|
قصر القبجات
رياض كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 3976 - 2013 / 1 / 18 - 09:51
المحور:
الادب والفن
في الحياة صور ورسوم لا تنمحي ابدا تبقى منقوشة بالذاكرة لاتريد ان تغادر لا تريد ان تتركني مهما حاولت ان اطردها واقسو عليها كانها وجدت قبل ان انولد قبل ان اعي معنى الذكريات والا ما معنى ان اعود الى قصر القبجات انبش كتاب العابرين وحياتهم السرية واخبركم بها . كنت تائها ابحث عن معنى لحياتي ، في الكتب والحب والصداقات القديمة والعابرة وفي الاماكن المتروكة والغرف المهملة والذكريات الضائعة التي تنتظر من يوقظها ويمسد حنينها حتى تنبض ثانية وتعود كما لو انها لم تغادر . في البيت الكبير ( قصر الرحمي ) كما يسميه الناس والجيران او قصر القبجات كما يسميه الحاج ابراهيم وهو يذرع الحديقة الواسعة جيئة وذهابا يقيس طول ظله وطول العشب والاشجار والزهور وساقية الماء ثم يجري ناحية برج طيور القبج يطعمها بقايا فطوره واصابعه المرتجفة تقلب بيضاتها تتحسس ما بداخلها . هل اخبرتكم ان الفصل كان شتاءا والوقت ظهرا والقبجات مازلن ينبشن ارض الحديقة يبحثن عن حبات القمح والشعير والدخن ، عن اثر الذكريات في العشب عن اثر راعيتهن الحسناء التي كانت تطعمهن وتعتني ببيضهن وفراخهن وتصنع من ريشهن وسائد ومنادر تتقلب عليها وحيدة بانتظار هجوع الليل وحلول الظلمة بانتظار هجمة العطر ( افاوية ومصطكي وبابونج ) العطر الذي يسبق جسد صويحبتها البصرية عطر غرفة اللواعج . فتحت الكتاب المخطوط بالنسخي والمزين بصور لكل من عاش في القصر صورة الحاج ابراهيم وزوجته ، صورة ابنه الالعبان ، صورة ابو طربوش وابو مقص وابو الريش وصورة جميلة وهيام ، يا للمصادفة صورتي ايضا وسط حشد كبير من الخدم والحشم والاقرباء وخلف ذلك الجمع تظهر ظلال المنزل الفخم . هناك الكثير من المرح واللهو والمتعة في زوايا المنزل وغرفه ، كما ان هناك الكثير من الدموع والاهات والحسرات تعلو صدور ساكنيه . في المطبخ الواسع حيث الفرن الفخاري والتنور والطناجر والصحون الصينية التي بقيت كما هي بانتظار اذان العشاء حيث تجتمع الاسرة الكبيرة حول المائدة العامرة يتصدرها الحاج وزوجته ثم ابنه الالعبان وزوجته ثم جميلة ثم ابو طربوش وزوجته هيام البصرية التي كانت تبالغ بالكشف عن صدرها الجميل الدافيء وكانها تدعو عليلا اصابته الحمى وعلاه السقم للدخول بينهما حيث النار مشتعلة والتنور احمر والخبز شهي والرائحة بابونج تشبه رائحة اصابع محبوبتها جميلة وهي تدلك خصرها وبطنها وسرتها العامرة وثدييها الوافرين ثم تختبيء بينهما كعصفور بلله المطر وتهمس . لا احب الرجال لا احب رائحة الرجال انا لا احبهم ايضا لا احب رائحةزوجي ابو طربوش . اجابت هيام قالت جميلة وهي تعض حلمة صاحبتها ليلة امس هجم علي الالعبان اخذني من غرفة الدقيق كنت ازن الدقيق لاعطي البائع نقوده هجم علي وهو يتلمظ كالنمر كالذئب امسكني من خصري ورماني على كوم الطحين كدت اختنق من ثقل صدره على صدري كدت اموت وهو يخترقني كالوحش كالبغل يرفس ويرفس ويرفس قالت هيام - رائحته كريهة ياللبغل السافل قالت جميلة - رائحته تشبه بالوعة المنزل حينما فتحناها واخفينا ابو طربوش ـ اششش اخفضي صوتك ارتعشت جميلة واحتضنت صويحبتها بقوةوقالت ربما سيفتقدونه ويسالون عنه ؟ ـ لا احد سيفتقده لا تقلقي فهو نائم وسط الخراء الان . نائم تقصدين ميت ؟ الموتى نيام ايضا . ارتعشت ذبالة الفانوس فابتسمت هيام ونهضت لتغلق النافذة . ( جميلة - هيام ) ان في الحياة رغبات محرمة شهوات مدفونة في القاع تدفع الناس احيانا لارتكاب الشر لارتكاب القتل . في غرفة ابو طربوش المهملة والمتروكة اثاث تئن من الذكريات سرير زوجته البصرية خزانة الملابس الهائلة الحجم مراة الزينة وهي تعكس صورة تجمع بينه وبين زوجته وهي بكامل اناقتها الجنوبية وحليها البراقة وعلى ثغرها الجميل ارتسمت العديد من علامات التساؤل وكاني بها تبحث عن سبب لوجودها في هذا المنزل في هذه الغرفة مع هذا الرجل الضئيل الحجم الذي يمسك بيده منشة يريد بها طرد كوابيس زوجته حينما تستيقظ مذعورة وهي تردد . جميلة ... جميلة مالك يا روحي مالك يا حياتي لماذا جسدك يرتعش واسنانك تصطك ؟ لاشيء انه مجرد كابوس حلم كريه . بماذا حلمت ؟ الالعبان يطارد جميلة ساذهب لاطمئن عليها . انتظري ساتي معك ؟ كلا ابق هنا لا تاتي . هرولت هيام وهي نصف عارية الى غرفة اللواعج حيث تعيش جميلة . كانت جميلة عارية كالالهة جالسة قرب شمعة معطرة بالمسك ظفيرتها الغليظة تتدلى على صدرها وتصل الى حجرها واصابعها تعبث بزيت القرنفل وهي تدندن ايا ليل ايا عين رفعت جميلة عينيها ونظرت الى صويحبتها وقالت . هيام ماالذي اتى بك في مثل هذه الساعة ؟ قالت هيام - لا استطيع النوم لا استطيع فراقك هيام جميلة غرقت البنتان بعناق وقبلات طويلة وساخنة وصل صداها الى اذن ابو طربوش فتتبع وقعها ومصها ومطقها وفتح غرفة باب اللواعج ليجد هيام تعتلي جسد جميلة وتدخل بين فخذيها كالرجل حينما يدخل بزوجته . التفتت هيام ورأته وهو يتعوذ من شرالشيطان . رأى بعينيها الفاتنتين شرا لم يره بحياته ، رآها وهي تجذبه من ثوبه بقوة لا مثيل لها فانجذب لها كالماخوذ بحلاوة عينيها وتركها تحطم رأسه بالجدار . حملت كتاب العابرين الى الشرفة الواسعة حيث الشمس تنثر اشعتها بكرم منقطع النظير ورحت ابحث عن صورة جميلة في ذلك الكتاب القديم . وجدت صورتها في الصفحة الخامسة كانت في العشرين من عمرها تلبس عباءة جنوبية وثوب احمر غامقا ظفيرتها تتدلى على صدرها الجميل وهي تبتسم للمصور للكاميرا للشمس والحياة والبيت والحديقة والقبجات وتحت الصورة كتب احدهم او احداهن هذه الكلمات ان كنت صيادا انا الغزال ان كنت ثورا انا المها ان كنت نارا انا الفراشة ان كنت انسيا انا الجنية في الصفحة التي تليها وجدت صورة هيام وجه بتقاطيع حادة اخاذة ولون يمزج البياض بالصفرة وعينان جميلتان داعرتان مبتذلتان وفم شهواني واسع وشفاه ممتلئة تصلح للقبل والمص والرضع تصلح لنطق المحرم وقول ما لايقال الا في الاسرة والخلواة او في اذن عشيقة تنتصب اثدائها على جرس الفاحشة . لم استطع منع نفسي او اقاوم رغبتي بتمرير اصابعي على صدرها الوافر وشفتيها الداعرتين فشعرت برعشة وغصة بالحلق اسفل الصورة كتبت ( هيام - جميلة ) الحب يوجع الحب كالسياط حينما تلسع الجسد اريد المزيد منه ( جميلة - هيام ) في صفحة اخرى وجدت صورة للمنزل من الداخل الصورة مظلمة ورطبة كاني بها التقطت وقت هطول المطر في ذلك الشتاء الغابر حينما قررت الفتاتان الهرب من المنزل حينما شعرتا ان جريمتهما ستنفضح وان الالعبان اخذ يمثل دور الشرطي ويدخل غرفة اللواعج اي وقت يشاء يسالهما عن ابو طربوش وعن سر غيابه عن المنزل وعن البالوعة التي تريد ان تنفجر واصابعه تعبث بحيوانه المخيف . الغرف موصدة بوجه المطر موصدة بوجه من يريد ان يدس انفه وينبش ذاكرتها بحثا عن حكاية او لهفة او نأمة او اهة خفية صدرت من اضلاع ذاك او تلك ، الباحة نظيفة وخالية من الفرش لكن كأن شبح القتيل مر من هناك وقت التقاط الصورة . تحت الصورة كتب احدهم القصر واسع لكنني اختنق اختنق من الرائحة الكريهة في الطابق العلوي حيث يعيش الالعبان مع زوجته البدينة النهمة ذات العجيزة الضخمة التي تجرها خلفها وهي تتنقل بين صحون اللحم والرز والحلويات تاخذ لقمة من هنا ولقمة من هناك تزدردد الطعام كأن بها جوعا ازليا تفتح عينيها على فخذ عجل فتلتهمه وتمسح شفتيها من رطل بقلاوة ثم تمسح ما تبقى في الصحون من طعام وتودعه بطنها المقبرة الازلية لاف الابقار والجمال والماعز والخرفان لاطنان من الخبز والكلعك والحلوى ثم تجلس تندب حظها العاثر لكون زوجها ثقيل جدا حينما يعتليها واسنانه القوية تنغرز بلحمها فتصرخ من الالم وسط ذعر القبجات وقوقاتهن التي لا تنقطع وكأنهن يردن القول ان المراة السمينة التي تحت ذلك الوحش تسطو على بيضهن وعلى فراخهن ايضا . في الصفحة التي تليها وجدت صورة الالعبان والى جانبه زوجته السمينة ويقف بينهما طفل في السابعة من العمر يشبهني كثيرا . الالعبان طويل ووسيم وضخم الجثة كانه بطل من ابطال الحكايات ابيض الوجة شعره اسود فاحم وشارباه غليظان مفتولتان يرتدي دشداشة حريرية وحزام جلدي ويبتسم باستهتار وهو يرمق زوجته البدينة التي بدت خائفة ومترددة من الوقوف امام المصور الغريب اما الطفل الذي يشبهني فبدا وكانه ماخوذ بالصندوق الاسود السحري الذي يخرج صورا براقة . في الظلمة بين ممرات قصر القبجات سحلت الفتاتان جثة ابو طربوش ناحية بالوعة المنزل قالت جميلة وهي ترتعش سيطفو جسده بعد يومين ويشمون رائحته قالت هيام - لا تقلقي يا حبيبتي سيمتزج بالخراء فتحت هيام غطاء البالوعة وركلت الجثة الضئيلة وتركتها تسقط في الخراء نم يا حبيبي في مسكنك الجديد قالت جميلة - حرام والله حرام ابتسمت هيام - وهل ما نفعله بيننا حلال كلا سنذهب الى الجحيم سوية يا حبيبتي اتبعيني فانا ادرى منك بالطريق لكنني لم اقتله قتلناه ودفناه سوية يا روحي انا خائفة لا تخافي لنذهب الى الحمام ونستحم سوية من الطابق العلوي ظهر شبح الالعبان وهو يبتسم ويشد شاربه احتضنت البنتان بعضهما ودخلتا الى الحمام اشعلت هيام الفانوس والمدفاة النفطية وخلعت ملابسها المضرجة بالدم وتكورت الى جانب المدفاة وهي تبتسم ابتسامة لا معنى لها وتنظر بشبق لصويحبتها .الدفء والخوف اثارا الرغبة في الاصابع الترفة والخدود النظرة والنهود المنتصبة اثار حنين الجسد للجسد حنين الصدور المكلومة للشفاه المهضومة فتلاقى النهدان بالنهدين وغرقتا بالعك والدك . كالموجة الهائجة كالعاصفة العنيفة كالثور اقتحم الالعبان خلوتهما وخلع ثيابه وقال وهو يقهقه سنستحم كلنا سوية هذه الليلة وننسى حكاية الخروف الذي سقط في البالوعة اختض جسد جميلة من الرعب وتشبثت بجسد هيام اكثر صرخت هيام بوجهه - اخرج اخرج قال - لا يا روحي لن اخرج ولن اخبر احدا عن ما جرى للخروف اي خروف ؟ خروفك العزيز ابو طربوش ابو طربوش سافر لزيارة امه المريضة كلا يا حبيبتي انه يسبح في الخراء الان ادخل الالعبان جسده بين جسديهما وقال لهيام اهرشي ظهري يا حلوتي هل اخبرتكم ان الالعبان ابي والمراة السمينة امي والحاج ابراهيم جدي هل اخبرتكم ان قصر الرحمي هو قصر القبجات .
#رياض_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشبكة والصياد
-
سلام وحب
-
طفل الله المشؤوم
-
حلم ليلة عيد الميلاد
-
الوصول الى جزيرة هاي
-
ساسون
-
اليوم الأخير والسعيد في حياة عباس أفندي
-
اوكسجين
-
امرأة ورجلان
-
حول غرابة الاشياء من حولنا
-
قطة على الجدار
-
المسافرون الخالدون
-
صميدع
-
بيت الشجعان
-
وداعاً يا راعي البقر
-
الجلوس في مدينة الذكريات
-
ليلة غريبة قصة قصيرة
-
مرآة الغرفة والجليس الصامت
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|