|
حول المشكلة الإسلامية (2)
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 18:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الإسلام بداية ونهاية التاريخ يؤمن المسلمون أن القرآن- كلام الله ونواة العقيدة الإسلامية كلها- منزل إلى العالمين من عند رب الكون والعالمين، ومحفوظ في السجل الإلهي منذ الأزل، من قبل حتى أن يخلق الله الكون وما فيه. علاوة على ذلك، يؤمن المسلمون أيضاًَ أن نبيهم- محمد بن عبد الله- هو سيد الخلق أجمعين وخاتم المرسلين. هكذا منذ البدء اجتمع في الإسلام شرطان مؤسسان يكفياه ويغنياه عن كل الأديان والرسالات الأخرى، وعن كل التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً: إله هو وحده لا شريك له خالق الكون ورب الناس أجمعين، ورسول هو سيد الخلق وخاتم المرسلين ومبعوث الله إلى الناس كافة. إذا كان رب المسلمين هو أيضاً خالق الكون ورب الناس أجمعين، إذاً لا حاجة لأن يجهد المسلمون أنفسهم في البحث عن الله وعلمه وأسرار الكون خارج أسوار الإسلام؛ وإذا كان نبي المسلمين هو أيضاً سيد الخلق وخاتم المرسلين، إذاً هو وحده وبذاته كافيهم وغانيهم عن كافة الخلق والأنبياء والمرسلين الآخرين، من أول إلى آخر الزمان. بتعبير آخر، لم ولن تُنزل السماء كلاماً أعلى وأسمى من القرآن، ولم ولن تشهد الأرض حديثاً أصدق وأشرف من الحديث النبوي المحمدي. إذا كانت الرسالة الإسلامية بشقيها الإلهي المنسوب إلى الله والبشري (النبوي) المنسوب إلى محمد بن عبد الله مكتملة هذا الكمال المطلق الأزلي، ما حاجة المسلمين لأي كلام آخر، إلهي أو بشري؟
هذه العقيدة الإسلامية المؤسسة جعلت المسلمين يتصورون ويكتبون زوراً كل التاريخ قبلهم كمجرد تعبيد وتمهيد للطريق إلى النهاية الإسلامية، لا كمراحل تاريخية موضوعية متميزة بذاتها في سجل متصل من التطور والتغير الإنساني الدائم. ظن، ولا يزال يظن، المسلمون أن التاريخ بدأ تقريبياً منذ ميلاد النبي في عام الفيل الذي أنقذ فيه الله الكعبة من الهدم تحت جحافل جيش أبرهة الحبشي الجرار بأفياله الضخمة، لما رماهم الله من السماء بحجارة من سجيل؛ ثم بدأ تدوينه فعلياً اعتباراً من اليوم الأول لهجرة الرسول والصحابة من مكة إلى المدينة- بداية التأريخ الهجري. يكاد لا يرى المسلمون في كل ما سبق وما زامن هذه البداية التاريخية الإسلامية أكثر من بشارة وتوطئة لها، إعداد وتهيئة المسرح الكوني لقدوم أعظم الرسالات وأعظم الرسل كافة، حتى لو أن هذه العملية قد استغرقت آلاف السنين. وبمجيء الرسالة الإسلامية يكون التاريخ قد اكتمل أو، بمعنى آخر، قد انتهى ولا ينتظر مجيء جديد. من هذا المنطلق، أخذ المسلمون ينظرون في كل ما سبق الإسلام وما زامنه ويزامنه حتى اليوم من منظور إسلامي خالص، لخدمة مقاصد إسلامية خالصة، لا دراستها كظواهر منفصلة ومختلفة في حد ذاتها. هكذا، كان ولا يزال الفقيه والفيلسوف والعالم المسلم يدرس المجتمع الجاهلي-أو الروماني أو اليوناني أو الفارسي أو الفرعوني أو البابلي أو الفينيقي...الخ- كما لو كانت مجرد خلفيات وهوامش إيضاحية للصورة الإسلامية الأصلية والوحيدة، الغرض الأساسي منها إبراز ملامح ومحاسن الإسلام، لا دراستها ومعرفتها حيادياً وموضوعياً في حد ذاتها أو الاستفادة منها بشيء. ولا تزال هذه هي نفس نظرة الفرد المسلم إلى المجتمعات والثقافات الأجنبية المعاصرة له حتى اليوم- لإبراز وتأكيد هويته الإسلامية فوق أي شيء آخر.
حتى على الرغم من أن معظم الأفكار والنظريات والعبادات والطقوس والممارسات والعادات والتقاليد الدينية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية الكبرى السائدة في الإسلام منذ بدايته حتى اليوم هي متوارثة ومنقولة حرفياً تقريباً عن أزمنة وأمكنة تاريخية سابقة ومعاصرة كثيرة، لا يزال يصر أغلب المسلمين أن هي امتياز إسلامي حصري. على سبيل المثال، بعض من مفاهيم الإسلام الأساسية مثل الله، الملائكة، جبريل، آدم وحواء، الشياطين، إبليس، الجان، الجنة والنار، الثواب والعقاب، الكعبة، الحج، الصوم، الصلاة، الزكاة، رجم الزاني، قطع يد السارق، شرع الله، تحريم بعض الأطعمة والمشروبات، تحريم الربا...الخ كانت موجودة بنفس مفهومها وشكلها الحالي تقريباً قبل أزمنة طويلة من ظهور الإسلام، وفي أمكنة كثيرة جداً خارج الجزيرة العربية. علاوة على ذلك، يتناسى المسلمون دائماً أن الآباء المؤسسين للإسلام ذاتهم لم يكونوا مسلمين قبل انضمامهم للإسلام. في قول آخر، الآباء المؤسسون للإسلام كانوا كلهم ينتمون جسدياً وفكرياً وثقافياً لعصر ما قبل الإسلام، إلى الجاهلية، ما يقطع بأنهم دخلوا في الإسلام بتصورات ومفاهيم وشخصيات متكونة بالفعل من قبل وأثرت حتماً في المنحنى التطوري اللاحق للإسلام ذاته.
تصور المسلمين أن الإسلام هو بداية ونهاية التاريخ، وتمسكهم بهذا التصور إلى اليوم، جعلهم يكتفون بالإسلام وينعزلون وينغلقون على أنفسهم بداخله؛ أو، بتعبير آخر، شيد المسلمون بأيديهم من الإسلام ذاته سجناً كبيراً لعقولهم كما لأجسادهم. لكن هكذا أيضاً يصنع كل أرباب الأديان الأخرى بأديانهم، ولم يكن المسلمون بدعة من دون سائر الناس. كل الأديان هي بالضرورة أنساق فكرية مغلقة. المشكلة مع الإسلام هي أن النسق الفكري الإسلامي المنغلق لم يكتفي، مثل أغلب الأديان الأخرى، برجال الدين وفقهائه وعلمائه إنما، وهنا الخطر الحقيقي ومكمن المشكلة، امتد تأثيره ليشمل أغلب قطاعات المجتمع الإسلامي غير الدينية الأخرى، مثل السياسة والاقتصاد والأخلاق والثقافة والفلسفة والبحث العلمي...الخ.
___________________________ هذه السلسلة هي بذرة بدائية جداً في مشروع كتاب مزمع في نفس الموضوع في الوقت المناسب. وفي سبيل ذلك، يرحب الكاتب بكافة التعليقات والمساهمات والمقترحات وعروض النشر الجادة من الجميع.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول المشكلة الإسلامية (1)
-
احترام الأديان من احترام الإنسان
-
الله في أبهى ثوب
-
أنا موجود إذاً الله موجود
-
أنا موجود، الله موجود؟
-
والله لا يتكلم
-
المعنى بين النص والواقع
-
لغة البهائم والبشر
-
لأن الله معهم
-
الشعب والنخبة والحاكم بين الديكتاتورية والديمقراطية
-
الإخوان لا يهزمون أبداً بالوسائل الديمقراطية
-
الدستور أو الشريعة
-
حتى لو خلعت ملابسها في ميدان عام
-
اصرفوا رئيس اليمين الباطل
-
رئيس في الهواء
-
عندما يعتلي الإله سدة الحكم
-
كذلك الكلاب تتزوج أفضل من البشر
-
في وحدانية وسماوية الجسد والمرأة
-
سيدنا الشيخ بديع مع سيدنا الولي مرسي
-
في فلسفة الدستور (عبثية المادة الثانية)
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|