|
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
محمد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 00:50
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
في وصية جارودي للقرن الحادي والعشرين، أشار إلى سباق الرأسمالية المحموم نحو الموت و"الإنتحار الكوني"، هذا النظام، هو نظام المافيا والدعارة والموت. فمن الإفقار إلى الدعارة، ومن المسابقة على الأموال إلى المافيا، ومن المافيا إلى الموت
الرأسمالية، إقتصاد الموت تناولنا في القسم الأول من هذه المادة الإقتصاد الرأسمالي ومنظومته الإجتماعية القيمية المرافقة، وهذه المنظومة تنظوي على العديد من الكوارث الإجتماعية، تحدثنا في تفصيلاتها عن بندين أساسيين: المافيا والدعارة. وهنا سنتجه إلى بند عام وخاص في آن واحد، إقتصاد الموت، عموميته تكمن في أن الموت مفهوم واسع يشتمل على العديد العناصر، وقد لا يعني الموت البيولوجي فقط، فالإقتصاد الرأسمالي يقدم وجبة متكاملة من الموت المعنوي، ويمارس هذا الصنف من التصفية، التوتر والقلق والإستلاب والإغتراب، كلها عناصر مرتبطة بعمومية الموت. وفي الشق الخاص تكمن الفكرة في توحد الرأسمالية مع الربح دون أية حسابات أخرى، وهذا التوحد ينتج لامبالاة الرأسمالية في المشي على جثث البشر في سبيل الربح ! وهذا فعلاً ما حصل من خلال العديد من المشاهد المباشرة وغير المباشرة، وسآتي على ذكر البعض منها هنا: ■تأتي قوانين المليكة الفكرية وبراءات الإختراع في حزمة واحدة مع قوانين الرأسمالية، ولقد تم تضمينها في حزمة إتفاقيات منظمة التجارة العالمية. وتشتمل هذه القوانين على حماية المكتشف أو المخترع لضمان الكسب الدائم من منتجه حتى لو كان دواء، إذن لا تستغربوا أبداً من موجات فيروسات جديدة من جنون البقر إلى إنفلونزا الطيور إلى إنفلونزا الخنازير التي ظهرت بعد عدة دراسات عملت عليها مختبرات متخصصة في دراسة الإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة الملايين بعد الحرب العالمية الأولى. هنا يفتح الباب على موجة واسعة من الأسئلة: ما معنى الحرية الفردية في سياق كهذا؟ وما معنى تقدير الإبداع الفردي فيه؟ وأين تقع الضرورة البشرية الجماعية في هذه الحالة؟ هل هذه هي الحرية الفردية التي تروج لها الرأسمالية، حرية الربح، التي تعبر عن الإبداع المرتبط بالإحتكار ، إذن في هذه الحالة لا مفر من أن يكون الإبداع مجرماً! ■المنافسة على الأرباح تفتح الباب وبشكل ضمني على القرصنة، هذه هي الثروات المالية أمامكم، إنقضوا عليها، ولكل “مجتهد” نصيب! دخلت القرصنة عالم الملاحة الجوية، وهذه القرصنة المنصبة على قطع الغيار بالدرجة الأولى، أودت بحياة جميع ركاب طائرة كونف إير النرويجية عام 1989م، وسببت إنفجار طائرة الكونكورد المقلعة من باريس عام 2000م. إبتدأت هذه المسيرة بتحرير شركات الطيران من التشريعات الناظمة بمباركة كارتر عام 1978م، وإستكملها ريغان بعد ذلك بمزيد من التحرير. ■بمنحى دعائي معروف للجميع، سحبت السلطات البريطانية عام 2005م حوالي 120000 علبة من عقار ليبيتور، فقد إكتشف أن هناك الكثير من العلب “المقلدة” التي أودت بحياة الكثيرين. حسب نابوليوني هناك نصف مليون شخص يموتون سنوياُ بسبب العقاقير التجارية. كانت هذه الدراسة عام 2006م. كما تسببت لقاحات مقلدة ضد إلتهاب السحايا بمقتل 2500 طفل إفريقي عام 1995م. ■فشل كلوي، فاختلال الجهاز العصبي، ثم الشلل، فصعوبة التنفس، فالموت. هذا هو المسار الذي طرحه كاتبان أمريكيان ” والت بجدانيش وجاك هوكر”، في وصفهم لمأساة مئات البنميين الذين ماتوا بشحنة دواء سامة، مرت من ثلاث قارات، وثلاث شركات طبية كبرى، وبتصاريح عبور تخفي نقطة الإنطلاق، مرت هكذا بكل أمان! ■في مصنع أنتج 137.000 قطعة من الآيفون، وفي ظل ظروف عمل قاسية جداً “ساعات العمل الإضافية الإجبارية تحديداً” أقدم 18 موظفاً عام 2010 على الإنتحار. ■“إجعل الناس يمرضون بسب الطعام الذي يحبون تناوله، ومن ثم عالجهم بالدواء والجراحة، وهكذا سيكسب الجميع، ويرتفع الناتج المحلي الإجمالي” هذا هو النمط الأمريكي حتى في العلاج، البائع هو الطبيب، والمريض هو الزبون، والوهم في العلاج هو السلعة! ■إن الرأسمالية خلقت شرخاً لا يمكن إصلاحه في العلاقة التبادلية “الأيضية” بين البشر والطبيعة، وبتعبير آخر بين البشر وشروط الإنتاج الدائمة التي تفرضها الطبيعة. هذا ما فعلته الرأسمالية عندما فتحت الباب للمبادرة الربحية الفردية وإنتقدت التخطيط المركزي لآلية الإستفادة من الطبيعة وآليات التعاطي مع قوانينها. هكذا يرتبط الإحتباس الحراري والتصحر وشح المياه المسحوبة لمزارع الرأسماليين أصحاب النفوذ وتلوث المياه، هكذا ترتبط جميعها عضوياً بالمنظومة الرأسمالية ونظرتها للتعامل مع الطبيعة. كتب ماركس في هذا السياق “لم يجدوا في لندن طريقة أفضل من التخلص من فضلات أربعة ملايين ونصف مليون نسمة سوى تسريبها إلى نهر التايمز”. يتهم عدد من الباحثين الماركسية بأنها علمية جافة إلى الحد الذي لم تتعرض معه إلى الإيكولوجيا، وعلى العكس من ذلك، فالماركسية هي التي تناولت الفكرة القائلة أن الإنسان “في ظل الرأسمالية” هو من يقوض شروط الإنتاج التي تفرضها الطبيعة، وبذلك يشرخ العلاقة الأيضية معها! ■لا تتمكن الرأسمالية من العيش دون حروب ومن دون خلق التقسيمات الإثنية والطائفية والإقليمية، لأنها تعيش على القصور الذاتي لدول الأطراف، تعيش على عجزها عن التنمية الذاتية، بإختصار لأن مشروعها يحتاج إلى التوسع وتفريغ المنتجات في الأسواق على هذا الأساس. هذ ما فعلته في الوطن العربي على أسس سني وشيعي، شمالي وجنوبي، مسلم ومسيحي، عربي و “آخر” كما هو الحال في الشمال الإفريقي، وهذا ما فعلته في الهند عندما قسمت المكون السكاني إلى مسلم وهندوسي. لم يكن هذا العرض من الأمثلة لإستدرار العواطف وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، فالمطلوب من عرض التفاصيل دائماً ربطها بالفكرة الأساسية الشمولية وجذر المشكلة، النظام الرأسمالي العالمي يقدم حزمة متكاملة من الموت، الموت البيولوجي، والموت المعنوي السيكولوجي، يد تسن القوانين والتشريعات لحماية المنتج وأخرى تصنع الداء والدواء، طائرة تقصف وتدمر البنى التحتية وشركة تنال العطاء “لتبني”، يد تنهي خصوبة التربة وتلوث المياه والأبواق السياسية المعاونة تقر إتفاقية كيوتو، نظام متكامل يقذف بالعمال إلى الإغتراب والإستلاب ومن ثم الإنتحار ويتقبل مدير المصنع التعازي ولربما يقدم التعويضات المالية. في وصية جارودي للقرن الحادي والعشرين، أشار إلى سباق الرأسمالية المحموم نحو الموت و”الإنتحار الكوني”، هذا النظام، هو نظام المافيا والدعارة والموت. فمن الإفقار إلى الدعارة، ومن المسابقة على الأموال إلى المافيا، ومن المافيا إلى الموت
#محمد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يهاجمنا الرأسماليون؟ لودفيغ ميزس نموذجاً
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (1-2)
المزيد.....
-
مواجهة التغول الرأسمالي الإمبريالي تتطلب تصعيد وتوحيد نضالات
...
-
ألعاب نارية تضيء سماء بطرسبورغ في الذكرى الـ81 لرفع الحصار ع
...
-
بغداد ترفض الحرب.. وأنقرة تضغط من أجل مقاتلة حزب العمال
-
فلنشكل جبهة شعبية لمواجهة مخططات التهجير ولدعم النضال الفلسط
...
-
تعريب العلوم: جدل الهوية والتحرر
-
تعقيب أحمد العبادي عن فريق التقدم والاشتراكية على رئيس الحكو
...
-
تلغراف: ترامب يحطم بالفعل الدولة اليسارية العميقة
-
مؤرخ ألماني يدعو برلين إلى الاعتراف بحصار لينينغراد كجريمة إ
...
-
الذكرى الـ81 لفك الحصار عن لينينغراد
-
الرفيق حنا غريب، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، في حوا
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|