|
من المستفيد من إفشال العملية السياسية في العراق؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 15:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ اليوم الأول من إسقاط حكم البعث الفاشي، هب أيتام البعث وحلفاؤهم من أتباع القاعدة الوهابيين الوافدين من السعودية وغيرها، لمحاربة العراق الجديد بحجة تحرير العراق من المحتل الأمريكي الكافر وعملاء أمريكا!. ولكن مع سقوط هذه الحجة بانسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، استمرت العمليات الإرهابية، وفي هذه المرة بحجة محاربة عملاء إيران الصفويين!! والمقصود بهذا الشعار الطائفي هو محاربة آخر شيعي عراقي يخرج على المألوف العثماني فشترك في حكم وطنه العراق. وتوضَّح ذلك جلياً مؤخراً في خطابات النائب من كتلة العراقية، أحمد العلواني، الذي قاد مظاهرات صاخبة في الفلوجة، وبشعارات طائفية صريحة، حيث دعى الجماهير للزحف شرقاً لسحق عملاء إيران وصولاً إلى طهران!!
على إن محاربة العراق الجديد لم تقتصر على أيتام البعث وأتباع القاعدة الوهابيين، بل نجح أعداء العراق بتجنيد مختلف الجهات السياسية، مستغلين تعقيدات الوضع والصراعات بين مختلف مكونات الشعب الدينية والقومية، والكيانات السياسية، فهناك كثيرون يفضلون مصالحهم الشخصية والفئوية على المصلحة الوطنية. لذلك ليس صعباً على السعودية وقطر والسلطان العثماني أردوغان، شراء الذمم من سياسي العراق لتدمير وطنهم وتحت واجهات حق مثل محاربة الطائفية والفساد، ولكن يراد بها العكس.
والأكثر غرابة أن نرى شخصيات سياسية، رغم أنها ساهمت في معارضة حكم البعث الجائر، ولكنها رضيت اليوم أن تساهم مع أيتام البعث في إفشال العملية السياسية ووأد الديمقراطية الوليدة وتحت مختلف الذرائع، تارة بحجة أنهم ضد المحاصصة الطائفية والعنصرية، وأخرى بحجة تفشي الفساد!!. فمنذ أكثر من عام، جند فخري كريم كتّابه في صحيفته (المدى) لشن حملة ضارية ضد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، مردداً اتهامات رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البرزاني له بالدكتاتورية. إذ لا يخلو عدد من الصحيفة المذكورة من مقالات نارية ضد المالكي. والكل يعرف أن إلصاق تهمة الدكتاتورية باطلة، لأن لا يستطيع أي كان رئيساً للوزراء في الظروف الراهنة أن يكون دكتاتوراً وذلك لأن عدد نواب المعارضة يفوق المؤيدين له، وبإمكانهم إسقاطه في أي وقت لو أرادوا، وإنما سبب عدم إسقاطه هو أن العداء المستفحل فيما بين الكتل المعارضة أشد من عدائهم ضد خصمهم المالكي، وليس بإمكانهم ترشيح البديل الذي يرضيهم جميعاً أو يرضي حتى الأكثرية البرلمانية البسيطة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، طلع علينا مرة السيد عدنان حسين (أحد كتاب المدى) وهو يحرض صراحة على إفشال العملية السياسية. والجدير بالذكر أن عدنان حسين هذا يكتب دائماً بما يرضي أولياء النعمة. فعندما كان يعمل في صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، كتب مقالين طالب فيهما السعودية والكويت وجميع الدول الدائنة بعدم التخلي عن ديونها على العراق ليكون درساً للشعب العراقي بعدم إنتاج صدام آخر في المستقبل (كذا)، وكأن صدام حسين استلم السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وشن حروبه العبثية بموافقة الشعب، لذلك طالب عدنان حسين بمعاقبة هذا الشعب وحتى الأجيال القادمة على جرائم صدام.
واليوم طلع علينا سياسي مخضرم آخر بمقال طالب فيه بمقاطعة الانتخابات القادمة، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية بعنوان: (من أجل الديمقراطية في العراق قاطعوا الانتخابات القادمة). والسؤال الذي نود طرحه هو: لمصلحة من يريد هؤلاء إفشال العملية السياسية، ومقاطعة الانتخابات، ووأد الديمقراطية الوليدة؟ قلنا مراراً أننا لا ندعي أن الديمقراطية في العراق ناضجة تنافس الديمقراطيات الغربية، فبعد عشرات السنين من الخراب المادي والبشري، والتجهيل المتعمد، والردة الحضارية، وتكالب دول الجوار على العراق، لا يمكن أن يكون الوضع مثالياً... ولكن هناك بعض الحقائق لا بد من ذكرها: أولاً، نعرف من تاريخ الدول التي سبقتنا في هذا المضمار أن ولادة الديمقراطية في أي بلد ليست عملية سهلة، بل غالباً ما تتم بعملية جراحية قيصرية مصحوبة بآلام ودماء. ثانياً، لم يمارس الشعب العراقي الديمقراطية طوال تاريخه قبل 2003، وحتى في العهد الملكي الذي يحلو للبعض وصفه بالعهد الديمقراطي الليبرالي، وأنه كان العهد الذهبي في تاريخ العراق، إذ في معظم الأحيان كان رئيس الوزراء الجديد يحل البرلمان ويعين معظم النواب بعملية انتخابية صورية مزيفة. وهذا ما شهد به معظم رجال العهد الملكي الذين نشروا مذكراتهم مثل الراحل عبدالكريم الأزري وغيره.
الحقيقة الثالثة، لا تولد الديمقراطية متكاملة وناضجة، ولن تكتمل أبداً، ويحتاج الشعب إلى سنوات طويلة في الممارسة المتعثرة إلى أن يتعود عليها ويقبل بنتائجها وتصبح جزءً من ثقافته الاجتماعية.
الحقيقة الرابعة، أن شعباً منقسماً على نفسه ومتخاصماً فيما بين مكوناته، وأزمة الثقة بين قادته السياسيين، لا بد وأن تحصل كل مكونة على حصتها في السلطة وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع حتى ولو أطلقوا على هذه العملية اسماً تسقيطياً مثل المحاصصة. فهذا الوضع هو نتاج التاريخ والجغرافية وليس من نتاج المالكي أو من سبقه في رئاسة الحكومة مثل إبراهيم الجعفري وأياد علاوي. وأتحدى أية جهة تستطيع تغيير هذه التركيبة في حكم العراق في الوقت الحاضر أو المستقبل المنظور. أما الذين يطالبون بحكومة ديمقراطية شبيهة بحكومة السويد فعليهم تحويل الشعب العراقي إلى ما يشبه الشعب السويدي، ويتخلصوا من هذه الانقسامات الطائفية والقومية بعصى سحرية كن فيكون!.
في الحقيقة إن غرض الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات وتخريب العملية السياسية هو لإنقاذ ماء وجوههم، فهم يعرفون مسبقاً أن دورهم السياسي قد انتهى، وتاريخهم حافل بالهدم، وهم يتحملون حصة الأسد فيما حل بالعراق من خراب ودمار، سواء كانوا من اليسار الشيوعي أو اليمين البعثي. ولذلك يريدون تبرير هزيمتهم في الانتخابات القادمة، كما انهزموا في الانتخابات السابقة، ليقولوا أنهم هم الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات، وهم الذين طالبوا بالمقاطعة، بحجة أن العملية السياسية هي محاصصة وفاسدة لن يرتضوها.
حكاية تزييف الانتخابات: يدعي هؤلاء أن الانتخابات تم تزييفها بشهادة زعيمي أكبر الكتلتين، المالكي وعلاوي.!!! نقول لهؤلاء، إذا كان هناك تزييف فالتزييف تم بدهاء وذكاء وعلى حساب كتلة دولة القانون فقط لخلق مشكلة. وعلى سبيل المثال، يعرف الجميع أن في نظام (التمثيل النسبي) تكون حصة كل كيان سياسي من المقاعد البرلمانية حسب نسبة الأصوات الانتخابية. فمثلاً حصل التيار الصدري في الانتخابات الأخيرة على 6% من الأصوات الانتخابية، بينما حصل على 12% من المقاعد البرلمانية..كيف؟ علمه عند المفوضية الانتخابية! أما الكيانات التي فشلت في الحصول على القاسم الانتخابي، فلم يتم إجحافهم كما يدعون. وهذه القاعدة متبعة في جميع الدول الديمقراطية التي تطبق نظام التمثيل النسبي. لذلك فالذين يدعون بمقاطعة الانتخابات بحجة التزوير أو سرقة أصواتهم، هم لا يخدعون إلا أنفسهم، وغرضهم إيجاد مبرر لهزيمتهم المتوقعة، فالحقيقة الناصعة تؤكد المثل العراقي: "الماينوش العنب يقول حامض".
درس من مصر في المقاطعة لو كان دعاة مقاطعة الانتخابات على حق، ويعرفون أنهم يتمتعون بشعبية واسعة لما رفعوا شعارات تخريبية مثل الدعوة لمقاطعة الانتخابات. فالمقاطعة لا يستفيد منها إلا أعداء الديمقراطية. وما حصل في مصر خلال الانتخابات الرئاسية والاستفتاء الشعبي على الدستور خير دليل على ما نقول. لقد فاز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية بنسبة 26% فقط من الذين يحق لهم التصويت، لأن نحو 50% منهم قاطعوا الانتخابات، أما الاستفتاء على الدستور فقد شارك فيه 33% فقط من الذين يحق لهم التصويت، وصوت لصالح دستور الرئيس مرسي ثلثا الثلث (66%) أي ما يعادل 22% فقط من الذين يحق لهم التصويت. ومعظم الذين يؤمنون بالديمقراطية يعرفون أن سبب فوز الرئيس المصري ودستوره هو المقاطعة من قبل خصومه.
وهذا درس لدعاة المقاطعة في العراق. فالذين رفعوا شعار: (من أجل الديمقراطية في العراق قاطعوا الانتخابات القادمة) غرضهم إفشال الديمقراطية، والعملية السياسية بحجة دعم الديمقراطية. إن تاريخ هؤلاء لا يبشر بخير، فطوال تاريخهم، منذ العهد الملكي وإلى هذه اللحظة كان عملهم هو الهدم والتخريب، ولم يجيدوا عملاً غيره في النشاط السياسي، يمارسونه باسم الوطنية والديمقراطية ومن أجل البؤساء والمساكين من أبناء شعبنا، بينما قصدهم عكس شعاراتهم تماماً، إذ يعرفون جيداً أن الديمقراطية ليست في صالحهم، ولذلك فهم يحاربونها. فالمستفيد من إفشال العملية السياسية هم أعداء العراق في الخارج مثل السعودية وقطر وأردوغان، وأعداء الديمقراطية المتضررين بها في الداخل. أما الذين يدعون حرصهم على الديمقراطية فعليهم أن لا يقعوا في الفخ للمرة العاشرة، فحركة التاريخ في صالح الديمقراطية، والذين يحاولون محاربتها وتحت مختلف الذرائع الواهية فلا يخدعون إلا أنفسهم ومصيرهم في حفرة المقبور صدام حسين.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غفلة الغرب عن مخاطر الإسلام السياسي
-
قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري
-
هل سيحقق البارزاني نبوءة صدام؟
-
خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق
-
حول إلغاء البطاقة التموينية
-
في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية
-
من يحاكم المتَّهّم...القضاء أَم الإعلام؟
-
وعن جرائم البعث لا تتكلموا..!
-
الشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل القرون المنصرمة وغير صالحة
...
-
لست تابعاً للمالكي، والعلمانية أفضل نظام لحكم العراق
-
من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟
-
عراقيو الداخل... عراقيو الخارج
-
مخاطر تمرير قانون العفو العام عن مرتكبي الإرهاب والفساد
-
بهنام أبو الصوف في ذمة الخلود
-
الفيلم المسيء والرد الأسوأ
-
حول إغلاق النوادي الاجتماعية في بغداد
-
في مواجهة حرب الإشاعات
-
انفصام بعض السياسيين العراقيين عن الواقع
-
من المستفيد من الفتنة الطائفية؟
-
من هم سماسرة الطائفية؟
المزيد.....
-
-45 ساعة من الفوضى-: مصادر تكشف لـCNN كواليس إلغاء قرار ترام
...
-
مستشار ترامب: يجب على مصر والأردن أن تقترحا حلا بديلا لنقل س
...
-
-الطريق سيكون طويلا جدا- لإعادة بناء غزة من الصفر
-
إدارة ترمب تسحب 50 مليون دولار استخدمت لـ-الواقي الذكري- في
...
-
أميركا نقلت صواريخ -باتريوت- من إسرائيل إلى أوكرانيا
-
-الشيوخ- الأميركي يعرقل مشروع قانون يعاقب -الجنائية الدولية-
...
-
مقتل العشرات بتدافع في مهرجان هندوسي ضخم بالهند
-
ترمب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين
-
دفع أميركي باتجاه وقف هجوم حركة -أم 23- على شرق الكونغو
-
توقيف رجل يشتبه في تخطيطه لقتل مسؤولين في إدارة ترمب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|