|
الفلسفة..! لماذا..؟
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 11:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفلسفة..! لماذا..؟ للتفكير السليم أسس ومنهج ولا شكّ في ذلك ، وقد عُنيَ الإنسان منذ القدم بسبل حُسن التفكير وسلامته وهي نفسها أسس المنهج العلمي في البحث والإستنباط ولكن كيف تنمو وما هي أسس تنميتها وما التخصّص الذي يبحث في أسس التفكير السليم الموصوفة؟ المعرفة بشكل عام تضمّ تخصّصات متنوّعة وتتشعّب إلى فروع وأقسام كثيرة وكل منها ندعوه علما أي بالضدّ من الجهل به وبمضمونه وأن كل علم يستخلص من الواقع حقائق بواسطة منهج خاص ومنطق فرعي وتقدّم كل العلوم منجزات ونتائج جديدة كلّ يوم تُضاف إلى مجموعة معارفنا المختلفة ولكنّ ما يبحث في أسس التفكير السليم هي الفلسفة بسبب أنها تُعنى بالمفاهيم العامّة أو الكلّيّات أي ببساطة جميع ما تطرحه العلوم والتخصصات المختلفة لتصوغ منها مفاهيم كليّة يُراد بها التعامل مع مختلف ميادين المعرفة ولهذا كانت الفلسفة وقد إنبرى لهذا النوع من المعرفة الكليّة كثير من ألمع الأدمغة الإنسانيّة منذ القدم من أمثال أرسطو وإفلاطون وسقراط وغيرهم كما بحث أسلافنا العرب والمسلمون في هذه المباحث كثيرا ولمع منهم فلاسفة أفذاذ بل عباقرة كبار من أمثال الكندي وابن رُشد والفارابي وابن سينا وآخرون قد يُشكلون طابورا طويلا . وقد أنكر بعض رجال الدين الإنخراط في دراسة الفلسفة رغم أنها ينطبق عليها ما ينطبق على الحكمة وقد قال سبحانه في كتابه العزيز : ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا...صدق الله العظيم.ولا نريد أن نتعمّق في معاني الفلسفة لغويا ولكنها مستمدة من مفردتين الأولى هي Philo والثانية هي Sophia وغني عن القول أن معناها هو حبّ الحكمة ولا مجال لشرح مدى القرب بين مفهوم الحكمة ومفهوم الصوفيّة وهو باللفظ قريب من الحكمة باللغات الأوربيّة مثل الإغريقيّة أو اللاتينيّة . الهدف أن نقول أن العلوم تتوصّل إلى قوانين وليس إلى مفاهيم أي أن العلم يفسّر العلاقات بوسائل متخصّصة أو خاصّة بكل علم ولكن الفلسفة تقوم عبر دراسة الكليات ببلورة مفهوم عام ولنضرب لذلك مثلا ، إذ أن عالم الرياضيات يتعامل مع علاقات محدّدة ومتعلّقة بهذا العلم مثل العمليات الأربعة كالزائد والناقص والقسمة وعمليات علميّة أخرى ولكنّه أي عالم الرياضيات عندما يبدأ بالتعامل مع مفهوم And أو Or أو If أو Not فإنه يضع قدمه لأول مرة في أرض المنطق الرياضي وليس علم الرياضيات . والمنطق هذا يُسمّى العلم الأساسي للفلسفة وهنا نقصد به المنطق الرياضي مع التجريد اللازم والتعامل بالعلاقات الأخيرة من شأنه أن يشتقّ مفاهيم عامّة ونقصد بالعامّة ما يخضع للعلاقة الجدليّة أي متبادلة التأثير بين العام والخاص وهما حالتان متناقضتنا أي مختلفتان إختلاف تناقض وليس إختلاف تنوّع وبهذه الطريقة أي المنهج ! يتوصّل الباحث الفلسفي إلى ما ندعوه مفهوما( Concept )وهو وصف للعلاقة العامّة الشاملة ونريد به التعبير عن علاقة عامّة يمكن أن تنطبق على مختلف أنواع المعرفة وهذا لا يأتي إلاّ عن طريق البحث والتقصّي المتواصل وبإتباع اسس تستهدف التعبير عن الكليات من المفاهيم . أن نقول مثلا أن أي تراكم في الكميّات وجدناه يؤدّي إلى تحوّل في النوعيّة فهذا مفهوم من المفاهيم الكليّة ولكن لا نستطيع أن نعتبر قانون هوك في الفيزياء مفهوما لأنه لم يتأيّد لنا أن كل شئ في الوجود يخضع له وهو أي قانون هوك يُعبّر عنه ( قانون هوك ينصّ على أن الأجسام تدعى إيلاستيكيّة أي مرنة ما دامت تتغيّر في الحجم نتيجة تسليط قوى خارجيّة عليها ولكنها تعود إلى حالتها الأصليّة بعد زوال تلك القوى )ومتى ما وجدنا أن كل شئ في الوجود يخضع لذلك فإننا نكون قد إشتققنا مفهوما .وهذا يتطلب تجريدا واسعا للقوانين. لذلك فإن فهم الوجود والعالم الذي يُحيط بنا يحتاج إلى دراسة الفلسفة بسبب كون العلوم كلا على حدة قاصرة عن المساعدة على فهم العالم وعن تكوين مفاهيم عامّة أي كليّة وعن تقويم تفكيرنا. ومن أسس التفكير السليم أيضا مثلا النظرة الموضوعيّة وهي أن ننظر إلى ما يُحيط بنا من أشياء وموجودات مختلفة على أنها خارج وعينا ومستقلّة عن إرادتنا ونحن بهذا نوفّر لأنفسنا موقف العالم الحقيقي الذي يراقب ويُسجّل ويؤرّخ ويفكّر ويوظّف النتائج التي يحصل عليها دون أن يتلاعب بالمعطيات أو يتدخّل فيها وهذه هي النظرة الموضوعيّة وخلافها ما تُدعى بالنظرة الوضعيّة أي أن نعتقد أننا نستطيع أن نملي على الواقع والموجودات إرادتنا كأن نجعلها لا تتمدّد أو لا توصل الحرارة أو أي سلوك مخالف لطبيعتها وخواصّها لغرض تحقيق هدف مسبق ( هناك مثل أجنبي يقول:Nature to be commanded must be obeyed ). وخلاصة القول الذي نريد الوصول إليه هو أن العلوم وحدها قاصرة عن توفير فهم شامل أو مفهوم كلّي عن العالم والوجود ؛ وهذا هو سبب ومبرر دراسة الفكر الفلسفي بهدف إمتلاك أدوات التفكير السليم كما قلناوالذي نحن أحوج ما نكون له في حياتنا بجوانبها المختلفة مع أن الكثير من الناس يرتعبون ويبتعدون عن دراسة الفلسفة وكأنها شئ مخيف أو ممنوع ولكن للأسف لا بدّ من التعامل مع المفاهيم الكليّة لفهم ما يُحيط بنا وعدم الركون والقبول بمنجزات العلوم المختلفة منفصلة لأنها كما أسلفنا لا تستطيع بل هي عاجزة عن توفير تفسير عام ( عبر مفهوم العام والخاص) للعلاقات بين مكونات ما موجود أمامنا وما يُحيط بنا . لكل هذا ولأسباب كثيرة أخرى نحتاج إلى دراسة الفلسفة لأنها تقوّم وتُحسّن تفكيرنا
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات كونيّة..في الوجود والعدم!
-
الإحتجاج والشجب والإستنكار إحدى أهم وسائل التعبئة الجماهيريّ
...
-
المنطق العام ومنطق الأشياء..!
-
إلى النّمريّ الكبير..!
-
الماركسيّة لا تقمع الواقع بل تنبع منه..! حول مقال الأستاذ ال
...
-
النمري ومكارم إبراهيم والرأسماليّة..!
-
مهدي محمد علي .. زائرُ الفجر..!
-
الظواهر الدينيّة حاضرة بقوّة في التاريخ..!
-
عودةٌ إلى الشيوعيّة والأديان..!
-
نعم ، لي فيها ألف ناقةٍ وألف جمل..!
-
كيف يتم تطبيق الشريعة؟
-
وعاءُ العقل والعلم و وعاء العمل ..!
-
إسلاموفوبيا..!؟
-
منتجوا الثقافة ، نُقّادا..!؟
-
ترجمة جديدة لقصيدة لوركا - الزوجة الخائنة -
-
ماركسيون وعلمانيون ..لا تبشيريون..!
-
قصيدتان في المطر..!
-
ومن -الحلول- السهلة ما قتل..!
-
نظريّة الفوضى توطئة مترجمة عن الإنكليزيّة ***
-
أكلُّ من أمسكَ بالدفّ هو المغنّي..!
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|