وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 12:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
صفة مسلمة في المخيال الاسلامي
هل كان مسلمة الحنفي رويجلا واصيفرا كما وصفته المؤسسة الاسلامية المنتصرة ؟
لقد تم تحويل مسلمة الحنفي حسب الرواية الاسلامية الرسمية من رجل حسن المنظر والجسم الى حشرة , ليس لسبب الا اختلاف الراي , وفي الاعم الاغلب كان السبب مناطقيا ..
ولابد ان هناك اختلافات سياسية واقتصادية ايضا .
ذكر البلاذري ان مسلمة الحنفي كان :
قصيرا
شديد الصفرة
اخنس الانف
افطس (فتوح البلدان -61 )
بينما نجد صفة مسلمة الحنفي عند الواقدي كانت على هذا الشكل :
اشقر
اخنس
ضعيف البدن (الردة 208 – 209 )
ونقلا عن (البداية والنهاية ) في الصفحة ذاتها ,ان مسلمة كان :
اصفر
اخنس ( الردة 208 )
بينما نجد صفته عند الطبري وقد غلفها بالتصغير :
رويجل
اصيفر
اخينس
وقد اسقطوا عليه صفة (الشؤم ), وجعلوه سببا لما حل ببني حنيفة من قتل وسبي , فقد نقل عن مجاعة الحنفي انه قال ( كان مشؤوما على نفسه وعلى بني حنيفة )( الردة : 209 ).
هذه القراءات كما يؤكد الباحث الحلاق ليست الا شعورا داخليا لدى المؤسسة الاسلامية , وكل ذلك ناتج عن اختلاف مناطقي (حسب الباحث ) , تم تحويله لاحقا الى اختلاف في الراي والممارسة . في الوقت الذي مسخت الرواية الاسلامية مسلمة الحنفي خلقيا , لم تتردد في وصف وزيره بالوسامة . فالطبري يقول في وصف ( محكم بن الطفيل )وزير مسلمة , ان خالد بن الوليد خرج بمجاعة الحنفي يرسف معه في الحديد ليدله على مسلمة , فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم بن طفيل , وكان رجلا وسيما فلما راه خالد قال : هذا صاحبكم ؟ قال : لا ,هذا والله خير منه واكرم ,هذا محكم اليمامة ( تاريخ الرسل والملوك :احداث سنة 11 ه ) .
رغم ان الطبري هو الذي اكد (وكان رجلا جسيما وسيما ) ,لكنه اتكا في مدح ابن الطفيل على فم حنفي اخر ,وقد انبات الرواية كيف كان حال مجاعة الحنفي لحظة قوله هذا الكلام ,فهو اسير يرسف في الحديد , وكان مسلمة الحنفي قد قتل وتم الامر لخالدبن الوليد , واذن فهو قول جاء من فم خائف ,ومع هذا فقد وصف وزير مسلمة بالخير والكرم .
وفي رواية وردت على لسان وحشي ( احد الذين ساهموا في قتل مسلمة الحنفي انه قال :خرجت مع الناس فاذا ( رجل قائم ) كانه ( جمل اورق ) , (ثائر الراس ) , فرميته بحربتي فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ,وضربه رجل من الانصار على هامته (السيرة الحلبية 3- 23 ) .
ان التاني في قراءة هذا الخبر يجعلنا امام الصورة الحقيقية لمسلمة الحنفي , فهو :
1 – ( رجل ) , وهذه تنفي صفة التصغير عند الطبري .
2 – ( قائم كانه جمل اورق ) , وهذه تنفي عنه صفة البدن الذي وصفه به الواقدي , ولاتجعله قصيرا كما وصفه البلاذري .
3 – ( كانه جمل اورق ) , تنفي عنه الصفرة او شدتها كما اسس لها البلاذري ,فالاورق هو الاحمر او المائل الى الاحمرار .
4 – ( رجل قائم كانه جمل اورق ,ثائر الراس ) ,الصورة باكملها تؤكد حيوية ونشاط مسلمة الحنفي لحظة القتل .
يعلق ( د . محمود عبدالله ابو الخير )محقق كتاب (الردة ) على كلمة استخدمها الواقدي في (المتن ) كصفة لمسلمة الحنفي , وهي انه كان (اخنس ). ثم وضع هامشا في اسفل الصفحة يقول فيه : ( في الاصل وفي طبعة باريس ( اجهس ) ولا معنى له , ولعلها ( اجهر ) , والاجهر : الحسن المنظر والجسم (الردة :208 ) .
هكذا تحول (الرجل الحسن المنظر والجسم ) الى رويجل اشبه مايكون بحشرة . ان ماورد بخصوص صفة مسلمة الحنفي لم يخرج عن دائرة القصد . وهذا صراع فكري لكنه ناتج عن صراع مناطقي حصرا (والكلام للحلاق ولكن هذا الصراع يتضمن حتما مصالح متضاربة سياسيىة واقتصادية ).
لم يكن هناك ثمة اختلاف جذري يستوجب القتال والابادة , وقد تجلى هذا الصراع المناطقي لاحقا مع الخوارج الذين ينحدرون في الاعم الاغلب من بني حنيفة وبني تميم رهطي مسلمة وسجاح .
تذكر كتب الاخبار ان المسلمين فقدوا قرابة الفين ومئتين رجل , منهم سبعمائة من القراء في حربهم مع بني حنيفة .
وتؤكد كتب الاخبار ان المسلمين هم من ذهبوا بدءا لمحاربة مسلمة الحنفي في اليمامة في ثلاث حروب :
1 – حرب مسلمة الحنفي الاولى مع المسلمين وكانوا وقتها تحت قيادة عكرمة بن ابي جهل ,وعكرمة كان واحدا من الذين دخلوا الاسلام رهبة تحت الفرض بعد فتح مكة .وانتهت بانتصار مسلمة .
2 – كانت حرب مسلمة الثانية مع المسلمين عندماكانوا تحت امرة شرحبيل بن حسنة ,احد كتاب النبي في مكة والمدينة ( كتاب النبي :72 )انتهت بهزيمة المسلمين ايضا ,الامر الذي نفخ روح الثقة في بني حنيفة ( تاريخ العرب العام : 109 ).
3 – اجبر مسلمة في النهاية على خوض حرب دفاعية ثالثة في منطقة (عقرباء ) انتهت بمقتله , وكان المسلمون تحت امرة خالد بن الوليد . احد الذين دخلوا الاسلام بعد ان دخل محمد مكة حاجا في السنة السابعة للهجرة , اي ان اسلامه تم بعد ان اصبحت كفة محمد بن عبدالله اكثر ثقلا وظهورا من قريشيي مكة . وبهذا يكون مسلمة قد حارب قائدين دخلا الاسلام بعد ان اصبح قوة فارضة وليس سلوكا مؤثرا , ولايمكن قراءة تفانيهما في حرب مسلمىة والحروب التي بعدها الا محاولة في تبييض سيرتهما , ومسح التاريخ الدموي العالق في ذاكرة المسلمين الاوائل الذين عانوا الامرين منهما .
شجاعة مسلمة الحنفي
اتسمت الحرب الثالثة لمسلمة مع المسلمين بالكروالفر و وقد طالت ليومين , وثبت مسلمة ودارت رحا بني حنيفة عليه ,فعرف خالد بن الوليد انها لاتنتهي الا بقتل مسلمة . وقال الواقدي يصف تراجع بنو حنيفة ومعهم مسلمة حتى وقف امام قومه , ثم حسر عن راسه , وجعل يقول :
انا رسول وارتضاني الخالق –القابض ذاك الرازق
يا بن الوليد انت عندي فاسق – وكافر بربه منافق
هذا الموقف الصعب في ذروة الهزيمة يكشف عن وجه مسلمة ,ويعلن تطابقه مع تجربته الخاصة .
لانسب ولا انتماء عشائري ,بل اندماج بالذات الالهية ورسالتها , وعدم التنصل منها , كل ذلك جعل اتباعه يحملون معه , حتى قيل ان المسلمين قتلوا من بني حنيفة يومها قرابة العشرة الاف رجل ,بل بلغ العدد قرابة العشرين الف حسب رواية الطبري (تاريخ الرسل والملوك :احداث السنة 11 ) . وكانت الساعات الاخيرة لاتبتعد عن ان تكون مذبحة في بستان تعود لمسلمة ( وهذا يذكر الكاتب بالبستان الذي القي القبض فيه على المسيح )كانت تسمى بحديقة الرحمن , ولكثرة من قتل فيها سميت لاحقا بحديقة الموت (فتوح البلدان 63 ) .
ان وقفة مسلمة الحنفي امام جموع المسلمين بعد ان تراجع بنو تميم , وكذلك اقباله على وحشي قبل ان يرميه بالرمح ,او انه مشى الى ابي دجانة بعد ان طعنه بالرمح تؤكد معا انه كان نشيطا حيويا ذا ارادة وقوة لايمكن ان يتجليا الا عن جسم قوي وقويم ,وهو ماذكره الواقدي حتى قال انه ( اجهس ) وهي تصحيف كلمة ( اجهر )اي حسن المنظر والجسم ,فالرجل اذن لم يكن لحظة موته رويجلا كما تردد المؤسسة الاسلامية ذلك ,وانما كان على النقيض تماما ,رجلا قويا , وقوته تؤكد انه لم يكن قد بلغ من العمر عتيا ,لكنه كان اكبر من محمد , واكثر قدما في الدعوة الى عبادة الرحمن , وانه التصق برسالته الشخصية الى اللحظة الاخيرة .
ان انتصار المسلمين في حربهم مع مسلمة كما يؤكدالباحث الحلاق هو الذي رسخ المؤسسة الاسلامية الى يومنا هذا باعتبارها الممثل الوحيد للحنيفية ,ولو ان الامر كان لمسلمة الحنفي لسار تاريخ العرب والحنيفية في مجرى اخر ,اقل مايوصف به انه اقل عنفا .
لقد تمسك بنو حنيفة بمسلمة حتى بعد مقتله ,رثاه بعضهم :
لهفي عليك ابا ثمامة – لهفي على ركني تهامة
كم اية لك فيهم – كالشمسس تطلع من غمامة
لقد بقي مسلمة على حق عند اغلب بني حنيفة حتى بعد مقتله ( مختصر سيرة الرسول : 27 ) ..فقبل ان يمر جيل على مقتله ظهرت اخطر فرقة في الاسلام اطلق عليها المسلمون اسم ( الخوارج )لخروجهم على الاتجاهين الديني والدنيوي .
وقد كان ابرز قادة فرق الخوارج ومجتهديها من بني حنيفة ,او من بكر بن وائل مثل :
1 – نافع بن الازرق الحنفي صاحب ( الازارقة ) .
2 – نجدة بن عامر الحنفي صاحب (النجدية او النجدات )
3- عمران بن حطان , كان من رؤساء الخوار ج وكان شاعرا .
4 – عطية بن الاسود الحنفي صاحب ( العطوية ) ظهربارض سجستان .
5 – الضحاك بن قيس بن الحصين , بايعه مئة وعشرون الف مقاتل على مذهب الصفرية , منهم عبدالله بن عمر بن عبد العزيز , وسليمان بن هشام بن عبد الملك , حتى قال شاعر الخوارج :
الم تر ان الله اظهر دينه – وصلت قريش خلف بكر بن وائل .
اضافة الى البلجاء احدى اهم مجتهدات الخوارج . يبدو ان التكالب المؤسساتي للاسلام القريشي على ابادة الخوارج كان تعصبا مناطقيا في الدرجة الاساس ,لان الخوارج قالوا بعدم وجوب الامامة استنادا الى ( والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ) ( حجج القران : 57 ), وبعضهم جوز الامامة في غير قريش وقالوا بجواز ان يكون الامام عبدا او حرا ,اونبطيا , او قريشيا (الملل والنحل 1 -131 ) .
لقد بقيت قريش تنظر لمسلمة الحنفي ولقومه كتهديد مستمر لمركزيتها في ادارة المؤسسة الحنيفية في شبه الجزيرة العربية وخارجها .
من تيار الحنيفية في شبه الجزيرة العربية انطلق الانبياء العرب ,لذا كانت الحنيفية هي الخيمة التي يتحركون تحتها , ولهذا نجد تقديم الحنيفية على الاسلام في المتبقي من المحاججات كان سائدا اثناء الصراع الذي تم حسمه في النهاية لصالح المسلمين , فاصبح الاكتفاء بذكر الاسلام دون الحنيفية . يمكن تلمس نمو الحنيفية الى الاسلام من خلال قول امية بن ابي الصلت امام زيد بن عمرو بن نفيل :
كل دين يوم القيامة – عند الله سوى الحنيفية زور
فاذا تتبعنا ذلك في نصوص القران وجدنا ورود ( حنيفا مسلما ) بتقديم الحنيفية باعتبارها اطارااو محيطا ,بينما الاسلام كفرع او غصن منها ,حتى اصبح ( الدين عند الله الاسلام ) .
ويبدو ان الحنيفية كانت اكثر رسوخا من الاسلام في نفوس بعض المسلمين حتى قال احدهم :
( ان تكن ميتتي على فطرة الله حنيفا فانني لاابالي ) ( الردة – 170 ).
وللحديث بقية .
على المودة نلتقيكم ..
المصدر
( مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم )للباحث العراقي جمال علي الحلاق – ط1 2009 –بغداد – دار الجمل – ط1ذ – 2008 دار الجمل – كولونيا المانيا .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟