|
ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 1147 - 2005 / 3 / 25 - 15:28
المحور:
الادب والفن
بقلم: الأديبة دينا سليم
أهداني الأديب ناجي ظاهر ثلاثة من مؤلفاته الوفيرة القيّمة. التقيتهُ لأول مرة في حيفا قبل أسابيع أثناء استضافة (تموز) لي في حفل التوقيع على روايتي الأولى " الحلم المزدوج. قرأتُ لهُ من قبل عبر بعض المواقع العالمية. أعجبتُ بكتاباته خاصة وأن العالم العربي خصّها أيضا وقيّمها ضمن الابداعات الرائعة. الآن اقتنع تماما أن أدبنا المحلي بألف خير ويؤلمني حقا أن يبقى أدبنا قيد المحلّية وقيد النخبة المتذوقة. ( أرجو أن يكون الموضوع مفتوحا للحوار) ما قرأته من أعمال الأستاذ ناجي، يفوق الكثير مما أقرأهُ لأدباء آخرين يحتلون المساحات بمواضيع مكررة وتخلو من الإبداع ومن الفكرة أيضا. لقد استطاع أديبنا اقحامنا بهموم الأمة، وقلق الفرد اليومي وهواجسهُ من المستقبل بقصصه القصيرة المتنوعة المصبوغة بصبغة حقيقية وغير مفتعلة. تلقائية أديبنا تنعكس انعكاسا حقيقيا على مشاعرنا وتسلط الضوء على المخفي داخلنا وتلقي الظلال على حقائق مُرّة لا نستطيع التخلص منها. أعجب بقلم أديب لا يراوغ ويقول الحقيقة من منظار جاد وعن قصد فيه الجرأة ولهُ رأي قيّم بكل موضوع، فلكل مبدع معطاء رأي قيّم يرشد به الأمة حتى ولو بكلمة. بحث أديبنا عن الجَمال في عالم مليء بالجمال، فهو لا يرى القبح ولا يستوعب البشاعة لأنهُ أديب جميل يكشف لنا عن عالمه بالرسم والكلمات. حالم مرهف الحس داخلهُ نار تغلي. مغلف بهدوء منظور وأحيانا مفتعلٌ، لو استطاع تكسير الحواجز لفعل وأنطلق كحصان جامح يبدّل الكون من سيىء الى كون فائق الجمال لفعل. أقدامهُ معلّقة بأرض يحبها وخطواته تخطو بسيطة يعشقها وخيالهُ يصاحب ذكريات الطفولة وهواؤه يزاوج حنينا مفقودا. تنقصهُ الجرأة لتهشيم ما يكره، لذلك نراهُ يحلّق في سماء يحبها تأخذه الى الرتابة الخانقة التي تحد من نشاطه الفعلي وتؤجّل مواعيدهُ وأبداعاته المتراكمة، انه لا يدري الى متى سيحلق في سماء الحرية المكبوتة وما هو سبيل الانطلاق فنراهُ يحدثنا في (صورة امرأة) ص 13: " عاش على الأمل، أبعدته الحرب عن أحلامه وعن العودة الى قريته لمتابعة حلمه القديم في زراعة الأرض وفي تعليق حزمة الثوم فوق باب البيت وفي أشياء كثيرة معروفة للجميع، فالتصق بمعدنه المفضل ولم ييأس، علّمته الحياة أن اليأس يولد يأسا وأن الأمل هو الطريق الأفضل للخروج الى العالم الرحب. في المساء ينسى ما حلّ به خلال النهار الذي يبدأ في الثامنة صباحا وينتهي في الثامنة مساء، من تعب، ويستسلم لأحلام وردية..." يظهر لنا تعلقه غير العادي ببلده وحبه لكل شىء، تعلقه بالمكان الذي يعيش فيه يسبب له ثروة غنية من الأفكار فيتحدّث عنهُ في كل مرة دون تكرار وكأنه يرى المكان لأول مرة، شىء من الوفاء الخاص والاخلاص النادر للمكان الذي يمنحه الأمان والانتماء، الدفء والحميمية، يخشى ضياعه ويخشى تركهُ وأن عاد اليه يجده مغايرا كأنّ يديه هما اللتان تبقيانه متماسكا بعيد الاندحار كما حصل بسائر الأماكن المُهجرة، فيكفيه ترحال وتهجير واسترسال المأساة. لقد استطاع اديبنا تجميل الأحداث فوضعها داخل اطر نفيسة حتى لو كانت تحمل جميع مقومات البشاعة، ولو كانت غير مقبولة أيضا، فنراهُ في (صورة امرأة ) ص 24 :"ابتعدت عن الدنيا والناس ، انعزلتَ هناكَ وحدك، بعيدا عن أهلك، مع كمانكَ، لعل ريحا رخيةّ تأتي بها، تعيدها اليكَ، أو لعلكَ تتحمس فتنطلق اليها، تركض وتركض، وتبقى تركض حتى تصل اليها..." فنراهُ فجأة المشاكس المتزمت، صاحب الكبرياء لا الغرور، يكتب ويدوّن دون توقف، يزفر بحنين يغامر بالكلمة وبايحاء مباشر ومقصود يعلن:" ان حياتنا يجب أن يكون لها معنى وحتى يوم توجهت الى تعلم العزف، كنت أريد أن اسمع ما لم اسمعه، وأبغي تنظيم الأصوات بحيث تصبح متناسقة متناغمة بطريقتي أنا، لا بالشكل الذي هي عليه ولا أعرف منه سوى القليل." انه يبحث عن الجديد والتجدد، لديه الكثير. انه المتواضع الكريم لدرجة التشويش: " وأقر أن تحدي الصمت هو الذي سيّر خطواتي ونظمها. أنا لم أفعل الكثير ولم أعزف معزوفتي، لكنني حينما أعزف أخرج ما بداخلي، أحاول ولا يهمني أن أنجح أو أخفق، المحاولة في مثل حالتي، كما أقنعتُ نفسي تكفي وتزيد. وفي يوم من الأيام ستعلو معزوفتي، دون أن أقصد، برأسها الطرق، سأتناول كماني وسأعزف".
نراهُ يبحث عن الأمل فهو في حرمان، يشتهي امرأة أحلامه، يبحث عنها فلا يجدها، انه فنان يحسن مداعبة الجمال، يراهُ في عيون الآخرين، لكن الذي يريده ليس بمقدور الآخرين، لأنهُ يريده كاملا مثاليا بالروح وليس بالجسد، لن يجده في الواقع ولا في شوارع مدينته التي يعشقها ولا في سوق البلدة العتيقة. طال به زمان البحث فيتنازل، نراهُ يأخذ مأخذ الشكل البديل لأمرأة تساومه الحياة والممات تكفيرا، بها روح سامية فلم يكن له مناص سوى أن يخلق فتاة أحلامه في مخيلته، يعتاش على حبها ويتغذى من جمال روحها. أفكاره تقع في برزخ الوهم والحقيقة، الخروج من الحلم أو الاستمرار به، فتنقسم عليه روحه ويصبح فجأة رجل المتناقضات، مشتت مسربل ولا يجد سوى شوارع مدينته يندفع الى العم (محمد) فهو الوحيد الذي يعيد اليه توازنه واستقراره: " في السيباط، عند العم محمد، أبي ندية، في السوق، انطلقت الى هناك، تركت ذلك المهزوم المتفائل سامي، وذهبتُ الى العم الطيب، أريد أن أقترب منه، أن أقتبس من نار أمله التي لا تنطفيء، مهما شال من اثقال..." أديبنا يتغلب على تردده لكنه لا يستطيع الخروج من خوفه، انه في أرضه، ربما الخوف كامن داخله من الطفولة ولأسباب لا يعرفها أحد سواه. يتراجع الى طور الطفولة بعنف لا يسبقه أي اقتحام، يستذكر فتاة أحبها حبا بريئا لمجرد أن منحته بعض الاهتمام، ذهبت الفتاة ويبقى المكان بزيتونة ما زالت خضراء، لكن وبطريقته الخاصة جدا استطاع الأخذ بالثأر لنفسه المحبطة والألم الذي زاوله عقودا، من أقرب الناس اليه وأبعدهم على قلبهِ، فما ذلك سوى متنّفس بسيط ففي ( قصة غير عادية) ما هي الا قصة عادية جدا للقارىء لكنها بالنسبة له ففيها جميع أسباب القهر والمعاناة التجاهل الذي يعاني منه. لقد استطاع اقحامنا بسيرته الذاتية، أحببناها وأنصفناهُ لذلك أعتقد أن قصة ( ست الحسن) من كتاب ( صورة امرأة ) تفي بالأغراض كي نفهم ونستوعب ما يعانيه ذلك المبدع، الذي يجمع بين التفاؤل والتشاؤم قصير الأمد، وأحيانا بين التعاسة طويلة الأمد والسعادة المرجوة، الوحدة التي تأكلها الرتابة والبحث عن بداية جديدة تفجره كبركان، كثرة الأفكار والاسترسال الطويل والسريع أحيانا، الاندفاعية وتقليم أفكارة المنهمكة بالبحث عن المفقود، ازدواجية الروح واستبداد النفس المتذوقة. إننا أمام مبدع متناقض الصفات والألوان، فلا ابداع بدون ألوان ولا انجاز بدون نفس حيّة نابضة، فلا عطاء بدون ألم، ولا نتاج قيّم بدون محنة حقيقة، فالولادة تأتي من هذا الخضم الهائل من ذات النفس البشرية المتلاحمة والمتناحرة، تنعزل وتنزوي، تداهم ولا تيأس، تصارع ولا تكلّ، تصبو الى الكمال والاستمرار. لذلك أنا أكيدة أن أستاذنا الأديب الكبير ناجي الظاهر سيكللنا قريبا بعمل مغاير لا يشبه أي قديم فريشته نابضة حيّة ممتعة وغير ممتنعة، ونحن جميعا قيد الانتظار .
أرجو المعذرة، اردت التطرق للمزيد الكثير لكن خشيت أن يملني القارىء، لذلك أعطي قلمي متنفسا زمنيا لآتي مستقبلا بآرائي الأخرى في أعمال كاتبنا المبدع ناجي ظاهر.
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
-
لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة
-
امرأة من زجاج
-
لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية
-
دموع الشموع
-
* هل جاء (الحلم المزدوج) ليكون للحقيقة لسان ؟
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|