|
ثورة خرجت من بيتها
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 21:56
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تبحث عن الحرية والديمقراطية. هذه المنطقة قد شهدت بالفعل في سالف الزمان ثورة إسلامية عارمة حملت رسالة الإسلام إلى كل الدنيا؛ ثم تدريجياً تعلم أبناء المنطقة الثقافة واللغة العربية، حتى بلغت أوج عزتها ومجدها في ثورة القومية العربية في الخمسينات والستينات بزعامة جمال عبد الناصر. الآن أصبحت القومية العربية قديمة؛ والعقيدة الإسلامية أكثر قدماً. والواقع أن لا ثورة أبداً بعثت أو أحيت قديماً؛ الثورة دائماً تحرق القديم، ومن رماده يولد جديد بكر مختلف تماماً. ولا ثورة ترجع أبداً إلى أحضان الماضي. الثورات دائماً تتقدم إلى الأمام، تتجه نحو المستقبل سيراً على رماد ورفات الماضي والحاضر. لا ثورة نظرت أبداً ورائها. الثورة هدم، ثم بناء من وفوق الأنقاض. الثورة الإسلامية قد هدمت العقائد الوثنية القبلية القائمة قبلها، ومن وفوق أنقاضها شيدت الصرح الإسلامي العالي والشامخ حتى اليوم. كذلك القومية العربية قد شيدت ثورتها على أنقاض الاستعمار. من دون المعتقدات والعبادات الوثنية القبلية ما كان الإسلام السماوي العالمي؛ ومن دون الاستعمار الأجنبي، ما كانت ثورة القومية العربية.
أيضاً من دون القهر والاستبداد، ما كانت ثورة الحرية والديمقراطية حالياً. الثورة التي تحترق بها المنطقة العربية الآن هي في حقيقة الأمر موجة ثورية ثالثة، بعد الإسلامية والقومية العربية من قبل. الآن جاء الدور أخيراً على المنطقة العربية في الحرية والديمقراطية. هذه المنطقة تعيش القهر والاستبداد منذ آلاف السنين ولم تعرف الحرية ولا الديمقراطية يوماً في حياتها؛ لما سادها الإسلام اعتنقته، لكنه مثل كل المعتقدات قبله لم يريحها من القهر ولم يخلصها من الاستبداد؛ ولما غشيتها القومية العربية هللت وكبرت، وصالت وجالت وجلجلت، لكن هي أيضاً لم تهب العرب حرية ولم تعلمهم ديمقراطية. بل هب الربيع العربي عاصفاً.
رماد الثورة هو ذاته الذي يحدد بما لا يدع مجالاً للجدل أو الشك هوية ووجهة الثورة. ذرات رماد ثورة الربيع العربي حتى الآن هي نفسها رموز القهر والاستبداد: زين العابدين بن علي، حسني مبارك، معمر القذافي، علي عبد الله صالح، بشار الأسد...والبقية ستأتي حتماً. من وفوق هذه الأنقاض المستبدة سوف تبني الثورة مستقبلها في الاتجاه العكسي والضدي، تماماً مثلما فعلت الثورة الإسلامية مع ماضيها الوثني والقومية العربية مع ماضيها الاستعماري. أمام أعين وعدسات الكافة، هذه الثورة تسقط وتحرق وتنسف وتدمر الطغيان والاستبداد، بالسلم إذا ارتضى وبالعنف إذا عصى. الثورة بطبيعتها إلى الوجهة الضد من المهدوم، أو ما كانت ثورة. عندما تسقط الاستبداد أنقاضاً تحت الأقدام، لابد أن تبني الثورة من وفوق أنقاضه حرية وديمقراطية حالما تفرغ من عملية الهدم وتلتقط الأنفاس قليلاً.
مخطئ وواهم أي من يظن أن المنطقة في مخاض ثورة إسلامية جديدة. مستحيل. لأن رماد هذه الثورة حتى الآن كما هو مرئي ومشهود للكافة من رموز القهر والاستبداد، ليس به أي شيء ديني أو يمت للإسلام أو غيره بصلة. علاوة على ذلك، يستحيل نظرياً وعملياً أن تنشب ثورة دينية إسلامية في منطقة إسلامية من الأصل، لأن الثورة من اسمها هي مرادف للهدم وإعادة البناء فوق الأنقاض من جديد؛ وهذا، وفق هذا المنطق، يعني حتماً هدم الدين الإسلامي ذاته وبناء شيء آخر جديد في مكانه، تماماً كما فعل الإسلام ذاته في الأديان التي كانت قبله. لا يمكن أبداً أن تكون هذه ثورة إسلامية، ببساطة شديدة لأن هذا معناه أن هي مشتعلة في الإسلام ذاته، وسوف تهلكه وتبني فوق أنقاضه. لكن في الواقع، هذه الثورة مشتعلة بالفعل في القهر والاستبداد وليس في الإسلام أو أي دين آخر. حتى لو اتهم الأصوليون والسلفيون المسلمين المعتدلين بكل أنواع البدع والضلالات والانحرافات والمفاسد والمحرمات والموبقات، لا يزال يستحيل أن يشعلوا ثورة تصحيحية في الإسلام من دون أن تحرق وتضيع الإسلام ذاته. الإسلاميون لا يدعون ولا يشاركون أبداً في ثورات؛ دائماً أقصى ابتغائهم لا يتعدى الإصلاح، البعث، التجديد، الصحوة، النهضة...الخ، وجميعها تنطلق من أرضية ميتة قديمة وتنشد إحيائها والإبقاء عليها. لكن الثورة تأكل القديم، مثلما تأكل النار الهشيم.
ثورة الربيع العربي الآن تطهر بالتدريج المنطقة العربية من آثام القهر والاستبداد المتراكمة والمتفاقمة على مر التاريخ. والإسلاميون في سدة الحكم الآن ليسوا سوى قشرة ثانية ألين وأهش في طبقات القهر والاستبداد؛ سوف يستأصلها الربيع العربي الواحدة تلو الأخرى في مساره المحتوم إلى الحرية والديمقراطية. مثل الإسلام والقومية العربية من قبل، هذه الموجة الثورية الثالثة سوف تستغرق زمناً، ولن تسلم منها أي بلد في المنطقة العربية كلها. هي نار وقودها الطغاة والقاهرون والمستبدون من كافة الألوان والأحجام؛ لا تفرق بين علماني وإسلامي.
الشباب والشابات العرب جميعاً، أعدوا أنفسكم وبلدانكم. ثورة الحرية خرجت من بيتها، ولن تعود إلا بكم جميعاً فوق ظهرها.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول المشكلة الإسلامية (3)
-
حول المشكلة الإسلامية (2)
-
حول المشكلة الإسلامية (1)
-
احترام الأديان من احترام الإنسان
-
الله في أبهى ثوب
-
أنا موجود إذاً الله موجود
-
أنا موجود، الله موجود؟
-
والله لا يتكلم
-
المعنى بين النص والواقع
-
لغة البهائم والبشر
-
لأن الله معهم
-
الشعب والنخبة والحاكم بين الديكتاتورية والديمقراطية
-
الإخوان لا يهزمون أبداً بالوسائل الديمقراطية
-
الدستور أو الشريعة
-
حتى لو خلعت ملابسها في ميدان عام
-
اصرفوا رئيس اليمين الباطل
-
رئيس في الهواء
-
عندما يعتلي الإله سدة الحكم
-
كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر
-
في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|