|
الواقع اللبناني- السوري: تشابك واشتباك
جمال القرى
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 08:20
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كأن لم يكفِ البرد القارس، والشتاء المدرار، والثلوج الكثيفة لمفاقمة معاناة اللاجئين السوريين والفلسطينيين، واللبنانيين الذين يعيشون ظروفاً حياتية مشابهة، لتأتي التصريحات العنصرية لجهات سياسية لبنانية رسمية ممثلة في السلطة، ومن اتباعها، وأزلامها، ومن أشباههم، وفي توقيتٍ مشبوه، مطالبة اياهم بالإنتحار جوعاً او غرقاً او برداً او مرضاً، او بعودة من يتبّقى منهم حيّاً من حيث أتى، أي ليُستكمل قتله وسحله على أيدي نظامٍ لم يبدأ اجرامه عند تقليع أظافر أطفاله لحظة اتقانهم كتابة كلمة "حرية" على جدران مدارسهم وقراهم، ولم ينتهِ باستخدام أبشع وأعتى أشكال العنف التدميري ضد سوريا أرضاً، وشعباً، وحجراً، وتاريخاً لحظة نُطقها بعبارة "الموت ولا المذلّة" طلباً لحريةٍ ولكرامةٍ مهدورتين منذ عقود. يستدعي هذا الواقع المستجّد والأليم، ضرورة البدء برسم خطوطٍ عامة للعلاقات اللبنانية- السورية، على مستوى المعارضة، او المعارضات الوطنية المتنوعة من خارج السلطات الرسمية في كلا البلدين. وذلك عبر القيام بنقد كل العلاقات السابقة ، أقلّه، بدءً من مرحلة الحرب الاهلية والدخول العسكري السوري الى لبنان، مروراً بمرحلة خروجه منه، وصولاً الى مرحلة الثورة السورية والمآل التي وصلت اليه، بهدف تصحيح هذه العلاقات واعادة تصويبها مفهوماً وممارسة، وتشذيبها ممّا اعتراها من شوائب، ونواقص، واخطاء، وخطايا قاتلة كثيرة، نتيجة الدور السلبي الذي لعبه النظام الأسدي ومخابراته، ناهيك عن دور الدولة- الساحة، دولة الأقليّات الطوائفية اللبنانية المسلّحة دوماً، والمشجعّة، والمستدعية لكل انواع التدخّلات الخارجيّة للاستقواء بها على الأقليّات الأخرى. وما يملي ضرورة هذا النقد الآن، هو وصول عملية التشابك التاريخي بين البلدين على كافة الصعد، الى حدٍّ بات ينذر ب "الاشتباك" الذي بدأ يتسلّل من جديد عبر ممرّاته اللبنانية والسورية على السواء، ومن خلال قضايا ملحّة ومستجدّة. لبنانياً، تشكّل ثلاثٌ منها، قنابل موقوتة. فإذا ما تجاوزنا علاقة النظام الأسدي التاريخية بلبنان، ودوره ومخابراته في خرق ساحته المستمّر، عبر كل المكوّنات السياسية اللبنانية ومن دون استثناء، فإن القضية الاولى، هي قضية تدخّل قوى طائفية سياسية لبنانية، والمستقلة كل واحدة منها بذاتها، وبكيانها، وبقدراتها، وبارتباطاتها الاقليمية عن الدولة الرسمية "النائية بنفسها"، بكل ما أوتيت من قدرات بما يجري على الساحة السورية، اما دعماً للنظام باعتباره جهاداً واجباً ضد المؤامرة الكونية عليه وحفاظاً على مصالح ومكتسبات استراتيجية اقليمية، واما دعماً لمجموعاتٍ جهادية وسلفية مسلحّة، أملاً بتحسّن موقعها الطائفي- السياسي فيما بعد. القضية الثانية، هي قضية اللاجئين السوريين، ومعاناتهم، وطريقة تعامل السلطات الرسمية بكافة أفرقائها معها ( ولو مع بعض التباين)، وتقصيرها في تحمّل مسؤولياتها المادية والمعنوية تجاهها. فاعتبارها، من قِبل البعض قضية "انسانية" محض، أي مستدعية للشفقة، هو محاولة مقصودة للتعمية عن حجم الكارثة، او محاولة لتجاهلها او للهروب من مسؤوليتها، وعدم دراية بما يمكن ان تسببّه على مستوى بيئة وصحة اللاجئين، وعلى مستوى تفشّي الأمراض السارية والمُعدية والتي لن تبقى حتماً اسيرة هذه المخيمات. ناهيك عن انها في واقع الأمر قضية سياسية، كونها تمسّ لاجئين سياسيين هاربين من بلادهم نتيجة الحرب والقتل والبطش، ولها قوانينها وأعرافها الدولية التي تُلزم الدول الموقّعة عليها، بضرورة تنفيذها واحترامها، هذا عدا عمّا يمكن ان تسبّبه من مضاعفاتٍ على المستوى السياسي والعسكري في الساحة اللبنانية. اما القضية الثالثة، فهي عمليات توقيف السلطات الامنية لمعارضين سوريين واحتجازهم، وتسليمهم لسفارة بلادهم، او ترحيلهم الى سوريا، مما يستدعي وسيستدعي ردوداً ومواقف سلبية لاحقة. اما سورياً، فإن ما يُنذر بالاشتباك، هو الواقع العسكري المستجدّ هناك، وبروز مجموعات كبيرة مسلحة غير متجانسة، ومتحاربة، ومتضاربة الأهداف، ومتباينة الارتباطات الاقليمية دعماً وتمويلاً، وغير خاضعة لقيادة مركزية موحّدة، تسعى لإسقاط النظام انطلاقاً من اجنداتها الاقليمية، وهي، بتهميشها قوى المعارضة الوطنية الديموقراطية التي كانت السبّاقة في البدء بالثورة، وفي تقديم التضحيات مع باقي ابناء الشعب السوري- ولا تزال-، استطاعت حرف مسار هذه الثورة عن اهدافها الوطنية النبيلة، ومحوّلةً سوريا وعن وعيٍ، الى ساحة صراعٍ اقليمية دولية، وساعيةٍ لتوسيعها لتشمل لبنان- الساحة الجاهزة أصلاً. فبعض هذه المجموعات الجهادية المسلحة، تختطف وتحتجز افراداً لبنانيين لمجرّد انتمائهم الى مذهب معين، ولم تُفرج عن غالبيتهم حتى الآن، رغم تعدّد الوساطات. اوتختطف صحافيين لمجرد شكوكٍ ساورتهم بشأنهم . اما بعض آخر من مجموعات الجيش الحرّ، فقد بدأ بتوجيه تهديدات باجتياز الحدود لضرب معاقل حزب الله، ومعاقل الجبهة الشعبية- القيادة العامة لمشاركتهما النظام في قمع شعبه. يعيدنا كل هذا وكل هؤلاء، الى اعتبار لبنان ساحة مفتوحة، كما يعيدنا الى العام 1976. وهم بذلك، يبرهنون انهم لا زالوا أسرى ثقافة الحزب الأسدي بمفاهيمه المتصلّبة، وبردود أفعاله العنفيّة، وبتسلّطه التوسّعي، وبعنجهيته، وفوقيته وعنصريته ( كونه نظام تتحكّم فيه أقليّة)، وبإلغاء كل ما عداه، والتي من خلالها مارس سلطته على السوريين كما اللبنانيين والفلسطينيين ( لست هنا في صدد الكلام عن مسؤولية المكوّنات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية في تقبّل هذا الواقع، بل والتمثّل به الى حدّ التماهي،واستدعائه للاستقواء به على الآخرين). يتوضّح اذاً، انه ان قُيّض لهذه المجموعات ولأشباهها وبدعمٍ اقليميٍ، الحكم، فإنها ستستبدل استبداداً باستبدادٍ آخر يشبهه، ان لم يكن أشد بأساً وخطراً منه على سوريا والمحيط، كونه مطعّماً بعقائد دينية تفتح الباب امام صراعات مذهبية واتنية في الداخل، وتصدّرها الى المحيط، وخصوصاً اللبناني منه، نظراً لهشاشته ولتوفّر أسباب الاشتباك فيه، تبعاً لتضارب مصالح التشابك الاقليمي والدولي الرابط بين البلدين، وهي اكثر من ان تُحصى. وهي على ما يبدو صنيعة هذا النظام، الذي جهد طوال فترة حكمه بالحفاظ على قيم التسلّط، من خلال تشجيع العلاقات العشائرية والقبلية والطوائفية، والابقاء عليها لاستخدامها ذريعة له عند الحاجة، كمسوّغً لاستمراريته ولتبرير بطشه كما يحصل الآن، ومغلّفاً كل ذلك، بغطاءٍ مزوّر من العلمانية، بدل الانكباب على بناء الدولة الحديثة. ان الثورة السورية هي فعلٌ عظيم، ولكنها في خطر. اذ ان اسقاط النظام وحده لن يكفي لإحداث التغيير المنشود الذي يدفع الشعب السوري ثمنه باهظاً من حياته وحياة اطفاله وشبابه ومستقبله، ولبناء الدولة المدنية الديموقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات الشرعية وتداول السلطات، دولة لا تحكمها قوانين طوارئ ولا محاكم ميدانية محليّة وعابرة للحدود، دولة تحمي حدودها الجغرافية، وتحترم استقلالية دول المحيط، بل يجب اسقاط كل منظومته الثقافية والسياسية التي فرّخت ما فرّخته من مستولين عليها وناطقين باسمها. وما لم يُجرَ نقدٌ واعادة تقويمٍ لكل مراحلها عبر صوت العقل والعقلاء ( وهم كثرٌ جداً)، وما لم ينخرط كل مثقّفيها في فعلٍ سياسي مباشر، وما لم لم يُستثمر كل عملٍ ميداني واهلي في رؤيةٍ سياسيةٍ وطنيةٍ داخليةٍ هادفة وواضحةٍ ومتكاثفةٍ وغير ذاتية، لاسترداد ما سُلب منها، فإن درب الجلجلة سيكون طويلاً وخطراً على الجميع في الداخل والخارج، وفي كل محيط التشابك والاشتباك، وخصوصاً في لبنان حيث نُعدم التعقّل والتنوّر عند من بيدهم سلطة القرار، ومن يتنعّم به، فلا صوت له يُسمع، ولا دور له يرُتجى في تأثيرٍ او تغييرٍ في المدى المنظور.
#جمال_القرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جورج حاوي: ما احوجنا اليك
-
5 حزيران 2012
-
عن العلمانية والعلمانيين في لبنان
-
مهدي عامل:25 عاماً
-
الغاء حالة الاستثناء العربي بين السوسيولوجيا والمجتمع المدني
-
عن صيغة الديموقراطية التوافقية في النظام اللبناني
-
يمكن للنخب ان ارادت... اعلان بداية ربيعنا
-
قضية ساري حنفي: قضية حريات فكرية، وشرعية حق الاختلاف
-
مفهوم الدولة بين المجتمع المدني والمجتمع الاهلي
-
في 17 شباط ذكرى اغتياله ال25، حسين مروة كرمز ضد الفكر الغيبي
-
قراءة تقويمية ثانية واخيرة لنقاش تشكيل تيار علماني
-
قراءة اولية تقييمية لنقاش تشكيل تيار لبناني علماني وطني
-
قراءة سريعة ومقتضبة في الثورات العربية
-
دعوة لفتح نقاش جدي
-
الفتوحات العربية في روايات المغلوبين
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|