أحمد التاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 22:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يحكى فيما يراودني من وحي واقعنا الفكري الغريب، أن مهندسا معماريا بنى قرية أعجوبة.. بها سكنات مريحة و مرافق مسلية و مساحات خضراء منشرحة على جداول و روافد منسابة، بناء على طلب من حاكمنا العام الذي بدا له تهيئة مكان مناسب من اجل استقبال مهجرين من بدائيي الاسكيمو بعد انجراف بسائطهم بفعل الحرارة الحثيثة على الكوكب..
بعد عشر سنوات، عاد المهندس إلى القرية التي صممها و اشرف على بناءها من اجل رؤية سكانها و مدى ارتياحهم لها، فوجدهم في صخب سياسي مستعر و انقسام بين الأحياء رهيب أدى إلى تناحر دائم بينهم..
قسم منهم عمد إلى اختبار المقاييس و المواد و الوسائل المستعملة في بناء القرية، و راح يحاكي و يجرب ما خبره من اجل ضبط قواعد للعمل قد يحتاجها في إعادة بناء أو ترميم و نحوه..،
فكان مما أفاده من ذلك، امتلاك منهج في التفكير و السلوك مضبوط على الملاحظة و الاختبار و حفظ الموازين و المقادير في كل شيء فسطر مناهج لعلوم جديدة تتعلق بنظام الحياة و التعايش في المجتمع الصغير و سياسته و في حقوق أفراده.
و قسم آخر أقعده العجز و الكسل عن العمل و راعه ما حظي به الآخرون من امتلاك و تحكم في أروقة القرية، فعمد إلى البحث عن صانع تلك القرية، و في أثناء بحثه المهووس التقى بماكرين أصحاب سوابق، أوهموه بأن صانع القرية اسمه كذا و صفاته كذا و أعطوه قائمة من الأشياء التي يحبها و قائمة أخرى من الأشياء التي لا يحبها و أخبروه بأنه على موعد معهم ليجازي من خالف عن تعليماته...
وجد مهندسنا هذا القسم من أهالي القرية يقضون ليلهم متهجدين في ذكر اسمه و صفاته، و نهارهم في سب و شتم الآخرين من أبناء قريتهم الذين لا يعرفون اسم المهندس و صفاته.
جلس صاحبنا إليهم في رفق و سألهم لماذا تشتمون إخوانكم و تسخرون منهم؟
قالوا له يا خالق العوالم هؤلاء لا يعرفونك و لا يسمعون بك، و جعلوا لحياتهم نظاما من صميم عقولهم القاصرة بدون أن يتقيدوا بتعليماتك التي تركتها..
قال لهم أية تعليمات؟
قالوا هذه...
نظر إليهم في شفقة و قال لهم:
لا ما تتهجدون به اسمي، و لا الصفات التي تتعبدون بها صفاتي.. و لست ساديا و لا مازوخيا لأحمل هذه الصفات الرهيبة و أطلب ممن سكن إحدى انجازاتي أن يرهن حياته مسبحا بذكري...
ثم مالي و هذه التعليمات؟ تعليماتي الحقيقية تركتها في مناهج و قواعد تصميمي لهذه القرية... و إني أرى بأن إخوانكم سبقوكم إلى فك شفراتها و الاستفادة منها... ثم أنا لم أزد على بناء القرية.. أما هؤلاء الذين تسخرون منهم فخدموكم و حملوا عنكم مشقة البحث و العمل و الإنتاج و هم أولى مني بشكركم.
#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟