|
تدمر في الذاكرة8 ليلةمن2000يوم وليلة
حسن الهويدي
الحوار المتمدن-العدد: 1142 - 2005 / 3 / 20 - 13:49
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
شارفت الشمس على المغيب والبرد القارس يقتحم الشبابيك التي تلفها القضبان المعدنية متقاطعة بشكلها العشوائي حيث يأتي دون أن يستأذن الدفء ليجلس بين الجسد الهزيل، ليخبرنا عن يومٍ الحزن شريك والموت رفيق الاحياءيتربع بين جدران المهاجع يرّعبنا بين الفينة والأخرى وصوت الجلاد صارخاً ترتعد المهاجع بسجنائها مر تعبة تتراعش إطرافها وتهتز وكأنه الزلزال المنذر بالدمار، ليل قادم من ليالي تدمر التي بيننا وبينها المجهول، قف أيها النهار وأجعل نورك سراج لنا في عتمة الدهاليز المجهولة يد البطش والموت فوق رؤوسنا في اللحظة التي تليها لحظة أخرى أما قلبي انثالت عليه نفسي الذكر واجهشت عينيّ بالبكاء، لا ترحلي ودعيني أنام على ذراعيك وأتوسد الامان فأنا مرتعب حتى الموت من ذلك الغول الذي يسكن الصحراء يختبىء تحت الرمل ليفزعني في عتمة الليل وجسدي هزيل لا يقاوم وقلبي يكاد أن يخرج من بين أضلعي، بينما كنا نودع أبا الحارث الذي عذبوه حتى عمده المرض واضنتة العلة وعيناه الشاردتان شاخصتان إلى السماء وجبينه الشاحب من عرق الموت بين المد والجزروانت واقف عاجز حيال ذلك لاتستيطيع ان تفعل له شيئا فتذهب نفسك حسرات . (أرحل أيها الملاك الكريم، فإنك جليل عظيم، نعم أنا شاكِ باكِ حزين، اذهب انت بسلام أيها النور الصامت الهادىء فمرقدك مضيء، وداعا يا أيها الرجل، فلنتذكر أغانيك وأناشيدك الصوفية؛ أخرجوك يحملونك على بطانية عسكرية، ويتهمونك انك أنت السبب في موتك بينما كنت تغتسل في الحمام حيث قدمك زلت بالماء والصابون ووقعت صريع الموت على رأسك لن ترى بعد اليوم الحارس الملثم الذي يراقبنا من على سطح المهجع يتربص بنا ليختار فريسته، لن يرعبك، طعام العشاء بطاطا مسلوقة بماء عكر ومعجون بالوحل ليضف الكثرة على القلة، حصتك سنوزعها على المرضى وقد تكون من نصيب أخيك العليل الحزين، وأما ثيابك المهترئه فستكون من نصيب العراقي الذي هو بحاجة إليها والذي سيترحم عليك لسترة عورته.) صوت مؤذن نكاد نسمعه بلهجة مكية ينادي لصلاة المغرب ويخبرنا بمغيب الشمس التي قد لا تشرق غداً، انتهى الجميع مما بين أيدهم استعدادا للنوم والكل يتضرع إلى الله كي يحميهم من المجهول، والحرس الليلي بداخل المهجع تبدأ مناوبته عند الساعة الخامسة مساءً كان دور" اللبناني" أبو محمد" الذي سلمه رئيس المهجع المسؤولية كاملة وأمر الجميع أن يعصب عينيه ويمتنع عن أية حركة ويمنع الخروج ليلاً لدورات المياه مهما كانت الأسباب، الجميع جمد بمكانه حيث الأنفاس شبه مقطوعة والأجساد ترتجف من البرد ففصل الشتاء لن يرحم العراة، والشرطي الملثم المكلف بحراسة المهاجع يسب ويشتم كلما مّر بنا على سطح المهجع وعند الساعة السابعة مساءً جاءت الدورية وطلبوا الحارس الليلي وأمروه بخلع ثيابه كاملة ثم الانبطاح على الأرض المبللة بمياه الصقيع فدرجة حرارة طقس منخفضة جداً ونادى أحدهم برئيس المهجع وأمره بصب الماء على جسد الحارس الليلي المدد الذي اتهمه بالنوم، وكلف رئيس المهجع أن يبقى على وضعه حتى الصباح، وبعد أن تُسلّم حارسا أخر مكانه في الساعة الثامنة، وابتعدت الدورية تسلل البعض منا إلى دورات المياه والتناوب على مكانه كي نخفف عنه البرد الذي نتقاسمه كما نتقاسم العذاب، قف.. قف..صاح بصوته انه أبو كاسر الشرطي الجلاد الذي لايمكن أن تكون بعد ضربته الحياة إلا من رحمه ربه، وقف عند "الشراقة" وهو يزمجر غاضباً ونادى بالحرس الليلي ويطلق عنان كلماته البذيئة عليه، ثم طلب فصيلة الحيوانات وهي عبارة عن مجموعة من السجناء أوكل لكل واحد منهما دور حيوان يقلده السجناء.."الجدي" هو العجوز ابومحمود..."الحمار" هو العجوز أبوفيصل..ثم القط.. الكلب. الخروف..والديك..الفأرة والجردون... وابو الحصين... وتجميعهم في دورات المياه وطلب من الجميع أن يقلدوا الأصوات مجتمعين وأخذت الأصوات المقلدة تخترق الجدران في سكون الليل الوحشي وأحد السجناء ممدد على الارض وجسده عارٍ يرتجف ، والشرطي يسلط ضوء مصباحه على مؤخرة السجين المدد ثم يأمر الحمار العجوز أن يتقدم نحو السجين العاري ويطلب منه خلع ثيابه وأمر الأخر بتصحيح وضعيته وأن يقف على رجليه ويديه كما يفعل الحمار وطلب من العجوز الحمار أن يضاجع الحمارة والاثنان معاً عراة أمتنع العجوز في بداية الأمر عن فعل ذلك ولكن أدرك في النهاية أنه ان لم يفعل فسيكون الموت المؤكد نصيبه كونه يرفض الامرالمقدس الصادر من الشرطي الذي يتلذذ بما يفعل وضوء مصباحه مسلط نحوالاعضاء التناسلية للعراة كان منظراً تقشعر له الأبدان ومن بداخل المهجع دموعهم الخفية تكاد تفجر الأعين التي لا تستطيع رؤية ذلك، السماء تبكي غاضبة بدأت الرياح تعصف بشدة ونأمل أن يغادر الحرس "الشراقة" ويختبىء بمحرسه ولكنه أصر على البقاء مستمتعا بالمشهد وتحمل تساقط المطر والريح العاصفة شديدة البرودة على جسده وطلب خمسة سجناء من داخل المهجع إلى دورات المياه وانضمامهم مع مجموعة الحيوانات وأعطاهم دور الأصيصان وأمر الدجاجة أن تجر صيصانها الخمسة نحو فتحة المرحاض وإخراج " الخراء"من الفتحة وإطعامها لصغارها والديك أمره أن يصعد على الحائط الذي يعزل الحمام عن مدخل المهجع ثم يصيح بأعلى صوته ثم ينقض بعد ذلك على الدجاجة ونقرها على رقبتها تمهيداً لمعاشرتها جنسياً والصغار مازالوا يتناولون طعامهم من الأوساخ وبقي حال الجميع هكذا حتى منتصف الليل وقبل نهاية مناوبته أمر الجميع بالدخول إلى المهجع والنوم شبه عراة بما فيهم الحرس الليلي الذي أقدم حارس أخر على تعذيبه وفي الساعة الواحدة ليلاً على وجه التقدير قدم أحد الحراس إلى الشراقة المطلة على ساحة المهجع وطلب من رئيس المهجع الذهاب إلى دورات المياه ومعه "الجدي العجوزابومحمود" وعندما وصل إلى هناك بدأ يكلم الجدي بصوت هادى بينما كان الشرطي مشغول بحديثه أندفع البعض منا الذين أماكنهم بالقرب من دورات المياه إلى لتنصت للحديث الذي يدور بين "الجدي" والحارس الشرطي وهو يأمره إن يقلد له كيف كان يمارس الجنس مع زوجته ولكن أبا محمود استطاع أن يقنع الشرطي أنه أعزب ثم طلب رئيس المهجع لتأكيد ذلك فأكد له، ولكن طلب الشرطي من رئيس المهجع أن يقلد له كيف يمارس الجنس مع زوجته بالرغم إن حارس المهجع ليس متزوج ولكن الخوف دفع به أن يقلد ذلك وبدأ..يتأوه...ويتنهد ويتأفف..أوه...أه... وكأنه بحالة جماع جنسي حقيقي وهذا جعل الشرطي يطلب تكرار ذلك لعدة مرات منه وتبين لنا أن الشرطي كان يمارس العادة السرية بالتوازي مع تأوهات رئيس المهجع الجنسية وبعدها أمره بمغادرة المكان والاحتفاظ "بالجدي" وطلب منه خلع ثيابه كاملة ثم الاستلقاء على ظهره باتجاه الشراقة وبدا لنا أن الشرطي يسلط ضوء مصباحه نحو"عضو أبا محمود الذكري" هكذا نتبادل الأدوار طوال الليل وهم يتبادلون الأماكن، وكان صوت المؤذن البدوي الذي ينقطع أحياناً كلما اشتدت سرعة الرياح ليخبرنا بقرب طلوع النهار، الدماء تجمدت في عروق العراة تستنجد بدفء خلايا النور لتستمر الروح في البقاء ليوم جديد يحدد قد مصيرنا ، وبقي الكلب من فصيلة الحيوانات ينبح حتى أمر رئيس المهجع الجميع بالنهوض ورفع البطانيات والجلوس ضمن نسق موازي لجدران المهجع ورؤوس الجميع منحنية نحو الأرض بناء على التعليمات الصادر من إدارة السجن وحراسه، والعجوز الذي أكلت من عمره السنين هاهو بين أعمدة التاريخ يصرخ للحرية، الأوامر دائماً نافذة الأبيض أسود والعكس تماماً صوت الحارس الذي يعذبنا قوي دائماً وأصواتنا بالكاد تسمع وأيدينا مجتمعة رغم كل الجراح التي أصابت خوالج الكرامة، جسد بلون صحراء المنفى نتقاسم رغيف الذل والعذاب، يسحب العريف العملاق مصراع الباب الذي يرسم ويصدر صوتا راعداً والبرق فيه مجهول... وان الضربة الاولى على رأسك بسوطه القاسي تنتشر في جميع تضاريس جسدك نهشا ورعبا لتصبح بين الحاضر والماضي وتختلط الأزمنة. وغدا يوم أخر... ----------- سجين سابق سورية
#حسن_الهويدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تدمرفي الذاكرة(6): شبح عون المخيف 1989
-
تدمر في الذاكرة(5) طبابة متميزة
-
تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة
-
تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ
-
تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن
-
العيد في سجن تدمر
-
الكرد والمغمورون في سوريا
-
فوبيا المؤامرة
المزيد.....
-
هيئة فلسطينية: إلغاء إسرائيل اعتقال المستوطنين يسهل جرائمهم
...
-
4 ملايين عائلة مهددة بالتفكك في الولايات المتحدة بسبب خطط تر
...
-
أول تعليق لإردوغان على مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتانيا
...
-
الرئيس التركي اردوغان يؤكد دعمه لقرار الجنائية الدولية باعتق
...
-
كندا وكولومبيا تتعهدان باعتقال نتنياهو
-
هآرتس: نتنياهو جلب مذكرة الاعتقال على نفسه والآن يتباكى بدعو
...
-
هيئة فلسطينية: إلغاء إسرائيل اعتقال المستوطنين يسهل جرائمهم
...
-
مقتل واعتقال اكثر من 70 ارهابيا جنوب شرقي ايران
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|