أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال شاهين - محمود درويش في أرض الكلام















المزيد.....

محمود درويش في أرض الكلام


كمال شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 1145 - 2005 / 3 / 23 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


في ديوانه الجديد : لا تعتذر عما فعلت !
1- الشعر كائن النور
كثير من الوقت سيمضي بعد أن يعبر محمود درويش مساءات اللاذقية ليدخل في ليالي الأمكنة الفلسطينية الجريحة والمجرّحّـة ويعيد بناء رؤية قديمة لمدينة دعاها النبي يوحنا بالمدينة المترمدة،الرؤية المفترضة التي كانت ، سيربطها الشاعر بحرارة نيسان التي زادها انعدام التكييف وانعدام التنظيم والذي هو الآخر أعدمه الجمهور الدافق من كل أجزاء الساحل السوري ،هل لامس الشاعر نيسان اللاذقية فتدفقت لديه رؤى الحب ورؤى كاماسوطرا نبي الحب ؟
نيسان اللاذقي بدا واضحاً في حضور شباب قد يكون في نفس الليلة على موعد مع علي الديك ونانسي عجرم وهيفاء وهبي وغيرهم من رسل الغناء اللحمي المعاصر ، هذه المفارقة بحد ذاتها لم تمنع الشاعر من البقاء على تخوم كتاباته الأخيرة رافضاً بطريقة مهذبة العودة إلى الماضي وإن لامسه ملامسة نيسان للمطر فسحبنا معه من خبز أمه إلى آخر تجلياتها الكونية في عمل شعري ليس بعيداً( ورد أقل ـ صدرت طبعته الأولى 1985 ) مؤكداً استمراره في مشروعه الشعري التساؤلي والذي ما إن تتضح معلمةُ منه حتى تظهر أخرى أشد غموضاً من الأولى وإن كان الواضح أن العمر الهارب من الشاعر يقود خطاه باتجاه رفيق قديم جديد لم يمت بعد هو جلجامش السومري السوري الهارب هو الآخر نحو الأسئلة والتي يتوجها العدم والحنين إلى الاستقرار ولو بعد حين من الدهر .
هل أنصفنا محمود في تحميلنا هواجسه في وقت نحمل نحن هواجساً أكثر انكساراً وأكثر انحداراً باتجاه الهاوية ؟
لم يكن محمود غافلاً عن رؤية مكسورة ظاهرة في الوجوه وفي الحنين فبدأ بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة ، وأن من الممكن أن نحيا واقفين في هذا الزمن الأميركي الذي يحكم على الأشياء والأعمار والقصائد بالإعدام فنحن ربما الوحيدين في العالم الذين نكتب وصايانا بدمنا وعلينا بالتالي أن نثق بالماء نحن سكان أغنية الشاعر ، هذه الثقة تتعزز بالتوالد اليومي للحلم المقدس وللبشارة التي يحملها الوعد الشعري بالخلاص ، السنا نحن الوحيدين في العالم الذين نسينا – بتعبير الشاعر – أن نموت ؟؟
2- لا يعتذر عما فعل !!!
أسّس محمود درويش عبر تاريخه الشعري لقارئ متابع يعرف اختيار تفاصيل قراءاته ، فينتقل من اليومي العادي ، إلى المطلق ، المجرد وهو يعرف أين يضع قدميه ، يختار القصيدة التي تمر في روح قارئه فتخلخل هوائها وتنقل أرضها على بساط الرؤية والإدراك حتى تقول له شهرزاد الكلام أن الصباح طلع عليه وعليه أن يلج الكهف القديم للكلام .
يقسم الشاعر ديوانه الصادر عن دار رياض الريس إلى أقسام ستة تشي بمضامينها عبر عناوينها حيث يحتل القسم الأول ( في شهوة الإيقاع ) أكثر من ثلثي عمله ، في حين أن كل قسم من الأقسام الباقية مؤلف من قصيدة واحدة ، الأمر الذي يدفع للاستنتاج بأن الشاعر يدخل مرحلة جديدة في إبداعه وهو هاجس محمود الأبدي : اكتشاف طرق و خلق بدايات جديدة للكلام ، فيهرب من الوزن الشعري المسطر إلى شهوة الإيقاع الذي يشرق بالشاعر ويأخذه في مسار شعري دائري يبدأ من مركز الأنا إلى محيط الآخر الذي هو الأنا معكوساً في مرآة اليومي والواقعي .
ففي أعماله الأخيرة بدا واضحاً ( هرب ) الشاعر من الشعر الذي يرتبط بالوطن والأشياء بشكل مباشر إلى تجريب لغة جديدة وكلام جديد بسيط في حضوره على القارئ ، ولكنه من جهة ثانية يحتمل التأويل الكثير ويقود القارئ إلى أسئلة القلق والتوتر والدوران ، أي أن الشاعر يحاول مرة أخرى مقاربة تجارب النثر العربية الحديثة بطريقته الخاصة ، مستخدماً لغة يغيب فيها الوزن الشعري المباشر لقصيدة التفعيلة ويظهر واضحاً فيها الإيقاع الدافق من الكلمات ذاتها، في لعبة يتقن الشاعر سوقها باتجاه تحريك الكلمة صوب مواقع رغم أنها تبدو عادية إلا أن تراكبها مع كلمات أخرى يحيلها إلى ثنائية نابضة بالغرابة والجمال معاً ، فليس هناك في الواقع ( قلب للأرض ولا دمع للكلام و لا سكان في الأغاني ) إلا أن هذا الاستغراب يفنى في القصائد متحولاً مع الاستغراق في القراءة إلى رؤيا جمالية متشابكة بين الصوفي واليومي وهنا كما يقول الشاعر ( يكمل الإيقاع دورته / ويشرق بي ) ، وبهذا يتسع الفضاء الشعري عند محمود مرة أخرى ، يتسع بلا حدود صوب أماكن ذاكرتها هي العادي واليومي وأناسها الأصدقاء التائهين في ثنايا القصيدة والوطن الكبير من تونس إلى العراق مروراً بالشام حيث ( هناك أرض/ الحلم عالية ، ولكن السماء تسير عارية / وتسكن بين أهل الشام ... ) ، وإذ يحضر الوطن في قصائده فإنه يتجدد بشكل يستعيض فيه عن ذاكرة المكان المباشر ( ستحمل الأشياء عنك شعورك الوطني ) بذاكرة الأسطورة والحلم (لا تنتظرني / إن أردت زيارتي ، لا تنتظرني !) وهي الذاكرة التي تمتد في عمق الماضي كما تمتد في عمق الحاضر فبلادنا كما يقول ( لا حدود لها ، كفكرتنا عن المجهول ، ضيقة وواسعة ) ونحن ( نصرخ في متاهتها مازلنا نحبك ، حبنا مرض وراثي ) و ( بلادنا في ليلها الدموي / جوهرة تشع على البعيد البعيد / تضيء خارجها / أما نحن داخلها ، / فنزداد اختناقا ) .
مدار الكلام الذي يذهب به الشاعر يبدو أكثر قرباً لليومي العادي منه إلى النخبوي الشعري فترى أنه ـ في اختيار العناوين الأقرب للكلام العادي ( في مثل هذا اليوم ـ لبلادنا ـ طريق الساحل ) أو في مفردات النص ( السندويشات ـ الفيديو ـ المكياج .. الخ ) ـ يتسرب إلى الحديث اليومي ويعشق ويحب ويدافع عن حبه وألمه ووطنه الذي أصبح غياباً كاملاً كما يدافع عن علاقة صوفية بين إنسان وغزال .
يتسرب الإيقاع إلى القراءة عبر التكثيف والاختصار واللمعة التي يتقن محمود صناعتها فيأخذ العادي ليقلبه إلى الشعري النافر في النص حتى لتكاد تلامسه بالأصابع فـ ( كل قصيدة رسم ) ونحت وعلينا أن ( نداوي جرحنا بالملح ، نحيا قرب ذكرانا) وعلينا أن نذهب مع الشاعر في رحلته لاكتشاف أرض الكلام والبحث ( بعد عشرين مجموعة شعرية ) عن تعريف بسيط واضح للشعر بعد أن صار الكلام ذاته مدعاة للسؤال وبعد أن صار الحلم الفلسطيني لأناس ( لا ينظرون ورائهم ليودعوا منفى ، فإن أمامهم منفى ، لقد ألفوا الطريق الدائري ) من أقصى مغرب الحلم حتى سياب العراق الجريح على جيكور ( يصرخ في الخليج سدى ) بتعبير الشاعر ، و لا يتركنا الشاعر بعد أن يقدم تعريفاً لئيماً للشعر فالمفردات ( تسوسني وأسوسها ) إلا ليدخلنا في قلقه ( هل كتبت قصيدة ؟؟ كلا ! / لعل هناك ملحاً زائداً أو ناقصاً في المفردات ) ويتصاعد قلقنا مع إيقاع الشاعر حين يصرخ بألم أن علينا أن لا نكتب التاريخ شعراً ( فالسلاح هو المؤرخ ) ويتساءل الشاعر هل أن عجزنا الحالي عن تحرير فلسطين سببه أنه ( ليس للتاريخ مرآة ووجه سافر ، هو واقع لا واقعي أو خيال لا خيالي ) ؟؟
في عمله الثالث في رحلته الجديدة إلى أرض الكلام يتبدى محمود أكثر قرباً إلى صورة مشتركة للحزن والفرح معاً في إطار واحد ، لكل منهما إيقاعه الخاص الذي يحفر في اللغة ، إلا أنهما يذهبان معاً ليكملا مع الشاعر تساؤلاته عن الشعر والحياة والإيقاع والمسرح والريح والتاريخ والحب ، الحب الذي يقفز به الشاعر كعادته إلى جهات تتألق حتى ولو مرت في أقاصي الحزن ( كنت أودِّع الصيف الأخير كما يودع /شاعر أغنية غزلية : ماذا سأكتب / بعدها لحبيبة أخرى ... إذا أحببت ؟) ويتبدى الحب في مشاهده القليلة في الديوان أكثر ثراء بالعلاقة اليومية الخالصة من كل ارتباط إلا بعالم الحب وعلاقاته الطفولية فليس هناك سوى الحب سيداً للرؤية ( هي في المساء وحيدة ، / وأنا وحيد مثلها ../ بيني وبين شموعها في المطعم الشتوي / طاولتان فارغتان ) ، في حين أن الشعر لا زال ذلك الحدث الغامض أو ( ذاك الحنين الذي لا يفسر ) والذي يتبدى للشاعر أنه حتى في عمره هذا لما يستطع أن يضع لتعريفه حداً فهو العصي على القيد والحصر ، والقصيدة التي هي صورة الشعر والشاعر ( زوجة الغد وابنة الماضي ، تخيم في مكان ما بين الكتابة والكلام ) .
أما الحياة ، فإن اقتراب الشاعر منها يبدو أكثر حذراً ، فلا يزال يتساءل عن جوهرها فهي التي تجمع الذاكرة والوطن والأشياء في سلة الحنين ، الحنين الذي يرتب المواعيد مع الموت دون علم صاحبه فيقوده صوب الهاوية وهو مغرق في القلق وفي هاجس الخلود يعبر به الأمكنة ليعترف ( في هذا المكان / العاطفي / سألتقي بنهايتي وبدايتي / وأقول ويحكما ! خذاني واتركا / قلب الحقيقة طازجاً لبنات آوى الجائعات ) .
وكما إنه من الصعب الإحاطة الكاملة بكل ما في هذا العمل الجميل في قراءة واحدة فإنه من الصعب أيضاً على قارئ محمود درويش أن يخرج بسلام من قصائده ، فهناك شعور خفي سيلفه أنه ملاحق بظل الشاعر يقوده صوب أسئلته وقلقه وحيرته ، وفي نفس الوقت يشعر أن عليه أن يقرأه ثانية وثالثة حتى يكتشف أكثر كمية الكلام التي فاتته في القراءة الأولى ، فهذا الشعر الحار بأنفاس الحب والحزن والسؤال والإيقاع المتعاظم هو الشعر الذي يستحق أن يصرف عليه الوقت ، هذه الجدلية في قراءة محمود درويش هي التي تجعله دائماً خارج التصانيف الشعرية ليظهر متألقاً دائماً ، تماماً كما اختصر مدينة اللاذقية في لقاءه معها في نيسان الماضي بلم شمل المحبين تحت سماء واحدة ، سماء الشعر الجليلة ، وكما اختصر دمشق بممدوح عدوان وهو يناديه :
ممدوح، يا صديقي، لماذا كما يفعل الطرخون خانك وخاننا قلبك؟ لماذا لم تعلم كم نحبك؟ لماذا تمضي وتتركني ناقصاً؟ لماذا... لماذا؟



#كمال_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل المرأة بين الديانات والتشريعات والواقع
- عن موسى السوري والتيه اللبناني
- يوميات من هنا: حيث الأبد يعني اسمها
- محمود درويش في حالة حصار
- متى تتطور هذه البوكيمونات ؟؟؟؟
- ذات يوم شيوعي غامض


المزيد.....




- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...
- الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف- ...
- الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب ...
- كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
- افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة ...
- “فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500 ...
- -جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس ...
- RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو ...
- عاجل | معاريف عن وزير الثقافة الإسرائيلي: نأمل التوصل إلى صف ...
- نزلها سريعًا!!.. واتساب يُطلق ميزة الترجمة الحية في الدردشة ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال شاهين - محمود درويش في أرض الكلام