|
الدين والثقافة
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 06:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدأت العلاقات بين الإسلام التوحيدي والدولة العربية المركزية البدوية في التفكك. كان مضمون الإسلام التوحيدي الشعبي العالمي قد وجد قبولاً لدى الأمم الأخرى عبر سهولة اعتناقه وبتكوينه أممية للشعوب الشرقية المستندة إلى الملكية العامة المدارة شعبياً والتي تعيش في المناطق الصحراوية الكبرى، لكن هذه التوحيدية المرتكزة على دورِ المال العام اخترقت من قبل أُسر الأشراف الحاكمة وكبار التجار والتي قربت الثروة العامة من مصالحها وإداراتها. كان هذا التحول الشمولي لا بد أن يؤدي إلى انقلاب في الحياةِ الثقافية والفكرية والعلاقات الاجتماعية والروابط بين الشعوب مستنداً إلى نواقص اجتماعية وفكرية وسياسية في البناء السابق الذي لم يستطع جعل القوى التجارية والشعبية ذات خلافة ديمقراطية. بدأ ذلك في عزل النصوص الدينية والفقهية عن المنطق والفلسفة والتاريخ الاجتماعي التي كانت تنمو عبر الترجمة والتطور الفكري العربي، فقد رُئي أن العلوم (الدخيلة) كما يتصورونها تُفسدُ الدين، وأنه لا بد أن تكون المعرفةُ دينية محلية خالصة، وأن تكون مصادرها موثّقة في الروي، لتغدو هذه المرويات هي كل الثقافة العربية الخالصة اللافظة لما عداها. كان هذا قطعاً لعلاقة أدبيات الإسلام بالتكون الإنساني، وإنها عصارة لعناصر ديمقراطية نضالية تكونت في بيئات أُخر عبر نضال الشعوب في المنطقة والعالم، والمرتكزة على السلطة المحددة في تلك العناصر الفكرية الاجتماعية، والمعبرة عن مضمون شعبي توحيدي. لهذا خرج اليمين الاستغلالي الجديد مُركزاً على الشكل، وعلى الممنوعات في النصوص الدينية، كرفض الفنون التجسيمية والرقص وهي الظاهرات الطقوسية السابقة المرتبطة بعبادة الأوثان، لا لكونها فنونا بحدِ ذاتها، والمرتبطة بالأشكال التعبيرية. والتنحيةُ كانت سهلة تجاه العرب القادمين من البداوة، حيث لا إرث فنياً تعبيرياً تجسيدياً عميقاً لديهم، وهم يعتمدون على فنونِ الكلامِ المختلفة، التي لا يمكن منعها. فيما شعوب البلدان المفتوحة يرتكز الكثير من تراثها على الفنون التجسيدية المختلفة. وهي ظاهرات استمرت واغتنت لديهم عبر تطور الآداب والفنون المتشابكة مع تراثِها الديني والتاريخي ثم تشابكت مع المذاهب الإسلامية التي انشقت عن المركز وصعّدت هذه الفنون والأساطير في تراثِها المذهبي الإسلامي، ولهذا فإن الانعزال عن الفنون تكرّس في المذهبيةِ الإسلامية النصوصية وخاصةً المتطرفة منها. وهذا ما حدث في الوعي الفكري بأشكال تناسب أدواته وتحولاته، فالمنطق والفلسفة وعلم التاريخ وغيرها من العلوم الجديدة واصلت الحضور والتأثير، ولم تستطع التوجهات الفِرقية الفكرية غير المرتبطة بالجمهور وكفاحه أن تواصل زرعَ الأشكالَ والأدوات الفكرية المستفادة من التراث الإغريقي بشكلٍ نقدي متطور، فقد عاشت على مساعدات الخلفاء والأمراء، فراحت تُنحي العناصر الديمقراطية المرتبطة بالكفاح الشعبي. وهذا يتماثل مع رجالِ الفقهِ التالين للمؤسسين الموجهين المذاهب نحو خدمةِ السلطاتِ المختلفة، فعُزل الفقهُ عن الناس، وتوجه للجوانب الصغيرة والعبادية والمعاملاتية المعزولة عن المشكلات الاجتماعية والسياسية العميقة. فتجمعت في تلك الثقافة الرسمية ونُقلت بعد ذلك إلى العصر الحديث، عناصر رفض الفنون والآداب الحياتية والأدوات الفلسفية الحرة. لقد كانت تمثلُ جانباً صغيراً من الثقافة في عصر النهضتين العربيتين العباسية والحديثة، لكنها توسعت بعد ذلك بخلاف تطور العصر الحديث خاصة، بسبب أن الهياكل الاجتماعية والسياسية العربية التي ظهرت فيها لم تتغير، وأن التغييرات قاربت بعض الجوانب والسطوح في أغلب الأحيان. فالثورات العربيةُ كانت فوقيةً مظهرية عسكرية ولم تكن تحولات عميقة في علاقات النساء بالرجال، وعلاقات الحرية بين الحكام والمحكومين، في حين تربض الأرياف في العصور القديمة. ولهذا فإنه حتى الفنون والآداب والفلسفة المصنوعة أو المجلوبة من الخارج تساير الموروث من الأبنية العتيقة، وما يَخترق الموروث ويحوله يُنحى، ويُضاف العصري الرديء على القديم الرديء، إلا ما يقاوم. من هنا يبدو الارتداد طبيعياً، والعودةُ إلى الوراء الكارثية جزء من أبنية لم تُعالج ديمقراطياً، وهي في تراجعِها تهدم علاقات داخل الشعوب العربية والإسلامية وعناصرَ من العقلانية التي ضُحي من أجلها طويلاً، بسبب أن الأمم العربية والإسلامية يَطرح عليها التاريخ لأول مرة بعد قرون أن تصنع نفسَها بنفسها، وهي غدت حرةً، لكنها مستعبدة لعلاقاتٍ وأبنية وسلطات وعناصر ثقافية عتيقة فيها، ولم تكتمل أدواتُها بعد لتغييرها. وأدواتُها هي الشعوب وتوحدها وتنامي إراداتها الديمقراطية وعقلانيتها.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاءُ الديب والمحارةُ المضيئة (1-2)
-
عزيز السيد جاسم (3-3)
-
عزيزُ السيد جاسم (2-3)
-
عزيز السيد جاسم (1-3)
-
المشرقُ العربي الإسلامي في مهبِّ العاصفة
-
البناءُ التحتي القبلي العابرُ للتاريخ
-
معسكرانِ متخلفانِ
-
مرحلةُ دخولِ الأريافِ في الديمقراطية
-
انزلاقٌ نحو الفوضى
-
في انتظارِ غودو
-
المذهبيون السياسيون إلى الوراءِ دائماً
-
الإسلامُ التوحيدي والوطنيةُ
-
المحافظون أمريكيين وعربا
-
المذهبيون السياسيون والقومية
-
المذهبيون السياسيون والاستبداد
-
الفكرُ الغربي في حقبتهِ الحديثة
-
حقبتانِ من الدين
-
سلبياتُ التحديثيين والدينيين
-
دعْ الإنسانَ حراً
-
المنضمون إلى التقليديين
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|