|
الولايات المتحدة و-ربيع العرب- :مقاربة لقراءات متعددة في الموقف الأمريكي
عُقبة فالح طه
الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 13:56
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
إن الوطن العربي الذي يعد مصدرا غنيا للموارد الطبيعية، لعل أهمها الغاز الطبيعي والنفط والفوسفات، حيث تبلغ نسبة إنتاج الوطن العربي من النفط نحو ثلاثة أرباع إنتاج منظمة (أوبك) ونحو ربع الإنتاج العالمي، وقدّرت نسبة احتياطي النفط العربي 79% من احتياطي منظمة (أوبك) ونحو ثلثي الاحتياطي العالمي، هذا إلى جانب كون العالم العربي سوقاً وسيعة للمنتجات الأمريكية وخاصة السلاح الذي يصدأ ولا يستعمل، وإن استعمل ففي الداخل لا غير، ورغم أن هذا البحث لا يتناول ما يمثله العالم العربي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إلا أننا في ظل هذه المعطيات الهامة بالنسبة للأخيرة فإنه من غير المعقول إطلاقا أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بأن يسيطر على هذه الموارد الحساسة بالنسبة إلى اقتصادها أنظمة حكم لا يمكن وصفها بالحد الأدنى إلا أنها أنظمة صديقة لأمريكا، هذا إلى جانب حرص الولايات المتحدة الدائم على وجود أنظمة عربية حليفة لها تطمئن بوجودها على أمن حليفتها الاستراتيجية في المنطقة ألا وهي " إسرائيل"، إذ لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بوجود نظام معادٍ لإسرائيل على حدودها. ولقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حروبا منها حرب العراق لإزالة أنظمة معادية لإسرائيل، فيما كانت تدعم أنظمة أخرى في المنطقة حافظت على أمن إسرائيل وحدودها الهادئة معها. ومهما كانت النتائج التي أسفرت عنها الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق فإن الغارات التي بدأت منذ 20 مارس/ آذار 2003 أسست لسياسة غربية جديدة تجاه المنطقة العربية. ولن يكون تغيير نظام صدام حسين سوى فاتحة عملية طويلة من التدخلات التي ستقود إلى انتزاع ملكية البلاد العربية من أيدي النخب المحلية السائدة فيها – بغض النظر عن طريقة وصول هذه الأنظمة إلى سدة الحكم في بلدانها- وبصورة تدريجية بانتظار تكوين نخب جديدة قادرة -في نظر الدول الكبرى المعنية بمصير المنطقة عن قرب- على حمل المسؤولية حسب الأسس والمعايير والمصالح الخاصة بهذه الدول وبالنظام العالمي الذي هي في صدد تشكيله اليوم. إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست جمعيةً خيرية دولية لتهتم بحقوق الإنسان في العالم، كما أنها ليست منظمة دولية لدعم حركات التغيير ونصرة حقوق الشعوب المقهورة؛ أمريكا هي دولة عظمى تبحث كغيرها من الدول الكبرى عن مصالحها وعن ضمانات استمرار هذه المصالح في هذا المكان أو ذاك من العالم، وبغضّ النّظر عن أشخاص الحاكمين في أيِّ دولةٍ تدعمها واشنطن فإن معيار المصلحة الأمريكية هو المحرّك الآن للمواقف الأمريكية من حركات التغيير العربية، تماماً كما كان هذا المعيار وراء موقف الرئيس الأمريكي السابق ( أيزنهاور ) خلال العدوان الثلاثي:( البريطاني/الفرنسي/الإسرائيلي) عام 1956 على مصر، حينما وقفت أمريكا ضدّ هذا العدوان وساندت وقفة الشعب المصري في حرب السويس ولقد استفادت إدارة أوباما من دروس تجربة إدارة بوش وإخفاقاتها وخطاياها، خاصّةً لجهة استخدام الإدارة السابقة للقوة العسكرية الأمريكية من أجل إحداث تحوّلات سياسية في الشرق الأوسط أو لتغيير أنظمة، كما حدث في أفغانستان وفي العراق. وهي "استفادة أوبامية" بالاضطرار وليس بالاختيار، فأمريكا لا تستطيع الآن الدخول في حروبٍ جديدة بل هي تحاول الخروج من حروبها في العراق وأفغانستان. وقد عبّر وزير الدفاع الأمريكي (روبرت غيتس ) عن هذا التوجّه الأمريكي الجديد حينما قال "إنّ أي وزير دفاع أمريكي يأتي بعده عليه أن يفحص عقله قبل الإقدام على إدخال أمريكا في حرب جديدة في الشرق الأوسط أو آسيا، ولقد ظلت أمريكا تتعامل مع الأنظمة الرسمية العربية القائمة حتى اللحظة الأخيرة كأنها أنظمة شرعية، وهذا ما سيظهر واضحا من خلال المبادرات الأمريكية أثناء اشتعال الثورات العربية التي أطاحت بأنظمة بن علي ومبارك وغيره، حيث لم تطالبهما بالرحيل والتسليم للشعب، بل إن أهم ما يمكن ملاحظته على كل المبادرات الأمريكية والأمريكية- الأوروبية فيما يتعلق بالثورات العربية المعاصرة أنها مبادرات خاطبت بصورة لا لبس فيها الأنظمة السياسية القائمة، أي أنها طالبت أنظمة الحكم العربية للمبادرة باتخاذ مجموعة من الإجراءات الإصلاحية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي من شأن الإقدام عليها التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترقبه بكثير من القلق. إن استعراض سريع وموجز للموقف الأمريكي من الثورات العربية المعاصرة يمكن أن يعطي مؤشرا واضحا على صحة ما ذهبنا إليه من أن الولايات المتحدة الأمريكية وقفت من الثورات العربية مواقف متباينة احتكمت فيها إلى مصالحها مع الأنظمة العربية القائمة والمثار ضدها، وموقف هذه الأنظمة من حالة العداء العربي لإسرائيل وأمور أخرى، كما يشوب الموقف الأمريكي إزاء الحراك الشعبي العربي والثورات التي بدأت تجتاح المنطقة العربية، الكثير من الغموض والضبابية، بدءا من تونس ومصر، ومرورا باليمن وليبيا، وصولا إلى البحرين وسلطنة عُمان والجزائر والمغرب والأردن، وربما تزداد الأمور تعقيدا حينما يلمس المواطن العادي، تباينا في صورة وخلفيات الموقف والحراك الأمريكيين إزاء المشهد العربي بتفاصيله الدقيقة . الموقف الأمريكي من الثورة التونسية ادعى صانع القرار الأمريكي أن تخوفه من ثورة تونس تكمن في خشيته من احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة، لذا كانت انتفاضة الشارع التونسي العفوية ودون وجود اثر للإسلاميين مفاجأة لواشنطن، فمن ناحية سقطت نتيجة ذلك فزاعة وصول الإسلاميين التي كانت بمثابة مبرر متفق عليه بين واشنطن وأنظمة الدول حين يأتي الحديث عن الدمقرطة، ومن ناحية أخرى فإن عدم وجود اثر للإسلاميين أضفى الحماية على الانتفاضة التونسية وحماها مؤقتاً من أي تدخل خارجي ولو بشكل غير مباشر لدحض آمال تونس في التغيير، لذا نلاحظ صمت الولايات المتحدة خاصة والغرب عموماً عن التحدث فوراً أو التعليق على أحداث تونس وانتظروا طويلاً قبل خروج تصريحات مقتضبة ومطاطة حول احترام رغبة الشعب التونسي ومن محاولات استقراء ما يجري حالياً في غرف البيت الأبيض. الموقف الأمريكي من الثورة المصرية: كانت المحاولات الأمريكية على الأرض تحاول الإبقاء على وضع مصر القائم قبل الثورة واستمراره قدر الإمكان ولو كان بأشكال أخرى تتلبس وتتقنع بقناع ديمقراطي شكلي تستنفذ فيه الطاقات الشعبية وتستهلك مع تحييدها ومنع تأثيرها على السياسات الخارجية والداخلية؛ لذا فالموقف الأمريكي كان يسعى بشكل جدي إلى التخفيف من آثار الثورة والحد من مكتسباتها ومحاولة إجهاضها ومنع تحقيق أهدافها إلا في حدود الإطار الشكلي الصوري ما أمكن ذلك أما ما يصرّح به مسؤولو الولايات المتحدة من دعمهم للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في مصر وضغطهم على مبارك للتنحي فإنه لا يعدو سوى أن يكون كلاماً بارداً يوجهونه للتشويش على الجمهور المتابع في وسائل الإعلام من الشعب الأمريكي والعربي. لقد تنوعت تفاعلات إدارة أوباما مع الحدث حسب مستجدات الشارع المصري وتنوعت اختياراتها بناءً على ذلك، فبعد ثورة تونس وقبل بداية الثورة المصرية هرعت واشنطن لدعم حلفائها في المنطقة العربية ومن بينهم حسني مبارك نظامه وقاموا بتزويد مصر وغيرها بآليات ووسائل مكافحة المظاهرات وأدوات قمع المتظاهرين وتفريقهم وذلك حرصاً منهم على دعم نظام مبارك والسيطرة على الاحتجاجات. وفي بداية الثورة وبعد أن كسر المحتجون الذراع الأمنية لنظام مبارك في جمعة الغضب قررت واشنطن تنحية مبارك والتخلي عنه كورقة محروقة لم تعد لها قدرة جيدة على إدارة الأمور وقررت تولية عمر سليمان الذي يقول عنه بعض المحللون أنه يمكث في تل أبيب أكثر من مكوثه في مصر والذي تنسب إليه الجهود البارزة في صياغة السياسة الخارجية المصرية فهو يعد بديلاً ممتازاً وأكثر مناسبة من مبارك ذي السمعة الشعبية المنهارة ولكنّ خلافاً حصل بين القادة الأمريكيين حول هذا الخيار الخطير الذي من شأنه إحداث فجوة كبرى بين الولايات المتحدة وحلفاءها من رؤساء العرب الذي يتابعون الأمر عن كثب ويناشدون واشنطون الإبقاء على مبارك وخصوصاً الخلاف الذي دب بين أوباما وبين مبعوثه الخاص (فرانك ويزنر) السفير السابق في مصر والصديق الحميم لمبارك والذي كان يرى توفير مخرج مناسب للأزمة يتمثل في بقاء مبارك إلى نهاية فترته الرئاسية مع مفاوضة تيارات المعارضة وإجراء إصلاحات سياسية هامة وملموسة ولكن ما زالت الاحتجاجات تشتد وتفرض على واشنطن الإعلان عن رفض هذا الخيار والتخلي عن (فرانك ويزنر) ورأيه الذي أعلن عنه وقالت إنه يمثل رأيه الخاص ولا يمثل موقفها الرسمي.ومع تزايد الرفض الشعبي العارم لمبارك ونائبه ونظامه، أوعزت الولايات المتحدة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أن يتولى زمام الأمور برئاسة رئيس أركان الجيش المصري سامي عنان الذي كان عائدا للتو من الولايات المتحدة في بداية أحداث الثورة ووزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي وهم وغيرهم من قيادات المجلس ذوي علاقات متميزة واتصالات مكثفة مع واشنطن بحكم التدريب العسكري الأمريكي والتسليح الأمريكي للجيش المصري والاتصالات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية المصرية، لذا فإن الإدارة الأمريكية ترى أن هذه المؤسسة العسكرية الحليفة لواشنطن هي أنسب المؤسسات المصرية التي من خلالها يمكن التنسيق لإدارة مرحلة انتقالية تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد الشارع المصري إلى هدوءه والتخفيف من آثار الثورة وتحقق ما لا يتعارض من مطالب الثورة مع سياسة مصر السابقة ووضع مصر القائم قبل سقوط نظام مبارك. لذا فإن مستقبل الثورة المصرية مرهون بمدى تعاون هذا المجلس مع واشنطن أو الانحياز إلى الشعب وخياراته لأنه الجهة الوحيدة التي لها القدرة على الفعل والتحرك في أرض الواقع بجانب حركات الاحتجاجات الشعبية التي فرضت بإنجازاتها وأفعالها سقوط نظام مبارك المدعوم عالمياً وإقليمياً, فإذا تلاشت الاحتجاجات بقيت المؤسسة العسكرية هي المسيطر الوحيد على الواقع المصري، حتى إجراء الانتخابات ووصول الإخوان المسلمون إلى الحكم في مصر. الموقف الأمريكي من الثورة الليبية بدأت الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة منذ يومها الأول بتردد وتريث معقول، بدا للبعض انه إرباك او تخبط غير مقصود! لكنه في حقيقته تردد يقوم على حسابات معقدة لا تدخل في الحسبان العواطف الإنسانية البحتة، فواشنطن ليست مستعجلة في أمرها لحسم خيار التدخل العسكري، كما يحاول البعض دفعها إلى ذلك، مدفوعة بمخاطر القيام بذلك في ظل تورطها في العراق وأفغانستان، كما أنها لا تعلم حقيقة الطرف البديل في حال رحيل نظام القذافي-اللانظام-!! لاسيما وان حسابات تحول ليبيا الى دولة إسلامية في ظل قيادات إسلامية ليبية بارزة تصدرت المشهد السياسي منذ أكثر من أسبوعين، يثير مزيدا من القلق في نفوس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. الخوف الأمريكي من دعم الثورة الليبية نابع أيضا من تجربة الولايات المتحدة مع تنظيم القاعدة وأفغانستان سابقا، فهي تخشى من تكرار خطأ تسليح ثورة شعبية هلامية –غير محددة المعالم والقيادات- تتحول بعد الاستيلاء على السلطة في ليبيا إلى جماعات إسلامية تعادي الولايات المتحدة كما فعل تنظيم القاعدة وحركة طالبان من قبل، وربما اخطأ ثوار ليبيا حينما أعلنوا استيلائهم على مخازن أسلحة نظام القذافي، ما افقدهم ميزة ان تبقى ثورة سلمية ولو لفترة وجيزة لحين نظر الغرب بصورة جدية في تقديم السلاح والمال للثورة، وربما ساهم هذا العامل في تمهل الولايات المتحدة أكثر في تحديد شكل التدخل العسكري المطلوب، وهذه وجهة نظر لها ما يبررها على ارض الواقع، رغما ما تبدو عليه من تناقض خفي! إذ ان الولايات المتحدة ورغم تخوفها من تقديم السلاح للثوار، إلا أنها كانت ستفعل ذلك في حال كان هو السبيل الوحيد لإنقاذ الشعب الليبي من حكم القذافي الجنوني الذي يستخدم كل أشكال العنف والقوة المفرطة ضد شعبه الأعزل.قصة القاعدة والتسليح، تنبه لها القذافي بسرعة بعد أن نشرتها بعض وسائل الاعلام، فكانت هي حجته في خطابه للغرب والولايات المتحدة بعد ان استفاق من صدمة ورعب الثورة الشعبية المفاجئة، إذ أعلن أكثر من مرة وفي أكثر من خطاب عن وقوف القاعدة وتنظيمات إسلامية إرهابية خلف هذه الهلوسات الشعبية التي تهدف إلى نشر الفوضى والخراب في ليبيا والمنطقة، وأعلن ان نظامه هو صمام أمان لشمال إفريقيا والمنطقة وإسرائيل، ما دفع الأخيرة لمحاولة مساندته عبر بوابة واشنطن، فأخذت الصحف العبرية تشدد على أهمية الحفاظ على نظام القذافي، ودعت واشنطن الى عدم دعم الثوار بالسلاح خوفا من استخدامه في عمليات إرهابية ضد إسرائيل ومصالح الغرب في المنطقة العربية.
الموقف الأمريكي من ثورة اليمن إذا كان الشعب اليمني، والمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد اقتنع بتغيير الرئيس علي عبد الله صالح وانسداد خيارات بقائه، فمن حقنا أن نسأل: لماذا طال تمسك هذا الرجل بالسلطة، ولماذا الغرب لا يقف موقفاً حازماً من أجل تنحيه ؟مختصر ذلك حسب بعض التفسيرات، هو أن الولايات المتحدة تريد استخدام ما تبقى من قدراته التخريبية للتحكم بنتائج الثورة، وليس من أجل بقائه، فهم يخافون من الإسلاميين، ويخافون من القوى الوطنية الشابة الصاعدة التي تحمل موقفاً فطرياً تجاه الاحتلال الصهيوني وتريد حياة أفضل للأمة. فهم بالتالي أمام التغيير كخيار حتمي، ولكنهم يحاولون التحكم في التغيير بما يجعل هذا التغيير يخدم مصالحهم، أو على الأقل لا يهددها. إنهم يتعاملون مع الثورات العربية كواقع فرض نفسه سلمياً لا يمكن التعامل معه عسكرياً بما يجعلها لا تؤدي إلى قوة عربية تهدد إسرائيل، وتحقق أحلام الشعوب قدر ما ينتج عنها التغيير بطريقة صعبة ومملة تضعف الشعوب وتتحقق عندها المطامع والمصالح الأمريكية والصهيونية قدر الإمكان. ونلحظ ذلك من خلال المبادرة الخليجية التي لا تحقق التغيير الشامل وإنما تقاسم السلطة وإبقاء أسباب التوتر.أما حالياً، نظام صالح سقط عملياً ولا يحتاجه الغرب مستقبلاً، ولم يعد سوى أداة مسلحة يمكن استخدامها في حرف مسار الثورة وجعلها مكلفة، وضرب الإسلاميين ومختلف القوى الوطنية بها، ليتم إدانتها بعد ذلك، وتكون أمريكا قد أضعفت تلك القوى وحصلت على ما تريده هي، ويقوم نظام جديد لا يحقق التغيير الجذري لصالح الشعب، بقدر ما يحقق التغيير.. ويكون الناس قد ملوا الثورات وغيرها.. وأصبحوا على استعداد للتسليم بالأمر الواقع الذي تدخلت به أمريكا.وبين واشنطن والرياض وصالح والمعارضة هناك اللاعب الأهم الذي يعول عليه في تحقيق أهدافه وهو الشعب اليمني وشباب الثورة، القادر بإذن الله على تعدي كل العقبات وقلب أوراق اللعب الدولية والإقليمية، للوصول إلى بلده المنشود بإصراره وتضحياته، وعندها سيحترمه العالم أجمع وسينصاع لخياراته، فقط المزيد من الصمود، للوصول إلى الغد المنشود. لقد لعبت السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية دورا هاما في منطقة الشرق الأوسط خصوصا فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب. و تصنف اليمن كإحدى حلفاء واشنطن في محاربة مجموعة القاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي تتخذ بحسب التقارير الحكومية و الاخبارية بعض المناطق في اليمن كمقر للتدريب على العمليات الارهابية ضد أمريكا وحلفائها. هذا و بالإضافه الى أن عددا من بعض قيادات القاعدة تتحصن بها، والذين تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء عليهم للتخلص من خطر الإرهاب في المنطقة خصوصا بعد القضاء على زعيم القاعدة بن لادن في باكستان ولقد دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم الدعم للحكومة اليمنية لمكافحة خلايا القاعدة, هذا الدعم الذي يشكك فيه المعارضون للحكومة اليمنية, حيث أن هناك شك من ان الرئيس اليمني يقوم بإستخدام هذا الدعم للقضاء على المعارضين له وانه يقوم بتضخيم حقيقة حجم القاعدة في اليمن للحصول على مزيد من الدعم المالي والسياسي من واشنطن.
الموقف الأمريكي من ثورة البحرين
بالنسبة للموقف الأمريكي من ربيع البحرين فإن ما يتعلق بالموقف الضمني أو غير المعلن فإن الإدارة الأمريكية كانت على وفاق مع النظام، كما كانت على وفاق مع التدخل السعودي، والكل يعرف أن هذا التدخل جاء بعد زيارة وزير الدفاع الأمريكي للرياض، وفي بلد يحتل أهمية استراتيجية / عسكرية، حيث توجد فيه قوات الأسطول الخامس الأمريكي، ولا يمكن لأي قوة أن تدخل دون معرفة الأمريكان، بل وبمباركتهم، إذنْ، لماذا وقف الأمريكان في البداية موقفا ايجابيا من الحركة الشعبية في الظاهر (بمنع قمعها)، وابرزوا ولي العهد كمحاور جيد ومقبول من جهة، واستقبلوا المتظاهرين عند سفارتهم بالحلاوة والكيك من جهة أخرى، ثم ارتدوا على هذا الوقف. ما الذي جرى بالضبط، أو ما هو حقيقة الموقف الأمريكي من الثورة البحرينية؟ كما أن الأمريكان بموقفهم هذا المساند للحركة في البداية أنه يمكن الوصول مع المحتجين إلى حلول وسط وربما اقل من الوسط أو شكلية ترضي المحتجين ويعودون أدراجهم، ولا تؤثر في الوقت نفسه على وضعية حلفائهم في البحرين، ولا في وضعية بقية الدول الخليجية وخاصة السعودية، ولا على مصالحهم ونفوذهم الكاسح وقواعدهم في المنطقة، ومن خلال ذلك تظهر الإدارة الأمريكية أمام الرأي العام الأمريكي والدولي والمنظمات الحقوقية وكأنها ساندت الربيع البحريني أسوة بالتونسي والمصري ,وهي مع الديمقراطية، ولن يتهمها احد بازدواجية المعايير من هنا يمكن القول أن الإدارة الأمريكية اصطدمت بالإرادة الشعبية في البحرين ورغبتها الحقيقية في التغيير الجذري، وذلك بخلاف الرغبة الأمريكية في التغيير الشكلي في النظام والذي اعتقدت ولا تزال تعتقد أن بعض أطراف المعارضة يمكن أنْ يقبل به، من باب سياسة الخطوة خطوة أو خذ وطالب. لذلك فلأن الحركة جذرية وعميقة لا تقبل بالمساومات، فسرعان ما ظهر الموقف الأمريكي الحقيقي غير المعلن تجاه ربيع البحرين وهو موقف أقل ما يقال فيه أنه داعم ومتواطئ مع النظام الخليفي في قمعه الدموي للحركة الاحتجاجية الواسعة، أما قضية دعم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فهي كذبة أمريكية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الإستراتيجية ومناطق النفوذ والطاقة، وقد بدأت تتكشف ملامح هذا الموقف الأمريكي المعادي تجاه ربيع البحرين
الموقف الأمريكي من الثورة السورية
إن إنهاء نظام الأسد سيكون مكسباً كبيراً للولايات المتحدة، فذلك النظام يمثل ديكتاتورية دموية احتضنت المجموعات الفلسطينية (الإرهابية ) بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا النظام حليف إيران العربي الوحيد، والطريق الذي تتبعه إيران لتسليح حزب الله، وهو خطر دائم على سيادة لبنان وسلامه الداخلي. وهو، فضلاً عن ذلك، متورط في مقتل العديد من الجنود الأمريكيين وجرح عدد أكبر بكثير بفضل بذله أقصى جهده لمساعدة الجهاديين الساعين لمقاتلة الأمريكيين في العراق. وفيما يقاتل ذلك النظام شعبه ويتعلق بالسلطة، فإن العقوبات الفعالة والدبلوماسية النشطة يمكن أن تساعد على تقصير أمد حياته وعلى وضع الأساسات لجهد مصمم على بناء دولة ديموقراطية مكانه، إن أفضل ما يمكن أن تفضي إليه " الثورة السورسة" بالنسبة للولايات المتحدة تقسيم سوريا إلى عدة دويلات مذهبية متناحرة ، أي صوملة سوريا حيث استجلبت الجهاديين التكفيريين من كافة الأطياف والملل. خلاصة القول: يتضح مما سبق أن الولايات المتحدة لم تدعم أي ثورة عربية إلا بعد ضمان النظام الذي سيرث الثورة إلى جانبها .كما كانت مواقف الولايات المتحدة الأمريكية من الثورات العربية متباينة احتكمت فيها إلى مدى علاقة هذا النظام العربي أو ذاك بها.وكانت مواقف الولايات المتحدة من بعض الأنظمة انتقامية كما في حالة سوريا حيث احتضان النظام السوري لحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي لمدة طويلة كما وقفت الولايات المتحدة موقفا متخاذلا ومنحازا إلى جانب النظام البحريني والنظام اليمني وذلك لصداقة النظام الأول معها واحتضانه قواعد أمريكية على أراضيها، وقيام النظام الثاني بدور الشرطي الحامي للمصالح الأمريكية في باب المندب والمقاتل ضد القاعدة نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية هناك. المراجع: 1) الأحمدي، رياض." الثورة اليمنية.. بين مخاوف السعودية ومخططات أمريكا ".مآرب برس، نشر بتاريخ 28/4/2011، تصفح بتاريخ 18/12/2011. http://marebpress.net/articles.php?id=10039&lng=arabic) 2) آل شاهر، علي محمد." حقيقة الموقف الأمريكي من الثورة المصرية." مذكرة الإسلام. 19/2/2011، http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/02/19/117499.html 3) جامعة القدس المفتوحة: جغرافية الوطن العربي. طبعة سنة 1999، ص 335. 4) الروسان، هاني." أي ثورات عربية تريدها أمريكا". الحوار المتمدن. عدد 3350، بتاريخ 29/4/2011. 5) عرفة، محمد جمال." خطة أمريكا لسرقة الثورة السورية". علامات أونلاين، 14/11/2011. 6) غليون، برهان." نهاية النظام الإقليمي العربي ". مركز الجزيرة للدراسات. منشور بتاريخ 3/10/2004، تصفح بتاريخ 18/12/2011 http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EDAA16B0-11F3-49BD-BD26-FD20D9C1E193.htm 7) غندور، صبحي." السؤال المحيّر عن موقف أمريكا من الثورات العربية". العرب أونلاين. 11/3/2011، تصفح بتاريخ 17/12/2011. http://www.alarabonline.org/index.asp?fname=%5C2011%5C03%5C03-11%5C832.htm&dismode=x&ts=11-3-2011%208:14:05
8) قطيشات، ياسر." الولايات المتحدة وثورة ليبيا: عين على المصالح وأخرى على الإصلاح". الحوار المتمدن، عدد 3306، بتاريخ 15/3/2011. 9) مكي، يوسف." الإدارة الأمريكية وموقفها الحقيقي من الربيع البحريني". القدس العربي، 21/10/2011. 10) موقع الانصار الإسلامي . "المهام الأمريكية لمنع تصدير الثورة التونسية الى بقية الانظمة العربية".تصفح بتاريخ 19/12/2011. http://www.al-ansaar.net/main/pages/news.php?nid=5576 11) الموقف الأمريكي من ثورة التغيير في اليمن". تصفح بتاريخ 18/12/2011 http://www.unique-online.de/%D8%A7%D98%A7%D9%84%D9%8A/3439/
#عُقبة_فالح_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراجع الخطاب الطبقي المفسر للثورات العربية
-
لامية العرب: هل هي البيان الأول للمثقفين العرب؟
-
الفردية ما بين الدولة القبيلة والدولة الحزب
-
ضياع الفردية ما بين الدولة القبيلة والدولة الحزب
-
من مغالطات الوعد الإلهي للحركة الصهيونية
-
الكولونيالية، بناء الهويات،الشيخ والمريد .
-
دور المؤسسات التقليدية العربية في تقمص روح المؤسسة الحديثة :
...
-
الحراكات الشعبية العربية المعاصرة :خصائص وقواسم مشتركة
-
الخطاب الدولاتى بين قداسة الأمة ووطننة التاريخ والمجتمع العص
...
-
البني الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتها بالبني الطائفية والجهو
...
-
العولمة: إشكالية المفهوم ومداخل التحليل
-
تحولات اتجاه المعرفة العربية
-
التراث: هل هو نتاج فكر الحداثة؟
-
العلمانية: ما بين الدين والمبادئ التي تقوم عليها السيطرة
-
جينيالوجيا المثقف العربي وعلاقته بالسلطة
-
وحدة وحدة وطنية ..إسلام ومسيحيّة: -شعار مشبوه-
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|