|
بطُل السحر يوم حنين
أحمد عفيفى
الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 09:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" الآن بَطُل السحر " كلدة بن الحنبل – يوم حنين
الآن ينهزم جيش دولة النبي، وهو الكثير أمام فئة قليلة، الآن بعد ذلك المشوار الطويل الكبير العظيم، بعد أن قاربت الدولة الكبرى على القيام في جبين التاريخ، بعد كل المعاناة والتجارب والهزائم والانتصارات، وكل تلك الدماء التي اُريقت وذلك العمر الذى أنقضى، والدولة الكبرى من التحقيق قاب قوسين أو أدنى، وذلك التواصل بين الأرض والسماء، وكل الآيات التي تتحدث عن الاستشهاد وعن الجنة وعن النار، تفر الكثرة أمام القلة، ويتبعثر الاثنى عشر ألف مقاتل منهزمين، وسط سهام تئز ورماح تطارد، لا أحد يلتفت إلى أحد، ولا حتى إلى رسول الله.
حُنين مجموعة من الجبال، تُحيط بوادي أوطاس، وهو الوادي الذي دارت به وقعة هوازن، بين قبيلتي هوازن وثقيف وجيش محمد الجرار بعد استيلاء محمد على مكة، وهو الوادي الذي دارت به الوقعة وحمى فيه الوطيس، والوطيس هو نقرة في حجر أي تجويف بداخله، توقد حوله النار حتى ينضج به اللحم، وهوازن وثقيف قبيلتان كبيرتان من الأعراب أشفقتا من محمد، وأشفقتا من غزوه لهم، فالأمر بات واضحاً، لا لبس فيه ولا مراء، محمد مجرد قاطع طريق، تحول إلي زعيم عصابة، تقوم حياتها على الغزو والسبي والنهب، ولا عزاء لأخلاق الرسل وروحانيات الرسالة وجئتكم هاديا ومبشرا.
ويذكر البلاذري في أنساب الأشراف، أن هوازن قد تجمعوا مشفقين أن يغزوهم محمد – وليس أن يهديهم أو يدعوهم للإسلام – وقالوا " قد فرغ لنا فلا ناهية له دوننا " وهو قول فيه من الرعب من زعيم عصابة وقاطع طريق أكثر مما فيه من الرجاء في رسول مرسل من السماء رحمة للعالمين، ذلك القاطع الذي لم يترك ولم يطلق قبيلة دون غزوها وقتلها سوي قبيلته الأم قريش، حتى أنه أستخلف على مكة حين خروجه لحنين، عتاب بن أسيد الأموي تحديدا، في إشارة واضحة لطمأنة الفرع الأموي، وتبليغها بمكانتهم ودورهم في الدولة، واتقاء لشرهم وغدرهم المحتمل في حال خروجه، ومنبها أيضا إلي دور الجيل القرشي المقبل، جيل عتاب الذي استخلفه وهو لم يبلغ العشرين من عمره بعد، والذي حج بالناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه في الجاهلية، ومطمئنا لتجار مكة وسادتها على نظامها الاقتصادي والتجاري، بل والديني الذي افرزه ظرفها التاريخي.
وتتحرك جحافل العصابات المسلمة في اثني عشر ألف مسلح، منهم عشرة آلاف ممن استولوا على مكة، انضم إليهم ألفان من الطلقاء – كرها بالطبع ورغبة بالغنيمة وليس من أجل خاطر قاطع الطريق أو رسالته الدموية – الذي يقول بكل فخر وهو على رأس كل هذا العدد الهائل من العصابات المسلحة في تاريخ العرب " لن نُغلب اليوم من قلة " وهو قول مُعبر تماما عن واقع موضوعي، فمهما كانت قوة قبائل هوازن، فلن تُقاس عدّاً على جند محمد الذين يمثلون أكبر جيش عرفته الجزيرة من عربها، ولم يعد الأمر حينها بحاجة لملأ السماء المقاتل ولا تعبئة للملائكة، ونادي محمد نداءه المثير لشهوة القتل والسلب والسبي " من قتل قتيلاً فله سلبه " ولو كان رسولا نبيا، لما كان دعا لقتل وسلب على الإطلاق، ولكان أرسل للناس يدعوهم ويؤمنهم على أرواحهم وذريتهم وأموالهم، ولكنها العُصبة والغنيمة، ولا شيء غيرهما، وعادته التي لن يشتريها!
هذا بينما كان مالك بن عوف زعيم هوازن وثقيف قد علم الأسباب ودرس الخطط، فسبق تلك العصابات المسلحة برجاله إلى مواقع أختارها بعناية فوق جبال حنين المنحدرة إلى وادي أوطاس، مستغلا تلك الثغرة البيّنة المسماة بالطلقاء الذين دخلوا الإسلام كرها، إلى جانب إدراك الرجل التام لحجم الغرور والخيلاء والغطرسة التي يتبختر بها محمد وسط ركبه العظيم وجحافله الجرارة التي تهتز تحتها البوادي، إضافة إلى تخلي محمد عن إخفاء خبر خروجه، وتخليه عن تخفيه وتحركه بعصابته ليلاً، وتخليه عن الهجوم على القوم بغتة، وصارت لديه الحرب قوة بعد أن كانت خُدعة، فكان ما وصفه ابن الأثير على لسان جابر الأنصاري " فلما استقبلنا وادي حنين، انحدرنا في واد أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه انحداراً، في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه، قد تهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد، فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد على أحد ".
الآن يرى محمد أمامه مشروعه برمته يتزلزل زلزالا عنيفا، الآن يقف زعيم العصابة وحده ويهرب المستضعفون فرارا من الجهاد والزحف والموت، ولا يبقى من القضية كلها والشعارات جميعها عن جنة الشهداء ونار الكافرين، سوى رابطة الدم وحدها، فيجتمع حول محمد أهل بيته فقط من بني عبد المطلب، ثمانية فقط من الاثنى عشر ألفاً، اثنى عشر ألف وقف محمد يهتف بهم، ولا حياء ولا إيمان لمن ينادي " أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله " ويعقب ابن كثير على نداءه " ولا شيء!، وركبت الإبل بعضها بعضا، وانكفأ الناس منهزمين، لا يقبل أحد على أحد! " ، الآن يقول عمر بن الخطاب معبراً عن مدى اللوعة واليأس فيما يحدث " أمر الله! "، الآن يقول كلدة بن الحنبل " ألا بطُل السحر اليوم "، الآن يقول مصعب بن شيبة " والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ".
الآن يعود محمد إلى السماء ويهتف بربها، وهو يشاهد الانهيار السريع الذي يهوي عليه من قمم حنين ويحيق به " اللهم إن تشاء، لا تُعبد في الأرض بعد اليوم "، بعد أن كان يقول بكل ثقة وفخر " لن نُغلب اليوم من قلة "، الآن يطلب من العباس أن ينادي ويستنصره بالأنصار، نداء الرحم والخئولة " يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة " تذكيرا بعهد البيعة حتى الموت تحت الشجرة، وتنبيها إلى عقد العربي وجواره المعقود بين الأنصار ومحمد في بيعة العقبة، واستشرافا لشهامة النجدة والمروءة، واستنفار للنخوة العربية، وعندما يعود الأنصار، يأمرهم محمد أن يقتلوا من يقدروا عليه، أي أن يقتلوا ما استطاع لهم أن يقتلوه، فراحوا يقتلون أطفال هوازن وثقيف من شدة الغيظ.
ووقف المسلمون يحصون غنائمهم، تلك الغنائم التي كانت سبباً رئيساً في حروبهم، ولولاه لما انضم صعلوك واحد منهم لعصابة محمد، أربعة وعشرين ألف بعير، أربعين ألف شاة، أربعة آلاف أوقية من الفضة، كل تلك الثروة الهائلة في وقعة واحدة، وبالطبع خمسها لزعيم العصابة محمد، الذي أمر بحبس كل تلك الغنائم – التي ليست من حقه ولا من حق صعاليكه – في الجعرانة حتى ينظر في أمر توزيعها على أفراد عصابته، وحتى يصطفي منها ما يشاء، وهو الذي فلقتنا كتب التراث والسيرة بورعه وزهده ودرعه التي كانت مرهونة لدي يهودي، أي درع أيها الحمقى، تلك التي يفكر بها رجل يسرق الذهب والفضة آناء الليل وأطراف النهار!
يوم حنين، بطُل السحر، وزالت عن الكاهن كهانته، تماما كيوم أحد عندما غرته بدر، فراح يختال بالنصر، ويقبل رجاله على الغنيمة، بلا وازع من إيمان أو جهاد أو شرف، يوم حنين أنفضت عنه جحافل المستفيدين، ولم يشفع له نداءه أنه رسول الله، وتركوه قائما يواجه مصيره بين أهله وعشيرته، كم تركوه في أحد حتى كاد يقتل، والأمر لم يعدوا كونه حرب على السيادة والغنيمة، والأمر لم يخرج عن الحرب والخدعة، ومن يستعد جيداً، ومن يخرج مهزوما ومن يخرج منتصراً، ولا نبي ولا ملائكة ولا سماء تدخلت، ولولا الأنصار مجدداً ما ظهر محمد في أحد ولا في حنين.
#أحمد_عفيفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نكسة الحُديبية
-
حقيقة الخُدعة
-
كتاب الفوضى السماوي
-
الرب كافر
-
الله و الحب
-
أحسن تقويم
-
شرّ الله
-
اللوح البلورى
-
متلازمة الدين والسلطة
-
أم الملحدين
-
ماهية الدين
-
أسباب النزول
-
التجليات لابن عفيفي
-
غير الموجود
-
العدل الإلهى
-
هكذا تكلم عفيفي
-
أسئلة بريئة
-
لصوص ولكن أحبار
-
الناسخ و الممسوخ
-
نواضر الأيك
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|