أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - دياب أحمد رئيس - حوار عن أشياء غير إعتيادية لغز - بحارمات - (3) (بروميتيوس – إله النار عند الإغريق)















المزيد.....


حوار عن أشياء غير إعتيادية لغز - بحارمات - (3) (بروميتيوس – إله النار عند الإغريق)


دياب أحمد رئيس

الحوار المتمدن-العدد: 3962 - 2013 / 1 / 4 - 17:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


رسلان ناشخويف - ترجمة من الروسية: دياب أحمد رئيس
مهد الذكاء البشري
ليوما: فما هي إذا "الحقيقة الخطرة" التي أخفوها عنا؟ أشك في أنها تَمُتُّ قبل كل شيء إلى تاريخ أسطورة بروميتيوس.
رسلان: أنت على حق. إذ أن الحقائق التاريخية التي عثرت عليها في الأرشيفات، والمكاتب الأكاديمية، وفي أعمال العلماء في الوطن وخارجه، وكذلك المعلومات التي أوردناه في هذا المؤلف، ليست فقط مهمة جدا بحد ذاتها، بل تخدم كأصداء تاريخية للحديث عن "أين ومتى" نشأ النموذج الشيشاني والإغريقي، وأيضا نماذج أخرى لأسطورة بروميتيوس، وتساعد على تحليل التشابه والإختلاف بينهما، وتقييم أهميتها في تطور البشرية.
من المؤكد، أن خلق أسطورة عن بروميتيوس، الذي رفعه الإغريق إلى درجة الإله، هو بمقدورفقط شعب عظيم وقوي وكريم، له أصول روحية عميقة. أما بالنسبة لنا، نحن الشيشان والإنجوش، فإنه، وحتى بعد آلاف السنين، بقي "نارت" (الرجل العملاق – المترجم)، إنسانا، حدادا، يرمز إلى بطل من الأبطال جلب النار والطمأنينة والنور للناس، مضحيا بنفسه، مؤمّنا بذلك، حسب مفهومنا الحضاري اليوم، وسائل العيش لقومه.
من الممكن جدا أن تكون هذه الأسطورة عن البطل نشأت منذ أعماق القرون الغابرة لدى شعب تعتبر لغته من أقدم اللغات، وهو الذي أنشأ أولى الحضارات في العالم، وأول دولة على الأرض والتي كانت تقع بين نهري دجلة والفرات (9). وفي مصطلحات العلوم التاريخية تعرف بالدولة السومرية، أنشأها، حسب تأكيدات علماء روسيا وجورجيا وفرنسا والمانيا ودول أخرى، أجداد الويناخ الحاليين من أصول إثنية قوقازية.
يكتب الباحث الأثري والكاتب الألماني ايريخ تسيرن قائلاً: " نعلم اليوم أن تحت أعماق هذه الأرض تجثو، أو بالأحرى أسدل الستار على أقدم ثقافة صنعها الإنسان. لا يمكن العثور لا في امريكا ولا في الصين ولا في ايطاليا على هذه الآثار لحياة الإنسان العبقري: ولكننا نجده في تلك الأرض، التي تقع بين نهري دجلة والفرات وتمتد حتى شواطيء البحر المتوسط، ومن هناك الى النيل عن طريق كنعان ... هناك يوجد مهد الإنسان العبقري، ورؤاه، ومفاهيمه، وإيمانه، ومعتقداته..."(10)
إن النورالمنبعث من الحضارة السومرية، وقوته الروحية، يسارع الى عالم التأخر المحيط به. فكلما كان النور بعيدا عن هذه الحضارة، التي شقت طريقها من العهد الحجري الى القرن "الذهبي" للثقافة الإغريقية – اليونانية، كلما أصبح الظلام كثيفا، واختفت علامات التقدم والثقافة. يبدو وكأن سكان البلدان الأخرى، هم مثل الأطفال في المهد، ينتظرون الصحو من سباتهم. فمثلا، في ألمانيا كانت الأرض تحرث بمحراث خشبي. في حين سهول روسيا الشاسعة وافريقيا تحت ظلام دامس. وفي البلقان بدأت تبدو بشائر العصر النحاسي. أما في سردينيا وفرنسا الغربية فكانوا يدفنون الموتى في قبور ميغاليتية من الحجر. فهذه القبور الميغاليتية، هي آخر الآثار العظيمة للعصر الحجري. وفي بريطانيا، قرب سالسبوري، بني أشهر معبد في عصر بناء ألأبنية الميغاليتية – هيكل الشمس في ستونهندج، وهي عبارة عن دائرة عملاقة من الحجارة تعتبر لحد الآن إحدى أهم الآثار الخلابة في إنجلترا ألهمت في خلق كثير من الأساطير.
وما تلى ذلك من القرون تابع خلالها الحوريون، والأورارتيون، والزورزوكيون، وألبان القفقاس وغيرهم القريبون للسومريين، مسيرة التطور الإنساني.
"... بدأ نشوء دول- المدن للسومريين، قبل حوالي 4500 سنة قبل الميلاد. والدولة ذاتها، بمفهومنا العصري ظهرت في حدود القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، وبالدرجة الأولى كجهاز إدارة للنتاج الإجتماعي، الذي بات متشعبا ومعقدا أكثر فأكثر."(11)
إن حضارة السومريين، كما يؤكده عليه أحد أشهر علماء التاريخ القديم إ. م. دياكونوف (12)، وصلت إلينا عن طريق الدول السامية في ما بين النهرين، التي إقتبست مما توصل إليه السومريون من حضارة، وتعلمتها وطورتها. والسومريون، وكأنهم ضاعوا بين صف تلاميذهم الطويل، الذين بدورهم أصبحوا معلمي الحضارات اللاحقة، ومن ضمنها ألحضارات القديمة. يكفي أن نذكر كلمة سومر، جائت من اللغة الأكادية. والسومريون أنفسهم سموا بلادهم كالان أو كالانج ( بلاد، جبل )، وأنفسهم – بكلمة لو – الناس. إن الدول - المدن السومرية في عنفوان نهصتها، امتدت من شواطيء الخليج الفارسي، وحتى بغداد حاليا (العراق).
إن إحدى أولى المقترحات قدمت عن الأصل القفقاسي للسومريين. فقد توصلت الباحثة الألمانية شارلوتا م. أوتن إلى هذا الإستنتاج إستنادا الى المواد الإنثروبولجية، التي جمعت أثناء حفريات القبور في اريدو (عصرالعوبيد). ويشهد على هذا التقارب الثابت بين اللغات السومرية والقفقاسية. إن مجموعة كاملة من العلماء اللغويين أمثال هـ. م. هولمر، و. خريستيان، أ. فالكينشتين، صرحوا عن إعتقادهم بأن مجموعة اللغات الإيبيرية- القفقاسية، ومن ضمنها اللغة الشيشانية، في إطارها الواسع تشمل أيضا اللغة السومرية. وبعد عدد كاف من المعاينات للمتشابهات اللغوية، يبدو مسألة التقارب الجيني حقيقي لهذه اللغات، التي قامت التأثيرات اللاحقة بطمس معالم أصولها كثيرا. ومع ذلك، فلامجال للشك، بأن " جمدت- نصر" السومرية القديمة، تعتبر التطور المنطقي لثقافة الـ "أوروك" ألأكثر قدما. وأن الناس في ذلك العصر أستعملوا الإيدوميا، التي تخص اللغات القفقاسية.(13)
ويجدر بنا ذكر بعضا من الفرضيات. يقول العالم البولوني يان براون، عن منشأ (التبت – الأسام) للسومريين، معتبرا أن للغتهم شيء كثير مشترك مع مجموعة اللغات البرمانية. ويعرض العالم الإنجليزي س. جيد، فرضيته معتمدا على وجود تشابه في التقاليد، وفي رموز الثقافة السومرية ومصر القديمة في القرون الأولى للألف الثالث قبل الميلاد. وعلى هذا الأساس، يبني إستنتاجه عن ظهور السومريين في ما بين النهرين ومصر في آن واحد. وفي ذات الوقت، يعتقد بأنه كان بإمكانهم الإبحار من الهند، أو من أي منطقة من جنوب شرق آسيا. وعلماء آخرون يشيرون إلى تشابه اللغات السومرية مع اللغات الدراويدية في جنوب الهند. وهنا تجدر الإشارة إلى الأساطير القديمة التي تقول أن الدراويديون أيضا قدموا من أرض ما، تقع بعيدا في المحيط الهندي. "ولكن فرضية س.جيد، عن الظهور الآني للحضارة السومرية والمصرية غير دقيقة - يلاحظ إ. سيجاؤوري – لأن الحضارة المصرية تطورت في وقت متأخر كثير. ولو أنه في ذات الوقت لا يفتقد المعنى للعلاقات الحضارية في ما بين النهرين ومصر." (14)
ولا يضيرالباحثين في المستقبل أن يتذكروا موقعاً آخر له علاقات قرابة مع السومريين، والحوريين، والأورارتيين، والويناخ. هذا الشعب يسمي نفسه (كورجا)، ويعيش في مناطق جبلية في الهند. بات معلوما عنهم في الإتحاد السوفيتي في سبعينات القرن المنصرم، من خلال كتاب "نحن – كورجيون" (15) الذي كتبته الدكتورة في علوم التاريخ ل. شابوشنيكوفا. أما أنا فقد علمت عنهم في وقت مبكر من العالمة نفسها بعد أن عادت من رحلة عمل طويلة في الهند، وجاءت إلى غروزني تبحث عن قوم مشابه للشعب الكورجي.
إنني اليوم أميل الى التفكير، بعد أن علمنا شيئا ما عن السومريين، والحوريين، وتاريخهم، بأنه جدير بالعلماء أن يحللوا ويدرسوا لربما أن هذه الشعوب والكورجيون هم من عش واحد؟ ولهذا أريد أن أذكر، بأن بين أساطير السومريين، المتعلقة بعبادة الخصب، هناك حلقة مثيرة للإهتمام. هذه الأساطير تعطينا معلومات لمعتقدات السومريين عن الحياة تحت الأرض، والتي تسمى بالسومرية: كور, كي – جال, ايدين, إرجال, أرالي: والتسمية الثانية: كور- نو- جي ( البلد الذي لا عودة منه). أليس صحيحا كور- نو- جي تذكرنا بـ كورجي؟
هذه الفرضيات تكتسب تحول جديد ومفاجيء في كتاب دني باكسانوف: " كما هو معلوم، أن كثيرا من الشعوب القديمة كانت لديها أساطير وخرافات عن أجدادهم بأنهم في وقت ما من الأزمنة الغابرة، عاشوا على رأس أو سفح جبل عظيم، والذي تركوه فيما بعد، وارتحلوا إلى أماكن جديدة. وهكذا الهندو- آريون في المصادر القديمة، تركوا جبلا عظيما إسمه ميرو، الذي انتقلوا منه الى موطن جديد في الهند." (16)
توصل المؤرخ الأوسيتيني ب. كوزايف، بعد تحليل دقيق للعصر النارتي(العماليق)، والمؤلفات العصرية الهندية القديمة ("مخابخارات"، "رومايانا") إلى إستنتاج مفاده أن الهندو- آريون نزحوا إلى شبه جزيرة الديكان (في الهند) في الألف الثاني قبل الميلاد قادمين من القفقاس، بعد حروب مريرة مع أجداد الويناخ والأبخاز- أديغة.(17) وقد وجد في المصادرالمتقارنة إسم ذلك الوادي الذي جرت فيه المعركة الفاصلة : كورو- كشيترا. كشيترا – كلمة هندية له علاقة على ما أعتقد بالحرب والمحاربين (كشاتري بالهندية القديمة – فريق من المحاربين). وما يتعلق بالتسمية كورو، فتفسره الأحاديث المتوارثة عن السومريين منذ القدم بالشكل التالي: أن أجدادهم منذ أزمنة بعيدة، جاؤا إلى منطقة ما بين النهرين من بلاد ال - كور. ومن الطريف أن كلمة كور، في اللغة السومرية تعني الجبل أو البلاد، وفي اللغة الأورارتية - الأرض، البلاد.(18) من المحتمل تفسير ذلك، بأن هذه الشعوب القديمة كانت تعني بموطنهم "الحقيقي"، وليس الأمكنة التي يعيشون عليها حالياً، بل القفقاس - الموطن الأصل. هذه الكلمة في اللغة الشيشانية الحديثة بقيت، ولكنها في الحقيقة تدل على معنى مختلف قليلا، هو : كور- قرن (قرن الأيل، والماعز الجبلي مثلا)؛ زوبعة، عرف الديك . . . ؛ كورا - متكبر، عزيز النفس. (19)
جاء في الإنجيل أن السكان القدامى في سومر، قد جاؤا من القفقاس، وأن هؤلاء النازحين كانوا من أحفاد نوح. ويشهد الإنجيل على ذلك ذاكرا هذه السلالة بالأسماء: " وهذه قبائل أولاد نوح من سلالته من قبيلته. ومنهم توزعوا على الأرض بعد الطوفان . على الأرض كانت لغة واحدة ولهجة واحدة. وتقدموا من الشرق ووجدوا سهلا في بلاد السنار وحلوا فيه."(20)
فقبل حوالي مائة سنة تمكن العلماء من إثبات أن اليهود القدامى، كانوا يعنون بلفظة السنار، بلاد السومر، حسبما جاء في الإنجيل."(21)، ولهذا، فإن المؤرخ الألماني إريخ تسيرين يؤكدعلى ذلك قائلاً: "مهما بدا هذا غريبا فإن الحفريات الأثرية نفسها، التي تدهشنا بتاريخها، قد رسمت ذلك الطريق الأسطوري، الذي كان من المفروض أن يسلكه نوح بعد الطوفان، من القفقاس خلال بابل... ولكن فقط ذاك، الذي لا يؤمن بأي كلمة من الإنجيل، ويلفظ جانبا النواة التاريخية الصحيحة، مع الأساطير المتوارثة, يمكنه أن يتجاهل العلاقة بين أور في سومر، وفي مناطق القفقاس." (22)
ومن خلال الكتابات المسمارية التي وصلت إلى وقتنا هذ، نطقت في اللغة السومرية كلمات غير قليلة، بقيت إلى وقتنا هذا في لغة الويناخ الحية. سنورد بعضا من الأمثلة عليها:
باللغة السومرية باللغة الشيشانية
لو إنسان لو - إنسان(بمعنى المهنة) "بعاولو"- الشخص الذي يسكن القلعة
غاليه قصر غاله - قصر، قلعة سكن، مدينة
توش مكان الإقامة، موقف توش - مكان مأهول، مدينة
تور يجرح، يؤذي تور - سيف
غامه جارية غام - ساحرة، إمرأة غاضبة
نينه أم، ربة بيت نانه - أم، ربة بيت
بار حاوية ، وعاء بارام - مقياس
أُور مدينة أورام - شارع، حي
دائِم متواصل، دائما دائِم - متواصل، دائما
مَتْ بلد، مكان مات بلد، مكان. (ميتِّيج – مكان)
ييسا عجل إيسه عجل
ييرين جماعة.( ييري- محارب) غايرا جماعة، فرقة محاربين
آغر الأرض المحروث، السهل المزروع إيجيرا( (g حفر، طمر( آخر-الحرث، آخرخو – الحراث)
آب بقرة حايب حيوان (من المواشي)
آن السماء، الألوهية آن السماء، الأفق
أد أب. أدد - جد، جد الأب داده أب، جد
دوو يعمل، يفعل دو يعمل، يفعل
كا باب. كالي - يغلق كاو باب. قاوله - يغلق
توج رداء ، ثياب تيجا يخيط
كورون سعيد، مقدام، جيد كوره متكبر، رزين
غال بطن، رحم غاي بطن

علينا أن لا ننسى أن هذا الإحتكاك ما بين شعوب السومريين وبين أجداد الشيشان جرى قبل حوالي سبعة آلاف سنة، وبالذات في القفقاس، من حيث نزح السومريون في الألف الخامس قبل الميلاد إلى ميسوباتاميا و السنار، ... وربما يعود وقت نشوء الأسطورة عن بروميثيوس إلى تلك الحقبة.
الأساطير الألمانية القديمة تحكي عن قدوم " الآلهه - العظام "، والملوك الأوربيين الأوائل بزعامة أودين، من القفقاس. ونرى هنا أيضاً نفس التقليد، الذي يربط بشكل خفي الآلهه والأبطال والملوك القدامى مع القفقاس. ماذا يعني كل هذا؟ لماذا الإغريق القدامى يدعون القفقاس بـ "عرش الآلهه"؟ لماذا القفقاس (كاف) عند الفنيقيين هو الموطن الأساسي الذي جاء منه الإله إيلو، "إيلو الجد"؟ لماذا ينسب الألمان أقدم السلالات الملكية الأوروبية إلى "القفقاسي" أودين؟
لماذا سمى يوغان فريدريخ بلومينباخ - أحد أعظم العلماء الألمان، الحائز على لقب "ماجيستر ألمانيا"، العرق الآري الأوروبي، أو الأبيض، لأول مرة بالعرق القفقاسي؟(23)، حيث كان يعني بالدرجة الأولى الشيشان والإنجوش. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن بقي هذا التحديد هو نفسه في علم الإنتروبولوجيا، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية؛ ولماذا سمى العلماء الجورجيين، أيضاً، الصنف الإنتروبولوجي القفقاسي، الذي ينتمي إليه أجداد ألويناخيين، الذين حافظوا على الهيئة الفيزيولوجية لأقدم بشر على الأرض وهم الأوروبيون- سموهم الكرومان أونيون (20 - 40 الف سنة قبل الميلاد)؟
لماذا إعتبر السومريون القفقاس موطنهم القديم؟ لمذا يعتبر الإنجيل أن كل البشرية الحالية قد انحدرت من القفقاس؟ ولماذا بنى المصريون القدامى في وادي النيل الأهرامات الضخمة - موديل الجبال، ودفنوا فيها ملوكهم، كما لو أنهم يعيدونهم إلى المكان الذي جاؤا منه؟
لماذا توجد حتى الآن في السهول الآسيوية-الأوروبية الشاسعة هضاب دفن فيها زعماء وملوك القبائل الرحل؟ ألا يعني هذا "عودة إلى الجبل المقدس"؟
يؤكد د. باكسان أن "كل هذه التسائلات تزول إذا تذكرنا نوح". (24)
تذكر كل الأساطير القديمة أن الآلهة تواجدت على قمة جبل. ونحن نعلم أن لا وجدود "للآلهة"، وأنه يوجد إله واحد هو رب العالمين. إنما الآلهة صنعت من الأبطال والصالحين والقديسين، الذين أعطاهم الناس صفات خالقهم، مخالفين بذللك اوامر الله، ومفسدين أرواحهم، وفاتحين الباب على مصراعيه لدخول الوثنية، وإبليس الذي يعمل على تفكيك كل ما أمر الله بتوحيده.
إن الله سبحانه وتعالى يصف أؤلئك المفسدين بقوله: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أؤلئك هم الخاسرون" (25) كما يقول سبحانه وتعالى :" كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". (26)
هنا تتأكد فكرة كون الناس مؤمنون في الأصل. وغير ذلك لم يكن ممكنا. إذ أن أول الناس آدم وحواء، تحادثوا مع الله خالقهم. فهل كان ممكنا أن يكون أحد ما أقوى إيمانا بوجود الخالق؟! ولكن مع مرور الزمان، تفرق الناس، وأصبحوا "غير عادلين مع بعضهم البعض". إن عدم المساواة والبغض، هما أسباب إنحلال وتشتت الناس وتغيرهم. إن علم الأديان اليوم يعكس الأمر رأساً على عقب، عندما يؤكد أن فكرة التوحيد هي نتيجة تطور المعتقدات الوثنية الساذجة. كل شيء بالعكس تماما. (27)
إن أعلى جبل في القفقاس، ويدعى إيلبروس، حافظ في معنى تسميته على سمات الإعتبار القديم لهذا الجبل- الجبل المقدس لـ"الآريين"، أي العرق الأبيض، "العرق النوخي". كذلك يوجد في العراق جبل إسمه إلبورس، الذي يؤكد صحة تسمية الجبل القفقاسي. فالمقطع: إيله. إيل. إلي. إل. إلو. آل. آلو - مترادفات لتلك الكلمة الواحدة في كل اللغات القديمة التي تعني المالك، أو الإله، أوالسيد، أوالنار. ... إيلبورس (إيلبروس)، لم تعد تعني بالنسبة للمسلمين عرش الآله، أو جبل الآلهه (إيل - إله؛ بورس[ بارس،بارز ] - جبل). فهذا المكان يعتبرفقط المحطة (بعد الطوفان) التي رست عندها سفينة نوح(نوخ) عليه السلام، نبي الله، وليس الإله، كما إعتبره الفكر الوثني المنحرف.
لقد إعتقدت الشعوب القديمة بأن الحكمة جائتهم من القفقاس. وأن الحكمة هذه متمثلة بالنار، جلبها لهم أبطال وملوك أصبحوا فيما بعد إيلي (إلي)، أي أسياد على درجة آلهة. ونحن نفهم أن الكلام يدور عن ذرية نوح، التي نزحت من القفقاس في عصور مختلفة، وحلت في أماكن متباينة.
لقد حافظ الناخيون من قرن إلى قرن، ومن خلال آلاف السنين على إدراكهم، بأنهم من - " نوخ " (نواخ)، وجاهدوا لكي يتبعوا نهج النبي الصحيح، وأن يعملوا بنصائحه. وهم لم يعتبروا الناس الذين خالفوا تلك النصائح نوخيين، وقالوا عنهم ناخ باتس أويش ( أي أنهم ليسوا بناخيين، ليسوا نوخيون، ليسوا من نوح).
يضع دني باكسان، وهو يتابع شرح فرضيته، السؤال التالي: " هل يا ترى تكلم القرآن الحكيم عن الشيشان؟ ". ويجيب عليه قائلاً : "معاذ بالله أن نجزم عند الكلام عن القرآن. ومع ذلك نعتبر أنه ذُكِرَ شعب النوختشي عدة مرات في الكتاب المقدس للمسلمين. ولكي نؤمن بهذا، يجب أن نتذكر أن نوخ - تشي (حسب رأي الأكاديمي هـ. ي. مار)، تعني شعب ناخ (نوخ)، ونتذكر أنه تكرر في القرآن ورود تعبير (قوم نوح)، عشرات المرات، والتي كانت تنطق في اللغة الويناخية بلهجتها اليافيتية القديمة ك نوخ- تشي (حيث تشي تعني الناس أو القوم).
جاء في سورة "الأعراف"، على سبيل المثال، تعداد للأنبياء، الذين دعوا بني عشيرتهم أن يتبعوا ما أمر الله به، ويتركوا الفحشاء والكبرياء. نقرأ: " لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم"
قال الملأ من قومه: "إنا لنراك في ضلال مبين"
...قال: "يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين <61>
"أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون؟" <63>
"فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين" <64>
(لقد أرسلنا) إلى قوم عاد أخاهم هوداً فقال لهم: " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون." <65>
قال الملأ من قومه الذين كفروا(بالله) " إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لنظنك من الكاذبين" <66>
قال هود: " يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين" ... <67>
"أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فأذكروا آلآء الله لعلكم تفلحون" <69> (28)
وهكذا، نعلم، أنه... ممن تبقى من قوم نوح، بعد الهلاك من الطوفان بقي هناك جيل، أصبح فيما بعد قوما جديداً، هم قوم عاد. وهذا القوم الجديد "النوحيون الجدد"، إمتاز بين الأقوام الأخري بطول القامة وقوة الأجسام.
ولكن الشيء الأكثرأهمية يتبلور عندما نقرأ في القرآن الكريم، أن النبي نوح، ومن اتبعوه، والذين نراهم في قوم عاد (العاديون) لقوا الملاذ في بلاد الأحقاف." (29)
جاء في القرآن الكريم: " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" <ألأحقاف 21> (30)
يتابع د. باكسان قائلاً: " أن العرب أرادوا بحرف الـ قاف ألإشارة إلى القفقاس. وهذه الكلمة تقرأ بسهولة إن كانت تعني الإسم أخكاف، حيث أخ (برأي د. باكسان - المترجم) أداة تشديد أو تأكيد. وأحفاد نوح ومن نجوا معه من الناس عاشوا في بلاد الـ - قاف، أي في القفقاس، والقفقاسيون منذ القدم هم الويناخيون، وجبل الـ قاف (القفقاس) هو إيلبروس.
ولكن الأحقاف، في التفسير المترجم من العربية مع الشرح، هو إسم لمدينة حيث عاش فيها قوم عاد. وفي الوقت الحاضر ينسبون إلى هذه المدينة آثاراً مهدومة في صحراء الربع الخالي، جنوب الجزيرة العربية. (31)
إن شرح د. باكسان لكلمة "قاف" عند العرب حسب ما يقول العالم المستشرق الشيشاني، سليمان أوتايف، بأنها تعني القفقاس - هو هراء تام. إن العرب لم يستعملوا ولا يستعملون كلمة "أخ" للدلالة على التشديد أو التأكيد. إن كلمة "الأحقاف " في اللغة العربية، أستناداً إلى جميع المصادر للعلماء المسلمين، تدل على مكان في اليمن حيث عاش قوم عاد (العاديون).
رواية شيقة عن أصل السومريين، والحوريين، والأورارتيين، يوردها العالمان الليزكيان ج.أ. عبدالرحيموف، و د. ج. عبدالرحيموفا.(32) فهما يعتقدان أن أجدادهم في القديم، كانوا يقيمون، بداية، في القسم الجنوبي الشرقي للقفقاس، في سفوح جبال الزاكورسك، حول البحيرتين أورميا وفان. ومن ثم تقدموا إلى إتجاهات مختلفة واستقروا في أراضي العراق الحالية، والقسم الغربي لإيران، وشرق سوريا، والقسم الشمالي من فلسطين. فهما يؤكدان أن أجداد الأقوام المذكورين أعلاه هم الكوتيون - الذين هم أجداد الليزكيين. ولكن، حسبما يؤكد معظم العلماء المشهورين في العالم، فإن السومريون، والحوريون، والأورارتيون هم الأجداد القدامى للشيشان، والإنجوش، والليزكيين، والأواريين، وغيرهم من شعوب الناخيين، ضمن الإثنية القفقاسية.
من المثير أن الجبليون القفقاسيون، ولغاية القرن التاسع عشر، إحتفظوا بأساطير غير واضحة تماماً، تحكي عن نزول نوح عليه السلام على قمة جبل إيلبروس. عن هذا يكتب أ. ديوما قائلاً: " لم يتمكن أحد أن يصل إلى قمة إيلبروس. يجب الحصول على إذن من الإله حسب ما يؤكده الجبليون. وبناءً على ما توارثوه فقد حطت على القمة حمامة من سفينة نوح." (33)
ليوما: وكيف إذاً يجب أن يكون الموقف حيال الإكتشاف العلمي قبل عشرين سنة، الذي أصبح معلوماً لدى معظم القراء قبل فترةٍ وجيزة؟ يدور الكلام عن الإستنتاجات النهائية، التي ظهرت في الصحافة الروسية سنة 1999، حول تحقق أماني أجيال كثيرة من الناس: لقد وجد موطن البشرية كلها، ألا وهو قارة أتلانتيد الأسطورية. !
لماذا لم يعلن عن هذا منذ تلك المدة الطويلة؟ ما هي أتلانتيد، هذه المحيرة والمثيرة؟ وما هي المرتبة التي ستحتلها في تاريخ الحضاراتين السومرية والمصرية، اللتين إعتبرتا الأقدميتين إلى هذا الوقت؟



#دياب_أحمد_رئيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز - بْحَارِْمات - (2) حوار حول أمور غير إعتيادية
- لغز - بْحَارِْمات -


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - دياب أحمد رئيس - حوار عن أشياء غير إعتيادية لغز - بحارمات - (3) (بروميتيوس – إله النار عند الإغريق)