|
عويل وبكاء على كرونشتاد
ليون تروتسكي
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 09:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"جبهة شعبية" من المنددينّ*
تخاض الحملة حول كرونشتاد بنشاط متزايد في بعض الأوساط، وقد يظن المرء أن تمرد كرونشتاد قد تم ليس منذ سبع عشرة عاما بل الأمس بالذات. ويشارك في هذه الحملة بنفس المستوى من الحماس وتحت شعار واحد وموحد: الفوضويون والكاشفة الروس، والاشتراكيون الديمقراطيون اليساريون من مكتب لندن، وأفراد طوافون ونشرة ميليكوف [1]، وعند المناسبة الصحافة الرأسمالية الكبرى، إنها "جبهة شعبية" على طرازها الخاص.
يوم أمس بالذات، صدف أن قرأت في مجلة أسبوعية مكسيكية، وهي مجلة كاثوليكية رجعية، و"ديمقراطية" في آن واحد، هذه الأسطر: "أمر تروتسكي بإطلاق النار على 1500 (؟) بحار من كرونشتاد، وهم من أصفى الأصفياء. إن سياسته وهو في السلطة لا تختلف البتة عن سياسة ستالين الحالية."وقد خلص الفوضويون اليساريون كما هو معروف للاستنتاج نفسه. وعندما أجبت باختصار للمرة الأولى في الصحافة على أسئلة فاندلين طوماس وهو عضو في لجنة تحقيق نيويورك، سرعان ما هبت المناشفة الروس تدافع عن بحارة كرونشتاد و... عن فندلين توماس. ثم جاءت في ما بعد نشرة ميليكوف تكتب بالروح نفسها. وتهجم علي الفوضويون بعنف أشد بعد ذلك. إن هذه الجهات جميعها تدعي أن أجوبتي لا قيمة لها إطلاقا. ومما يزيد من روعة هذا الإجماع أن الفوضويون يدافعون تحت شعار "كرونشتاد" عن عين الشيوعية المعادية للدولة، هذا بينما كان المناشفة يقفون علنيا مع إعادة الرأسمالية أيام انتفاضة كرونشتاد، ولا يزال ميليكوف حتى الآن من أنصار الرأسمالية.
كيف يمكن لانتفاضة كرونشتاد أن تسبب مثل هذه الحرقة في القلب لدى الفوضويين والمناشفة و"الليبراليين" المضادين للثورة في آن معا. إن الجواب سهل: فلهذه الجماعات كلها مصلحة في التشهير في التيار الثوري الحقيقي الوحيد الذي لم يتخل عن رايته قط، والذي لم يساوم مع أعدائه والذي يمثل وحده المستقبل. ولهذا السبب نجد بين الكاشفين المتأخرين لـ" جريمة" في كرونشتاد مثل هذا العدد من الثوريين السابقين أو أنصاف الثوريين، وهم أناس فقد برنامجهم ومبادئهم ووجدوا من الضروري تحويل الأنظار عن انحطاط الأممية الثانية أو عن خيانة الفوضويين الإسبان. وحتى الآن لا يستطيع الستالينيون الانضمام علنيا إلى هذه الحملة حول كرونشتاد. لكن حتى هم يبتهجون لها بالطبع، ذلك أن الضربات موجهة ضد "التروتسكية"، ضد الماركسية الثورية، ضد الأممية الرابعة.
لماذا تحققت هذه الأخوة المتنافرة حول كرونشتاد بالذات؟ لقد اشتبكنا مرات عديدة خلال سني الثورة مع القوزاق و الفلاحين وحتى مع بعض شرائح العمال( نظمت بعض الجماعات من عمال الأورال فيلقا طوعيا في جيش كولتشاك[2]؟)
ذلك أن التعارض بين العمال بصفتهم مستهلكين و الفلاحين بصفتهم منتجين وبائعي خبز يكمن أساسا عند جذور هذه النزاعات. وتحت ضغط الحاجة والحرمان كان العمال أنفسهم ينقسمون بين حين وآخر إلى فرق متعادية حسب شدة أو ضعف روابطهم بالقرية. وكان الجيش الأحمر أيضا تحت تأثير الريف. فخلال سنوات الحرب الأهلية كانت الضرورة في أكثر من مرة لنزع السلاح من الفيالق المستاءة. إن إدخال "السياسة الاقتصادية الجديدة" (س ا ج) خفف من حدة هذا التوتر لكنه ظل بعيدا عن إزالته. لا بل بعكس ذلك فتحت "س ا ج" المجال أمام بعث الكولاك [3 ] وأدت في بداية هذا العقد [4 ] إلى تجدد الحرب الأهلية في القرية. إن انتفاضة كرونشتاد لم تكن سوى حلقة من تاريخ العلاقات بين المدينة البروليتارية والقرية البرجوازية الصغيرة. ويمكن فهم هذه الحلقة فقط من خلال ارتباطها بالمجرى العام لتطور الصراع الطبقي أثناء الثورة.
لم تختلف كرونشتاد عن سلسة طويلة من التحركات والانتفاضات البرجوازية الصغيرة الأخرى إلا من حيث تأثيرها الخارجي الأكبر. فالمسألة هنا تعلقت بحصن بحري قرب بيتروغراد نفسها. وخلال الانتفاضة كانت التصريحات تصدر والبث الإذاعي يتم. وكان الاشتراكيون – الثوريون والفوضويين المهرولون من بتروغراد يمجدون الانتفاضة بالعبارات والإيماءات "النبيلة". كل ذلك ترك آثارا في مجال المطبوعات. فليس من الصعب بالإستاد إلى هذه المواد "الوثائقية"، (أي الشعارات المغلوطة). بناء أسطورة حول كرونشتاد يزيد من تعظيمها إن اسم كرونشتاد كان محاطا في سنة 1917 بهالة ثورية. فالمجلة المكسيكية التي ذكرناها أعلاه لم تصف بحارة كرونشتاد ساخرة بـ "أصفى الأصفياء" بدون سبب.
ان التلاعب حول مجد كرونشتاد الثوري هو إحدى السمات المميزة لهذه الحملة المشعوذة حقا. فالفوضويون و المناشفة و الليبراليون و الرجعيون يحاولون إظهار القضية و كأن البلاشفة قد صوبوا أسلحتهم في بداية عام 1921 نحو بحارة كرونشتاد ذاتهم اللذين أمنوا انتصار انتفاضة أكتوبر. هنا تكمن نقطة الانطلاق لكل التشويهات اللاحقة . وعلى كل من أراد دحض هذه الأكاذيب أن يقرأ أولا مقال الرفيق ج.ج . ورايت في "الأممية الجديدة" (شباط 1938) . ان المشكلة التي أتناولها هنا مختلفة : أود وصف ملامح انتفاضة كرونشتاد من وجهة نظر أعم .
التجمعات الاجتماعية و السياسية في كرونشتاد
إن الثورة " تصنعها " بشكل مباشر أقلية . غير أن نجاح ثورة ممكن فقط حيث تجد هذه الأقلية دعما بهذا القدر أو ذاك أو على الأقل حيادا محبذا من قبل الأغلبية . وان الانعطاف في مراحل مختلفة من الصورة كالانتقال من الثورة الى الثورة المضادة تحدده مباشرة العلاقات السياسية المتغيرة بين الأقلية والأغلبية ، بين الطليعة و الطبقة .
كان بين بحارة كرونشتاد ثلاث شرائح سياسية : الثوريون البروليتاريون ، وبعضهم قد عرف ماضيا وتجربة هامين ، و الأغلبية الوسطية و هي فلاحية الأصل بشكل رئيسي ، و أخيرا الرجعيون أبناء الكولاك و أصحاب الدكاكين و الكهنة . وفي أيام القيصرية لم يكن بالإمكان فرض النظام على البوارج البحرية و في الحصن إلا بقدر ما كان الضباط ، بعملهم من خلال الفئات الرجعية من الضباط الصغار والبحارة ، يخضعون الشريحة الوسطية الواسعة لنفوذهم أو إرهابهم ، عازلين بذالك الثوريين وخاصة الميكانيكيين و جنود المدفعية و الكهربائيين أي عمال المدينة بصورة أساسية .
كان مجرى الانتفاضة على بارجة بوتمكين الحربية في عام 1905 مبنيا كليا على العلاقات بين هذه الشرائح الثلاث أي على الصراع بين الطرفين البروليتاري و البورجوازي الصغير الرجعي من أجل النفوذ على الشريحة الفلاحية الوسطية الأكثر عددا. و الأحرى بمن لم يفهم هذه المسألة التي تخص الحركة الثورية في الأسطول ألا يتكلم عن مشاكل الثورة الروسية عامة . وذالك لأنها كانت بأكملها ولا تزال إلى حد بعيد صراعا بين البرورليتاريا و البرجوازية من أجل النفوذ على الفلاحين . فخلال الفترة السوفياتية ظهرت البرجوازية بصورة رئيسية بمظهر الكولاك (أي الشريحة العليا من البرجوازية الصغيرة ) و الانتليجنسيا [5] الاشتراكية و الآن بشكل البيروقراطية " الشيوعية" . هذه هي الآلية الأساسية للثورة في كل مراحلها . و قد أخذت في الأسطول طابعا أكثر مركزية و بالتالي أكثر مأساوية .
إن التركيب السياسي لسوفيت كرونشتاد عكس تركيب الحامية و البحارة. وكانت قيادة السوفيتيات تنتمي منذ صيف 1917 إلى الحزب البلشفي الذي ارتكز على أفضل قطاعات البحارة وضم في صفوفه ثوريين عديدين من الحركة السرية تم تحريرهم من سجون الأشغال الشاقة .لكن حسبما اذكر، شكل البلاشفة أقل من نصف سوفيتات كرونشتاد ، حتى في أيام انتفاضة أكتوبر . فالأغلبية كانت من الاشتراكيين –الثوريين و الفوضويين . ولم يكن في كرونشتاد مناشفة إطلاقا . و كان الحزب المنشفي يكره كرونشتاد ، ولم يكن موقف الاشتراكيين- الثوريين الرسميين بأفضل منه. فلم يلب الاشتراكيون-الثوريون في كرونشتاد إن انتقلوا إلى معارضة كيرنسكي وشكلوا إحدى الكتائب الصدامية لما يسمى بالاشتراكيين –الثوريين "اليساريين" . و استندوا إلى القسم ألفلاحي من الأسطول ومن حامية الشاطئ. أما فيما يخص الفوضويين فقد كانوا الجماعة الأقل تجانسا. وكان بينهم ثوريون حقيقيون أمثال دجوك ودجيليز نياكوف غير أن هؤلاء كانوا العناصر الأوثق ارتباطا بالبلاشفة . وقد مثل معظم "فوضويي" كرونشتاد البرجوازية الصغيرة المدينة وكان مستوى ثوريتهم أدنى من مستوى الاشتراكيين-الثوريين . أما رئيس السوفيتات فكان رجلا غير حزبي "مؤازرا للفوضويين" و هو في جوهره موظف صغير مسالم كان آنفا خاضعا للسلطات القيصرية و أصبح ألان خاضعا ... للثورة. ان غياب المناشفة التام و الطابع "اليساري" للاشتراكيين – الثوريين وصبغة البرجوازيين الصغار الفوضوية كان مردها الى حدة الصراع الثوري في الأسطول و النفوذ المهيمن للفئات البروليتارية من البحارة.
التحولات خلال سنوات الحرب الأهلية
ان هذا الوصف لمعالم كرونشتاد الاجتماعية و السياسية ، الذي بالإمكان دعمه بالعديد من الوقائع والوثائق، كاف بذاته لإلقاء النور على التحولات التي حصلت في كرونشتاد خلال سنوات الحرب الأهلية والتي أدت إلى تغيير ملامحها إلى حد بات معه التعرف عليها عسيرا. وبالضبط حول هذا الجانب الهام من المسألة لا ينبس المهتمون الجدد ببنت شفة، جزئيا عن جهل و جزئيا عن سوء نية .
أجل ، لقد سجلت كرونشتاد صفحة مجيدة من تاريخ الثورة. لكن الحرب الأهلية كانت نذرا لهجرة شاملة لسكان كرونشتاد و الأسطول البلطيقي بأكمله . وقد سبق أن أرسلت فصائل من بحارة كرونشتاد في أيام انتفاضة أكتوبر لمساندة موسكو. و كانت فصائل أخرى ترسل إلى الدون والى أوكرانيا لمصادرة الخبز وتنظيم السلطة المحلية. وقد بدت كرونشتاد في البدء و كأنها لا تنضب. لقد أرسلت شخصيا من مختلف الجبهات عشرات البرقيات بخصوص تجنيد فصائل جديدة "يمكن الثقة بها" من بين عمال بطرسبرج وبحارة البلطيق . لكن منذ عام 1918 بالذات وعلى كل حال منذ عام 1919 ، أخذت الجبهات تشكو من أن مفاوز الكرونشتاديين الجديدة غير مرضية و كثيرة المطالب و غير منضبطة ولا يمكن الوثوق بها في القتال ومضرة أكثر منها نافعة .وبعد تصفية يودينيتش [6] (في شتاء عام 1919) أصبح أسطول البلطيق وحامية كرونشتاد مجردين من كل القوى الثورية. وقد زجت جميع عناصرهما التي لها فائدة ما في القتال ضد دنيكين [7] في الجنوب . فإذا صح أن بحارة كرونشتاد كانوا في عامي 1917و 1918 بمستوى أرفع بكثير من المستوى المتوسط للجيش الأحمر و شكلوا على حد سواء العمود الفقري للفصائل الأولى و العمود الفقري للنظام السوفياتي في مقاطعات عديدة ، فان أولئك البحارة الذين بقوا في كرونشتاد "الآمنة" حتى بداية عام 1921 من دون أن يقاتلوا على أي جبهات الحرب الأهلية كانوا في ذالك الوقت في مستوى أدني بكثير، على العموم، من المستوى المتوسط للجيش الأحمر . وضموا في صفوفهم نسبة كبيرة من العناصر المنحطة المعنويات كليا، المرتدية السراويل المبهرجة وذات قصات الشعر الهزلية .
إن انحطاط المعنويات الذي أساسه المجاعة و المضاربة الاحتكارية كان قد تفشى كثيرا عند نهاية الحرب الأهلية . وقد أصبح ما يسمى ب "حملة الأكياس" (المضاربون الصغار) آفة اجتماعية تهدد بخنق الثورة . وفي كرونشتاد بالضبط حيث لم تفعل الحامية شيئا وكان لديها كل ما تحتاج إليه، بلغ انحطاط المعنويات إبعادا كبيرة الأهمية. ولما أضحت الأوضاع متأزمة جدا في بتروغراد الجائعة ناقش المكتب السياسي أكثر من مرة أمكانية تأمين "عون داخلي" من كرونشتاد حيت بقيت كمية من المؤن القديمة. لكن بعض مندوبي عمال بتروغراد أجابوا :"لن تحصلوا على شيء منهم بالود. أنهم يضاربون بالملابس و الفحم و الخبز. وفي الوقت الحاضر رفع كل أنواع الرعاع في كرونشتاد رؤوسهم ". تلك كانت حقيقة الوضع . انه لم يكن مثل تلك التجميلات المعسلة التي تعقب الأحداث.
وتجدر الإضافة أيضا أن البحارة السابقين الليتونيين و الاستونيين الذين خشوا أن يرسلوا إلى الجبهة والذين كانوا يستعدون للانتقال إلى وطنيهم البرجوازيين الجديدين لاتفيا و أستونيا، هؤلاء كانوا قد التحقوا بالأسطول البلطيقي كـ "متطوعين". إن هذه العاصر كانت معادية جوهريا للسلطة السوفياتية و قد أظهرت هذا العداء بشكل تام أيام انتفاضة كرونشتاد... و مقابل هؤلاء كانت هناك آلاف عديدة من العمال الليتونيين ، خاصة مزارعين قدامى ، أظهرت بطولة خارقة على كافة جبهات الحرب الأهلية . و يجب بالتالي ألا ننظر إلى العمال الليتونيين و " الكرونشتاديين" بالعين نفسها. يجب ان نرى الفرو قات الاجتماعية و السياسية.
الجذور الاجتماعية للانتفاضة
إن المشكلة التي تواجه الباحث الجدي تكمن في تحديد الطابع الاجتماعي و السياسي لتمرد كرونشتاد ومكانته في تطور الثورة ، على أساس الظروف الموضوعية. و بدون ذالك يصبح "النقد" مجرد نواح عاطفي من النوع المسالم بروحية الكسندر بركمان وايما غولدمان وآخر مقلديهما. إن هؤلاء الكرام ليس لديهم أدني فهم لمقاييس البحث العلمي و طرقه. ويستشهدون بتصريحات المنتفضين كما يستشهد الواعظون الأتقياء بالكتابات المقدسة . و علاوة على ذالك يشتكون أنني لا أخد بعين الاعتبار "الوثائق" أي إنجيل ماخنو [8] والرسل الآخرين. إن أخذ الوثائق بـ "عين الاعتبار" لا يعني أخذها على قيمتها الظاهرة. قال ماركس أنه يستحيل الحكم على الأحزاب أو الناس بناء على ما تقول على أنفسها. إن ميزات حزب يحددها تركيبه الاجتماعي وماضيه وعلاقته بطبقات وشرائح مختلفة أكثر بكثير مما تحددها تصريحاته الشفهية والمكتوبة، خاصة خلال ظرف حرب أهلية عصيبة، وإذا عمدنا على سبيل المثال إلى تصديق التصريحات التي لا تحصى الصادرة عن نغرين وكومبانيس و غارسيا أوليفر وشركائهم [9 ]، لتوجب علينا اعتبار هؤلاء السادة أصدقاء الاشتراكية المخلصين، لكنه في الواقع أعداؤها اللدودون.
في عامي 1917 و 1918 قاد العمال الثوريون الجماهير الفلاحية ليس في الأسطول فحسب، بل في البلاد بأكملها. واستولى الفلاحون على الأراضي وقسموها غالب الأحيان تحت قيادة الجنود والبحارة عند عودتهم إلى مقاطعاتهم الأصلية. وكانت مصادرات الخبز قد بدأت توا وطالت بصورة رئيسية الملاكين الكبار والكولاك في ذلك الحين. وقد قبل الفلاحون بالمصادرات كشر مؤقت غير أن الحرب الأهلية طالت ثلاث سنوات ولم تعط المدينة شيئا عمليا تقريبا للقرية وأخذت بالمقابل تقريبا كل شيء منها لحاجات الحرب بصورة رئيسية. وتقبل الفلاحون "البلاشفة" لكنهم أصبحوا بصورة متزايدة معاديين لـ "الشيوعيين". وإذا كان العمال في المرحلة السابقة قد قادوا الفلاحين إلى الأمام، فقد أصبح الفلاحون الآن يجرون العمال إلى الوراء. وبسبب التبدل في الموقف فقط تمكن البيض جزئيا من ان يجتذبوا الفلاحين وحتى أنصاف الفلاحين ـ أنصاف العمال في الأورال إلى جانبهم، وغذى هذا الموقف، أي العداء للمدينة، حركة ماخو الذي استولى على القطارات المرسلة إلى المصانع والمعامل والجيش الأحمر وسلبها وخرب السكك الحديدية وقتل الشيوعيين إلخ. طبعا سمى ماخنو ذلك بالنضال الفوضوي ضد "الدولة". أما في الواقع فقد كان هذا نضال أصحاب الملكيو الصغيرة المغتاظين ضد الديكتاتورية البروليتارية. وقد قامت حركة مماثلة في عدد من المقاطعات الأخرى وخاصة في تامبوفسكي تحت راية "الاشتراكيين ـ الثوريين". وأخيرا كانت تنشط في أنحاء مختلفة من البلاد فصائل فلاحيه مسماة بـ "الخضراء". وكانت ترفض الاعتراف بالحمر وبالبيض على حد سواء وابتعدت على أحزاب المدينة. إن "الخضر" قد اصطدموا في بعض الأحيان بالبيض وتلاقوا ضربات شديدة منهم لكنهم لم يلقوا أي رحمة من الحمر. فكما أن البرجوازية الصغيرة مطحونة اقتصاديا بين رحى الرأسمالية الكبيرة والبروليتاريا، كذلك كانت فصائل الأنصار الفلاحية مسحوقة بين الجيشين الأحمر والأبيض. ولا يستطيع سوى امرئ سطحي كليا أن يرى في عصابات أو تمرد كرونشتاد صراعا بين المبادئ المجردة للفوضوية و"اشتراكية الدولة". في الواقع كانت تلك الحركات انتفاضات للبرجوازية الصغيرة التي كانت تطمح لتحرير نفسها من رأس المال، ولكنها في الوقت نفسه، لم تقبل بإخضاع نفسها لديكتاتورية البروليتاريا. إن البرجوازية الصغيرة لا تدرك بالملموس ماذا تريد، ولا تستطيع أن تدركه بحكم موقعها، وهذا ما يفسر لماذا غلفت بلا تردد غموض مطالبها ومطامحها تارة بالراية الفوضوية، وتارة أخرى بالشعبية وتارة أيضا بـ "الخضراء" فقط. وقد حاولت، واقفة بوجه البروليتاريا وملوحة بهذه الرايات جميعها، أن تعيد دولاب الثورة إلى الوراء.
الطابع المضاد للثورة لتمرد كرونشتاد
لم يكن ثمة طبعا حواجز لا يمكن اجتيازها تفصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية و السياسية في كرونشاد .و كان لا يزال في كرونشاد عدد معين من العمال الاختصاصيين و الفنيين الاهتمام بالآليات. لكن حتى هؤلاء قد اختيروا بطريقة الاختيار السلبي بوصفهم غير موثوق بهم سياسيا و قليلي النفع للحرب الأهلية. وجاء بعض "قادة" الانتفاضة من بين هذه العناصر .وعلى أي حال فان هذا الظرف الطبيعي والحتمي كليا الدي يشير إليه بعض التاهمين بازدهاء لا يغير بشيء من ملامح التمرد اللابروليتارية. وإذا لم نخدع أنفسنا بالشعارات المتبجحة والأوصاف المغلوطة الخ, رأينا أن انتفاضة كرونشاد لم تكن غير ردة فعل مسلحة من قبل البرجوازية الصغيرة ضد قساوة الثورة الاجتماعية وصرامة الديكتاتورية البروليتارية.
كان هذا بالضبط معنى شعار كرونشتاد : "السوفيتات بدون الشيوعيين"، الذي تباه مباشرة ليس الاشتراكيون- الثوريون فحسب، بل أيضا وسواء الليبراليون البرجوازيون. فقد فهم الأستاذ ميليوكوف، بصفته ممثلا للرأسمال البعيد النظر نسبيا، أن تحرير السوفياتات من قيادة البلاشفة كان يعني لو تم تدمير السوفيتات ذاتها بعد وقت قصير . وقد أثبتت ذالك تجربة السوفياتات الروسية خلال فترة السيطرة المنشفية و الاشتراكية – الثورية وبصورة أوضح من بعد ذلك تجربة السوفياتات الألمانية و الأسترالية تحت سيطرة الاشتراكيين- الديمقراطيين. ان سوفياتات اشتراكية ثورية – فوضوية كما بإمكانها أن تلعب دور جسر بين ديكتاتورية البروليتاريا و الردة الرأسمالية . ولم يكن بإمكانها لعب أي دور آخر مهما كانت "أفكار" المشتركين بها . إن انتفاضة كرونشتاد كان لها بالتالي طابع مضاد للثورة.
ومن وجهة النظر الطبقية التي ـ بدون إهانة السادة الانتقائيين ـ تبقى هي المقياس الأساسي ليس للسياسة فحسب بل للتاريخ أيضا، انه من المهم للغاية مقارنة تصرف كرونشتاد بتصرف بتروغراد في تلك الأيام العصيبة. كانت شريحة العمال القيادية بكاملها قد سحبت أيضا من بتروغراد. وساد الجوع و البرد في العاصمة المهجورة، وربما بشكل أكثر حدة مما في موسكو. كانت مرحلة بطولية و مأساوية . وكان الجميع جائعين و سريعي الانفعال. كان الجميع مستاءين. وفي المصانع كان ثمة تذمر خافت فحاول منظمون سريون مرسلون من قبل الاشتراكيين – الثوريين و الضباط البيض أن يربطوا الانتفاضة العسكرية بحركة العمال المتذمرين. وكتبت صحيفة كرونشتاد عن متاريس في بتروغراد وعن آلاف يتم قتلها، وأعلنت صحافة العالم أجمع الشيء نفسه, أما في الواقع فعكس ذالك بالضبط حصل. ان انتفاضة كرونشتاد لم تجتذب عمال بتروغراد. لابل نفروا منها، فالانقسام تم على أسس طبقية، وشعر العمال مباشرة أن متمردي كرونشتاد كانوا يقفون على الجهة المقابلة من المتاريس ــ فأيدوا السلطة السوفياتية. إن انعزال كرونشتاد السياسي كان هو السبب في ترددها الداخلي و هزيمتها العسكرية.
السياسة الاقتصادية الجديدة و انتفاضة كرونشتاد
أن فيكتور سرج الذي يحاول على ما يبدو، صنع من التركيب للفوضوية و البومية [ 10] و الماركسية، قد تدخل بفشل تام في السجال حول كرونشتاد. وبرأيه، انه لو كان جرى العمل "س.إ.ج" سنة قبل أوانها لكانت حالت دون انتفاضة كرونشتاد. فلنسلم بذلك. إلا أن نصيحة كهذه يسهل جدا إعطاؤها بعد الحدث. انه صحيح، كما يذكر فيكتور سرج، إنني سبق و اقترحت منذ عام 1920 الانتقال الى "س.أ.ج". لكنني لم أكن إطلاقا متأكدا من نجاحها مسبقا. لم يكن خافيا علي أن العلاج بإمكانه أن يتضح أخطر من المرض نفسه. وعندما لقيت معارضة من قبل قادة الحزب لم ألجأ إلى صفوف الجيش، بغية تلافي تجنيد البرجوازية الصغيرة ضد العمال . إن تجربة الأشهر الإثنى عشر اللاحقة كانت ضرورية لإقناع الحزب بالحاجة إلى النهج الجديد. لكن الشيء الرائع هو أن فوضوي العالم أجمع هم بالضبط الذين رأوا في "س.ا.ج" ... خيانة للشيوعية. و الآن يفضحنا محامو الفوضويين لعدم إدخالنا س.إ.ج سنة قبل أوانها.
صرح لينين علنيا في عام 1920 أكثر من مرة بأن دفاع الحزب العنيد عن أساليب الشيوعية العسكرية قد أضحى خطأ كبيرا . لكن هل يغير هذا شيئا في الأمر؟ فمهما كانت الأسباب المباشرة أو البعيدة لتمرد كرونشتاد، فإنه في جوهره كان خطرا مميتا على ديكتاتورية البروليتاريا. فهل لمجرد كون الثورة البروليتارية قد ارتكبت خطأ سياسيا توجب عليها الانتحار لمعاقبة نفسها؟ أو انه ربما كان قد كفى أن يتم تبليغ بحارة كرونشتاد بمراسيم س.إ.ج. لتهدئتهم؟هذا وهم ! إن المنتفضين لم يكن لديهم برنامج واع ولم يكن ممكنا أن يكون لديهم مثل هذا البرنامج بسبب طبيعة البرجوازية الصغيرة عينها. وهم أنفسهم لم يفهموا بوضوح أن ما احتاج إليه آباؤهم وإخوانهم قبل كل شيء كان التجارة الحرة. كانوا مستاءين ومبلبلين لكنهم لم يروا أي مخرج . إن العناصر الأكثر وعيا أي اليمينية، العاملة من وراء الكواليس، كانت تريد إعادة النظام البرجوازي . لكنها لم تقل هذا صراحة.
أما الجناح "اليساري" فقد أراد تصفية الانضباط ، و سوفياتات "حرة" وجرايات افضل. ولم يكن بإمكان نظام س.إ.ج أن يهدئ الفلاح إلا تدريجيا، ومن بعده القطاعات المستاءة من الجيش و الأسطول. لكن ذالك يتطلب الوقت و التجربة .
إن الحجة الأكثر سذاجة هي انه لم تكن ثمة انتفاضة وان البحارة لم يهددوا بشيء و أنهم استولوا "فقط" على الحصن و البوارج الحربية. وقد يبدو إن البلاشفة مشوا على الثلج ضد الحصن كاشفين صدورهم لمجرد طباعهم الشريرة وميلهم إلى افتعال النزاعات بصورة اصطناعية وبغضهم لبحارة كرونشتاد أو بغضهم للمذهب الفوضوي (الذي لم يكترث لأمره أحد إطلاقا خلال تلك الأيام، نقول ذالك بالمناسبة) أليس هذا ثرثرة طفولية ؟ يحاول النقاد الهواة خارج كل زمن و مكان ( بعد الأمر بسبعة عشرة عاما ! ) الإيحاء بأن كل شيء كان انتهى وسط الرضي العام لو فقط تركت الثورة البحارة المنتفضين و شأنهم . لكن لسوء الحظ لم تكن الثورة المضادة العالمية بأي حال تتركهم و شأنهم . ان منطق الصراع كان سيعطي الهيمنة داخل الحصن للمتطرفين أي العناصر الأكثر معاداة للثورة. و كانت الحاجة إلى المؤن ستجعل الحصن تابعا مباشرة للبرجوازية الأجنبية و لعملائها المهاجرين البيض. و كانت جميع الاستعدادات الضرورية لهذه الغاية قد تمت. في مثل هذه الظروف ، كان أناس كالفوضويين الأسبان أو البوميين هم الذين سينتظرون وحدهم دون تدخل متأملين نهاية سعيدة. إن البلاشفة لحسن الحظ انتموا إلى مدرسة مختلفة, إنهم اعتبروا من واجبهم إطفاء النار حالما تشتعل، مقلصين بذالك عدد الضحايا إلى أدنى حد.
"الكرونشتاديون"بدون حصن
ان السادة النقاد هم في الجوهر معارضون لديكتاتورية البروليتاريا، ومن هذه الزاوية معادون للثورة, والسر بأكمله كامن في ذالك . صحيح إن بعضهم يعترف بالثورة و بالديكتاتورية ــ بالقول .لكن هذا لا يضيف شيئا إلى الأمر. إنهم يرغبون بثورة لا تؤدي إلى ديكتاتورية ، أو بديكتاتورية تقوم بغير استعمال القوة . طبعا أن هذه الديكتاتورية "مريحة" جدا ، غير إنها تتطلب بعض التوافه : تطورا متساويا ومتقدما جدا للجماهير العاملة . لكن الديكتاتورية في مثل هذه الظروف قد تكون عموما غير ضرورية. إن بعض الفوضويين الذين هم في الواقع أساتذة ليبراليون يأملون ان الكادحين بعد مئة عام أو ألف عام سوف يبلغون مستوى من التطور عاليا إلى حد يتضح معه إن القسر غير ضروري. و طبعا إذا كانت الرأسمالية تستطيع أن تؤدي إلى مثل هذا التطور فلن يكون ثمة سبب للإطاحة بالرأسمالية. ولن يكون أيضا ثمة حاجة للثورة العنيفة أو للديكتاتورية التي هي النتيجة الحتمية للانتصار الثوري. ألا أن رأسمالية أيامنا الآفلة تترك مجالا ضيقا جدا للأوهام الإنسانية المسالمة.
إن الطبقة العاملة ، بصرف النظر عن الجماهير شبه العمالية، ليست منسجمة إن اجتماعيا أو سياسيا. إن الصراع الطبقي يفرز طليعة تجتذب خيرة عناصر الطبقة . و تصبح الثورة ممكنة عندما تكون الطليعة مؤهلة لقيادة أغلبية البروليتاريا, لكن هذا لا يعني أبدا أن التناقضات الداخلية في صفوف الكادحين تختفي. عندما تكون الثورة في أوجها تخف هذه التناقضات طبعا، لكن فقط لتظهر لاحقا بكل حدتها في مرحلة جديدة. هكذا هو جوهر الثورة عموما. و هكذا كان المجرى في كرونشتاد. وعندما يحاول اشتراكيو الصالونات رسم طريق آخر لثورة أكتوبر، بعد الأحداث، لا يسعنا إلا أن نطلب منهم باحترام أن يرونا أين بالضبط متى وجدت مبادئهم العظيمة تأكيدا عمليا لها ، جزئيا على الأقل ، بالميل على الأقل، أين هي الدلائل التي تحملها على توقع انتصار تلك المبادئ في المستقبل؟ بالطبع لن نحصل أبدا على جواب.
إن للثورة قوانينها الخاصة . وقد صغنا منذ زمن بعيد " دروس ثورة أكتوبر" التي ليس لها معنى روسي فحسب بل معنى عالمي. ولم يوجد أحد قط ليحاول حتى أن يقترح أي "دروس" أخرى. إن الثورة الاسبانية تؤكد "دروس أكتوبر" بالطريقة السلبية. و نجد النقاد الصارمين صامتين أو مبهمين. إن حكومة "الجبهة الشعبية" الاسبانية تخنق الثورة الاشتراكية و تعدم الثوار. و الفوضويون يشاركون في هذه الحكومة او عندما يزاحون منها يستمرون بتأييد الجلادين. ونجد حلفاءهم و المحامين عنهم في الخارج يشغلون أنفسهم في هذه الأثناء بالدفاع... عن تمرد كرونشتاد ضد البلاشفة الفظين. إنها لكوميديا مخجلة .
إن الخلافات الراهنة حول كرونشتاد تدور حول المحاور الطبقية ذاتها التي دارت حول انتفاضة كرونشتاد حيت حاولت فئات البحارة الرجعية الإطاحة بالديكتاتورية البروليتارية . ان الطوافين والانتقائيين البرجوازيين الصغار ، وهم واعون لعجزهم على ساحة السياسة الثورية الحالية ، يحاولون استعمال قضية كرونشتاد القديمة للنضال ضد الأممية الرابعة أي ضد حزب الثورة البروليتارية. ان "كرونشتاديي" أخر زمان هؤلاء سوف يسحقون أيضا ــ بدون استخدام السلاح و لحسن الحظ هم لا يحوزون على حصن.
كويوواكان ، 15 كانون الثاني 1938
المزيد حول القضاء على كرونشتاد
لقد حاولت في مقالتي الأخيرة حول "كرونشتاد" ان أطرح المشكلة على صعيد سياسي. لكن العديد يهتمون بمسألة "مسؤوليتي" الشخصية. إن سوفارين [11] الذي تحول من ماركسي خامل إلى نمام متحمس يؤكد في كتابه عن ستالين أنني سكت عمدا في سيرتي الذاتية عن تمرد كرونشتاد، ويقول ساخرا: ثمة أعمال لا يفتخر بها المرء. ويروي سيليغا [12] في كتابه "في بلاد الكذبة الكبرى" انه قد تم، خلال القضاء على كرونشتاد، إعدام "أكثر من عشر ألف بحار"من قبلي ( أشك فيما إذا كان أسطول البلطيق بكامله كان يضم في ذالك الوقت هذا العدد). ويقول نقاد اخرون ما مفاده: أجل ، كان للتمرد موضوعيا طابع مضاد للثورة، لكن لماذا لجأ تروتسكي الى مثل هذا القمع بدون رحمة خلال إخماد الفتنة(وـــ؟) بعدها؟ لم أتطرق قط إلى هذه المسألة . ليس لأن لدي شيئا أخفيه بل على عكس ذلك لأنه بالضبط ليس لذي شيء أقوله. إن حقيقة الأمر هي أنني لم اشترك شخصيا بأي شكل في القضاء على تمرد كرونشتاد ولا في حملة القمع التي أعقبت هذا القضاء. وهذه الواقعة، ليس لها في نظري مدلول سياسي . كنت عضوا في الحكومة و اعتبرت قمع التمرد ضروريا وأتحمل بالتالي مسؤولية الإخضاع. وضمن هذه الحدود فقط أجبت على النقد حتى الآن. لكن عندما يبدأ الأخلاقيون بإزعاجي شخصيا فيتهمونني بالإغراق في الوحشية التي لا تستوجبها الظروف، اعتبر أنه من حقي أن أقول :"أيها السادة الأخلاقيون، إنكم تكذبون بعض الشيء".
لقد اندلع التمرد خلال إقامتي في الاورال، وجئت فورا من الاورال إلى موسكو لحضور مؤتمر الحزب العاشر. إن قرار القضاء على التمرد بالقوة العسكرية إذا استحال حمل الحصن على الاستسلام بالمفاوضات السلمية أولا ثم بواسطة الإنذار ـ إن هذا القرار العام قد تم تبنيه بمشاركتي المباشرة. لكن بعد اتخاذ القرار بقيت في موسكو ولم اشترك بصورة مباشرة أو غير مباشرة في العمليات العسكرية. وفيما يخص حملة القمع اللاحقة كانت كليا من شأن التشيكا [13].
كيف حصل إنني لم اذهب شخصيا إلى كرونشتاد؟ إن السبب من طبيعة سياسية. لقد اندلع التمرد خلال نقاش حول ما يسمى بمسألة "النقابات". وكان العمل السياسي في كرونشتاد كليا في أيدي لجنة بتروغراد التي ترأسها زينوفييف. و زينوفييف عينه كان القائد الرئيسي الأكثر مثابرة و حماسا للنضال ضدي في النقاش. وقبل مغادرتي للاورال كنت في بتروغراد و ألقيت خطابا في اجتماع للبحارة- الشيوعيين. إن الروح العامة للاجتماع تركت انطباعا سيئا جدا لدي. فالبحارة الانيقون و الشابعون، الشيوعيون بالاسم فقط، كانوا يظهرون كالطفيليين بالمقارنة مع العمال ورجال الجيش الأحمر في ذالك الوقت. وكانت الحملة تخاض بطريقة ديماغوجية للغاية من قبل لجنة بتروغراد. كان السلك القائد للأسطول معزولا ومرعوبا. وحصل قرار زينوفييف على الأرجح على تسعين بالمائة من الأصوات. واذكر أنني قلت لزينوفييف في تلك المناسبة:" كل شيء هنا على أحسن ما يرام، حتى يصبح سيئا جدا". وبعد ذالك كان زينوفييف برفقتي في الاورال حيث تلقى برقية عاجلة تقول بأن الأوضاع في كرونشتاد تتحول إلى "سيئة جدا". إن الأغلبية الساحقة من البحارة " الشيوعيين" الذين أيدوا زينوفييف اشتركت في التمرد. فقد اعتبرت، ولم يبد المكتب السياسي أي اعتراض، ان المفاوضات مع البحارة وعند الضرورة إخضاعهم، يجب إن تقعا على عاتق أولئك القادة الذين حازوا في الأمس بالذات على ثقة أولئك البحارة السياسية. وإلا فان الكرونشتاديين سوف ينظرون للأمر وكأنني جئت لأخذ بـ"ثأري" منهم لتصويتهم ضدي خلال النقاش في الحزب.
أكانت صحيحة أو خاطئة، على كل حال هذه الاعتبارات بالضبط هي التي حددت موقفي. لقد وقفت كليا وبهدف سياسي خارج هذه القضية, و فيما يتعلق بحملة القمع حسبما أذكر فقد كان دزرجينسكي مسؤولا عنها شخصيا. و دزرجينسكي لم يكن يطيق تدخل أحد في مسؤولياته ( وهو على حق في ذالك).
لست ادري إذا وقعت ضحايا غير ضرورية. وفي هذا المجال أثق بدزرجينسكي أكثر مما أثق بنقاده المستجدين. ولنقص المعطيات لا استطيع الآن أن أقرر بعديا من كان يجب معاقبته وكيف. إن استنتاجات فيكتور سرج في هذا المجال ، مبنية على شهادة غيره، لا قيمة لها في نظري. لكنني على استعداد للاعتراف بأن الحرب الأهلية ليست بمدرسة إنسانية. إن المثاليين و المساومين قد اتهموا دوما الثورة بـ "التجاوزات"، غير أن النقطة الرئيسية هي أن " التجاوزات" تنبع من طبيعة الثورة عينها التي ليست سوى "تجاوز" للتاريخ، إن كل من أراد يستطيع أن يرفض على هذا الأساس ( في مقالات صغيرة) الثورة بالإجمال، إنني لا ارفضها . وبهذا المعنى أتحمل المسؤولية الكاملة و الكلية في القضاء على تمرد كرونشتاد.
كويوواكان ، 6 تموز 1938
ترجمة غسان الماجد
* : نشر تروتسكي هذين المقالين في مجلة " الأممية الجديدة" في نيسان و اب 1938
إحالات
1: بول ميليكوف زعيم حزب الكاديت البرجوازي. اشترك في حكومة كيرنسكي وهاجر من روسيا بعد ثورة أكتوبر
2:أميرال روسي أحد قادة الجيوش الرجعية في الحرب الأهلية بعد الثورة الروسية.
3: الفلاحون الأغنياء
4: الثلاثينات
5:المثقفون.
6: أحد قادة الجيوش الرجعية.
7: من زعماء البيض المناهضين للثورة.
8: نستور ماخنو قائد عصابات فلاحية قاتلت في أوكرانيا ضد الرجعية و الجيش الاحمر على حد سواء
9: زعماء اصلاحيون أسبان شاركوا في الحكم قبل انتصار الفاشية.
10:نسبة إلى البوم وهو حزب يساري وسطي متذبذب اشترك في الحرب الأهلية.
11:بوريس سوفارين أحد كوادر الأممية الشيوعية الثالثة تعاطف بعد عام 1924 مع المعارضة اليسارية ثم ابتعد بعد 1927 عن الحركة العمالية.
12: عضو سابق في قيادة الحزب الشيوعي اليوغسلافي.
13 : الشرطة السياسية في روسيا بعد الثورة,
#ليون_تروتسكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدَبُ وَالثورَة
-
جاك لندن، فنان ثوري
-
الأسباب التاريخية للستالينية
-
تاريخ الثورة الروسية : الجزء الأول : فبراير
-
بيان: نحو فن ثوري حر
-
الغاية تبرر الوسيلة
-
أخلاقهم وأخلاقنا : وجهتا النظر الماركسية والليبرالية في المث
...
-
دفاعا عن الثورة الروسية
-
مكسيم غوركي
-
النقابات في عصر الانحطاط الإمبريالي
-
السوفيات والحرب في الثورة البروليتارية
-
حول شعار الجمعية التأسيسية في الصين
-
المجالس العمالية والجمعية التأسيسية
-
نصوص حول تجذر الجماهير
-
المركزية الديمقراطية بضع كلمات حول نظام الحزب
-
نقاط حول العمل السري في المانيا النازية
-
الوسطية والأممية الرابعة
-
تسعون سنة من البيان الشيوعي
-
نتائج وتوقعات
-
روزا لوكسمبورغ والأممية الرابعة
المزيد.....
-
السيد الحوثي: العدو اعتدى على متظاهرين بسوريا واطلق عليهم ال
...
-
سلطات مدينة إيربيت الروسية تقرر نزع ملابس -ديد ماروز- عن تمث
...
-
صحيفة تركية: أنقرة ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في
...
-
صحيفة: تركيا ستسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة أوجلان في سجنه
-
ترامب يخاطب -اليساريين المجانين- ويريد ضم كندا وغرينلاند وقن
...
-
من الحوز إلى تازة: دخان مدونة الأسرة وانعكاسات تمرير قانون ا
...
-
الجبهة الديمقراطية تندد باعتقال السلطة أحد قادتها خلال مسيرة
...
-
الجبهة الديمقراطية تندد باعتقال السلطة أحد قادتها خلال مسيرة
...
-
الحزب الشيوعي ودكتاتورية الأسد
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 584
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|