أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورس كرزم - ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال














المزيد.....

ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال


نورس كرزم
باحث وموسيقي متخصص في علم الدماغ والأعصاب

(Dr. Nawras Kurzom)


الحوار المتمدن-العدد: 3969 - 2013 / 1 / 11 - 04:12
المحور: الادب والفن
    


ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال

نورس كرزم

عندما أتذكر خصلات شعرها، تدبُّ في أوصالي رعشة غريبة. عندما استذكر صوتها الذي هو في الواقع خرير نهرٍ أثيري، أغيب في دهاليز الذاكرة، وأتوه بين شظايا ذاكرة محطمة. ضفائر شعرها الشقراء تجلب إلى مخيّلتي شتى أنواع التصورات الجميلة: فهي ذلك المحيط الفسيح، وأنا سمكة ضائعة في مياهه، اتجنب في كل حين الوقوع في شباك الصياد اللعين.

لكني ومع ذلك، لا أخفي شعوري بدفء مياه هذا المحيط، ولا أتخيّل نفسي يوماً ما وقد وطأت اليابسة، فاليابسة لمن جفت ينابيع أفئدتهم، وعصرت الحياة قلوبهم فكوّرتها إلى تفصيلة هامشية.
لم أنبّش في حقيقة الأمر عن ماضيها، ولا وطنيتها ولا انتمائها، فقد فرضت هالتها الملائكية عليّ نوعاً من الحظر، فكل ما هو منوطٌ بالدماغ أضحى محظوراً بشكل لا شعوري.

وحدث أن أضفتها على الموقع الشهير “الفيسبوك”. والفيسبوك، بلونيه الأزرق والأبيض يجعله -رغماً عني- مُسيّساً، ويمنحني دوماً ذلك الانطباع القريب من مشاهدة العلم الاسرائيلي الذي يحمل نفس الألوان، لذلك أتحسس في باطني ذلك التوجس الوطني كلما ولجتُ عالم الفيسبوك.

ولعله ليس من الفراغ في شيء أن يصطبغ حديثي عن الفيسبوك بهذا اللون السوداوي، فما حدث لي في ذلك اليوم شظّى ما تبقى ما فتات نفسي، وجعلني حائراً حيال الحياة برمّتها.

فبينما كنتُ في يوم رائقٍ أتصفح صفحات الفيسبوك، وقعت عيناي على صورة مجندة اسرائيلية، لم أعرها اهتمامأً في البداية، وقد كان أصحاب الصفحة يكيلون عليها الشتائم واللعنات، فقلتُ في داخلي: لعلها إحدى المجندات المدسوسات، وما أكثرهم في “اسرائيل”. فتناسيتُ الموضوع، كأي أمر عابر يمر علي يومياً.

إلا أنه، ولسبب خفي، لم تتمكن رياح ذاكرتي الهوجاء، من مسح تلك الصورة كلياً من ذهني. فعدتُ إلى الصورة بعد حين، مدفوعاً بإحساس غريب ما فتأ يتنامى في نفسي. كبّرتُ الصورة، توغّلتُ في تفاصيلها…إنها هي!.

ولك عزيزي القارئ أن تتصوّر ما خالجني من انفعال، كيف لا و ثياب التجنيد الاسرائيلي قد اغتصبت جمال من كنتً عاقداً عليها أحلامي!، كيف لا وتلك الضفائر العسجدية التي ململت رقادي أصبحت الآن تنسدلُ على رداءٍ قتل أعز الناس على قلبي: خالي الشهيد!.

بسرعة جنونية فتحتُ حسابها، ودخلتُ على تفاصيل حياتها التي أشاهدها لأول مرة الآن. فقد كنتُ في الماضي مسلماً تسليم الأعمى بتفاصيلها وهي حاضرة، ولم يساورني أبداً شك حيال ماضيها أو انتمائها، فقد كان قلبي هو المكان الوحيد الذي تنتمي إليه.

الديانة: يهودية، الجنسية: اسرائيلية، العمل: في الجيش الاسرائيلي…هذا ما كُتب على صفحتها، وهو أيضاً ما سطّره الزمان على هيئة قروحٍ لا تفارق إحساسي حتى اليوم.

اكتشفتُ حينها كيف ومتى يصير الإنسان فيلسوفاً، وكيف بمقدور المرء أن يغوص في كنه الحياة. يُقال الحب الأعمى، إلا أنه في هذه الحالة ارتدى نظارات، وهي من النوع الذي يجعلك ترى تفاصيلاُ ما بحجم مهول، بينما تتراجع التفاصيل الأخرى خجلاً.

حينها كنتُ أراقب صراعاُ مريراُ: فوحش الوطن يقف بسيفه المسلول أمام وحش الغرام غير المسلح. ولكم أن تتخيلوا نتيجة هذه المعركة المحسومة، والتي لم تدم أكثر من ثوانٍ معدودات.

إلا أن أمراً آخر أشد إلحاحاً بان لي من هذه الواقعة. فالوطن هو الأنثى الأولى التي لا حياد عنها، وإن توهمنا لبرهةٍ بأننا منفصلون عنه، وهذا هو النفاق بعينه.
أمام جدائل الوطن الملائكية، يخبو ألق ضفائرها التي كانت يوماً ما ذهبية. أمام ابتسامة الوطن الدافئة، تضيع ملامح ثغرها. أمام حنوّ نظرات الوطن، يتضائل بريق مقُلتيها.

وبعد هذه التجربة الأليمة، أنظر مع كل إشراقة صباح إلى نبض فؤادي، أراقبه، فاستشعر به شذوذاً غامضاً عن الانتظام الطبيعي. هنالك خدوش ما في خارطة فؤادي، هي غير جليّةٍ تماماً، إلا أنها تبعثُ في الدماغ بين الفينة والأخرى صوراً مشوّهة، تُضفي على يومي إحساساً ما هو خليط ما بين الكآبة وما بين إنجلاء الحقيقة….

فلسطين المحتلة
2012



#نورس_كرزم (هاشتاغ)       Dr._Nawras_Kurzom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورس كرزم - ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال