|
القدم اليتيمة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 10:20
المحور:
كتابات ساخرة
" القدَم اليتيمة "؛ إنه شاب من مدينة القامشلي؛ قصير القامة نوعاً ولون بشرته حنطيّ؛ أما عن لون شعر رأسه، فمؤكّد أنه لم يكن آنذاك مكتسٍ بالمشيب كما هو عليه الآن. لقد استقلّ الحافلة من مدينته إلى الشام، ذات يوم من أيام منتصف التسعينات، وقد عقدَ الأملَ على التوجّه لاحقاً إلى البقاع. كان يتأججُ بالحماس، مثل كثيرين من شبان منطقته، للانضمام إلى صفوف مقاتلي حزب العمال الكردستانيّ: " يقولون أن الزعيم " آبو "، بشحمه ولحمه، يقود ثمّة اولئك الثوار في معسكر البقاع "، فكّر حالماً وهوَ في سيارة الأجرة التي أقلّته إلى تلك الأنحاء. " أيها الرفيق القائد، أمِرْتُ بابلاغكم عن وصول فتىً من كرد سورية "، خاطبَ أحدهم " آبو " باحترام وتهيّب ثمّ أضاف بنبرة احتفاء " إنه يرغب بالتطوّع في صفوف الكَريلا، وبالرغم من العَرَج الواضح في احدى قدَميه ". عندما أنهى المقاتلُ بلاغه، كان يُشير بيده إلى الخارج خِللَ نافذة حجرة الزعيم. هذا الأخير، أرسلَ بصرَهُ نحوَ تلك الجهة ثمّ ما عتمَ أن هز رأسه في حركة غامضة، يُجيدها ولا مَراء. عندما قلنا " بصره "، فإن علينا واجبَ التنويه بكونه حسيراً قليلاً بسبب الحَوَل. " ضمّوه إلى الكادر الحزبيّ، حالاً. وفي مؤتمر الحزب، القادم، عليكم انتخابه عضواً في اللجنة المركزية "، قالها القائد بصيغة الأمر إثر فترة من التأمل، قصيرة. " القدم اليتيمة " لم يتسنّ له التبرّكَ بلقاء الزعيم في المعسكر، ولا حتى في مؤتمر الحزب الذي " انتخبه " للجنة المركزية باجماع أصوات مندوبيه. خمسة أعوام، على الأثر، وحصلت معجزة اللقاء المنتظرة، المنشودة. إذاك، كان " آبو " قد شغل العالمَ بقصّة لجوئه إلى روما، بعدما طردَ من لبنان بأمر من الوصيّ، الرئيس السوريّ حافظ الأسد؛ الذي سبق أن آواه هناك ودعم مقاتليه وسلّحهم. جاء إذن " القدم اليتيمة " إلى العاصمة الايطاليّة برفقة كادر تلفزيونيّ من فضائيّة الحزب، التي يعمل فيها كمراسل. يتعيّن القول، أن " آبو " كان مدمناً على الاتصال المرئيّ مع فضائيّته هذه، حدّ الانهماك في مناقشة مذيعيها وضيوفها لنحو سبع ساعات كلّ مساء. فيما أنّ زعيماً آخر ستالينياً، هو فيديل كاسترو، دخل التاريخَ لأنه وقف خطيباً في الأمم المتحدة لمدة سبع ساعات متواصلة؛ وعلى الرغم من أنه فعل ذلك مرة واحدة، لا كلّ ليلة. " أنتم المثقفون الكرد بلا ناموس.. "، قال الزعيمُ مخاطباً من يعنيهم الأمر في الاستديو وعلى الهواء مباشرةً. ثم تابعَ بنفس الحدّة " لقد حضرَ للتضامن معي وفودُ الشغيلة والنساء والشباب وحتى الطلائع، فيما تخلفتم أنتم كعادة المثقفين البرجوازيين الصغار، الانتهازيين والتحريفيين ". ارتعش مراسلنا الشاب، مع أنه لم يكن بالتأكيد من جملة أولئك المعنيين، المتخلفين عن الحجّ الى مقام الزعيم، المقدّس: " إنه غاضبٌ جداً، لسوء الحظ. ومن الممكن أن يتجه إليّ، على حين فجأة، لتوبيخي على أمر ما وصله عني في تقرير من الأعلى "، فكّرَ صاحبنا بشيء من القلق والرهبة. تليفون الموبايل، الخاص بالزعيم، رن في اللحظة نفسها. وها هوَ يبادر للردّ، ثمّ لا تلبث أساريره أن تنفرج رويداً. بعدما انهى المكالمة، التفت إلى ناحية " القدم اليتيمة " لكي يُحييه بانشراح وكأنما افتقده منذ فترة طويلة. " أتدرون من كان يتحدث معي، قبل قليل..؟ "، خاطبَ القائدُ الحضورَ في ختام اللقاء، ثم استطرد " إنه الكاتب المعروف، معمو سكسي، المقيم في ستوكهولم. ما أن استمع إلى توبيخي للمثقفين حتى هرع لمكالمتي، مع أننا على خصام سياسيّ مرير منذ أكثر من عشرين عاماً ". ثم مضت خمس سنين أخرى، وجاء دورُ كاتب هذه السيرة كي يحتفي بلقاء تلميذ الزعيم، النجيب. آنذاك، كنا في باريس عاصمة النور والحرية، نحضر مؤتمراً للمعارضة السورية على خلفية انتفاضة ربيع 2004، الكردية. هيثم المناع، ما غيره، تكفل بتنظيم اللقاء. لقد كانت حميمة لفتاته إلى جماعة " آبو "، بالمقارنة مع تشدّده على الأحزاب الكردية السورية الأخرى. فإن هؤلاء الأخيرين، وعلى عكس مواطنيهم الآبوجيين، كانوا مندفعين بحماس لمناقشة كل ورقة تطرح في المؤتمر تخص قضية شعبهم فيعترضون هنا ويتحفظون هناك. وعلى الرغم من كوني مستقلاً، إلا أنني كنت بدَوري أصولُ وأجولُ في النقاش حتى ان احدى مداخلاتي كادت أن تجعل ممثلي الأخوان المسلمين يغادرون القاعة غضباً وسخطاً. " القدم اليتيمة "، كان ثمّة مع طاقم تلفزيونه العتيد يراقبُ ما يجري في القاعة ودونما اي اكتراث. بيْدَ أنه خارجاً، في فترة الاستراحة أو الغداء، كان في المقابل يبدو منهمكاً في اجراء لقاءات مع المندوبين. حينما مررتُ بمجلسه عند انتهاء احدى الاستراحات، إذا به يُخاطبني على غرّة وبدون مقدمات: " ما هوَ رأيك بفلان، الشاعر الكرديّ المقيم لديكم في السويد؛ لأنني سمعت أنه صديقك؟ ". نبرته المسمومة، المبيّتة، أجازت لي التفكيرَ أنني أمام شخص قرويّ يعشق النميمة. كان يقصدُ شويعراً، يستهلك نفسه في الثرثرة والدسيسة، لطالما أدعى أنه يقدّم خدماته للآبوجيين كرمى عين " سليمو "؛ وهوَ لقب الدلع لصاحبنا الشاعر السوريّ سليم بركات، المقيم أيضاً في ستوكهولم. في نهاية ذلك العام، تلقيت اتصالاً هاتفياً من " القدم اليتيمة " بمناسبة عزاء المرحوم والدي. لهجته المداهنة، المتذللة، أوحت إليّ هذه المرّة بأن الأمرَ يتعلق بما كان يُعرف بـ " قضية قشمروك "؛ أي الكتابات الساخرة، المنشورة على أحد المواقع الكردية، والتي كانت تشهّر غالباً بإعلاميي ب ك ك. فبما أن كاتبها اختار اسماً مستعاراً، فإن الشكوك كانت تحوم حول عدّة أسماء وفي مقدمتها اسمي، المتواضع. قلنا أن العاصفة مرّت، ثمّ جاءت اسهاماتي في موقع " ايلاف " كي تكون على ما يبدو حافزاً جديداً لاتصال سدنة الفضائية بي: " لقد استضفنا في البرنامج السياسيّ، الناطق بالعربيّة، جميع من يكتبون في ايلاف "، قال لي مسئول إعلاميّ وهوَ يدعوني للحضور إلى بروكسيل. ولكنني رفضت الدعوة، على أيّ حال. تركي الكتابة في " ايلاف "، لم يمنع صاحبنا " القدم اليتيمة " من أن يرسل إليّ يوماً ايميلاً: " ثمة شخص ينتحل اسمك ويعلّق دوماً على مقالاتي بطريقة تسيء إليك وللكرد جميعاً، لذلك رأيت من واجبي أن أحذرك منه "، كما جاء في لغوه. ولم يكُ في الأمر شخصٌ منتحلٌ، بل هوَ " تحذيرٌ " لي حقاً بألا أبادر إلى الكتابة رداً على ما كان ينشره " القدم اليتيمة " وأضرابه من مقالات دعائيّة حزبيّة، فجّة. مع نشوب ثورة الحريّة والكرامة، كنت وحيداً في مقارعتي على النت لتشبيح جماعة أوجلان. إلا أنهم آثروا عدم الاصطدام بي عن طريق الأسماء الإعلاميّة المعروفة، مكتفين بتوكيل أحد صبيانهم الصعاليك في ذلك. في الآونة الأخيرة، ومع دخولي عالم الفيسبوك، استمرّ سدنة الإعلام الآبوجي في اتباع التكتيك ذاته، الذكيّ. لقد وصف " آبو "، ذات مرّة، بعض كوادر ومثقفي حزبه بأنهم " حثالة من القرويين المتخلفين ". من جهتي، أعتقدُ أن الرّجلَ كان صادقاً ومصيباً في قوله هذا. [email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَراكش؛ أصباحٌ، هاجراتٌ، بَدْرُ
-
مَراكش؛ أذواقٌ، أصواتٌ، بَصَرُ
-
مَراكش؛ زوايا، أماكنٌ، بؤرُ
-
مَراكش؛ أشجارٌ، عرائشٌ، بشرُ
-
شبّيحة علويّة، شبّيحة كرديّة
-
حكاية شبّيح
-
لأجل من قامت الثورة..؟
-
ماردين؛ مِحَن الأسلاف
-
مازيداغ؛ مسالك الأسلاف
-
حلب؛ حلول الأسلاف
-
الحسكة؛ معسكر الأسلاف
-
قامشلو؛ ممرّ الأسلاف
-
عامودا؛ منفى الأسلاف
-
رأس العين؛ فردوس الأسلاف
-
أبو بكر وعلي و.. جورج
-
حلم الحاكم
-
خالد بكداش؛ طاغية بلا سلطة
-
ثيمة الانتقام في السينما الكلاسيكية
-
مرشح لجائزة شبيّحة بلا حدود
-
سليمو وباسطو وأوجلانوس
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|