سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 21:12
المحور:
الادب والفن
كم هو مزعج حقيقية كيف يستطيع الأمريكان تحويل حقبة من تاريخنا بها بعض الهزائم للجانب الأمريكي إلى انتصارات يعززون به تاريخهم , وكيف استطاعوا عن طريق هذه الصناعة الرهيبة من إنتاج مئات القصص والتي خلدت التاريخ الأمريكي والصغير نسبيا , حتى إن أمريكا والتي تم اكتشافها من قبل كولومبس سنة 1492 ميلادية , ولم تصبح لهم دولة حقيقية إلا بعد الثورة الأمريكية والتي أصبحت مثالا يحتذي به في كل دول العالم هم وديمقراطيتهم والتي بات يسوق لها بالإعلام , على أنها الأسلوب الأمثل للحكم ...
يزعجني هذا الفيلم لأنه سنة 1979 حين قامت الثورة الإسلامية في إيران , عملت على إسقاط أكبر وكر للجاسوسية في الشرق الأوسط , وكانت إيران الصديق المقرب جدا لأمريكا وإسرائيل ...
يزعجني هذا الفيلم لان عملية احتلال السفارة الأمريكية واخذ الرهائن الأمريكان , حرك التظاهرات في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه تأيد لهذا الموقف , وكم هو جميل حين تم رفع العلم الفلسطيني فوق السفارة الإسرائيلية ...
يزعجني إن أمريكا حاولت تحرير الرهائن بعملية عسكرية ضخمة , وكانت الأرصاد الجوية لهم بالمرصاد حيث سقطت الطائرات في الصحراء الإيرانية , وفشلت عملية الإنقاذ , وفشلت اكبر حملة عسكرية تقوم بها أمريكا ... ولم يتم تحرير الرهائن حتى أسقطت إدارة أمريكية وهي إدارة الرئيس كارتر , وتم الاستجابة لمطلب حكومة الثورة ...
حيث إن قوات العمليات الخاصة التابعة للبنتاغون تولت عملية (( الصحراء واحد )) , وهي المهمة المقررة في نيسان / ابريل لإنقاذ الرهائن في السفارة الأمريكية , حيث اعتمد الجهد بشكل كبير جدا على السي إي إيه حيث قال انتوني كوينتون كبير منسقي الحكومة لشئون مكافحة الإرهاب من 1978 إلى 1981 " وفرت الوكالة استخبارات عن المكان المحتمل للرهائن داخل مجمع السفارة , وحلق طياروها بطائرة صغيرة لم يتم اكتشافها إلى الصحراء الإيرانية لاختبار موقع الهبوط من اجل المهمة , وساهم هوارد هارت في وضع المخطط المعقد في شكل هائل لإخراج الرهائن والطيران بهم إلى الحرية ... إلا إن المهمة انتهت إلى كارثة: حيث مات تسعة من رجال الكوماندوس في الصحراء الإيرانية بعد اصطدام إحدى طائرات الهيلكوبتر بطائرة شحن ...
يزعجني هذا الفيلم , لأنه يشعرني بالعجز العربي والإسلامي , حين لم نستطيع إنتاج فيلم واحد يمجد هذه الانتصارات , بينما اتخذ الأمريكان من هرب مجموعة صغيرة من السفارة الأمريكية واحتموا بالسفارة الكندية تمهيدا لتهريبهم خارج البلاد أساس لعمل يمثل انتصاراتهم ...
يزعجني الفيلم , لان الصورة المتحركة والمرئية تبقى خالدة , بينما تمحى الحقائق تدريجيا , فمن سوف يتذكر حجر الرهائن الأمريكان وإسقاط إدارة أمريكية , وفشل اكبر عملية عسكرية لتحرير الرهائن , وتبقى الصورة لانتصار أمريكي ساهم فيه الفيلم ....
في كتاب ارث من رماد للكاتب تيم واينر ...
يقول " قامت السي إي إيه بعملية تجسس كلاسيكية لأخرج ستة موظفين في وزارة الخارجية تمكنوا من إيجاد ملاذ لهم في السفارة الكندية , وكانت العملية من بنات أفكار عضو السي إي إيه توني مانديز المتخصص في التزوير والتنكر , فمانديز وعناصر فريقه هم الأشخاص الذين أتقنوا المهمة المستحيلة والتي سمحت لضباط من البيض بالتنكر على أنهم من الإفريقيين والعرب والأسيويين , انشأ مانديز كتغطية للمهمة في إيران , شركة إنتاج سينمائية هوليودية وهمية أستوديو 6 , واستأجر مكاتب في لوس انجليوس واشترى صفحة إعلان كاملة في فارييتي وفي هوليود ريبوتر تعلن عن فلمه القادم ارغو وهو كتابة عن رواية من الخيال العلمي تتضمن مواقع تصوير في إيران , ويتضمن سيناريو الفيلم والعملية وثائق وأقنعة للأمريكيين الستة , وتدبر دخوله إلى إيران مع السلطات المختصة , متسلحا بمحفظة مستندات وجوازات سفر مزورة وإعلانات وهمية , وطار في رحلة تجارية من بون , ونزل في شيراتون طهران , واخذ تاكسي إلى السفارة الكندية للقاء رفاقه الأمريكيين , أنجز مانديز عملية ارغو بدون إي مشاكل تذكر , ولكزه احد الأمريكيين الذين حررهم على ذراعه وهم يدخلون الرحلة التابعة للخطوط الجوية السويسرية , وقال (( أنت تدبرت كل شي أليس كذلك )) , وكان يشير إلى الاسم المطلي على مقدمة الطائرة ارغو وهي كانتون في سويسرا ...
ويقول سايروس فانس في مذكراته – خيارات صعبة –
علمت فيما بعد إن الموظفين الذين كانوا في مبنى القنصلية استطاعوا الهرب من شارع جانبي , واستطاع خمسة منهم الوصول إلى السفارة الكندية حيث منحوا ملجأ , ولحق بهم فيما بعد ملحقنا الزراعي , وهربوا بعد ذلك بأسابيع بمساعدة شهمة من الكنديين .....
ويقول عن عملية (( الصحراء واحد )) ونهايتها المأساوية " فجأة دق جهاز الهاتف الأحمر , فالتقطه الرئيس وأنصت وشحب بوضوح , كان ديفيد جونز ( رئيس الأركان المشتركة في البنتاغون يبلغ بالأنباء المأساوية بان طائرة هليكوبتر قد اصطدمت بواحدة من طائراتنا من طراز سي 130 محملة بالرجال على الأرض في موقع الهبوط بالصحراء , وقال جونز إن هناك إصابات وان الوضع خطير جدا , وبعد حوالي عشرين دقيقة عاود جونز الاتصال وقال إن عديدا من جنودنا قتلوا في التصادم , وأصابنا الذهول وضربنا الحزن " .....
عندما شغل مارك ليجيك في طهران أول منصب له في وزارة الخارجية الأمريكية، كان يعلم أنه لم يُقدم على اختيار سهل لحياته , ويقول مارك: "طُلب مني أن أتطوع في أكتوبر عام 1978 وكانت الأوضاع في إيران بالفعل سيئة. وكانت ثمة مظاهرات عنيفة في الشوارع، ولم يكن من الواضح تماما أن شاه إيران يمكنه أن ينجو، وبالفعل تنازل عن الحكم في شهر يناير وغادر البلاد".
وكانت السفارة الأمريكية في طهران تشغل 26 فدانا محاطة بأكثر من ميل من الجدران، مع وجود 13 جنديا فقط من البحرية الأمريكية لحمايتها , وقبل وصول مارك بفترة وجيزة، سيطر محتجون معارضون للولايات المتحدة على السفارة، ثم غادروا بعدها بساعات قليلة , وعندما اقتحم المحتجون السفارة مرة أخرى في صباح يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 توقع مارك أن يحدث الشيء نفسه مرة أخرى.
وقال مارك: "كان سبب الاحتجاجات هو أن أمريكا قد اختارت أن توافق على دخول الشاه للرعاية الطبية، وكان مبنى القنصلية، الذي كنت أعمل فيه أنا وكورا، يبعد ما لا يقل عن خمس دقائق من مبنى السفارة الرئيسي، وكان لها بابا خاصا إلى الشارع".
وأضاف: "ولم يكترث الأشخاص الذي اقتحموا المكان لوجودنا في بادئ الأمر، ولم يهتموا بنا كثيرا".
وتابع مارك في حديثه لبي بي سي: "كانت هذه أول مرة على الإطلاق أفكر فيها بعمق بشأن ما يمكن أن يحدث لنحو 50 أمريكيا أو أكثر في المبنى الرئيسي، وكان من الصعب مشاهدة هذه اللقطات".
وقد تمكن ستة من الأمريكيين من التسلل إلى خارج السفارة، ويعرض الفيلم الأشخاص الهاربين من السفارة والذين استطاعوا أن يصلوا إلى مقر إقامة السفير الكندي كين تايلور، وهم مارك وزوجته كورا، وبوب أنديرز، ولي شاتز، وجو ستافورد وزوجته كاثي.
وكان الجزء المحوري في القصة هو خروج هؤلاء الأشخاص من طهران عبر مطار مهرآباد، وذلك بعد أن وضع جهاز المخابرات الأمريكية الخطة التي بموجبها تنكر فيها هؤلاء الأشخاص في صورة مواطنين كنديين يعملون في فيلم خيال علمي ليس له وجود في الواقع.
وتذكر مارك تلك الأحداث مع المجموعة التي كانت ترافقه وقال: "أعتقد أنه كانت هناك مساحة كافية من الإثارة، فمن يمكن أن يكون مجنونا بما يكفي لكي يحضر إلى طهران في وسط الثورة، غير مجموعة من العاملين في مجال صناعة الأفلام؟ ولم تكن لدي مشكلة حينها في أن أتظاهر أنني كنت أعمل في مجال صناعة الأفلام".
والحقيقة هي أن اختلاق مثل هذه القصة لتكون غطاءا للهروب لم يكن قد اُختبر من قبل، وقد ثبت بطريقة أو بأخرى أن هذه الطريقة لا تدل على وجود عملية هروب.
وكان هناك تسلسل في أحد مشاهد الفيلم حينما خرج الأشخاص الستة إلى مكان للكشافة في طهران لإظهار الانطباع أنهم مجموعة من العاملين في مجال صناعة الأفلام، ولكن وفقا لمارك لم يكن هذا المشهد حقيقا وإنما كان محض خيال.
وقال مارك: "لا يمكن أن نكون قد فعلنا ذلك، وكانت قصتنا هي أن السفير الكندي نصحنا بشدة بعدم التجول في أية أماكن بسبب الاضطرابات في الشوارع".
ويعتقد مارك أن قيمة استخدام مثل هذه القصة للتغطية على عملية الهروب هي لإعطاء الثقة للهاربين للخروج من المحنة التي سوف يمرون بها في المطار.
وكان المشهد النهائي في فيلم أرغو مليئا بالتوتر، حيث استطاع الأشخاص الستة الوصول إلى الطائرة بشق الأنفس، حيث كانت المخابرات الأمريكية قدمت لهم وثائق مزورة للسفر، وبالطبع لم تكن لديهم وثائق مطابقة للدخول إلى البلاد.
وتصل الأحداث في الفيلم إلى ذروتها عند قيام أفراد من الحرس الثوري المدججين بالسلاح بقصف مدرج الطيران في محاولة منهم لمنع الطائرة من الإقلاع، ولكن كما يقول مارك: "بالتأكيد، لم يحدث شيء من هذا القبيل".
وأضاف: "صحيح كنا سنواجه مشاكل تتعلق بالأوراق التي كنا نحملها، حيث كانت هذه أكبر نقطة ضعف لدينا".
وتابع" كانت الحقيقة هي أن ضباط المطار لم يدققوا النظر إلينا، وتم التعامل معنا بالطريقة الطبيعية، وأخذنا الرحلة المتجهة إلى زيوريخ، ثم أخذنا إلى مقر إقامة السفير الأمريكي في بيرن".
وكان من المفترض أن يعيش هؤلاء الأشخاص الستة في فلوريدا بأسماء مستعارة حتى يتم الإفراج عن موظفي السفارة الآخرين المحتجزين في طهران، وهو ما حدث في يناير/كانون الثاني عام 1981، ولكن أسقطت هذه الخطة عندما ظهرت تقارير تتحدث عن عملية الهروب في الصحف.
ويقول مارك إن الأمر أصبح مريحا بالنسبة له عندما تمكن من أن يتحدث بصراحة عن هذه الأحداث التي عاشها في إيران.
السينما الأمريكية تخلق من الحبة قبة مثلما يقول المثل , وهم يخلقون من الخيال قصص , فكيف إذا كان واقع , وكلنا نتذكر أفلامهم قوات دلتا (( دلتا فورس )) حول غزو لبنان , وكلنا يعلم ماذا حدث في لبنان حيث انسحب الأمريكان من لبنان بشكل مخزي بعد تفجير السفارة الأمريكية في لبنان , ولكنهم والسينما لديهم جعلوا من قصص تواجدهم في لبنان بطولات , وكذلك خروجهم من الصومال , خرجوا بشكل مخزي , ولكن السينما قامت بتصوير قصص صغيرة على أنها بطولات , وتترك الحدث الأكبر حتى يتم نسيانه بقوة الصورة المرئية , وبفعل غبائنا والذي لا نستطيع إن نجاري هذه الغول العملاق , والذي يسمى السينما الأمريكية ....
لذلك إنا منزعج , ويزعجني هذا الفيلم ارغو جدا ...
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟