محمود عبد الغفار غيضان
الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 20:25
المحور:
الادب والفن
غُرزَة المعلم "منظور"
مخزن قديم ملاصق لأحد بيوت عائلته. بقليل من النقود وببعض الكراسي من البامبو العتيق وعدد من الطاولات التي اشتراها من عبد الرسول- أشهر بائع أثاث مستعمل من القاهرة- شيد المعلم منظور الغرزة الجديدة بأحد الشوارع الداخلية الكبيرة بالقرية. بعد الظهر، يفتح منظور الباب ويكنس بامتداد واجهة الغرزة بالشارع، مشاغبًا المارة بتحويل اتجاه الغبار الكثيف المتطاير نحوهم، مرددًا عبارته الشهيرة "عفرة للنبي!!"، كان ابن الشيخ عبد الحي حافظ القرآن الكريم ومدرس اللغة العربية بالمدرسة الابتدائية يقول كلما سمع تلك الجملة: "أتممتُ حفظ القرآن الكريم، وقرأتُ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأت وقرأت لكني عرفتُ لأول مرة من المعلم منظور أن النبي كانت له عفرة!!!". مع اقتراب المغرب يبدأ شباب القرية في احتلال كراسي الغُرزة وبخاصة الداخلية، وفي المساء يشغل منظور الفيديو حسب طلبات الزبائن! فتكون مشاهدة الأفلام بالمشاريب الإجبارية أو بسعر منفصل عنها. في تلك الليلة، ومع قرب حلول العام الميلادي الجديد، وقف منظور أمام الفيديو مُحدثًا الجالسين: " انهارده ليلة الكريزنس.. ف أمريكِه بيشوفوا فيلم (لوحدي في البَيتْ- الجزء الأولاني والتاني) وفيه ناس بتتفرج على أفلام سلفستر ستلموني. أشغلكم آه بقى؟"... وبعد الاستقرار على المشاهدة بالمشاريب الإجبارية، وضع منظور أحد الشرائط القديمة بجهاز الفيديو، ومع خربشات على الشاشة وحشرجات في صوت الجهاز الذي غطت عليه أصوات توقعات الزبائن، كان أحد الصبيان العاملين بالغرزة قد شرع في تقديم أغلى المشروبات سعرًا، بينما زجره البعض لأن مروره المتكرر يحول بينهم وبين الشاشة... وعندما خرج منظور للجلوس على كرسيه المفضل بالشارع، وبعد أن وارب باب الغرزة قليلاً، لم يكن هناك أي صخبٍ بالداخل، بينما صوت الأغنية الهندية مع بداية الفيلم كان قد عرف طريقه للتسلل من تلك الفتحة الطويلة بين درفتي الباب باتجاه الخارج.
#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟