|
حَجبُ جوجل ويوتيوب ... مصر للوراء
حسام محمود فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 22:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دعاوى أمام المحاكمِ لحجب موقعي جوجل ويوتيوب بسبب نشر الفيلم المسئ للرسول، شعارُ حقٍ وراءه باطلٌ. مسلسلُ المنعِ، علامةُ هذا الزمنِ، سواءُ لفضائياتٍ، أو أغانٍ، أو أفلامٍ، أو مسلسلاتٍ، أو كتبٍ. المنعُ هو المزايدةُ بعينِها، يتصورونه حلًا ناجعًا واضحاً سريعًا، بدلًا من الردِ بالمنطقِ والحُجةِ، بدلًا من التَعبِ وبذلِ الجَهدِ، بدلًا من الابتكارِ. جوجل ويوتيوب من أهمِ مفاتيحِ الإنترنت، لا يستطيعُ طالبُ معرفةٍ أو علمٍ الاستغناءَ عنهما، ومن يرفعون الدعاوى تلك يعلمون، لا يريدون نوافذَ، يبغونها زنازينًا، للعقولِ والألسنةِ. الإنترنت يكشفُ ويظهرُ، يفضحُ أيضًا، يطالبون بمنعِه ولكنه لهم حلالٌ، به ينشرون السبابَ على المواقعِ الإلكترونيةِ كلِها، ويُسفهون ويُهدِدون ويُحَللون ويُحَرِمون، حسبما يرون ويريدون، وحدُهم فقط. منذ فترةٍ قصيرةٍ، مظاهراتٌ دبَروها لمنعِ المواقعِ المسماةِ إباحيةٍ وقرارٌ سريعٌ من النائب العام بذلك. لماذا؟ تحقيقاً للفضيلةِ وحمايةً للشبابِ، هكذا قالوا، أمرُ لا يجوز أن يمر مرور الكرام. أولاً، لن تُقبل المزايداتُ على أخلاقياتِ بشريةٍ في صورتِها السويةِ، ومن المؤكدِ أنه يستحيل أن يرضى مواطنٌ بسوء السلوكِ من تحرشٍ وبلطجةٍ وقطعٍ للطريقِ العامِ، مروراً بالدخولِ على المواقعِ الإباحيةِ. أما من الناحيةٍ الفنيةِ، فإنه من الممكنِ منعَ أي موقعٍ على الإنترنت، لكن لفترةٍ محدودةٍ، فمن اليسير جداً أن تُغيرَ المواقعُ الإلكترونيةُ عناوينها وأن يكونَ لها أكثرُ من موقعٍ بديلٍ، وهو ما يجعلُ عبءُ متابعتِها مُكلفاً، إضافةً إلى مهارةِ جيلٍ صنعَ ثورةً من علي الإنترنت في التغلُبِ على كلِ المعوقاتِ وكل محاولاتِ التحاذُقِ عليه.
وإذا كان المنعُ، وهو أسهلَ ما في الحدوتةِ ممكناً لوقتٍ قصيرٍ، فإن مبدأَ المنعِ في حد ذاتِه هو المصيبةُ، لأنه سيبدأ بالمواقعِ الإباحيةِ سُلماً وطريقاً ملفوفاً للتعدي على المواقعِ السياسيةِ والفكريةِ المخالفةِ، وأيضاًعلى الفنون والأدابِ وغيرها وغيرها. هل قام المصريون بثورةٍ على من افترضوا فيهم الخنوعَ والقصورَ والغباء ليظهرَ غيرُهم تحت عباءةٍ أخرى؟! الإنترنت شارعٌ طويلٌ ممتدٌ بلا نهايةٍ، دكاكينُه على الصفين، فيها الجيدُ والردئ، ولكلِ الاختيارُ، حسب تربيتِه وضميرِه. التربيةُ هي المهمة الأصعب والأولى بالاهتمامِ بدلاً من تسطيحِ الأمورِ واختزالِها في شعاراتٍ تغلُفها المزايدة وضيق الأفقُ.
الإنترنت فيه سمٌ قاتلٌ، لكن ماذا عن المخدرات والسجائر والكولة؟ هل نجحَ المنعُ في القضاءِ على المخدراتِ؟ هل قَلَلَت من التدخين الصورُ المقززةُ على علَبِ السجائرِ؟ أين البحثُ الحقيقي عن مشاكلِ الاقتصادِ والديون والأمنِ والإسكان والطعامِ والصناعةِ والزراعةِ والنقل؟! مصر لن تكون كوريا الشمالية ولا أفغانستان ولا إيران، ولا هي دولةً صحراوية الطباعِ والفكرِ.
ثم ماذا؟ يُطارَدُ الفنانون والمُبدعون في المحاكمِ، وتتناثرُ المقالاتُ الصحفيةُ وعبر الإنترنت عن مشروعات القوانين التي تُعَدُ للمنع والتقييد والتكبيلِ والتكميمِ، على الفنانين والصحفيين والُمعدين والمخرجين وغيرهم وغيرهم!! هل ستظهر قوانين تُمنعُ وتجرمُ الفضائيات وأجهزة الاستقبال والهوائيات؟! وعلى من ستكون ملايين المنع المستحيل في الإنترنت؟ من جيب الشعب أم خصمًا من مُخصصات مشروعات أخرى؟ لقد أتت الأحزابُ المُصنفةُ إسلامية إلى الشارعِ ومجلس الشعب بفضل براعة شباب غَيرَ مصر في 25 يناير ولم يكن تحت يده سوى الانترنت، لقد زادَت اللحى والجلاليب والأرديةُ السوداءُ بفضل هؤلاء الشباب، هل يكون الآن الإنقلاب على الإنترنت؟
هل الأجدى أن تُمنعَ دراسةَ الحاسباتِ أصلاً وكذلك إدخالِ أجهزتِها بالَمرة حتى تعمُ الفضيلةُ،؟! أم في المنع عن دخولِ مواقعٍ إلكترونيةٍ بعينِها كفاية؟! هل تُمنعُ أيضًا دراسة الإعلام والفنون؟! هل فكر المنادون بالمنعِ في كيف يكون دخول الجيل الرابعِ من خدمات الإنترنت إلى مصر؟ لقد عَلَمَ الإنترنت العالم الانفتاح، وغزَت الأقمار الصناعية والاتصالات كل الحُجُب، ألا يفهمون ما يتخطى ما لُقِنوا؟ هل تكون الانترنت والإعلام حلالاً، في بعض الأوقات، لما يُريدون تمرير ما يرغبون؟!
في كل أنظمةِ التشغيلِ الحديثةِ يمكن منعُ المواقعِ المرفوضةِ في المنازلِ، لماذا إذن التهربُ المتعمدُ عن هذا النهجُ؟ هل التظاهرُ عالي الصوت هدفٌ في حد ذاتِه بدلاً من هدوء المنازل؟! هل المبدأ هو المنعُ الفوقي كبدايةٍ لكلِ منعٍ وتكبيلٍ وتكميمٍ وتقييدٍ؟! على كلِ عقلٍ الاختيارُ والتمييزُ بحريةٍ، بلا وصاية ولا مزايدة، لا مكانَ في عالمِ اليومِ لمن يمنعَ ويسمحَ حسب كيفه ومزاجه ومصلحته. العلم وٍالإنترنت والفكر والفن والإعلام على نفس الوجه من العملة، الحريةُ ليس لها إلا وجهٌ وحيدٌ، بلا تأويلٍ أو تلاعبٍٍ.
العالمُ بالإنترنت يعلمُ، لا معرفةَ بدون إنترنت، ولا تواصلَ، حياةٌ جديدةٌ سريعةٌ، في مصر من يرفضونها لحساباتِهم، طظ في مصر، مش كده؟!
مدونتي: ع البحري www.albahary.blogspot.com Twitter: @albahary
#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إخواني ...
-
الأبحاث السيكو سيكو ...
-
فتح مصر
-
إعلام السيكو سيكو
-
هل تتفقُ مصلحةُ الإخوان مع مصلحةِ مصر؟
-
حَجبُ المواقعِ ليسَ من الإنترنت ....
-
المدينة الفخارية ...
-
صُحفُ الإخوانِ ... الوطني سابقًا
-
من وحي انقطاع الكهرباء ...
-
منحُ اللجوءِ السياسي للأقباطِ ... لَطشةٌ مسكوتٌ عنها
-
العشوائيات في السكك الحديدية
-
بذاءةٌ وتلفيقٌ ...
-
مَصلحةُ الإخوانِ تَتَعارضُ مع مَصلحةِ مصر
-
مرسي زارَ الأقصر ...
-
أردوغان ليس إخوانيًا ...
-
الإذاعة في رمضان ... والإعلام أيضًا
-
عندما صَلى الشعراوي ركعتي شكرٍ ...
-
العلمُ محايدٌ ...
-
مش أنا ده هو ...
-
تحية التوك توك ...
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|