النظام المغربي وواقع السياسة

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 17:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

قد يتصور النظام المغربي الذي يجد صعوبة كبيرة في التأقلم مع عصر الشعوب ، أن العودة الى الشعب أمر صعب ، وهذا ما يدافع عنه شلة المنتفعين تاريخيا من المحيط الملكي ، وهم يقفون حجر عثرة أمام انطلاقة المغرب كوطن يتسع لجميع المواطنين حقيقة وليس استعارة أو مماحكة ،فالمتتبع للشأن المغربي وبخاصة في جانبه الدولتي ، لايمكن أن يغفل الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها خدام العرش ، كتعطيل تفعيل الدستور الجديد على علاته ، وهيمنة تيار بعينه ،وهو تيار فؤاد الهمة ، على جميع قرارات المملكة ،واعادة هيكلة المشهد السياسي بما يجعل هذا الحقل الفاعل والحيوي مفرطا في التلغيم ،وقابلا للانفجار في أي لحظة من الداخل ،أما الخارج ،فالجميع يعلم أن الأحزاب المغربية لاشعبية لها ، وتلك الجماهير المتأثرة بلغة الشارع سوف تدرك عاجلا فراغ خطاب الشعبوية ومحدودية السياسة السياسوية على نسبيتها.
اننا اليوم نعيش مرحلة أخرى ،لايمكن أن يقودها من يفتقدون لحس الاحتراف السياسي ،ولا يمكن أن تقوم دون ثقافة عالمة ، كما لايمكن أن تثمر في ظل مجتمع أمي وجاهل .
والمغاربة اليوم أصبحوا أكثر جرأة على تسمية الأسماء بمسمياتها ،وارجاع المسببات الى أسبابها ، وتعيين مكامن الخلل بتفصيل ممل .
لايتعلق الأمر بطرح بدائل ،بقدر ما يتعلق بتشريح واقع تعمل الجهات المستأسدة على الوطن والمواطنين على حجبه واخفائه ، في زمن أصبح خارج منظومة الحجب والتشويش ، وعلى سبيل المثال فقط ، قبل قليل كنت أتحدث الى بعض الاخوة والرفاق ، فدخل علينا أحد الأصدقاء وتبادل الحوار معنا ، وهو يحسب من السلفيين المتشددين ،لكن أثناء نقاشنا ، تبين أن الشاب يتعرض لتضليل ممنهج ، وأن كثيرا من المفاهيم يتم سلخها عن سياقها وعن جوهرها ، وشحنه وأمثاله بها ، ولعل هذا ما يحصل في غالب الأمر مع شبابنا ،رغم تفتحه وتقبله للرأي الآخر . والشاهد هنا ، هو تتبعه لمجمل أحوال المغرب وللتحولات السياسية ، لكنه لايملك غير رؤية الولاء والبراء في قالبها الممسوخ ، الذي يتقزم الى النقيض الممجوج ، اما أن تكون معي أو أنت ضدي ؛ نفس نظرية بوش الابن التي كانت السبب المباشر في انهيار الولايات المتحدة الأمريكية .
حين يفقد المرء مصداقيته ، تنتزع منه الثقة الموكولة اليه ، وحين تنتزع هذه الثقة ،ويذوي لواء المصداقية ،تعلو الاحتجاجات ،وتطفو فوق السطح كل العيوب والأخطاء والاختلالات ،مما يجعل فاقد الثقة والمصداقية عرضة لتحمل أوزار فوق أوزار وأخطاء فوق أخطاء ، وان لم يرتكبها . وقد تكون حقيقة افتقاد الحكومة للمصداقية باعتبارها المؤسسة الدستورية التي انتخب جزءا من أعضائها المغاربة ،بينما تم تعيين الباقي وهو ما يقارب الثلث من قبل الملك عبر اقتراح من المقربين منه ، وهنا يقع اشكال السؤال عن المعايير التي يعتمدها المُقترِحين لتقديم المُقترَحين ، فنحن لا يمكن الا أن نسأل عن الأسباب الحقيقية وراء فقدان الحكومة للمصداقية والثقة ، وعلى اعتبار أن المسؤوليات تراتبية في اشتغال الدولة وفي مؤسساتها ، فان هذه التراتبية تمس هرم السلطة عُلويا وسفليا . كما لا يمكن توجيه كل اللوم لحكومة تفتقد لأدنى حد من السلطة التنفيذية على القرارات الكبرى للملكة ، ومن يتجاهل هذه الحقيقة رغم احتجاجه بوجوب تحمل الحكومة لكامل مسؤوليتها ، فاننا لا يمكن أن نسائل من لا يملك قراره .
ولا بأس أن نسوق ما أثبته الصحفي القدير خالد الجامعي كما أوردت جريدة المساء ذلك حيث يقول عن طبيعة النظام المغربي أنه :" نظام يوجد في أعلى هرمه مخزن برأسين، واحد سياسي، والآخر اقتصادي. فأما المخزن السياسي فلا تخفى على الناس منه خافية، وأما المخزن الاقتصادي فقد ازدهر انطلاقا من سنة 1973 بفضل مغربة المؤسسات الكبرى التي درت أرباحا خيالية على الطبقة البورجوازية والضباط السامين للجيش والدائرين في فلك القصر من خدام وحاشية. وهكذا، لم تمض سوى خمس سنوات حتى أصبح المغرب يعد في مجتمعه ثلاثة مائة من متعددي المليارات، وست وثلاثون أسرة تستحوذ على ثلثي رساميل البلد." وهي حقائق صادمة ،أدت الى تغول جرثومة الفساد في جميع مرافق وعلاقات الدولة كما أثبت ذلك الصحفي الشاب توفيق بوعشرين في أحد مقالاته الأخيرة .
وتعتبر سياسة الريع من أشد السياسات التي تسد مجاري الحياة في المغرب على جميع الصعد ،سواء سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية ، مما يجعل المغرب مرتهنا الى قلاقل اجتماعية وسياسية قد تعصف به في أي وقت . وهو ما يجعل النظام المغربي في وضع لايحسد عليه ، وعرضة للنقد المباشر ،خاصة وأن نظام الملكية التنفيذية الذي اختارته المؤسسة الملكية ، لم يعد بمنأى عن النقد والانتقاد ، بعد تسرب نوع من الوعي السياسي ، وانتشاره بفضل تظافر مجموعة من العوامل على رأسها انتشار الاعلام الشعبي ، أو ما يسنى بقنوات التواصل الاجتماعي ، وهو ما يؤشر الى نمو الضغط على هذه المؤسسة ،ان لم تقم بمراجعة رهاناتها واستراتيجياتها .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات