|
وادي الصفصافة
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 01:26
المحور:
الادب والفن
وادي الصفصاف احمد الطراونة
في الآونة الأخيرة وقع بين أيدنا مجموعة أعمال روائية تاريخية، " سلام على الغائبين" أديب نحوي، " زمن الخيول البيضاء" لابراهيم نصر الله، والعمل الذي سنتناوله " وادي الصفصافة" ما يميز هذه الرواية الشكل الذي صيغت به، اللهجة المحكية، والمضمون، الثورة على الظلم، وطريقة السرد، حيث أعطى الكاتب الحرية لكل شخصية روائية لكي تتحدث دون تدخل مباشر منه، حتى أن الشخصيات السلبية جعلها تتكلم بكل حرية، ودون أن يظهر للقارئ بأنه منحاز لهذا الطرف أو ذلك، فالرواية تحمل مجموعة عناصر فنية وأدبية جعل منها ذات طابع مميز وفريد على صعيد الرواية الأردنية والعربية، فرغم سيادة اللهجة المحكية على الفصحى، إلا أن العمل لم يفقد رونقه، وهنا لا بد من الإشارة إلى رواية غائب طعمة فورمان " النخلة والجيران" التي تمثل أنموذج للرواية العراقية، ولسنا هنا في مجال مقارنه بين العملين. وادي الصفصافة جاءت لتعطي القارئ العربي شكل فريد من الروايات المميزة، فقد استطاع احمد الطراونة أن يطرح شكل ومضمون روائي جديد، وهنا أضاف جمالية أخرى في الرواية حيث استطاع أن يخترق الماضي ـ أوائل القرن العشرين ـ مع نهاية القرن بطريقة رائعة، " بقولوا مولعة في فلسطين، اليوم مستشهد ثلاثة شباب، وأمهم، وطفلين ازغار بقولوا داستهم دبابة، هرست عظامهم ... أن القوات العراقية أصبحت أكثر خطورة من أي وقت مضى خاصة بعد أن أكدت التقارير امتلاكها لاسلحة الدمار الشامل " ص46، هذا الاختراق جاء على الصعيد السياسي مذكرا القارئ بأن الأحداث في هذا الوطن ما زالت مشتعلة، كما أعطانا التوحد العربي من خلال ( فلسطين والعراق) وان الهم القومي واحد، وبان العربي أينما وجد وأينما كان لا بد له من أن يأخذ هذا الهم بمحمل الجد والبحث، وهذا الطرح جاء ليعطي المتلقي بقومية الكاتب ـ بطريقة غير مباشرة ـ رغم كتابة الرواية باللهجة المحكية الأردنية إلا أن المضمون القومي يظهر جليا لنا، وكأن الكاتب أرد هنا أن يكون العمل القومي ينطلق من الوطني ليكون أكثر رسوخا وإقناعا للقارئ. " هل قرأت النمور في اليوم العاشر " ص141، نجد هنا أيضا تداخل بين زمن الرواية ـ بداية القرن العشرين ـ وزمن كتابة الرواية، فذكر المجموعة القصصية " النمور في اليوم العاشر " لزكريا تامر يعد احد أشكال التطور في كتابة القصة العربية، من خلال الشكل الجديد الذي طرحه زكريا تامر في هذه المجموعة، حيث كانت قصصه قصيرة جدا ومكثفة، كما أن فكرتها كانت واضحة وتتحدث عن الواقع العربي المزري بشكل رمزي. تناول الكاتب في رواية " وادي الصفصافة" أوضاع هل الكرك، في بدايات القرن العشرين، والكيفية التي تعامل الأتراك بها مع المواطنين العرب، وهنا الكاتب يرد على كل من يمجد فترة حكم الأتراك للمنطقة العربية، وللذين يعتبرون الأتراك حماة الإسلام والمسلمين، فهناك صور عديدة وكثير وضعها احمد الطراونة تظهر حجم وشدة البطش والظلم الذي أوقعه الأتراك على الأهالي ـ" الأتراك همو البلاء، بعد ما احتلوا الكرك هدوا حيله، ذبحوه ـ " السلطان عبد الحميد اشترى النفوس بصرر الفلوس، بس أبو محمد نفسه عزيزة .. عمره ما مد ايده لواحد" ـ " الأتراك طخوه في رجله شارك في فزاعة الكركية للحمايدة" ص19، محاولة الأتراك إفساد الناس من خلال ( الرشوة) التي يقدموها للبعض وشرائهم وجعلهم يصطفون إلى جانبهم ويبقون موالين لهم، لكن هناك طرق أخرى استخدمها الأتراك " كان الأتراك من غيظهم قد جروا جثته أمام أقاربه الذين ضربوا ضربا شديدا ومنعوا من دفنه، وظل في العراء لأيام وأيام حتى" ص22، هذه صورة الحكم التركي لبلاد العرب، فهم قساة وفاقدي الرحمة اتجاه رعاياهم، فمثل هذه الأعمال كان لا بد من أن يتوقف عندها المواطن ويبدأ البحث عن مخرج لها، من هنا كان الحديث السياسي يأخذ مكانه عند المواطنين، وبشكل متطور، فنجد التحليل المنطقي والعقلاني للأحداث " وقف حسن على باب البيت وامسك بعموده وهو يمعن النظر في الصحراء: " يا عم الدولة منتهية، بتهزم يوم بعد يوم، والقطة يوم أنها تجوع يتوكل أعيالها، الدولة محتاجه عسكر حتى تدافع عن حدودها، فتحت أكثر من جبهة مع العالم وإحنا في غنى عنها، الحدود بتوكل أكل في الرجال يا عمي وبلادنا ماعونها" ص33، هذا التحليل لواقع الدولة التركية وكيف أنها حملت الشعوب العربية أكثر مما تحتمل، من اجل إبقاء ـ الأتراك ـ مهيمنين على مقدرات العرب وارض العرب. ويضيف احمد الطراونة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية والتعليمية في الكرك من خلال " سكروا مدرسة الكرك، ومنعوا طلابها من القراية، ما تركوا غير مدارس المسيحية اللي بتعلم باللغة الفرنجية، ورفعوا الضرائب على الحلال، ودهم يوخذوا القمح هالسنه، ويعطوا راعي الفلحة مونته هو واعياليه ويوخذوا الباقي" ص34، نجد المواطن العربي هو من يدفع ضريبة الحروب التي تشنها الدولة التركية، ضريبة مال تتعلق بقوته وقوت عائلته، وضريبة أخرى اشد ضررا به من خلال إغلاق المدارس ومن الطلاب من التعليم. ولم يكتفي الأتراك بهذه الأفعال التي لا تطاق بل تعداها إلى الإنسان والمتاجرة به " قبل أسبوع سامي باشا ذبح أهل حوران، وأخذ شبابهم للتجنيد والسخرة، حرق بيوتهم، واخذ حلالهم، ودمر مزارهم .. وبكره بجي على الكرك "ص37، هذه حقيقة الحكم التركي، قتل الناس والدواب، تشريد وسخرة، دمار وخراب البيوت والأرض، إذن حجم البطش والقهر الذي مورس على العربي من قبل الأتراك كان اكبر من أن تتحمله الجبال، وهو يأخذ شكل واحد في كافة البلاد العربية، خراب ودمار وقتل وتشريد، من هنا كان الهم العربي واحد إن كان في الكرك أم دمشق أم القدس أم سهل حوران، فالمأساة واحد والفاعل واحد وطريقته واحدة. ضمن هذا الواقع كان لا بد من تطوير مفهوم المواطن العربي ومن ثم طريقة تعامله مع الظلم التركي " بدر الذي أشاح بوجهه عن الجندي وبدا متألما : " اسمعوا يا رجال، صحيح انه كان عندي بعض الدوافع الشخصية للثورة، لكن أقسم لكم إني ها لحين تطهرت منها، وصارت لا شي عندي، ما عادت تحركني كما كانت، وما يحركني الآن هو الشعور بالظلم اللي يقع علينا كلنا، وهذا المسكين اللي جثا أمام أقدامكم..، وهو ليس له علاقة بما يجري، إلا لأنه من سوريا أو العراق"..." دولة عدد السجون فيها أكثر من عدد المدارس بعشرات المرات، شوفوا حال الناس، مصيرهم صار مربوط بقرار واحد غبي وجبان مثل متصرفكم، شوفوا كيف أوكلوا مهمة الإصلاح لسفاح .. وين الجمعيات العربية والمتنورين العرب اللي دعموا أصحاب الاتحاد والترقي، وهم الآن يكشرون عن أنيابهم، أريد أن أصارحكم، يمكن ما ننتصر في المعركة هذه لكنا قلنا بقوة، نحن موجودون، لا نقبل الضيم، ولا نقبل الإذلال، ولا المهانة"ص172و173، إذن الثورة العربية لم تكن بدون مبررات، وإنما نتيجة واقع لم يعد يحتمل وبعد أن سدت في وجوهم كافة الطرق والوسائل للحل، وبعد أن ستنفذ العرب كل الطرق السلمية لحل مشاكلهم مع الحكام الأتراك، فكانت الثورة تسير بتطور فكري نظري، وأيضا عملي ثوري يتمثل بالتسليح والإعداد لمواجهة الجيش التركي. طريقة تعامل الأتراك مع الثورة جاءت قاسية جدا، وها هو احمد الطراونة يذكر لنا كيف بطش الأتراك بالأسرى العرب " لحظات وارتحلت الأرواح، وعلت الشهقات، وانتثرت الأجساد، وسفكت الدماء... سقطت الحراب على البطون، وشقت الحراب الصدئة صدور الرجال المعلقة بالحزن، انفتقت الصدور عن القلوب المؤمنة بالحرية لتشم هواء أفقها المنتظر. قتلوا أكثر من ثمانين رجلا طعنا بالحراب لأنهم استخسروا بهم الفشك" ص190، من خلال هذا المشهد يتبين لنا حقيقة الحكم التركي، فهم لم يكونوا مسلمين أو مسيحيين، وحتى أنهم لم يرتقوا من خلال المشهد السابق إلى مرتبة البشر، هم مجرد أداة قتل لكل ما هو أنساني، ليس من الإنسانية إن يتم القتل على هذه الطريقة وبهذه الكيفية، وكأن الكاتب هنا أرادنا أن نتذكر بشاعة وحجم القهر الذي مورس على العرب، فكان لا بد لهمم من التحالف مع الشيطان للخلاص من هذا الحكم الجائر. ضمن قرأتنا المتواضعة نجد أن هذا العمل الروائي الرابع الذي يتناول فترة حكم الأتراك للمنطقة، فبعد رواية " من يفتح باب الطلسم" لروائي العراقي عبد الخالق الركابي، وروايته " ملكوت البسطاء" للروائي السوري خيري الذهبي، ورواية " زمن الخيول البيضاء" للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، يأتي هذا العمل ليكمل الحلقة في المنطقة العربية، رغم التباين الجغرافي لكتاب الروايات إلا أنهم اجمعوا على أن الأتراك كانوا ظلام وقتله للعرب، وكيف أن النظام التركي لم يكن إلا وسيلة قمع وقهر وبطش للشعوب العربية، ولم يكن حامي لها أبدا، بل مجرد محتل لها ولخيراتها، التي انتفع بها على حساب المواطن الذي امن بان الحاكم المسلم يجب أن يطاع، من هنا جاءت الثورة العربية على الظلم قبل أن تكون على الأتراك. ومن فضائل هذه العمل الروائي انه جاء على ذكر الخيل معظما لها ـ ولو بشكل محدود ـ وهذا أمر طبيعي ومنطقي عند العربي، " تسمع الزلم عليلهم صهيل مثل الخيل" ص48 " الخيل لا تجتمع إلا على أمر جلل" ص77 " القول الأول جاء يؤكد حضور الخيل وبان صهيلها يتفوق على حديث الرجال، والقول الثاني يعطي صفة الاجتماع للخيل وهذا دليل على أهميتها ومكانتها، وكأنها هنا ريد أن تكون الخليل ـ التي يعشقها العربي ـ مشاركة له في همه وثورته. ولم يترك الكاتب روايته دون أن ينثر فيها الحكم والأمثال الشعبية التي تمثل نصائح الإباء والأجداد للأبناء والأحفاد، " بقولوا: الأرض عندما تشعر بالغربة والوجع تلفظ أبناءها خارج رحمها، والمساكن تضيق بأهلها وتصبح قبورا" ص55، " القوي عايب، والرطل ما بزيحه إلا رطل ووقية" ص90، " ما بعرف رطني غير ابن بطني"، " البكاء بغسل القلب" ص50، وأخيرا يضع الكاتب اهم فكرة من الرواية عندما قال بأن المهم ليس الانتصار بقدر المحاولة وعدم الاستسلام للواقع عندما قال " احنا حاولنا، وان شاء الله يجي ناس غيرنا ويحاول" هذا القول متماثل مع القول الذي نطق به الحاج خالد بطل رواية " زمن الخيول البيضاء " عندا قال "قلت لي : إنك قد هزمت في معركتك من أجل بقراتك، وقلت لك: لا لم تنهزم، لأنك حين هجمت لم تكن تريد أن تنتصر، كنت تريد استرجاع حقك، الشيء الوحيد الذي لم يخطر ببالي في أي يوم من الأيام، اني ذاهب لألحق الهزيمة بأحد، كنت مثلك ذاهبا لأحمي حقي، وأنا الآن لا أريد التسلل هاربا، ولا أريد أن أقول لهم أكثر من هذا: أنا لا أقاتل كي انتصر، بل كي لا يضيع حقي" ص356، فكرة الرواية رائعة جدا وتعطي القارئ مسارا نحو الهدف ـ عدم السكوت عن الحق ـ والاستمرار في العمل لأخذ هذا الحق. قبل الفض من الرواية نذكر بان هناك إشارة رمزية استخدمها الكاتب عندما ذكر الساعة الانجليزية، كمؤقت للثورة العربية، وأيضا تم ذكر جريدة "العروة الوثقى" التي جلبت من القدس كإشارة بان القدس مركز ثقافي ثوري في المنطقة، ولا نريد أن نحمل النص أكثر مما يحتمل لكن يمكن لنا أن نربط هذه الرموز بأحدث الرواية وسنجد الترابط بينها، نشكر الكاتب احمد الطراونة على هذا العمل الرائع ونتمنى له انجاز ما هي جديد رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغة الماء غفاف ىخلف
-
من اجل غدا افضل
-
رواية الاشباح
-
جدارية درويش والنص الاسطوري
-
رسائل لم تصل بعد
-
أتذكر السياب
-
رواية الخواص
-
أدب القذارة
-
لينين القائد
-
حكايات العم اوهان
-
اتشيخوف ونقد المجتمع
-
الراوي وأحداث قصة الأم
-
سلام على الغائبين
-
غوركى بين الفرد والمجتمع
-
ماذا يحدث في سوريا
-
قصر رغدان والقمع الادبي
-
مريم الحكايا
-
شوقي البغدادي
-
قارب الزمن الثقيل
-
أخطاء الماضي والحاضر
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|