أن يكون ذكرا يستطيع أن يقهرها بالفقه وبالمجتمع الذكورى المتخلف معه. الواضح ان اولئك الفقهاء مهووسون بالمراة جنسيا لا يرون فيها الا عورة يجب اخفاؤها بين ملابسهم الداخلية حتى لا يراها غريب. وفى مرحلة الدراسة فى الثانوى الأزهرى كان الفقه المقرر علينا بالغ الشناعة والقذارة حتى كان يجرح خيالاتى وانا فى مرحلة المراهقة ، وقد سميته من وقتها "فقه النصف الأسفل" محتجا عليهم ان يختزلوا المرأة فى مفهوم العورة لا ينظر اليها الا من خلال الهوس الجنسى .
5- من الطريف ان هذا الفقه الذكورى كان انعكاسا للعصر العباسى فى القرنين الثالث والرابع الهجريين، حيث نشأ وضع اجتماعى غريب للمرأة وقتها. كانت تجارة الاماء - الجوارى - قد وصلت ذروتها ووصلت الاماء الى كل بيت من الطبقة العليا ومعظم الطبقة الوسطى . ولم تكن الجارية مجرد امرأة حسناء بل كانت امرأة مثقفة ، اذ كان يتم اختطافها من موطنها وتتقلب بين أيدى العصابات وباعة الرقيق وهى جارية" غفل" – بضم الغين والفاء – الى ان ينتهى بها المطاف الى تاجر الرقيق المحترف فى بغداد او غيرها من العواصم فيقوم بتعليمها اللغة العربية والقرآن والأحاديث والتاريخ والنوادر والأخبار والشعر والأدب والغناء والعزف وسرعة البديهة والظرف والاتيكيت, ويقوم على تعليم الجوارى مشاهير المتخصصين, ومن ثم يرتفع ثمنها أضعافا، ويمكن بيعها الى دار الخلافة وبيوت الوزراء والأكابر. فى نفس الوقت كان من المباح اجتماعيا فى بيع الجارية كشف جسدها وكان الفقهاء يجيزون للمشترى ان يقلب فى جسدها شأن كل من يشترى سلعة. وكان معروفا عرض الجوارى للبيع عاريات الصدور والنهود فى السواق وعلنا لكل من يريد الشراء. وبعد شرائها كان صاحبها اما أن يستبقيها لمتعته الشخصية جسديا وليأنس بها ثقافيا واما أن يستثمر مواهبها فى الحانات او يعيد بيعها اذا جار عليه الزمن. امتلأت بيوت الخلافة العباسية بالجوارى وكان كل الخلفاء العباسيين من اولاد الجوارى عد اثتين فقط هما السفاح والأمين . وفى العصر العباسى – خصوصا العصر الثانى – كان معروفا تسلط الجوارى على تسيير امور الخلافة , وقد كتبت سلسلة مقالات بحثية تحت عنوان" نساء بين سطور التاريخ " أفصل فيها وأفسر التاريخ العباسى من خلال سيطرة الجوارى على الخليفة. منذ الخليفة السفاح وسيطرة زوجته عليه الى الخليفة الرشيد وسيطرة أمه الخيزران الى قبيحة التى سيطرت على زوجها المتوكل وابنها المعتز الى شغب التى حكمت الخلافة العباسية اكثر من عشرين عاما فى عهد ولدها المقتدر العباسى وهى التى عينت صديقة لها قاضيا للقضاة. هذا التغلغل من الجوارى فى المجتمع العباسى بنفوذهن وثقافتهن وتأثيرهن على الرجال من العشاق والابناء أقام حركة نهضة نسوية فى العراق العباسى لم تظهر واضحة بين عناوين التاريخ العباسى الذى اقتصر التأريخ فيه على الرجال من الفقهاء والمؤرخين الناقمين على المرأة ، فظلت تلك الحركة النسوية مجهولة فى الحوليات التاريخية ومذكورة بعض الشىء فى كتب الأدب والشعر مع انه نشأ عنها مطالبة المرأة بوظيفة الكتابة والحجابة والخطابة كالرجل تماما. قال شاعر عباسى يتندر على ذلك: ماللنساء والكتابة والحجابة والخطابة هذا لنا ولهن علينا أن يبتن على جنابة فى مقابل الجوارى السافرات النشطات كانت الحرائر داخل البيوت والنقاب يعانين العزلة والاهمال والحبس والعنوسة أو تعدد الزوجات وهضم الحقوق. فى هذا العصرلم يستطع الفقهاء الاحتجاج على نفوذ الجوارى المتحكمات فى الخلافة العباسية والوزراء. لم يجدوا الا الفتاوى الحانقة يكتبونها لتعبر عن احباطهم ونقمتهم. هذه هى الأرضية التاريخية للفقه السنى الذكورى فى عصره الذهبى, وليس الاسلام مسئولا عنها بالطبع. ثانيا: فىايجاز شديد نقول:ـ
1-: فى الاسلام هناك تعامل بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الواجبات والثواب والعقاب ، قد يأتى ذلك بصورة عامة تخاطب الرجل والمرأة معا تحت مصطلح "أيها الناس" " يابنى آدم " " ياأيها الذين آمنوا " " النفس"" الزوج" الخ.." ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ...""البقرة 183" " يا أيها الذين آمنوا اذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع . الجمعة9 " وقد يأتى بصورة تفصيلية كالذكر والأنثى "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أوانثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون فتيلا. ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن "النساء124 -125" وفى مجتمع المدينة حيث الحرية المطلقة فى الفكر والعقيدة والسياسة، اتيح للمرأة ان تدعو الى ما تؤمن به ان خيرا وان شرا ، وبينما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كان المنافقون فى المدينة يفعلون العكس يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويرفضون إعطاء الصدقة، ويعلنون موقفهم هذا فى جو من الحرية لا نتخيل حدوثه الآن، والقرآن يسجل ذلك ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ (التوبة 67) وكان المؤمنون فى المقابل كما وصفهم رب العزة ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ﴾ (التوبة 71). اذن نحن أمام مجتمع حى متفاعل ، كل طائفة تعبر عن رأيها بصراحة. ولا يمكن فى وجود هذا التفاعل أن نتخيل امرأة منقبة او منسية مهملة بين حيطان بيتها. فالمؤمنة هنا تخرج من بيتها تأمر المؤمنين والمؤمنات بالمعروف وتنهاهم عن المنكرعلى قدم المساواة مع الداعية المؤمن الذى يفعل نفس الشىْ. وهم كانوا يفعلون ذلك ليس على شاشات التليفزيون وانما بالخطاب التفاعلى المباشرحيث تقف المرأة خطيبا تأمر المستمعين وكذلك يفعل الرجل.وساحة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تشمل الشارع والمسجد والسوق والبيوت وكل ما ينبض بحياة البشر. مصطلح "المعروف" فى تشريع القرآن هو المتعارف عليه على انه قيمة اخلاقية عليا من العدل والحق والسلم والتسامح والصبر والاحسان. وعكسه المنكر وهو الظلم والأعتداء وسوء الخلق والرذائل. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى تشريع الاسلام ليس حكرا على طائفة تحترف هذا العمل وتتخذه وسيلة للاستطالة على الناس حيث يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وحيث يفولون ما لا يفعلون ، وانما هو واجب دينى عام على كل انسان وهو مجرد النصح والتحذير دون تدخل فى الحياة الشخصية طالما لم يقع الجانى فى الاعتداء على الآخرين ويستحق العقاب .
2-المرأة لها المشاركة السياسية والاجتماعية فى كل شىء كالرجل تماما دون تقييد بالنوع أو الجنس فى العبادات أو المعاملات. القرآن الكريم ذكر الأعذار المبيحة لعدم التكليف ببعض الواجبات والمهام ، ليس منها على الاطلاق الانوثة – وهذا عكس الفقه السنى الذى يشترط الذكورة فى أشياء كثيرة. على سبيل المثال الضعاف والمرضى والفقراء من الرجال والنساء لهم العذر فى التخلف عن الجهاد والهجرة ويضاف لهم الاعمى والاعرج " التوبة91 " النساء98 " النور61 الفتح 17 " هذا يشمل الرجل والمرأة معا. والعادة ان المباح لا يذكره القرآن وانما يذكر فقط الاستثناء وهما الواجب المفروض والممنوع المحرم. ولم يأت فى القرآن تحريم لامامة النساء اذن فهى مباحة. ويؤكد اباحتها ان التشريع الأسلامى لا يفرق فى العبادات بين الرجل والمرأة . وحين نقول التشريع الاسلامى نقصد القرآن فقط . أما ما يقوله أفضل الفقهاء - وقد رأيناه - فليس تشريعا اسلاميا بل هى اجتهادات بشرية ناقشناها وقضينا وقتا ممتعا فى التندر عليها.
3-الصلاة والحج والصيام والزكاة والحج هى ملة ابراهيم المتوارثة والتى كان – ولا يزال - يؤكدها اخلاص الدين لله تعالى وحده دون شريك. وكان المسلمون فى مكة مأمورين باقامة الصلاة – أى الصلاة المعروفة المألوفة لديهم . واقامة الصلاة ليس فقط بتأديتها ولكن بالحفاظ عليها بمراعاة التقوى والاستقامة الخلقية وذلك يستلزم التوعية. والتوعية تأتى بالنصح أو بالتعبير القرآنى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تنفيذا لسورة العصر التى تلخص المجتمع المسلم الحى المتفاعل كله بالخير.هذا التفاعل هو الذى يجعل للصلاة والعبادات وظيفة اجتماعية اخلاقية. بحيث تتحول الى سلوكيات أو عمل صالح نافع للناس. وهذا هو المعنى القرآنى لاقامة الصلاة أو المحافظة على الصلاة. وكان من وظيفة خاتم النبيين هى تخليص ملة ابراهيم مما الحقته بها قريش من عبادة الأوثان ومن تضييع الصلاة أى عدم اقامتها والمحافظة عليها.( " مريم54 -59 – المؤمنون 1 -2- 9- المعارج22- 34 " ) وارجع الى القرآن فى سوره المكية واقرا كيف تعدد الأمر باقامة الصلاة وايتاء الزكاة لهم فى مكة. وكان الخطاب عاما للذكر والأنثى دون تفضيل لذكر على انثى الا بما يتطلب الكفاءة مثل امامة الصلاة. وكل ما توارثناه فى الصلاةصحيح وهو السنة العملية طالما لم يخالف آية فى القرآن. فالمذموم من المتوارث هو فقط ما يخالف القرآن. وما حكم به الفقهاء من بطلان امامة المرأة للرجل هو مما يخالف القرآن ولذا فلا نأخذ به. ثالثا ان الفقه السنى اجمالا يخالف التشريع الاسلامى فى أساسياته وقواعده ومقاصده ومصطلحاته وتفصيلاته وليس فقط فى هذه الجزئية. ونعطى اشارات سريعة سبق ذكرها فى مقالات سابقة 1 –تدور التشريعات فى القرآن الكريم حول ثلاث درجات : الفرض المكتوب او الاوامر ، ثم النواهى أو المحرمات ، ثم ما بينهما وهو المباح ، ومنهج القرآن فى التشريعات فى هذه الدرجات ان يحدد الفروض والمحرمات ثم يترك المباح مفتوحا ، واذا كان هناك تشريع سابق يحرم شيئا وجاء القرآن بتحليله مجددا يأتى ذلك فى القرآن فى سياق الحلال الجديد كقوله تعالى ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم : البقرة 187) . وجاء الفقة السنى بتأويل وتعديل للمدار التشريعى ، اذ اضاف اليه درجتين فى التشريع انتزعهما من المباح الحلال هما المكروه والمندوب او المسنون . فالمكروه هومباح ينبغى تركه أو درجة اقل من الحرام, والمندوب او المسنون هو مباح ينبغى فعله وان لم يكن واجبا لأنه اقل من الفرض الواجب . 2 – وترتب على هذا التأويل والتعديل للمدار التشريعى الاسلامى القرآنى نتيجتان * الاولى:- اضافة مصطلحات جديدة تخالف القرآن وهى المكروه والمندوب ، وعلى سبيل المثال فإن المكروه فى مصطلحات القرآن ليس مباحا اقل درجة من الحرام كما يقولون بل هو اشد انواع الحرام تجريما قال تعالى (وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان : الحجرات 7) وبعد ان جاء تحريم السرقة والقتل والكفر وسائر الكبائر فى سورة الاسراء قال تعالى عنها ( كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها : الاسراء 38 ) * الثانية :- هى التضييق من دائرة الحلال المباح وتحويل المباح الحلال الى مكروه لا ينبغى العمل به ، وهذا يعنى التدخل فى تشريع الله تعالى من حيث الدرجة ومن حيث التفصيلات. التأويل فى قواعد التشريع الجامعة المانعة والمؤكدة :
1 – هناك قواعد تشريعية جامعه مانعه ، اى تجمع المحرمات داخل سور محدد وتمنع اخراج احد منه او اضافة احد اليه ، مثل المحرمات فى الزواج ، وقد ذكرها القرآن بالتفصيل ثم بعدها قال ( واحل لكم ما وراء ذالكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين : النساء 24 ) اى فالنساء داخل ذلك السور الجامع المانع كلهن محرمات ، والنساء خارج هذا السور الجامع المانع كلهن حلال للزواج ، وجاء التأويل السنى ليخرق هذا السور بأن اضاف اليه بالقياس قاعدتين فقهيتين جعلهما احاديث منسوبة للنبى وهى ( يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ) ، ( لا تنكح المرأة على عمتها او خالتها ) ، وعلى ذلك فإذا اراد رجل ان يتزوج خالته من الرضاعة فإن ذلك حلال فى تشريع القرآن الكريم وحرام فى تشريع أهل السنة ، ونفس الحال اذا اراد ان يتزوج على امرأته عمتها او خالتها يقول تعالى ذلك حلال ويقول الفقهاء من اهل السنة ذلك حرام . وهناك مثال اخر هو المحرمات فى الطعام التى تكررت كثيرا فى القرآن الكريم " البقرة 173" ، " المائدة 3" ، " الانعام 145" ، " النمل 115" وهى الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم للأوثان . وبرغم تحذير القرآن الكريم من اضافة اى محرمات جديدة للطعام ( المائدة 87، يونس 59:60 ، النحل 116: 117، التحريم 1) الا ان اهل السنة اضافوا تحريم الكثير من الحلال ، وتمتلىء بذلك كتب الفقة .
2 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل قوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ( الاسراء 33، الانعام 151 ) (والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق الفرقان 68) اى فلا يجوز القتل فى الاسلام الا بالتشريع القرآنى الحق وهو طبقا للنصوص القرآنية يأتى فى صورة القصاص ، سواء كان ذلك فى الجرائم ( البقرة 178) او فى الحروب ( البقرة 194) وجاء الفكر السنى فألغى هذه القاعدة التشريعية المحكمة الملزمة فأضاف قتل المرتد والزنديق وتارك الصلاة ورجم الزانى ، ثم توسع فى القتل ليجعل من حق الامام ان يقتل ثلث الرعية فى سبيل اصلاح الثلثين ..!!
3 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية جاء تأكيدها فى القرآن الكريم بكل اساليب التأكيد مثل الامر بالوصية للوارث وغير الوارث فى قوله تعالى ( كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين : البقرة 180 ) فالتأكيد فى الوصية جاء بصيغ مختلفة شديدة الدلالة مثل "كتب عليكم " ، " إن ترك خيرا " ، " بالمعروف" ، " حقا "،" على المتقين" ، ثم جاءت الايات بعد ذلك تضع قواعد الوصية. وفى سورة النساء نزل الامر بالوصية ليطبق قبل توقيع الميراث (من بعد وصية يوصى بها او دين : النساء 11، 12) ومع ان الوالدين لهما حق فى الميراث وحق ايضا فى الوصية ، ومع ان قواعدالميراث والوصية هى حدود الله التى يحرم التعدى عليها ( النساء 13:14) الا ان الفقة السنى الغى الوصية للوارث طبقا لقاعدة فقهية جعلها حديثا نبويا يقول ( لا وصية لوارث ) وافتروا أن هذه الكذبة المخالفة للقرآن قد " نسخت الآيات المخالفة لها.. ان تشريع الوصية والحث عليها جاء تحقيقا للعدالة الاسلامية. فأنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والسدس والثلث والثمن ولا يجوز تعديلها. وتطبيقها وحدها قد يحمل ظلما بين الورثة. قد يكون فيهم من يستحق الزيادة فى حصته لظروف خاصة به تستوجب ذلك، هنا تأتنى الوصية لتعالج الأمر تحت عين المجتمع ورقابته ووفقا لمسئولية المتوفى أمام الله تعالى فى توزيع الوصية حسبما جاء فى آيات الوصية ، بالوصية مثلا يمكن لك أن تعطى ابنتك نصيبا مساويا لابنك طالما كانت تستحق ويطمئن ضميرك والمجتمع لذلك.
4- وترتب على هذا التأويل السنى لتشريعات القرآن الكريم المحكمة والملزمة نتيجتان متلازمتان :- * الاولى :- اضافة معانى مخالفة لمصطلحات القرآن الكريم فالنسخ فى القرآن الكريم وفى اللغة العربية يعنى الاثبات والكتابة والتدوين ، ولكنهم جعلوا النسخ عندهم يعنى الحذف والالغاء والتبديل . *الثانية :- جعلوا فتاويهم الفقهية واحاديثهم المنسوبة زورا الى النبى تلغى قواعد القرآن الكريم التشريعية وتبطلها ، وبالتالى جعلوها فوق القرآن الكريم الذى هو كلام رب العالمين.
اهمال قواعد التشريع ومقاصده العظمى:
عموما فالاحكام في التشريعات القرآنية هي اوامر تدور في اطار قواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف ،او غايات عامة . يبدأ التشريع القرآنى بالأوامر مقترنة بقواعدها ، وقد تأتى المقاصد فى خلال الآية نفسها أو فى خلال السياق أو تأتى منفصلة. ولسنا فى مجال التفصيل لذلك حتى لايفلت منا موضوع التأويل. ولكن اعطاء امثلة يعين على الفهم:- نبدأ بمقاصد التشريع القرآنى وهى نوعان : النوع الأول ويتمثل فى مصطلح التقوى أى خشية الله تعالى أو بتعبيرنا المعاصر الضمير الحى الذى لا يكتفى بالتأنيب على الخطأ والعزم على عدم العودة اليه ، ولكن قبل ذلك يمنع الانسان من الوقوع فى الخطأ " الأعراف 201 " آل عمران133-136 ". والتقوى تجمع فى ثناياها الايمان الصحيح بالله تعالى واليوم الآخر مع المداومة على عمل الصالحات أى العبادات والمعاملات.ولذلك لا يدخل الجنة الا المتقون. فالايمان وحده لايكفى ، والعمل الصالح وحده لايكفى. هذه هى التقوى كقيمة عليا فى الاسلام ومنهجه الخلقى والعقيدى والتشريعى . فى المجال التشريعى تأتى التقوى فى سياق التشريعات نفسها وتاتى أحيانا منفصلة عنها باعتبارها قيما عليا فى حد ذاتها، فالأمر بالتقوى تكرر للنبى نفسه والمؤمنين وكان أحيانا يأتى فى مطلع السور"النساءـ الأحزاب ـ الحج ". وتأتىالتقوى فى سياق التشريع لتؤكد على ضرورة ربط التطبيق البشرى للتشريع الالهى باحياء الضمير والسمو بالنفس وتزكيتها وحسن العلاقة المباشرة بيى الانسان وربه الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، واذا كان يعلم ان الله تعالى يراه فلا بد له من أن يخشى الله تعالى ويسعى فى مرضاته جل وعلا. حتى لو كان بمأمن من السلطة البشرية والمراقبة البوليسية. من أجل هذا الدور السامى للتقوى فى التشريع القرآنى تجد الأمر بالتقوى يرصع آيات التشريع فيها جميعا. ونعطى مثالا واحدا: يقول تعالى فى تشريع الطلاق مؤكدا على حفظ حقوق المرأة" واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أوسرحوهن بمعروف ، ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، ولا تتخذوا آيات الله هزوا، واذكروا نعمة الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم "البقرة 231 " . الآية هنا انقست الى قسمين : الأول فى الأمر التشريعى وهو تخيير الزوج ـ الذى طلق زوجته وبلغت العدة وهى فى بيته ـ بين أن يحتفظ بالزوجة ويمسكها بشرط معاملتها بالمعروف ، وبين أن يتحول الطلاق ـ وهو فى التشريع القرآنى مجرد مهلة للمراجعة وليس انفصالا نهائيا ـ الى انفصال نهائى بأن يطلق سراحها ولكن أيضا بالمعروف ودون اضرار. وحتى لا يضمر الزوج ان يعيدها الى عصمته بقصد اذلالها يحذر التشريع القرآنى من ذلك ويجعله اعتداءا. وبعد مجىء التشريع بالأمر والنهى جاء القسم الثانى من الآية بالمقصد التشريعى مباشرة يشمل الانذار والوعظ والتحذير والتنبيه ومراعاة التقوى. نلمح هنا بسرعة الى التناقض بين تشريع الطلاق فى القرآن وتشريعه فى الفقه السنى ، وقد كتبنا فى ذلك من قبل. ونلمح أيضا الى أن فحوى الآية السابقة قد جاء مفصلا أيضا فى افتتاحية سورة الطلاق حفظا لحقوق المرأة ولكن التأويل السلفى أضاع تشريع القرآن وحقوق المرأة وحقوق الانسان. وبعد التقوى المقصد التشريع الأعظم تأتى المقاصد التشريعية الأخرى من حفظ تماسك الأسرة ورعايتها، والتخفيف ورفع الحرج والتسهيل ، والعفة الجنسية. كل تشريعات الأسرة فى القرآن تهدف الى حفظها وتماسكها كمقصد اسمى لتلك التشريعات ، ولكم العادة السيئة للفقه السلفى أن يركز على الأوامر ويترك القواعد والمقاصد. ففى موضوع الأسرة مثلا تأتى القاعدة التشريعية تؤكد على " وعاشروهن بالمعروف ، فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.""النساء19" وتحت هذه القاعدة ياتى التعامل مع الزوجة التى تريد النشوز أى هدم بيتها مع تمتعها بكل الحقوق وقيام الزوج بالقوامة عليها ـ ومصطلح القوامة فى القرآن يعنى الرعاية والحفظ وتحمل مسئولية الزوجة والقيام بمتطلباتها بالمعروف ـ هنا يكون من وسائل حفظ البيت والأسرة تأديب الزوجة الناشز بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب. وياتى التحذير من اساءة التطبيق فى هذا التشريع بظلم الزوجة المطيعة " النساء34" وأيضا لسنا فى مجال التفصيل هنا وهو يحتاج الى بحث مستقل متكامل، ولكن حتى لا يفلت منا موضوع التأويل نقرر أن الفقه السلفى قد تجاهل القاعدة والمقصد التشريعى فى هذا الخصوص وركز فقط على "ضرب الزوجة". فى موضوع العفة والاحصان الخلقى جاءت "الأوامر " التشريعية بغض النظر المحرم للرجال والنساء معا وعدم الأقتراب من مقدمات الزنا والحشمة فى زى النساء " النور30 -31 الاسراء 32". ركز الفقه السلفى على هذه الأوامر الى درجة التطرف فتحول الخمار الذى يغطى الصدر دون الوجه والشعر الى نقاب يعبىء المراة ويعلبها فى غلاف اسود كئيب ، وهو مزايدة محرمة على حق الله تعالى فى التشريع، وتضييع لشهادة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وتحريم لكشف وجهها وهو حلال فى الاسلام، وأيضا ليس هذا مجاله ولكن نؤكد هنا ان هذا التطرف بفرض النقاب أضاع المقصد الأسمى من أوامر العفة والاحصان. فالمعروف أن النقاب من اهم عوامل انتشار الانحلال الخلقى حيث تتخفى فيه المرأة وتفعل ما تشاء دون أن يتعرف عليها احد. واسألوا أهل الفكر السلفى ان كنتم لا تعلمون. والمقصد التشريعى بالتيسير ورفع الحرج اضاعه الفقه السلفى الحنبلى بتشدده وتزمته . حتى العبادات : هى مجرد أوامرواجب علينا اداءها لبلوغ الهدف الأسمى وهو التقوى" البقرة - 183 -196 -197 ـ21"أو هى مجرد وسائل للتقوى نستطيع بها الابتعاد عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت45" وهذا هو المعنى الحقيقى لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى التزكى والسمو الخلقى بالتقوى. كل ذلك أضاعه التأويل السلفى حين جعل الصلاة والزكاة والحج أهدافا بذاتها، فاذا أديت الصلاة فلا عليك ان عصيت وستقوم صلاتك بمسح ذنوبك " ودى نقرة ودى نقرة " كما يقول المثل الشعبى المصرى، واذا تبرعت لبناء مسجد ولو كمفحص قطاة تمتعت بقصر فى الجنة. واذا أديت الحج رجعت منه عاريا.. آسف ... رجعت منع كيوم ولدتك الست ماما يابابا..وأكثر من ذلك ستدخل الجنة ـ غصب عنك ـ لأنك من امة محمد مهما فعلت. يكفيك أن تقول الشهادتين ثم تعيث فى الأرض فسادا. المهم أن التأويل السلفى حول العبادات الى تدين سطحى وحول الأخلاق الى مستنقع من النفاق والكذب والتدجيل. ونحن مشهورون بين الأمم بكل ما يشين بسبب ذلك . أما علاقتنا بالآخرين فقد حولها الفقه السلفى من السلام الى العنف والارهاب والعدوان لنه ركز على الأمر وأهمل القاعدة والمقصد التشريعى. فالامر بالقتال "قاتلوا " "جاهدوا " "انفروا "له قاعدة تشريعية وهوان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولاعن اختياره الحر يوم القيامة بدون اكراه فى الدين حتى لا تكون لأى بشر حجة امام الله تعالى يوم الدين. ونعطى امثلة سريعة:- يقول تعالي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين :البقرة195) فالامر هنا (قاتلوا)والقاعدة التشريعية هي (في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين )وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم :البقرة 194)اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله :البقرة 193)أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساسي من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين أوالاضطهاد في الدين ،وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول تعالي (والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان استطاعوا :البقرة 217). وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي، وذلك معني قوله تعالي (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله : الانفال 39 ). الذى حدث ان فقهاء السنة ركزوا فقط على الأمر بالجهاد والقتال" قاتلوا" واهملوا القاعدة التشريعية للقتال او المسوغ الوحيد لاباحته وهو ان يكون القتال دفاعيا فقط . وترتب على هذا أن أصبح القتال ليس فى سبيل الله تعالى لاقرار الحرية الدينية ومنع الاكراه فى الدين ، وليس لمجرد الدفاع الشرعى عن النفس ، بل أصبح لتشريع العدوان على الغير وجعله ليس فقط مباحا بل واجبا شرعيا باعتباره جهادا اسلاميا. ومن الانصاف للفقهاء السلفيين ان نذكر بقية الصورة : لقد عاشوا فى العصورالوسطى التى كانت تتفاخر بالأحتلال والهجوم على الغير وتلك ملامح العصور الوسطى والعالم الى عهد قريب، ولم يكن العرب فى جاهليتهم بمعزل عن هذه الثقافة بل كانت لهم غاراتهم التى لاتنقطع وحيث كان تشريع السلب والنهب والبغى هو التدين الثابت. ولأن الاسلام فى معناه السلمى وقيمه العليا تأبى ذلك فانه كان منتظرا أن يكون جملة اعتراضية فى تلك العصور وكان لا بد أن يعود العرب الى ما ألفوه ولكن مع تغيير هائل وشائن ، هو استخدام اسم الاسلام ذاته فى الاعتداء على الغير الذى لم يعتد عليهم. وهذا ما فعلته قريش بعد موت النبى محمد فى اعتداءاتها التى حملت تعبير الفتوحات الاسلامية زورا وبهتانا. ثم قام المؤرخون بتسجيل سيرة النبى بعد موته بقرون – وبأثر رجعى - ووضعوا فيها كل ملامح عصرهم من قتال هجومى واغتيال سياسى وارهابى وانحراف خلقى. ثم قامت الأحاديث بنسبة تللك الصورة عبر الاسناد المزيف للنبى ثم جعلوه دينا سموه السنة وزعموا انها جاءت وحيا من الله تعالى. واصبح على الفقهاءـ وهم انفسهم فى الأغلب علماء حديث أيضا ـ ان ينشئوا تشريعا جديدا يخالف القرآن ويتصالح مع ثوابت العصر ، فقاموا بهذه المهمة ليس تحت لافتة التأويل وانما تحت مسميات ومصطلحات أخرى منها " الفقه" و"النسخ" و"السنة" الخ. ولأن هذا ينافى التقوى وهى لب الاسلام والمقصد الأعظم لتشريعاته فانه جرى أيضا اهمال الاشارة الى التقوى او الخشية من الله تعالى . وقد أشرنا الى ارتباط التشريعات القرآنية الدائم بالتقوى حيث يكون المسلم رقيبا على نفسه قبل أن يكون المجتمع او السلطة أو الضبطية القضائية رقيبا عليه. ومع هذا الاقتران بين التشريعات القرآنية والتقوى الاسلامية الا اننا لا نجد اشارة لها فى الفقه السلفى فى عصر الازدهار الفكرى، لا فى فقه العبادات أو المعاملات. وبحذف هذا الجانب الباطنى - او الروحى بالتعبير السائد – ركز الفقه السلفى فى ازدهاره الفكرى على التدين السطحى المظهرى وتجميع كل تفصيلاته الممكنة والمتصورة وفق المنهج الصورى السريانى فى الاستقصاء للحكم الفقهى. ثم انحدر الفقه السلفى فى عصوره المتأخرة والمتخلفة الىالدخول على التصورات السخيفة المستحيلة الحدوث والتى امتلأت بها كتب الفقه فى العصر العثمانى: مثل " ما حكم من حمل على ظهره قربة فساء ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟... من جاع فى الصحراء ولم يجد الا جسد نبى من الأنبياء ، هل يجوز له الأكل منه؟ ...ماحكم من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة ؟ وماذا عليه من الأثم ؟؟ ....وما حكم من كان لقضيبه فرعان وزنى بامراة فى قبلها ودبرها فهل يقع عليه حد واحد أم حدان؟؟ كل ذلك لا زلت اتذكره من الفقه التراثى الذى كان مقررا علينا فى الأزهر الشرف جدا جدا وكان يخدش حياءنا حينئذ، ثم ظل مقررا على الجيل الذى اتى بعدنا بعد توسع الأزهرفى كل القرى المصرية دون اصلاح لمناهجه وفكره. ودخل فى الأزهر افواج من المراهقين فى تعليمه الآعدادى منهن فتيات قاصرات فى براءة الطفولة وحياء العذارى ونقاء الفطرة كان عليهن دراسة هذا الفقه القذر المتخلف, ولم يتم حذف سطوره الا بعد مقالات لى كوفئت عليها بالتكفير فى اوائل التسعينيات. ونمسك القلم عن المزيد حتى لا نخرج عن موضوعنا.
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردا على سجن الدكتور أحمد البغدادى فى الكويت
-
حتى ولد الزنا يلحق بأبيه فى تشريع الاسلام أدعوهم لآبائهم
-
لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم
-
اصلاح الدستور المصرى لا يكفى . لا بد من حكومة انتقالية لتوطي
...
-
لا زلنا نعيش فى عصر الخليفةالعباسى الناصر لدين الله بسبب توا
...
-
العملية الانتحارية الأخيرة فى اسرائيل ودلالاتها
-
حد الردة .. المزعوم
-
مرض الحسبة
-
ابو بكر الصديق
-
الاسناد فى الحديث
-
أكذوبة عذاب القبر والثعبان الأقرع
-
التأويل
-
المسكوت عنه من سيرة عمر
-
التسامح الاسلامى بين مصر وأمريكا
-
حريات لا يحميها القانون المصرى :
-
نداء الى على سالم : لماذا لا ترشح نفسك لرئاسة الجمهورية المص
...
-
القرآن وكفى مصدرا للتشريع
-
اكذوبة الرجم فى الحديث
-
رسالة الى شيخ الازهر
المزيد.....
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|