ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 23:14
المحور:
الادب والفن
فقيه القبيلة خياط للعامة
كادت الشمس تتوارى خلف الجبال البعيدة، ولم يعد للفقيه سبيل غير لمِّ أغراضه التي سيحتاجها في منزله لإتمام أشغاله يدويا على الجلباب الذي طلبه الرجل الوقور. قام بجولة حول الدكاكين القريبة ليبتاع ما أوصته به الزوجة في باكرة هذا اليوم، فتراءى له الناس سراعا حوله يسابقون الزمن في خشيتهم من أن يتداركهم الليل ولم يتموا تبضعهم الأسبوعي. ثم عاد ليغلق دكانه ويمتطي دراجته فيدك الدواسات بهمة ونشاط متحرقا للوصول سريعا إلى مضارب قبيلته، حيث سيجد الأبناء في انتظاره وقد اعتلوا ربوة ليتطلعوا إلى فانوس دراجته الذي يظهر التماعه من بعيد.
وكما في الصباح كان يتجاوز قوافل البدو العائدين إلى بيوتهم بعد أن قضوا يومهم بين سوق المدينة والتردد على الحرفيين لشحذ الفؤوس أو تغيير سنابك البغال. ومنهم من تخلف عن الركب فترك حماره وبأحماله يحث خطاه لوحده إلى خيمته رغم الظلمة.
هرول الأطفال إليه، وكاد تدافعهم نحوه أن يسقطه أرضا وهو يحاول أن يعدّل من توازن الدراجة التي ثقلت بما جلب من المدينة حين همّ بالترجل عنها. قبلوا يديه وتعقبوه إلى البيت حيث ستساعده الزوجة التي استقبلته بابتسامة سريعة في إنزال القفف التي علّقها على المقود. بينما اهتم هو برفع الكيس الذي وضع فيه الأجواخ الصوفية بكل عناية.
وحين انتهوا من ذلك، ركن الخياط دراجته في زاوية الغرفة، ثم أوثقها. وبعد أن قرفص من تعب أمام صينية الشاي الساخن، بدأ يوزع أصابع الحلوى بالتساوي على الأطفال. وأما الزوجة فلقد انهمكت في تفريغ القفف، حيث وجدت بين سلعتها الحناء والسواك المغربي وأشياء أخرى اجتهد الفقيه على إخفائها عن أعين الصغار في عمق السلة. فأفلتت منها ضحكة استغرب لها الأطفال الذين تحلقوا حولها لمعرفة السر وراء ذلك .أمرتهم بالابتعاد عن نار المرجل حتى تهيء الطعام بينما توجه الفقيه للوضوء لصلاة العشاءين.
في الصباح ولما خرج الأبناء ليرِدوا الماء من بئر قريب، لمحوا ديكهم منهمك في نقر ما تبقى من قشور الكاوكاو الذي لم يعرفوا مصدره.
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟