|
القحبة والخرقة البالية
لحسن وزين
الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 20:25
المحور:
الادب والفن
يا لهول الصدمة التي تقشعر لها الأبدان . فرك عينيه للمرة الألف وعاد بصره كومض البرق يضيء العنوان: القحبة والخرقة البالية. وقال في نفسه " إن كيد الشيطان كان ضعيفا "(1). وليزيل الشك قام مرات كثيرة بتحيين صفحة الموقع، فعاد إليه بصره خاسئا وهو حسير. عندها انعكست على محياه عفونة أخلاقه خيالات لولبية، مندسا خلفها من دنس شهوة عين زانية تتصبب باردة على زبيبة جبهته الفاجرة. اختلطت عليه ألوان اللاشعور، اسودت الدنيا في رؤيته، فضاعت بوصلة رجولة تفكيره.. ( يصح هذا أيضا على المرأة لأنها تستبطن ذكورة اللغة والتفكير. فأي ختان لا يمس جراحة العقلية من السببية الغيبية إلى السببية العلمية فلن نعرف غير سطو نمطية شذوذ الذكورة. من يحيي إنسانية الأنثى في أعماقنا وهي رميم؟ ) أجل ضاعت بانفجار إعصار المكبوت المحرم. " إنه فكر وقدر،فقتل كيف قدر،ثم قتل كيف قدر،ثم نظر،ثم عبس وبسر،ثم أدبر واستكبر،فقال إن هذا إلا سحر يؤثر، إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ ".(2) رأى، تخيل، خيل له أن عصارة قذارة نتنة تنزلق من العنوان، وتدنس عذرية الصفحة البيضاء الطاهرة بنفاق لباس صلاة جمعة تسوق العبادة والتظاهر وأخلاق الصراط المستقيم الذي تستغرب عيونه مسها بلوثة القذارة، في تساؤل نفسي مصاغ بالإدانة المسبقة لهذه السيدة التي تجرأت، في بيت المقدس المرهف لشبكة العنكبوت التي يتخشع المريدون أمام شاشاتها لأخذ بركاتها، وعلى مرأى من ساكنة عالم القرية الصغيرة، على التعري المفضوح والفاضح للحرام وسلالة نطفة أولاد القحبة والخرقة البالية. تساؤل صامت ينضح خوفا، وكأنه يقول هل قلت عناوين الظهور المحجبة و العفيفة والمنقبة والمحتشمة؟ كالمرأة المظلومة، جنون الشهوة، شيطان اللذة، فصل المقال فيما بين الدين والثقافة من صراع ... ماهذه الوقاحة المتهورة إلى درجة قلة الحياء و المروءة؟ مسح بصمة زبيبة جبينه المبللة بدنس أخلاق سيرته الفاسقة، وقال بصمت العزاء والتشفي: مراهقة أدبية، كتابة سريالية بلكنة سوقية عربية، تجارة مربحة، شهرة سهلة لإباحية نص مفلس... عيونه مرقت كعصف مأكول بنهم الشهوة المخنوقة في ثنايا ذاكرة الجسد، تلتهم الكلمات والسطور في لقاء حميمي بوجع المكبوت يخالطه قلق هوامات الهذيان المحموم والرهبة من انكشاف المستور، وهو يأخذ طريقه من شفوي مسكوت التعبيرات الثقافية الشعبية، ونكتة لذة جنس الزوايا المظلمة، عبر لغة أساليب العنف الرمزي الذكوري، إلى عهر الكتابة. أزاحت القحبة بنزق حرية الجسد في التصرف الحبر الأسود من لغة الرجل، نزلت من برج عتبات النص المقدسة و ابتسمت بثقة عالية. كنست وجهه الوسخ، الذميم الخلقة بانشطار الشخصية، من بقايا أسمال قناع الرجولة، بنظرة ساخرة من ارتعاش ضمير شيطان ورع الأخلاق الحميدة في قلبه. فباغتته بهزء السؤال في ما يشبه تبسيط المزاح لإعادة الدفء المتسلل إلى جسد الذكورة على نية تيسير السلخ السريع لركام إرث الشرف البذيء. - أين الخرقة البالية ؟ ( كانت تقصد زوجته كما يحلو له أن يسميها حين يعلن تقززه من حرمة وحريم وحرام وحلال بيته. ما هذا الورش؟ ) إلتفت يمينا ثم شمالا كما لو كان خائفا من شبهة الكلام في ممنوع السياسة. أدرك بحس المتمرس فجورا وتعهرا بأن مثلث المحرم نصب له فخ ( ولم لا فخذ ) أحد أركانه، وهو يفاجئه عاريا من زاد تقوى أقنعته التي يجهد في لبسها أمام الناس الذين لا يقلون عنه نفورا من وكر الخرقة البالية للدعارة الزوجية، ورغبة في التملي بطلعة ولذة شرف القحبة. لقد ضبط في حالة تلبس صريح بالجرم المشهود، ولا داعي للمراوغة والإنكار. هو الآن بسبب تجاذبه الوجداني وانشطاره الانفعالي بين يدي امرأة برأسين: القحبة المدنسة و الخرقة البالية المقدسة. ولطالما تحسب وتخوف من هذا اللقاء، لذلك كان يردد طوال عمره بشكل غامض أقرب إلى الهلوسة الرعناء: لو كان فيهما إلهتان لفسدتا.الخرقة البالية شيطان، والأنثى إله. (نعم يقصدها). الخرقة البالية تجري على قدم وساق، من كنس، غسل، طبخ، تصبين، ترتيب البيت وتجديد أناقته. حاضرة بقوة كبهيمة تعدو في كل الاتجاهات وغالبا ما تقوم بالعمل الشاق خارج المنزل كفلاحة، خادمة، عاملة، موظفة ، تلبي الطلبات، تنظم وتضبط المواعيد وتتحمل تحرشات الآخرين وتمتص لسعات ألسنتهم اللاذعة والسامة، كما لا تفلت من لمس العيون التي تطارد جسدها المتعب المنهوك كسقط متاع خلفته معركة الحياة التي لا ترحم. قدوة ناذرة للتضحية ونكران الذات، نوع من جهد الفناء الصوفي لتحيى العائلة بالخصم من عمرها بطريقة الاغتصاب لربيعها المزهر، فتمدد من عمر الآخرين. تقتل على عتبة قداس مذبح الأسرة، وهي تحفظ فرجها و تقاوم أنوثة قيمتها الإنسانية باجتياف حرب بغلها ضد نفسها بما وصمها به من رجس و دنس رغبتها، إغوائها، إغرائها، غنجها... أن تكون، هو أن تنسحب من الحياة، وتنحدر بصمت إلى نهايتها، وهي تنظم جنازتها ببكاء مؤلم وحزن غاصب، و بحد أدني من الحركة والكلام، و تصير شاهدة قبر الخرقة بالية، كدربلة الصوفي النتنة التي تقهر رائحتها ذباب المستنقعات الأسنة، فلا تثير أرض متعتها ، وتتنكر لاختلافها المتميز، و لحسنها وجمال أنوثتها الأخاذ، أو لا تكون إلا قحبة . وإذا سولت لها نفسها الخروج عليها أن تتقمص الرجولة بارتداء حجاب جلد الذكورة لتكتسب ندية التحرك و مخاطبة الرجال، أي أن تكون خرقة بالية لا قحبة. بكلمة واحدة إنها متعددة التخصصات: زوجة، ربة بيت، حرمة، ولية، جارية، خادمة، أمة، جثة هامدة تنتظر الدفن ...وهذا التعدد يجمعه بغلها في كلمة واحدة: الخرقة البالية. ومع ذلك فهي مشبوهة متهمة ولا يمكن أن تتم براءتها. تحت وطأة جنون الهذيان خيل له أن صوت سؤالها كهزيم الرعد يصرخ في تشبيكه العصبي، تعالى صراخ الطنين حتى زلزل ذاكرته المهترئة، فخرج عاريا إلى الشارع، وهو يردد على رؤوس المارة بتجهم تسبقه قسوة ملامح وجهه قبل أن تنتفخ أوداجه: ما هذا الشذوذ الجنسي والثقافي والاجتماعي، أن يكون الإنسان ذكرا أو لا يكون؟ توقف صدفة عند مسجد أبي الحسن الششتري وأنشد قصيدة هذا الشاعر الصوفي في وجه ثلة من المصلين الخارجين توا من بيت الله:( طاب شُرْبُ المدام في الخلواتِ * اسقِني يا نَديمُ بالآنِياتِ * خَمْرةٌ تَرْكُهَا علينا حرامٌ * ليسَ فيها إثمٌ ولا شُبُهاتِ*). ثم أخذ يبكي من أعماقه وهو يتلو بكل جوارحه ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون*)(3) على سبيل التقديم: بعد تأمل عميق وتفكير هادئ رزين قررت، بحكم اطلاعي على مسودة نص "الكاتب" المملوءة بهوامش خطها بقلم أحمر، وهو ينقح بعناية ما كتبه، أن أنشر ما تحفظ بشأنه، وإن كنت لا أعرف سبب امتناعه عن ذلك. بدت لي الهوامش التي قمت بتجميعها أجمل من النص، وخفت أن تضيع هذه الوثيقة السوسيولوجية، خاصة وأن الكاتب مسرف و مدمن على الحياة إلى أبعد الحدود. هوامش على متن النص: كان بودي أن أتركك أيها الكلب الأجرب المسمى "الكاتب المزعوم" تحرث كما تشاء أرضا ليست الذكورة أهلا لها، وأسايرك في هذه اللعبة الوقحة و الشنيعة، لكن عندما أدركت أنك مجرد كائن رقمي خسيس إلى أبعد الحدود، وأنت تختزل حياة إنسانة في قوالب رمزية، حيث كنت تفكر في بنيات مضمرة و وحدات وعلاقات متعارضة ومتناقضة لهذا المتصل من حياة امرأة الذي أراد له العقل الديني أن يكون طبيعيا، كما لو كان خاضعا لقوانين تتجاوز فعل الإنسان. كان ذلك واضحا بما فيه الكفاية وأنت تبحث في المتصل عن التمفصل المزدوج للقحبة/ الحياة: الصخب، الفرح، الضحك، القهقهة، الحركة المنمية للنفس والجسد والذهن، حرية العيش، سجل الرغبة، النزق وانفتاح الطاقات الخلاقة النقدية والمبدعة والثائرة دوما على المألوف. ثم بالمقابل تطرح الخرقة البالية العفيفة /الموت: قتل الإحساسات، وقمع المشاعر، و تجميد العواطف، انعدام الحركة، سطوة الحزن، القنوط و التجهم، العدوانية و الكراهية، العذاب و الموت البطيء. فرضيتك كانت هشة وسخيفة، وأنت تعتقد أن هناك تحايلا خبيثا أنجزه العقل الفقهي التخريجي لصناعة الحديث، فحول تحريم الوأد / الإعدام إلى الحكم المؤبد، فخالف بذلك القاعدة الشرعية " لا اجتهاد في ما فيه نص" فإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت "(4). تحايل على التحريم بالتحليل، عبر الموت البطيء لوجودها الإنساني في النمو والنماء بكرامة وبحرية كاملة لعيش اختلافها العظيم، فقصت أجنحتها في أشكال مختلفة من السياجات والأغلال المرعبة كثقل التراب في معنى الوأد، وهي تمضي جثة هامدة على كتفها نعش تابوت حجابها الأسود، رمزا لموت وجودي، وهي مرغمة على حفر قبرها. ولا فرق بين وأدها حية وهي صغيرة، وبين دفنها في سياجات سجن الموت المستمر و المؤبد. هل كنت تعتقد وأنت تفكر في عدالة المبدأ بأن الإنسان في الأصل بريء إلى أن تتم إدانته، أن هناك خيانة ما للحياة و للمبدأ والنص، حين يحكم العقل الديني على أنوثة المرأة بأنها مشروع قحبة إلى أن تتم براءتها في وأدها كخرقة بالية/ الموت؟ القارئ ليس غبيا إلى هذا الحد وأنت تشير إلى أن ولادة المرأة يتم في سياق لغوي ثقافي مجتمعي ديني يؤسس لحقل دلالي مشحون بالقتل الرمزي والوجودي للمرأة، فهي الشيطان، الحية والشر، الكيد و الرجس، الساحرة و العاهرة المدنسة...وبالتالي لا خيار أمامها إلا أن تكون خرقة بالية/الموت، أو قحبة / الحياة. للأسف فاض الواقع أمام عينيك وضاقت رؤيتك للحياة، فصرت تخبط بشكل خيالي مخجل، دون أن تكلف نفسك مشقة ولوج خيال الإبداع الحقيقي الذي يتشكل من حرقة سؤال التجربة المعيشة الحارقة. ما كتبته تفاهات، مجرد ترهات لا تعنيني لا من قريب ولا من بعيد كامرأة اخترت الحياة رغما عني دون أن أتنازل عن موقعي في حلبة الصراع. صحيح بأن المعركة تتجاوزني وتفوق طاقاتي وقدراتي وإمكاناتي البسيطة، وصحيح أيضا أن اختيار الحياة مرغني في الوحل الآسن، وداس على كرامتي وجسدي وأنوثتي وحريتي في أن أكون. لكن لو حاولت بصدق تجشم عناء سفر الاقتراب من شواظ مأساة الحياة التي لا تمل من حرقي في تجاويف القلب لأدركت معنى جمالية إنسانية أن تولد الأنثى في عمق المرأة والرجل و الثقافة والمجتمع. عيناي مفتحتان على الحب وأمل الحياة، وهذا ما لا تستطيع الذكورة أن تدركه، فهي بطبيعتها الدينية الثقافية وثنية لا ترقى إلى مستوى التجريد العقلي و الرمزي للمسافات كاختلاف مصيري.. و قدر المسافات أن تكون اختلافا نقديا في القراءة والتأويل...
الإحالات 1) سورة النساء الآية 76 2)سورة المدثر من 18الى 25 3)سورة النحل 58و59 4)سورة التكوير 8و9
#لحسن_وزين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انهيار سد الفم..من تداعيات قطع لسان حكاية الراس المقطوع
-
العذراء ترش قليلا من افيون الساعة على الخبز الحافي
-
القديس محمد شكري
-
مجنون الحياة
-
حفلة التلقي قراءة في رواية عبد الرحمان منيف الان ..هنا ج1
-
حفلة التلقي ج2
-
رن الهاتف..انا قادم
-
استراتيجية الاسئلة
-
الشيخ والمريد
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|