وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 13:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اهداء...
الى الزميلة الكاتبة منى حسين
مع عميق امتناني ...
( سجاح ) في اللغة تعني ( المستقيمة ) . تؤرخ كتب الاخبار ظهورها بعد وفاة النبي محمد بن عبدالله . وهي من بني تغلب .وقد ذكر المسعودي انها كانت قبل نبوتها متكهنة تزعم ان سبيلها سطيح وابن سلمة والمامون الحارثي ,وعمرو بن لحي ( مروج الذهب 2 – 311 ) .وعن الواقدي انها ادعت النبوة , فتبعها رجال من قومها مثل غيلان بن خرشة , والحارث بن الاهتم , وجماعة من بني تميم (الردة : 170 ) , وفي ( المفصل ) للباحث الدكتور جواد علي نقلا عن ( الاصابة ) ان عطارد بن حاجب بن زرارة كان احد اتباعها ( 8 – 641 ) وانه قال فيها :
امست نبيتنا انثى نطيف بها – واصبحت انبياء الله ذكرانا
ويبدو انها كانت ذات شخصية قوية لها حضور وتاثير كبيران .فقد تبعها افراد من نصارى تغلب . قال ابن الاثير :انه مما كان معها ( الهذيل بن عمران ) في بني تغلب وكان نصرانيا ,فترك دينه وتبعها . وكان معها ايضا ( عقة بن هلال ) في النمر , و (زياد بن فلان ) في اياد , و ( السليل بن قيس ) في شيبان (الكامل في التاريخ :ذكر احداث سنة 11 ) . كما يضيف الاب انستاس الكرملي (الزبرقان بن بدر ) الى اصحابها قائلا :
(والظاهر ان هؤلاء كانوا كلهم في الاصل نصارى ) ( اديان العرب وخرافاتهم 75 ). وكانت النصرانية واسعة الانتشار في قبائل ربيعة وتميم (تاريخ الادب العربي :1 – 124 ). هذه السمة كما يؤكدها الباحث جمال علي الحلاق في كتابه ( مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم ) تجعل سجاحا ذات حضور كبير لانها ادعت النبوة بين اهل الكتاب من النصارى , وان اتباعهم لها لاكبر دليل على قوة شخصيتها , وقدرتها على التاثير , رغم انها في حربها مع الرباب , ورغبتها في الهجوم على اليمامة , ومن ثم رغبتها في الهجوم على يثرب حيث المسلمين انما كانت تنهج منهج ( الفرض ) . ولايعتقد الباحث الحلاق ان هذا المنهج قد نما ضمن منظومتها المعرفية الا بعد ان دخل تحت لوائها اغلب بني تميم وتغلب وربيعة .
كما هو الحال مع نصوص مسلمة الحنفي , كذلك الحال مع ماتبقى من اسجاع سجاح , فقد ضاعت التعاليم وبقيت اسجاعا تدعو الى حرب الرباب تارة , والى حرب اليمامة في اخرى , ومع هذا لم يرد في اخبارها انها عارضت القران كما اتهم مسلمة الحنفي مثلا . جاء في قوم خاطبت به قومها بني تميم جاء فيه :
( اسمعوا وعوا واستوعوا ما انزل علي , فان فيه شفاء لما في صدوركم ) ( محاسن النساء -98 ) فهي تقر بالوحي .
( ان رب السماء والتراب يامركم ان توجهوا الركاب ,وتستعدوا للنهاب , ثم تغيروا على الرباب , فليس دونهم حجاب ) ( الاوائل 290 ) .
( عليكم باليمامة ,فانها دار اقامة , نلقى ابا ثمامة , فان كان نبيا ففي النبي علامة , وان كان كذوبا فله ولقومه الندامة , ولا يلحقكم بعد ملامة ) ( الاوائل 290 – 291 ) .
ان الاخبار التي تشير ضمنا الى ان سجاح لم تكن نصرانية ( كما يؤكد ذلك الباحث الحلاق ) , لانها تزوجت رجلا متزوجا , وهي بذلك تؤيد زواج الرجل باكثر من امراة في نفس الوقت ,اي انها كانت مع مفهوم تعدد الزوجات .الا ان كاتب المقال له راي اخر مخالف .فالثقافة الشائعة لدى اغلب نصارى شبه الجزيرة العربية هي تعدد النساء في الزواج . وفي حالة موت الاب يقوم الابن الاكبر برمي عبائته على زوجة ابيه ,وهي دليل على انتقال ملكية زوجة الاب الى الابن الاكبر ,فيحق له اهدائها لمن يشاء او بيعها او الزواج منها .
ويبدو ان (سجاح ) كانت في اليمامة مع مسلمة الحنفي لحظة حربه مع المسلمين , وانها تمكنت من الهرب عندما دخل المسلمون اليمامة ( التاريخ لليعقوبي 2- 89 ). وفي خبر معمى انها تزوجت بعد مقتل مسلمة من رجل اخر من قومها فولدت له ثلاثة (الاوائل : 2 – 292) . لم يفصح عن اسم زوجها بعد مسلمة .ففقدنا بالتالي تاريخ ابنائها ايضا .
مؤذن سجاح :
ذكر المؤرخون ان سجاح كان لها مؤذن , واختلفت الروايات في من هو مؤذنها .فنجد ان الواقدي اكتفى بالقول : وكان لسجاح مؤذن يؤذن لها ويقول : ( اشهد ان سجاح نبية الله ) ( كتاب الردة – 170 ) ,بينما نجد ابن دريد يذكر :ان المؤذن هو (شبث بن ربعي ) , وقد عظم قدره في الكوفة . وفي (الجمهرة ) ان شبث بن ربعي كان مع سجاح , ثم اسلم وحسن اسلامه , ثم سار مع الخوارج , ثم رجع عنهم تائبا بعد ان ارادت الخوارج تقديمه , وعمر الى مابعد ايام المختار . بينما يضيف لها ابن حزم الاندلسي مؤذنا اخر اضافة للربعي هو ( الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط بن رياح بن يربوع ) ( جمهرة 227 ) . ويورد ابن قتيبة مؤذنا اخر هو ( زهير بن عمرو بن من بني سليط بن يربوع ) , بينما يورداليعقوبي ان الاشعث بن قيس كان مؤذنها . ان كثرة واختلاف اسماء المؤذنين دليل على انتشار تاثير ( سجاح ) بين العرب .
وعيها السياسي :
لقد كانت ذات حس سياسي , يكشف عن ذلك استمالتها مالك بن نويرة الذي كان على بني حنظلة , وكذلك استمالتها (وكيع بن مالك )وكان على بني يربوع , بعد ان ذكرت لهما ( وكانا من بني تميم ) قائلة :
( انما انا امراة من بني يربوع , وان كان ملك فالملك ملككم ) ( تاريخ الرسل والملوك , احداث سنة 11 ) . ثم تحالفت مع مسلمة الحنفي وتزوجت منه , فالقضية لم تكن ضربا من الكهانة , بل كان هناك تخطيط مسبق للتحرك على الصعيد الاجتماعي . وكان لزواجها من مسلمة الحنفي بعدا سياسيا , فهو تحالف ثنائي ضد انتشار بقية النبؤات الموجودة في شبه الجزيرة العربية . يمكن تلمس ذلك من نص مسلمة الحنفي :
( ان بني تميم قوم طهر لقاح , لامكروه عليهم ولا اتاوة , نجاورهم ماحيينا باحسان , نمنعهم من كل انسان , فاذا متنا فامرهم الى الرحمن ) . ( تاريخ الرسل والملوك :احداث سنة 11 ) . وعبارة ( نمنعهم ) تقر الدفاع ولاتقر الهجوم , وهو ماتم فعلا . فقد تراجعت سجاح عن مشروعها في غزو يثرب .
ورد في خبر ان مسلمة الحنفي صالح سجاح على غلات اليمامة , سنة تاخذ النصف وتترك عنده من ياخذ النصف ,فاخذت النصف وانصرفت الى الجزيرة , وخلفت الهذيل وعقة وزيادا لاخذ النصف الباقي (الكامل في التاريخ : ذكر احداث سنة 11 ) . وهذا النصر الاقتصادي هو الذي كرس مقامها عند بني تميم حتى قال عطارد بن حاجب بن زرارة :
امست نبيتنا انثى نطيف بها – واصبحت انبياء الله ذكرانا
وفاتها :
ورد في خبر انها بقيت عند مسلمة الى ان قتل ,فهربت واختفت , ثم اسلمت فتزوجها رجل من قومها وماتت بالبصرة (الاوائل 292 ) . وقيل انها لم قتل مسلمة الحنفي سارت الى اخوالها تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها ذكر (, الكامل في التاريخ : احداث سنة 11 ) . وعن ابي الفداء ان سجاح بقيت عند اخوالها من تغلب حتى نفاهم معاوية عام بويع فيه , فاسلمت سجاح وحسن اسلامها وانتقلت الى البصرة وماتت بها ( المختصر من اخبار البشر : 1 – 157 ) .
ويضيف ابن كثير قائلا ان سجاح بقيت في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة , وجاءت معهم وحسن اسلامهم واسلامها .وانتقلت الى البصرة وماتت بها عام 55 هجرية . فصلى عليها ( سمرة بن جندب ) وكان واليا على البصرة لمعاوية قبل عبيدالله بن زياد .
يبقى اختفاء سجاح طيلة اكثر من ثلاثين سنة لغزا مبهما ,( فهي اختفت ولم تسلم ), على نقيض طلحة بن خويلد الذي فر الى الشام ايام ابي بكر , وعاد في زمن عمر بن الخطاب .اما القول باسلام سجاح فقد جاء متاخرا . والتركيز على عبارة ( وحسن اسلامها ) كما لو ان المراد يكمن في قطع صلتها بالخوارج من رهطها , فبعد سنوات قليلة على وفاتها في البصرة ( وفق رواية ابن كثير ) نجد ان عبيد الله بن زياد ياخذ (البلجاء ) وهي امراة من بني حرام بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم , من رهط سجاح ,باعتبارها واحدة من المجتهدات من الخوارج فيقطع يديها , ورجليها ويرمي بها في السوق ( اخبار الخوارج : 59 – 60 ) .
الخاتمة :
هذا المقال الماخوذ من كتاب ( مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم ) للباحث العراقي جمال علي الحلاق ومقالته في المبحث العاشر من الكتاب والمعنونة :
(سجاح نبية بني تميم – ملحق ببحث مسلمة الحنفي ) هي محاولة لابراز دور المراة العربية القيادي والمؤثر عبر التاريخ , وهي محاولة لرد الاعتبار الى سجاح, وقدراتها السياسية والثقافية والفكرية الكبيرة حيث جمعت القبائل حولها بغض النظر عن صحة ادعائها بالنبوة .
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟