أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2















المزيد.....

شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1143 - 2005 / 3 / 21 - 13:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


سبق أن رأينا ، ضمن مقال قديم عن أوضاع الفقر فى السودان ، أن من فساد التدبير اعتبار تاريخ أيَّة (دولة) محض لمَّع تتلاصف ، فحسب ، بسيَر العروش والتيجان ، ومآثر القادة والفرسان ، ودسائس الحواشى والأعيان ، وما إلى ذلك مما تعج به صحائف التراث ، وجله لا خير فيه ولا نفع ، على قول الشاعر محمد المهدى المجذوب. (فالدولة) ، فى حقيقتها ، هى أداة التسلط السياسى الضروريَّة فى المجتمع البشرى المنقسم إلى طبقات (تتدافع) فيما بينها حول السلطة والثروة وما يفرزه هذا (التدافع) من قيم.
ولعلَّ هذا بالذات هو الاسهام الفكرى الأهم لعبد الرحمن بن خلدون (732 ـ 808 هـ) ، حيث التاريخ عنده "خبر عن الاجتماع الانسانى الذى هو عمران العالم ، وما يعرض لطبيعته من التوحُّش والتأنُّس والعصبيات والتقلبات للبشر بعضهم على بعض ، وما ينشأ عن ذلك من الدول ، وما ينتحله البشر من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع" (المقدمة ، ص 43).
بذلك وبمثله أسهم هذا المفكر العربى العالمى الماجد فى التأسيس الباكر لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع ، مستنهضاً منهج دراسة الدولة وتاريخها على قدميه ، بعد إذ كان مقلوباً ، فأحاله من فعل الأفراد ، مهما عظم ذكرهم ، إلى فعل (البشر/الجماهير) ، بعصبيَّاتهم وحراكاتهم و"تقلباتهم بعضهم على بعض".
لقد قضت (السُنن) الكونية ، بالمصطلح الإسلامى ، أو (القوانين) التى تحكم حركة المجتمع والتاريخ ، فى ما قد يعده البعض محض رطانة ماركسيَّة ، بأن تقع (الدولة) ، أو (ضرورة الملك) ، بالمصطلح الخلدونى ، فى قبضة الطبقة الاجتماعيَّة السائدة اقتصادياً ، كشرط لإنفاذ امتيازاتها السياسيَّة ، من جهة ، ولحفز عمليات (التدافع) التى تحرك التاريخ إلى مراقيه الأعلى ، عبر سلسلة من التحولات الجدليَّة ، من الجهة الأخرى ، حيث الوعد ، فى الفكر الاقتصادى السياسى والاجتماعى الاسلامى ، للمستضعفين ، أو الأغلبية التى تمور فى قاع هرم التركيبة الاجتماعيَّة ، بوراثة هذه السلطة والثروة: "ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمَّة ونجعلهم الوارثين" (5 ؛ القصص). ويؤكد بعض الأئمة أن "تلك الطائفة .. هى منحدر التركيب ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين. وهذه .. سنة تاريخية" (محمد باقر الصدر ؛ السنن التاريخية فى القرآن ، ص 154).
وربما ، من هذه الزاوية بالذات ، وقع لبعض الكتاب الاسلامويين شئ من الانتباه لصحة التحليلات الماركسيَّة ، فى ما يتصل بظاهرة (الدولة) وسيرورة العلاقات الطبقيَّة فى نسق التطوُّر الاجتماعى ، فأقروا بأن "هذه مسلمة .. قبل بها الفكر السياسى والاجتماعى الاسلامى منذ وقت طويل. وقد نضيف إليها أن الدولة تتطلب بالضرورة نخبة سياسيَّة تقودها. يحدث أحيانا أن تتولى الطبقة الاجتماعية الحاكمة إفرازها ، ويحدث أن تتولى النخبة إفراز الطبقة" (عادل حسين ؛ ضمن: أزمة الديموقراطية فى الوطن العربى ، ص 204).
ورغم أن (النخبة) لا تفرز (الطبقة) إلا باستخدام مباضع الجراحة الانقلابيَّة ، فإن هذا المفكر الاسلاموى يجد ما يستند إليه فى كتابات ماركس حول نمط الانتاج الآسيوى. لكنه يخلص إلى نتيجة متعمَّلة مفادها أن (التكامل) هو السمة الأساسيَّة للعلاقة بين (الحاكم) و(المحكوم) من خلال الدولة (المصدر). وما ذلك ، فى رأينا ، إلا لكونه ينطلق ، فى الواقع ، من (نهايات) ، وليس من (مقدِّمات)! فهو يسعى ، فى ما يبدو جلياً ، لاستصلاح تربة فكريَّة وسياسيَّة مناسبة لاستزراع نوع (إسلاموى) جديد من (ديكتاتوريَّة النخبة) يريد أن تتوفر له مباركة الجماهير (بتكاملها) معه من خلال مؤسَّسة (الدولة) التى يضفى عليها ، بلا حيثيات مقنعة ، مسحة من براءة الحمل ووداعته!
لذلك ، وبرغم وجاهة تسليمه بهيمنة الأقلية على (الدولة) كأداة (للملك) فى المجتمع الطبقى ، إلا أننا نختلف معه فى ما يجترح من تاريخانيَّة جديدة لدور (الجماهير/الأغلبية) ، حين يختزله فى محض (التكامل) مع (النخبة الاسلامويَّة) ، لاغياً بالكلية سُنة (التدافع) التلقائى الذى لا يمكن ، كما قد رأينا ، أن ينقضى بقول أحد من الناس. فحتى لو بدا فى حالة سكونيَّة ، فذلك ، بالقطع ، سكون مؤقت.
فكرة (التكامل) التى يفترضها عادل حسين ، لا تتناقض ، فحسب ، مع القانون الدياليكتيكى الذى يحتم موت الظاهرة بانتفاء (وحدة وصراع الأضداد) داخلها ، ضمن الفلسفة التى يستصوب (بعض مسلماتها) ، وإن تك تلك ، على أية حال ، درجة من الرحابة الفكريَّة المطلوبة من باب التأسِّى بالحديث الشريف: (الحكمة ضالة المؤمن ، أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها) ، بل وتتناقض ، قبل ذلك وفوق ذلك ، مع سُنة (التدافع) القرآنيَّة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة) ، أى أن الشر يُدفع بالخير ، حتى لا يغلب فيعم الخراب والدمار (صفوة التفاسير للصابونى). فأى (شر) يعدل تكريس هيمنة (الأقلية) على أقدار (الأغلبية) فى المجتمع؟! وأى (خراب) أو (دمار) أكبر من أن ينتفى (التدافع) ، انتفاءاً عدمياً ، باصطناع (تكامل ملفق) تخمد أنفاس الحياة نهائيا ، بسببه ، على الأرض ، (فتفسد)؟!
وإذن فإن فكر عادل حسين ، قبل أن يطوِّح بعيداً ، فى هذه الناحية ، عن المفهوم الماركسى الذى يعلن قبوله ببعض (مسلماته) ، ومصدره العقل والفطرة ، يطوِّح بعيداً أيضاً عن المفهوم الاسلامى الذى يزعم أنه يبنى عليه ، ومصدره القرآن والسُنة ، ليتخذ مقامه فى قلب مفهوم (التراتب أو التناضد الاجتماعى Social Stratification) فى السوسيولوجيا البرجوازية ، والذى يقوم ، بالأساس ، على التعريف الاجرائى (لوحدات) الهرم الاجتماعى ، من زاوية التصنيف الاحصائى البحت ، كمجرَّد مجموعات من (أفراد) متماثلين فى المهن ، والدخول ، ومستويات التعليم ، وما إلى ذلك. فحتى فى حال النظر إليهم (ككتل) اجتماعيَّة ، يجرى إسقاط مضمون الفوارق بينهم كطبقات وفئات وشرائح منقسمة حيال وسائل الانتاج ، ومتدافعة ، بالضرورة ، حول السلطة والثروة.
هكذا يخلص منظرو (التناضد) ، وهذا هو بيت القصيد ، إلى استنتاج أن (السُكان) أجمعهم موعودون (بالترقى) المتدرِّج إلى المراتب الأعلى فى السلم الاجتماعى (كذا!) تبعاً ، لا (للتنمية) ، وإنما (للنمو) القائم على اجتهاد كل إنسـان بمفرده: (من كدَّ وجدَ ـ التجارة شطارة ـ دعه يعمل ، دعه يمر) .. الخ!
لكن ، عندما تؤول كلُّ هذه (الشعارات) ، فى بلد فقير كبلدنا ، إلى ضمور ، وتروح (حكمتها) تذوى فى التطبيق العملى ، ليتضخم ، بدلاً منها ، ويلقفها جميعاً الشعار الأكبر .. سيِّد الشعارات كلها: (الهَبَرُو مَلـُو) ، حينذاك لا يعود ثمَّة مناص من أن يتسلل من مخبئه (شيطان الخديعة) الفكرى الرابض خلف نظريات (التناضد الاجتماعى) و(الترقى المتدرج) ، لينتصب عارياً وسط الخرطوم ، يراه الجميع ، يمد لسانه للجميع ، ويرقص .. دون أن يغطى لحيته ، كما فى المثل السودانى!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جَنَازَةُ البَحْرْ!
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 2ـ2
- وعَلَى الأقْبَاطِ .. السَّلامْ 1ـ2
- الحَرَكَةْ: مِن الثَّوْرَةِ إلى .. الدَّوْلَةْ!
- لَيْسُوا -رِجَالاً-؟!
- اللُّغَةُ .. فِى صِرَاعِ الدَّيَكَةْ
- للذِّكرَى .. نُعِيدُ السُّؤالْ: الحَرَكَةُ: حُكومَةٌ أَمْ .. ...
- مِن الدَّوحَةِ إلى سَانْتِياغُو مَا لا يَحتاجُ لِزَرْقَاءِ ا ...
- القُوَّاتُ الأَدَبِيَّةُ المُسَلَّحَةْ!
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (2) إِتِّحَادُ الكُتَّا ...
- الحُكومَةُ والكُتَّابُ فى السُّودانْ (1) مَشْرُوعِيَّةُ الغَ ...
- حِسَابٌ أَمْ .. -كُوَارْ-؟!
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (3)
- (2) مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ لَعْنَةُ ...
- مُفَاوَضَاتُ القاهِرَةْ: مُلاحَظاتٌ أوَّلِيَّةْ (1) المِحْوَ ...
- يا -لَلْخِتْيَارِ- فِى البَرْزَخِ بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْت ...
- القَاعِدَةُ .. والاِسْتِثْنَاءْ !
- مَرْجِعِيَّةُ الاتِّفَاقِ .. الوَرْطَةْ!
- مَطْلُوبٌ .. حَيَّاً!
- جَنْجَوِيدُ العُرُوبَةْ!


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - شَيْطَانُ الخَديعَةْ 1ـ2