|
هل تلقى حركة كفاية التأييد من الشارع والمؤسسات المصرية؟
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1147 - 2005 / 3 / 25 - 15:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
منذ أشهر قليلة فقط.. تغيرت(طبيعة)العلاقة.. بين الرئيس مبارك والنخبة المصرية المتمردة عليه، وعندما تتوتر علاقة حاكم مستبد بالنخبة المتمردة في بلده، إلى حد المواجهة المكشوفة المباشرة، فإن نوعاً آخر من(قواعد اللعبة)يحكم تلك المواجهة! نوع آخر يختلف.. عن ذلك الذي كان يحكم العلاقة أيام كانت تلك النخبة- مكرهة- على الركود والاستكانة، أو.. كظم الغيظ! حيث كانت هناك مساحة محددة.. يُسمح فيها بممارسة قدرٍ من(التنفيس)، لكنه كان قدراً محسوباً، يختفي من يتجاوزه! أو يتعرض لأذىً يتناسب وظروف حالته ومقدار(مبالغته)في التمرد، هكذا سجن د. سعد الدين إبراهيم- رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والبحوث- عندما تجاوز خطوط مبارك الحمراء ذات يوم.. وتحدث في أمر(الانتخابات)، وضُرب في زقاق ٍ حتى نزف عبد الحليم قنديل الصحفي في جريدة العربي الناصرية، عندما تجرأ.. وتخطى المساحة المسموح بها من النقد للذات الرئاسية! وقتل أكرم الزهيري- معارض من جماعة الإخوان المسلمين- من فرط التعذيب، في سيارة البوليس المخيفة المارة بالشارع، وآخرون كثر.. قتلوا وعذبوا ودمرت حياتهم وحياة أسرهم، لتجاوزهم المساحة المسموح فيها بالتنفيس، ومثل هكذا نظام وحشي.. يظهر جبنا لا مثيل له أمام ما يسمى تهذبا(ضغوطا خارجية)، بينما تلك الضغوط ما هي إلا(توبيخ الأسياد)!، لذلك أفرج عن د. سعد الدين إبراهيم في مهزلة قضائية شهيرة، بضغط الولايات المتحدة، وكما اعتقل أيمن نور رئيس حزب الغد، بعد سحب حصانته البرلمانية، التي يتلاعب بها هذا النظام محتقرا كل القوانين، كنوع ٍمن التأديب له.. على تجاوزه تلك المساحة، أفرج عنه بعد أيام.. في مهزلة بوليسية أخرى، بعد تلقي النظام.. الإهانة التوبيخية التي تليق به.. من قبل ممثلي الاتحاد الأوروبي!، وأمثلة كثيرة، تكررت خلال ربع قرن، في مهزلة ما زلنا نعيشها، والفارق.. أن الشواهد تقول بأننا نعيش ذروتها، تمهيدا لنهاية قريبة على وشك الوقوع! كان ذلك أيام كانت النخبة المتمردة.. مكرهة.. على الركود والاستكانة وكظم الغيظ، الآن اختلفت قواعد اللعبة، الحالة المصرية الآن.. تعيش مواجهة مباشرة ولعبا مكشوفا من الطرفين، وفي مثل هذه الحالة يحدث عادة أن تنقسم البلاد إلى معسكرين: أحدهما يضم الرئيس- ومازالت- معه أجهزة الإعلام والأمن وأموال الدولة وكل أدوات القمع الوحشية، والآخر يضم أفراداً قلائل- هم أفراد تلك النخبة المتمردة، لا يملكون مالا ولا دعما أمنيا ولا أجهزة دعائية، ويفترض أن تساندهم- باطنيا أو ظاهريا- أغلبية ساحقة من شعبٍ.. هو أعزل.. بطبيعة الحال، بفرض أن الناس في القرى والنجوع، كما في المدن والمراكز الكبرى في البلاد.. علمت بأمرهم، وصدقت دعاواهم بالرغبة(الحاسمة)في التغيير، في المعسكر الأول فإن الأجهزة المساندة للرئيس(تنفذ أوامره)، حتى لو كانت تلك الأوامر هي قتل الناس، فرؤوسهم.. قد تكون ثمنا لرفضهم تنفيذ الأوامر، فماذا عن المعسكر الثاني.. بعد أن دخل مرحلة.. اللعب المكشوف؟! موقف الشرطة المصرية هناك دراسة أعدتها باحثة من الأرجنتين، تطرقت لمسألةٍ.. هي بالفعل مثيرة، ذلك أنها قامت ببحث الحالة(النفسية)لضباط وأمناء الشرطة.. الذين يقومون بتعذيب المعتقلين! فالمألوف عادة عند معظم الباحثين في الظواهر الاجتماعية أو الإنسانية، هو بحث حالة(المعذبين في الأرض)لا بحث حالة من يقومون بتعذيبهم! بالطبع كانت دراستها عن ضباط أرجنتينيين يقومون بتعذيب مواطنيهم! قراءة هذه الدراسة تثير سؤاليّن ملحيّن في مصر، خاصة بعد وصول مسألة الاعتقال العشوائي والتعذيب الوحشي للمعتقلين.. إلى مسامع القاصي والداني في العالم، وتطاير أنباء أكيدة.. عن إرسال الولايات المتحدة معتقلي غوانتانامو إلى كل ٍ من سوريا ومصر.. لتعذيبهم! لما لدى هاتين الدولتين من باع ٍ طويل وخبرة مكثفة في هذا المجال.. المشين إنسانيا وأخلاقيا وبكل المعايير! وحتى أن التعذيب في مصر تجاوز المألوف، فلم يعد قاصرا على سجناء الرأي، ولم يعد يختص به فقط ضباط أمن الدولة، ولم يعد يتم فقط في المعتقلات البعيدة عن المدن والعيون، فقد تزايد بوضوح التعذيب في أقسام الشرطة.. ليراه المارة من نوافذها المطلة على الشارع ومحطات الأتوبيسات! وفي كتيب أصدره(مركز النديم لمعالجة وتأهيل ضحايا التعذيب)الذي حاولت الحكومة المصرية إغلاقه منذ أشهر، ترى قصصا تشيب لها، أو تحبط.. فتكره البشرية كلها وتكره البشر فردا فردا! فهذه سيدة يتم تعذيبها في قسم الشرطة.. لتتنازل كرها لرجل أعمال عن نصيبها في قطعة أرض، وهذا لص صغير يتم تعذيبه على مرأى من المارة.. ليعترف ولو زورا عن آخرين، يريد الضابط أن يجلبهم كوسيلة لترقيته، هذه تغتصب.. وهذا يشوه.. وذاك يقتل.. لصالح خصوم- من الباطن- على قطعة أرض أو دكان أو عروس! إلى آخر تلك الأمثلة، التي تعيدنا إلى السؤالين الذين تثيرهما الدراسة الأرجنتينية، أولهما: من الذي يعذب المصريين؟ هل تجيء الدولة بأناس ٍ من بلدٍ آخر أو كوكب آخر ليعذبوا المصريين؟! إن من يعذب المواطن المصري هو مواطن مصري آخر! وكلما زاد عدد المعذبَين.. كلما زاد المعذِبون! وكلهم مصريون، أي أن الشعب المصري يتوحش على نفسه! ولك أن تتخيل كيف أن رجال الشرطة.. الذين يعذبون الناس ويقومون بتشويههم وقتلهم واغتصابهم ذكورا وإناثا، هم أنفسهم من ترى بعضهم.. واقفا إلى جوارك يتقدم بأوراق ابنه للمدرسة! ويشتري الخبز والخضار لبيته في نهاية يوم عمل، ويتسابق- مثلك- إلى التنزيلات.. لشراء حاجات أسرته بما لديه- مثلك تماما- من مالٍ قليل! وهو مثلك يواجه ضغطا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا مهينا، ومن الملفت للنظر في تلك الدراسة الأرجنتينية.. أنها توصلت إلى أن ذلك(الصنف)من البشر يعاني في أعماقه احتقارا لذاته.. دون أن يكف- بل دون أن يستطيع أن يكف- عن الاستمرار في أداء هذا العمل المشين.. إلا.. في لحظة(مواجهة جماعية)نادرة، قد تأتي في حياة شعب يقوم بعضه بتعذيب بعضه الآخر.. وقد لا تأتي! لكن هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل الكريه هم(صغار رجال الشرطة)، بأمرٍ من قادتهم ورؤساءهم.. أو تبرعا تلقائيا منهم من أجل الترقي- في مناخ ٍ مريض يترقى فيه رجال الشرطة على جثث مواطنيهم-، لذلك تطرح علينا الدراسة الأرجنتينية سؤالا ثانيا: كيف يكون موقف هؤلاء- صغارا وكبارا- عندما تتصاعد المواجهة مع الرئيس مبارك ونظامه الفاسد، إلى درجة نزول المعسكرين إلى الشارع: نخبة متمردة تطمح إلى التغيير، تقابلها قوات الشرطة بأمرٍ من الرئيس؟! حتى اللحظة.. لم تكن هناك مواجهة تصادمية.. لأن هؤلاء المغامرين الذين نزلوا إلى الشارع يقولون لمبارك(كفاية)كانوا قليلي العدد، أعلنوا منذ البداية أنهم يريدونها(سلمية)، لكن الأمر قد يختلف عندما يزيد عددهم.. وينجحون في(حشد)المواطنين.. الذين أظهروا سلبية ولا مبالاة على مدى عقود، فالتغيير لا يتم عادة طالما أن عدد(المتمردين)قليل، لهذا فإن الحركة المصرية للتغيير، وبعد أن حققت نجاحا ملفتا- بالنسبة للحالة المصرية- في الجولة الأولى، جولة(التجرؤ على إعلان)الرفض، والتقدم خطوة بتلك الجرأة، مطالبة ً بإنهاء الوضع القائم وإسقاط النظام ككل، قد تواجه تلك الحركة صعوبات عديدة في المرحلة المقبلة،على رأسها: كسب الشرطة- بكبار رموزها وصغارهم- إلى جانبها، أو تحييدها، أو توقي شرها على الأقل، حتى لا تقمع مجهودها الخارق.. سواء في مواجهة النظام أو حشد الناس، إذ كيف يمكن أن يكون رد الفعل المتوقع.. من جهاز شرطة- استمرأ رجاله على مدى عقود- دم المعارضين ودم الناس على اختلاف أطيافهم وتوجهاتهم؟ كيف ستكون طريقة تعاملهم مع المواطنين.. إذا وصل عددهم إلى عدة عشرات من الآلاف، ترفض الاستجابة لأوامر بوليسية تريد منهم أن يقصروا تظاهرهم السلمي.. على مجرد التجمع داخل أسوار الجامعة مثلا أو في استاد لكرة القدم؟ إن هذه النوعية من الرجال.. الذين يتعاطون تعذيب الناس بالصورة السابق شرحها.. لن تتورع عن إطلاق النار على متظاهرين.. إذا جاءتهم الأوامر بذلك، فقد فقدوا إرادتهم منذ زمن بعيد، من أكبر رتبة فيهم إلى أصغرها، لذلك قد تكون أحد الوسائل المأمولة.. من قبل حركة شكلها أفراد يتمتعون بالوعي، ولا تقتصر طموحاتهم فقط على مجرد الإعلان عن أنفسهم، بل التقدم خطوات نحو تغيير فعلي، هي التوجه إلى جهاز الشرطة مباشرة، في(نداءات)مباشرة متكررة، تناشدهم عدم الاستجابة لأوامر النظام حتى النهاية، تلك النداءات المتكررة وذلك التوجه المباشر إليهم، لا يتوقع منه- بطبيعة الحال- استجابة كاملة، لكنه على الأقل قد يقسم رجال الشرطة.. ويزرع فيهم.. شيئا من التردد.. يحتاجه التحرك المصري الحالي في معركته ضد النظام، ويحتاجه أيضا في أهم شيء قد يكون العامل الحاسم في تحقيق هدف التغيير.. حشد الشعب.. حشد ملايين المصريين.. للخروج من اليأس.. إلى الشارع! موقف الشعب لو لم تنجح المعارضة اللبنانية في(حشد)هذا العدد من المواطنين اللبنانيين، وتنظيمهم، وتوحيد علمهم الذي يرفعونه، وشعارهم الذي يتلونه، ولو لم تنجح في توجيههم لتجنب الفوضى والشغب وتدمير المنشآت في الشارع، لما كان لها هذا الصدى، وهذا الدوي وهذه القوة في فرض شروطها، يقول بعضهم إن نسبة الأمية في الشعب اللبناني أقل منها بكثير بين المصريين، وإن الشعب اللبناني(في عمومه)مثقف سياسيا، ومجرب للتظاهر السلمي المنظم على مدى عقود من الزمن، وهو صغير العدد وبلده صغير المساحة، ولكل تلك الأسباب وغيرها أمكن حشده بسهولة، إضافة إلى كونه شعبا(واعيا)أصلا بقضيته، بينما مصر بلد أكبر مساحة، كثير المدن والمحافظات والقرى، وشعبها يبلغ سبعين مليون نسمة، والنظام أكثر وحشية بمراحل من نظيره اللبناني، بل المقارنة بينهما تظلم النظام اللبناني، الذي لا يفرض على شعبه قانون طوارئ رغم أنه محتل من بلدين! بينما النظام المصري يفرض على شعبه حالة طوارئ منذ ربع قرن، يعتقل بموجب قوانينها كل عدد صغير يتجمهر، وكل معارض وكل محتج وكل متظاهر، والكارثة الأكبر- في رأي البعض- أن الغالبية الساحقة الماحقة من المصريين تربطهم بالسياسة علاقة شائهة، لأسبابٍ تاريخية في أساسها، إضافة إلى السبب المباشر الصريح الفج، وهو القمع البوليسي الذي تواجه به أي(حالة تسيس)في مصر! وبالتالي فالمصريون ليس لديهم أصلا(وعي)بمشكلتهم! وقد يدهش المواطنون- على ما هم فيه من بؤس- إذا طالبتهم بالخروج إلى الشارع، هذا الرأي وإن استند إلى بعض حقائق، إلا إنه يظلم المصريين، ففي الوقت الذي تعتبر فيه زيادة عدد سكان مصر إلى سبعين مليونا، أحد العراقيل، هناك رأي آخر يقول بأن هذا العدد يعني أن الطبقة الوسطى- التي يخرج منها عادة أفراد النخبة المتمردة- هي طبقة عريضة، وبالتالي سيزيد نسبيا عدد الواعين بقضيتهم، إلى درجة تكفي لقيادة شرائح أخرى في المجتمع أقل وعيا، ثانيا من قال إن المصري البسيط حتى ولو كان في أقاصي القرى والنجوع، لا يعرف أن معاناته هي بسبب(الحكومة)، هذا بحد ذاته يكفي! فالحكومة هي الاسم الشعبي للنظام المستبد! لكن الخوف- المشروع- الذي يسيطر على بعض المراقبين.. هو من انتكاس ٍ قد يصيب تلك الحركة، ليجعلها تشبه أحزاب المعارضة البائسة، التي سلمت رقبتها لنظام تلاعب بها وهو يحتقرها، إلى حد انه انتزع منها موافقة علنية على تأجيل تعديل الدستور، ثم أعلن رغبته في تعديله بعد ذلك بأيام! تاركا زعماء تلك الأحزاب الأشاوس في وضع لا يحسدون عليه، هذا إذا كانوا أصلا يخجلون! وذلك الانتكاس قد يأتي إذا صارت حركة التغيير في نفس الاتجاه الذي سارت فيه أحزاب المعارضة(الحكومية)تلك.. في العقود السابقة، طريق الاجتماع النخبوي في الصالات المغلقة، فقد تحججت بقانون الطوارئ الظالم حتى لا تنزل إلى الشارع، فتصطدم بالشرطة والقانون، واكتفت بمناهضة الحكومة.. من أجل تعديل الميزانية المسموح لها بها! لكن الأمر الآن يختلف، فمن قال إن(تجنب)المواجهة مع النظام هو هدف؟! إن العكس هو الصحيح! هذه الحركة قامت للتصادم مع النظام، وإن كان تصادما سلميا بالطبع، وبالتالي لم يعد مهما مخالفة قانون الطوارئ، فصار هدفا أساسيا أن يتم التوجه إلى المواطنين.. أكبر قاعدة من المواطنين.. لذلك فإن المراقب لخط سير الحركة المصرية من أجل التغيير.. يتوقع أن(تصر)على عقد مؤتمراتها القادمة في الميادين العامة، حتى ولو بدون إذن حكومي! بل بدونه! كما يتوقع المراقبون أن تخرج تلك المؤتمرات من القاهرة، إلى المدن الرئيسية الأخرى، في المرحلة القادمة، وإذا كان هؤلاء المراقبون- بعيدين- عن الميدان، لا يعرفون(تفاصيل العراقيل)التي تواجهها الحركة ميدانيا، فإن توقعاتهم ليست مجرد أحلام، إذ هناك من الشواهد التاريخية لأمم ٍ أخرى.. ما يدل على أن المواجهة المباشرة مع نظام ٍ فاسد.. لا تنجح إلا إذا كانت على الملأ وبين الناس، فكيف ستعرف الغالبية الساحقة عن أمر شعار(كفاية)مثلاً؟ هل كل المصريين يبحرون في الإنترنت؟ هل كلهم يتوجهون إلى مؤتمرات القاعات المغلقة في نقابة الصحفيين أو غيرها؟ هل كلهم يتابعون قنوات التليفزيون الدولية؟ كيف سيتحول عدد من يرفعون شعار(كفاية)من بضع مئات إلى... عشرات الآلاف؟! موقف القضاء القضاء المصري هو قضاء نزيه، عبارة ترددها الحكومة والمعارضة على السواء! ويخاف أشجع الكتاب والنقاد من الخروج على السرب.. بالنسبة لوصف القضاء المصري! وهو خوف يحكمه حاجز نفسي، من اتهام مؤسسة- لو اتهمت دون غيرها- بعدم النزاهة.. لأصابت الفوضى المجتمع، وعم القلق بين الناس، فالقضاء في كل المجتمعات.. هو الحائط الأخير للعدالة، ومن المرعب حقا.. ألا يكون نزيها، حسنا.. أين كانت تلك النزاهة عندما تلاعب بها الرئيس في قضية سعد الدين إبراهيم؟ وأيمن نور؟ ويوسف والي؟ بل وعزام عزام الجاسوس الإسرائيلي؟! أين كانت تلك النزاهة.. عندما كان النظام يحرك القضاء المصري.. في قضايا المحاكم العسكرية والمدنية ضد الإسلاميين؟ وغيرهم كثير.. ممن يظهر جليا للمواطن- البسيط والمثقف على حد سواء- أن النظام يقول للقضاء في شأنهم(كن.. فيكون)؟! نعم هناك استثناءات.. حتى لا يكون ظلما للقضاء أن ينعت أحدهم(كل)رجاله بعدم النزاهة، نعم هناك بعضهم من كان ومازال فوق الشبهات، لكن الواقع في مصر أن غلافاً من التقديس المبالغ فيه يحيط(القضاء المصري)، الآن..تعيش مصر لحظة قلقة، وفيها معسكران: أحدهما هو النظام.. نظام(كن.. فيكون)، والآخر في طور التكوين، وهو(حركة شعب)يتقدمها صفٌ من الواعين يقولون لذاك النظام(كفاية)، في هذه اللحظة.. عليه- هذا القضاء النزيه- أن يقف إلى جانب شعب هو جزء منه، يعرف معاناته، وفي الوقت نفسه، هو- كقضاء- يعرف أكثر كثيرا من رجل الشارع العادي، كم هي درجة الفساد المتغلغل في الدولة.. حكومة ومؤسسات، لكن- حتى الآن- لا يُعرف على وجه اليقين.. كيف ستكون(استجابة)القضاء ورموزه.. إذا استعانت به الحركة المصرية من أجل التغيير، أو طلبت مؤازرته.. في التصدي لانتهاك النظام للقانون.. ولحقوق الشعب بأكمله تبعا لذلك، لا يُعرف على وجه اليقين.. هل تلك الرموز القضائية النزيهة- والتي تعتبر فوق الشبهات ويتوقف الأمل عليها دائما- هل هي غالبة في ساحة القضاء المصري.. أم أنها هي الأخرى.. قلة.. تحتاج من يؤازرها؟! موقف الإعلام لا أمل مطلقاً في الإعلام المصري! لا من قريب ولا من بعيد.. فيما يخص تغيير نظام مبارك، فهذا الإعلام المسكين هو نفسه من يحتاج إلى الحركة المصرية للتغيير، وليس العكس! بل ربما تكون أول خطوة على الإطلاق- لأي نظام جديد يحل محل نظام مبارك المتفسخ- هي إخراج ذلك الجيش الجرار المسكين من الإعلاميين، في التليفزيون المصري بكل قنواته، والإذاعة المصرية بكل محطاتها، والجرائد المسماة بالقومية بكل صحفها.. من حلبة التجديد، هذا المجال بالذات لا يستحق إلا الإحلال، إحلال بعناصر أخرى يكون هناك أمل من نوع ٍ ما في.. تربيتها(ديمقراطيا)! إذا أصبح المناخ الجديد بالفعل ديمقراطيا، لا لعيبٍ في شخوصهم، فهم مغلوبون على أمرهم، وإنما لعدم وجود أمل كبير في إعادة تأهيلهم، ليكفوا عن عادة(التهليل).. التي أصبحت مكونا أساسيا في فهمهم للمهنة! لكن الإعلام- والتليفزيون خاصة- هو أهم ورقة يمكن لها حشد الناس وتعريفهم(بالأمر)كله! لذلك يكون مفهوما كم هو صعب على تلك الحركة أن تستعين بتليفزيونات أخرى، كالفضائيات العربية مثلاً، لإيصال رسالتها لأكبر عدد من المواطنين، فلكل من تلك القنوات أجندتها الخاصة، وحساباتها مع الحكومة المصرية، لكن ما يفلت في هذه القناة أو تلك لا بأس به حتى اللحظة، فالعالم يتربص بمعظم وكالات أنباءه.. بملامح التغيير في الشرق الأوسط.. وفي القلب منه مصر، وما يفلت في تلك القنوات المختلفة.. قد ينبه المواطنين، كي يسعوا هم بأنفسهم، للبحث عن تلك الحركة.. للانضمام إليها، وهو العامل الأهم.. في المرحلة الحالية من المواجهة السلمية.. مع مبارك ونظامه. موقف المؤسسة العسكرية في كتابه(فلسفة الثورة)برر مؤلفه جمال عبد الناصر.. الانقلاب العسكري على النظام الملكي عام 52، الذي تحول فيما بعد إلى ثورة اجتماعية شاملة، فقال إنه في ظل الرغبة الشعبية العارمة في التغيير، لم تكن توجد(قوة مادية)فعلية، يمكنها إجراء(تغيير حقيقي)سوى.. الجيش، يمكن فهم ذلك في إطار ظروف مصر في ذلك الوقت، فقد كان الجيش يضم(نخبة وطنية واعية مسيسة)، وكانت جزءً من الشعب تلمس معاناته.. بل تعيشها، وكان الظرف الدولي في منتصف القرن العشرين.. ظرفا مشحونا بحركات التحرر من الاستعمار، والتطلع للاستقلال، الأمر الآن يختلف.. فالمصريون جربوا حكم الجيش، ورغم ما قدمته ثورة يوليو للمصريين من قفزاتٍ لا تنسى في تاريخهم، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، إلا أن الإرث السياسي الضحل الذي خلفه نظام عسكري.. اعتمد الاستفتاء اللعين الذي تورطنا فيه حتى اليوم، هو إرث لا ينسى داخليا، أما خارجيا.. فالظرف الدولي مختلف تماما، فهناك(إرث عولمي)تكوّن في العقود القليلة الماضية، إرث عنوانه العريض(الحرية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان)، فصار من المستهجن بشدة- دوليا- أن تتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي، فما بالك إذا(انقض)الجيش على السلطة؟! إضافة إلى أن العالم الخارجي- وخاصة القوى العظمى فيه- أدركت من تجربة نصف قرن مضى.. أن دعم الديكتاتوريات في العالم الثالث عاد عليها بكوارث، ليس أولها هجمات نيويورك وواشنطن، وليس آخرها(هجرة الفقراء)من الجنوب، التي تؤرق ليل ونهار الشمال! لذلك فإن الظرف الدولي يساعد الآن على شيء من المساندة للحركات الشعبية، المطالبة بالتغيير في تلك البلدان المبتلاة بنظم ديكتاتورية، ومنها مصر، وتلك المساندة لا تأتي فقط من الدول ونظمها الرسمية، بل تأتي من تلك الظاهرة العولمية الجديدة نسبيا.. المتمثلة في(منظمات مدنية)لا تهتم بالحدود، لذلك فإن الجيش المصري علاوة على قلة وربما عدم وجود نخبة به.. من الضباط المسيسين، كما في منتصف القرن الماضي، فقد صاروا في أغلبهم موظفين برتب عسكرية، فإن ظهوره في الصورة الحالية هو أمر مستهجن داخليا وخارجيا، إضافة إلى أن الحركة المدنية هي التي أمسكت بزمام المبادرة عندما(ابتدأت)هي إعلان الرفض للنظام، والمفترض- مثاليا- أن يبتعد الجيش عن هذه الحركة، وفي المرحلة المقبلة، قد تجد تلك الحركة المدنية السلمية نفسها.. مضطرة لمطالبة الجيش بالابتعاد في طلبٍ مباشر وصريح، لكن الوقت ربما مازال مبكرا على تلك الخطوة، فالأمر كله يعتمد على: كيف ستتجه خطوات الحركة في المستقبل القريب..؟
لم يكن أحدهم إذن ليبحث كل تلك الأمور.. لولا نجاح الخطوة الأولى في ديسمبر الماضي، التي زرعت في النفوس تفاؤلا كبيرا.. احتاج إليه المصريون للتخلص من يأس ٍ أطبق عليهم عقودا.. ولم يكن ممكنا.. الحديث عن(نداءاتٍ)توجه للشرطة أو القضاء أو مختلف وسائل الإعلام، أو الحديث عن(حشد)الناس.. لولا بزوغ شمس يوم ٍ.. بدأت فيه مواجهة مصرية سلمية مع النظام.. جرت العادة تاريخياً.. وفي سيرة كل شعوب الأرض.. ألا تنتهي مثلها إلا.. بسقوط معسكر الاستبداد.. وبدء مرحلة جديدة.. تحمل عنوانا واحدا يهيمن على قلوب وعقول الناس..... التغيير!!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفتيش في أوراق القمم العربية.. من المواجهة والتصدي إلى استجد
...
-
إدوارد سعيد والرسالة الأخيرة
-
عمرو موسى : شاهد مقالش حاجة!
-
الثاني من مايو يوم العصيان المدني في مصر
-
الأفلام الوثائقية العربية: عقلية ثنائية ترى العالم شرا مطلقا
...
-
بعد الأرز في بيروت، النسر المصري يستعد للإقلاع: استغلال الفض
...
-
الذهنية العربية الإسلامية تكره الأنثى المتمردة النشطة عقليا
...
-
مبارك: تعدّل.. متعدّلش... برضه كفاية
-
الحسين كان رجل سياسة وليس رجل دين، فلماذا القداسة؟
-
إصلاح الشرق الأوسط يبدأ بالتغيير حول ضفتي البحر الأحمر
-
من لا يربيه شعبه.. كونداليزا تعرف تؤدبه!
-
صفوت الشريف: الريس مقبل على-ضبط إيقاع-المعارضة المصرية!
-
الرئيس مات قبل التمديد: اللي خلف مماتش، المثل من مصر والريس
...
-
مآخذ على التيارات السياسية المصرية في ظل نظام يحتضر
-
رحيل ماهر عبد الله الإخواني الحداثي
-
عدوى الخوف من الغزو الثقافي تنتقل من العرب إلى الفرنسيين
-
المسلسلات التاريخية فن زراعة الوهم في نخاع العرب
-
الأعلانات التجارية على الفضائيات من الأسمدة الزراعية إلى الم
...
-
بمناسبة الحملة البريطانية على القرضاوي لا يوجد تعريف دولي لل
...
-
مبارك : أنا عايش ومش عايش
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|