أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعيد العليمى - الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القسم الثانى















المزيد.....



الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القسم الثانى


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 3952 - 2012 / 12 / 25 - 17:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تقديم سعيد العليمى
أستكمل هنا نشر الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى الصادرة عامى 1970 -1971 . وقد نشرت مواقف هذه الفترة جميعا ممهورة بتوقيع " شيوعى مصرى " . وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقائدها المناضل العظيم الراحل جورج حبش قد أتاحا لهذه الوثائق أن تنشر على صفحات إصداراتها من صحف ومجلات . غير أن بعض الفقرات والمقاطع قد استبعدت منها خاصة تلك التى تعلقت بالمراجعة السوفيتية وفيما بعد الصينية لأسباب مفهومة آنذاك بالطبع . أنشر هنا وثيقة 1 - مطالب الحريات الديموقراطية فى مصر ,2 - فى ذكرى اتحاد الجمهوريات العربية , 3 – موقفنا من التغييرات الأخيرة . ( إنقلاب السادات على مراكز القوى فى مايو 1971 )
هناك ضرورة لتوثيق الانتاج السياسى والنظرى لفترة السبعينيات وخاصة إنتاج المنظمات الراديكالية التى وجدت آنذاك مثل : العصبة الثورية التروتسكية , منظمتى 8 يناير والمؤتمر أما المنظمات اليمينية فقد وجدت "مؤرخها " المعروف وبعض مسانديه من المزورين .
على أية حال هذه الضرورة أشار اليها بعض رفاقنا منذ سنوات . وقد استجبت إليها شخصيا بشهادتى التى أشرت إليها كما دعوت الكثيرين من اتجاهات مختلفة لفعل نفس الشئ .
هل ينبغى أن نمزق الدفاتر القديمة ونواريها التراب , ملتفتين الى الأوضاع الراهنة كما دعا أحد الرفاق وكأننا نعانى مرض الحنين إلى الماضى ؟ الواقع أن التراث الثورى والذاكرة الثورية تتواصل بنفس قدر استمرار النظرات اليمينية العتيقة وقد أشرت الى أننى اتوجه للجيل الثورى الشاب المناضل بهذه الوثائق بسبب منطقها ومنهجها ومنظورها خاصة أن الاخطاء الانتهازية القديمة تتكرر بشكل جديد أمام عيوننا .
*****************
1 - مطالب الحريات الديمقراطية فى مصر :

كانت هجمات الاستعمار والطبقات الرجعية على القوى الوطنية فى مصر تأخذ دائماً شكل حرمان هذه القوى من حرياتها الديمقراطية ، ومحاولة إلغاء ما استطاعت هذه القوى انتزاعه من هذه الحريات . وتؤكد تجربة الكفاح الوطنى المصرى أن معركة الاستقلال ارتبطت دائماً بمعركة الحريات الديمقراطية . وكان دستور 1923 يحدد المواقع الجديدة التى استطاعت القوى الوطنية فى ثورة 19 أن تصل إليها داخل النظام الملكى التابع للإستعمار ، وكانت البرجوازية القومية المعادية للاستعمار هى التى ترفع راياتها على هذه المواقع . إن شعار الحلقة الأولى من الثورة البرجوازية القومية كان " الاستقلال والدستور".

التيار الليبرالى المصرى :
ونتيجة لقيادة البرجوازية القومية لهذه الحركة الوطنية ونجاحها فى أن تفرض على هذه الحركة ألا تتجاوز المصالح الضيقة للبرجوازية ( تلك االبرجوازية التى استمدت أصولها من أعيان الريف ، فلم تطرح شعار الأرض ولم تربط المسألة القومية بالمسألة الفلاحية ، وبرزت إلى المسرح السياسي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية فى ظروف متقدمة من الصراع الطبقى فبدت عليها علامات الذعر من حركة الطبقة العاملة ، ومعاداة الشيوعية منذ البداية ) فقد نشأ التيار الليبرالى المصرى محدوداً ضيق الأفق ، رغم أهميته التاريخية ، ففى مواجهة الحكم المطلق للقصر وعملاء الاستعمار ، كانت الليبرالية المصرية تدافع عن شكل من أشكال البرلمانية البرجوازية على الرغم من أنه استبعد الحزب الشيوعى على وجه التحديد ، وحرم وجوده ، فانه يتيح للقوى الوطنية أن تجد منافذ وأدوات الضغط والهجوم على السلطة الرجعية ، لذلك كان القصر والاستعمار دائما يعملان على إلغاء الحياة النيابية وفرض الأحكام العرفية .
وحقق التيار الليبرالى المصرى ، الذى تقوده البرجوازية القومية الكبيرة (وتنطوى بين صفوفه جماهير البرجوازية الصغيرة فى المدينة وخاصة قطاعاتها المثقفة ) الكثير من الانتصارات التى أضعفت النفوذ الاستعمارى والرجعى المصرى . ففى ظله صنعت الحركة أسلحة النضال الديمقراطى ( بعض التنظيمات السياسية والوطنية ، حقوق التنظيم الجماهيرى والتعبير والتجمع والتظاهر والإضراب ) . ومكن هذا التيار – رغم تناقضه- الشارع فى مصر من أن يلعب دوراً موجها فى الحياة السياسية ، ولم تنجح الحكومة فى أن تفرض أى شكل من أشكال الأحلاف العسكرية على بلادنا ولقد كانت الردة الوطنية دائما مصاحبة للإعتداء على الحريات الديمقراطية النسبية التى اكتسبها الشعب بدمه وكفاحه العنيد .

ولم تكن الحريات الديمقراطية النسبية فى فترة ما قبل 52 واجهة شكلية أقامها الاستعمار والرجعية ، بل كانت أسلحة نضال صنعتها الحركة الوطنية فى غمار المعركة المعادية للإستعمار والرجعية ،وعبرت عن الحجم الفعلى للحركة الوطنية.
وتميزت الليبرالية المصرية فى فترة ما قبل 52 بتأكيدها الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تعبيراً عن حق البرجوازية القومية فى أن تجد لنفسها مكانا داخل السلطة الإقطاعية والاستعمارية وعن نجاحها الجزئى فى أن يحقق ممثلوها أحياناً أغلبية فى المجالس التشريعية وفى القضاء ، بكسر الهيمنة المطلقة للطبقات الرجعية الحاكمة . وبطبيعة الحال كان ذلك يفترض وجود معارضة سياسية منظمة ، ويعمل على كفالة استمرارها ، بالإضافة إلى محاولة تحقيق ضمانات قانونية للمواطنين فى مواجهة بطش الطبقات الرجعية المسيطرة دائماً على أجهزة القمع برفع شعار استقلال القضاء وعدم قابلية القضاة للعزل .

سلطة يوليو والحكم البونابرتى :
ولقد استطاعت الطبقة العاملة أن تستفيد إلى بعض الحدود من المنافذ والثغرات ، التى صنعتها الليبرالية فى الأسوار المفروضة على الحياة السياسية والاقتصادية المصرية فقامت إلى هذه الدرجة أو تلك بدورها فى المعركة الوطنية وتلقت دروساً ثمينة على أرض المظاهرات والإضرابات ومعارك الحريات السياسية فى اتجاه نضجها الثورى .
وحينما ننتقل إلى الحلقة الثانية من الثورة البرجوازية القومية فى 1952، نجد تناقضات نمو البرجوازية منعكسة فى مسألة الحريات الديمقراطية . لقد وجهت سلطة يوليو أقسى ضرباتها إلى الليبرالية البرجوازية والى كل التنظيمات السياسية والاقتصادية والجماهير الشعبية . وفى مواجهة الجماهير الشعبية من ناحية أخرى ، وبدت منذ البداية وكأنها قوة تقف فوق المجتمع ، فقد كانت مستقلة إلى درجة معينة عن الارتباط العضوى بالأجهزة السياسية والاقتصادية للبرجوازية الكبيرة القومية المعادية للاستعمار ، التى يدار الحكم لصالحها ، واتخذ الشكل السياسى للحكم الطابع البونابرتى .
لقد نحيت الطبقات الحاكمة الرجعية كما نحيت البرجوازية القومية ، التى كانت تشارك جزئيا فى الحكم عن الإمساك بالسلطة ، وأصبحت علاقة البرجوازية الكبيرة بالسلطة غير مباشرة ، فهى لا تحكم بأبنائها ولا بأجهزتها التقليدية ( أحزابها وبرلمانها وتنظيماتها الاقتصادية ) رغم ضخامة مكاسبها واتساع نطاق اقتصادها ، ودوران البلاد فى فلك مصالحها وسيادة أيديولوجيتها ، بل عن طريق أفراد جدد استولوا على جهاز الدولة .
إن الضربة لم توجه إلى الأشكال الرجعية للحياة السياسية فحسب بل إلى كل الأشكال السياسية ، إلى كل الحريات الديمقراطية لكل الطبقات الوطنية ، بل كان للطبقات الشعبية أكبر نصيب من هذه الضربات . فلقد اضطهدت السلطة الجديدة الشيوعيين والديمقراطيين الوطنيين والعمال النقابيين وملأت بهم السجون والمعتقلات وألغت كل المنابر المستقلة ، وصفت كل الضمانات القانونية وأعلنت حكم الشعب ممثلاً فى جهاز بوليسى متعدد الأفرع شديد الضراوة .
وليس هنا مجال الحديث عن تطور الاقتصاد البرجوازى وتكوين البيروقراطية البرجوازية تجسيداً لمنطقة فى الظروف النوعية الخاصة لمصر ، مما استدعى توجيه الضربات إلى دعائم البرجوازية التقليدية وإعلان ( الاشتراكية ) قومية الطراز شعاراً لطريق النمو الرأسمالى فى بلادنا .
فما يعنينا فى هذا الصدد هو ما أدى إليه ذلك من شمول سيطرة الدولة ، ونمو أجهزتها سرطانيا من ناحية والطبيعة الفريدة للشكل السياسى البونابرتى . الذى اتخذته البرجوازية البيروقراطية من ناحية ثانية .
لقد عصفت هذه الطبقة بالبرلمانية , بالحكومة التمثيلية وبأى شكل من أشكال التنظيم السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى أو الثقافى المستقل لأى طبقة من الطبقات الوطنية وأقامت ديكتاتورية صارمة لأجهزة السلطة التنفيذية ، أجهزة القمع البوليسى والمخابرات والدوائر الضيقة من القادة السياسيين المسيطرون على هذه الأجهزة وعلى رأسهم زعيم كلى الجبروت ، وأصبحت الإجراءات الاستثنائية لفترة الانتقال ، التى استغرقت ما يقرب من 19 عاما ، نظاما راسخاً ، وكان هذا الشكل سياجا تنمو داخله البيروقراطية البرجوازية بمعزل عن اليمين واليسار فى فترة تميزت بإحتدام التناقضات التى صاحبت نشأة هذه الطبقة ونموها .
ونتيجة لأن الوجه الرئيسى لصراع البونابرتية فى فتررة نشأة الطبقة الجديدة ونموها كان الصراع ضد الاستعمار وكبار ملاك الأرض والرأسمالية المتحالفة معه والرأسمالية التقليدية . فقد كان الاتجاه المسيطر داخل هذه الطبقة هو الاتجاه الأقل تهادناً مع الأعداء التاريخيين ، وكان محتوما أن يستكمل استيلاءه على أجهزة القمع وان يفرز فيما يتعلق بالديمقراطية نظرية ديماغوجية تدعم سيطرته الفكرية على الجماهير الشعبية .
ومن المفارقات ، أن ظهور هذه النظرية استلزم تزييف جوانب منزوعة فى وحشية من سياقها فى نظرية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) فى ظروف التجربة السوفياتية بالذات . تلك النظرية التى تضعها السلطة فى مقدمة خلافاتها مع الماركسية .. فالسلطة هى ممثلة الشعب كله . وليست الأحزاب إلا أدوات للرجعية والاستعمار . والحريات الديمقراطية ليبرالية استعمارية .
وفى الواقع كان ( الاتحاد الاشتراكى) ديكوراً سياسياً . فلم يكن أبداً حزباً حاكماً يستولى ، بوصفه حزباً ، على السلطة ، أو تحدد التناقضات داخله مسار التغيرات فى حركة السلطة ، بل كان على العكس أداة هزيلة فى أيدى المسيطرين على الأجهزة ، وبوقاً محدود الأثر لهم ، فلم يكن فى صالح البيروقراطية أن تخلق لنفسها حزباً جماهيرياً حتى فى فترة صعودها ، حزباً لابد أن تنعكس داخلة التناقضات بينهما وبين الجماهير الشعبية ، وأن يصبح أداة للضغط عليها . فقد كان شاهداً ينتصب على قبر حرية التنظيم السياسى للجماهير الشعبية ، وتأكيداً لعزم السلطة على مواصلة انتزاع السلاح التنظيمى من الجماهير .

وعلى الرغم من ذلك , فقد أعلن أن هذا الديكور هو تحالف قوى الشعب العاملة . ( قوى) متحالفة بدون أن يكون لأى منها وجود منظم على الإطلاق . وكانت الأجهزة البوليسية تعين إما مباشرة أو بانتخاباتها المزورة ممثلى هذه القوى من العملاء والمنتفعين والذين لا يشكلون أى خطر على سيطرتهم .
وكان لابد لديكور التحالف المزيف من ديكور تنظيم ( طليعى ) يلعب دور مؤخرة السلطة فى الوحدات الاقتصادية والجامعات والنقابات والاتحادات الخ ... تنظيم تآمرى سرى على الجماهير يعمل على إحكام سيطرة الأجهزة البوليسية على المراكز القيادية فى كل المرافق ويضمن أن تظل حركة الجماهير الشعبية ذيلا للسلطة .
كما أعلن أن استقلال السلطات نظرية برجوازية ، لا تتمشى مع الاشتراكية وتحالف قوى الشعب العاملة . وأصبح مجلس الأمة أصابع جاهزة مرفوعة دائماً بالموافقة . والقضاة مرغمين على الادغان لأوامر الأجهزة بعد التطهيرات المتوالية للقضاء ، وبعد أن سلب حق السيادة الذى أسبغته السلطة التنفيذية على نفسها فى الكثير من المجالات أى دور للقضاء فى تنفيذ القانون ، على الرغم من أن القانون ليس إلا قانوناً برجوازياً . فالأجهزة البوليسية لا تقيد نفسها بأى قانون قد يعوقها عن بطشها الوحشى بخصوم النظام أو بما يدافع عن أبسط الحقوق الديمقراطية فى مواجهة الطبقة الحاكمة وامتيازاتها .

دكتاتورية البيروقراطية :
وأدت هذه " الديمقراطية الحقيقة " إلى إضعاف القوى الشعبية إلى آخر مدى ، إلى زعزعة الحركة الوطنية ودمغها بالسلبية وتحويل المعركة مع الاستعمار إلى مسألة قرارات تتخذها السلطة من أعلى وتحويل الإقتصاد إلى بقرة حلوب لامتيازات الأقلية يتعذر أن يصبح اقتصاد حرب ولو بضعة أيام . لقد أسهمت " الديمقراطية الحقيقية " هذه بدور أساسى فى تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية للهزيمة ولاستمرار نتائجها حتى الآن .
وكان الاتجاه الآخر فى الطبقة الحاكمة ، الاتجاه الأكثر تهادناً مع الاستعمار ، الأقل طموحا فى تنمية رأسمالية الدولة الراغب فى إقامة علاقات تزاوج سريعة بين القطاع الخاص وقطاع الدولة ، يقوم بدور منافق فيما يتعلق بقضية الحريات الديمقراطية .. فهو يبارك من صميم قلبه وبأعلى صوته كل الضربات الموجهة لليسار ، وللحركة النقابية , و لكل من يدعو إلى تنظيم الشعب وتسليحة ، لكل من يطالب باتخاذ موقف ثورى من الاستعمار الاميركى أو الرجعية العربية ، لكل من يدعو إلى تدعيم حركة المقاومة الفلسطينية . ولكن هذا الاتجاه يعلق " الديمقراطية الحقيقية حقاً " وتقنين الثورة " على جدران وغرف الاستقبالات ، والمقالات الافتتاحية فى " الاهرام " .
ولا حاجة بنا إلى تأكيد أن البيروقراطية البرجوازية لا تجانس بين أجزائها ، وأنها رغم اتجاها إلى التبلور تظل متصارعة الأجزاء المختلفة بين تيارين رئيسين يتفاوت الوزن النسبى لكل منهما وفقاً للأوضاع المحددة ، وتؤدى السيطرة الخانقة للأجهزة البوليسية والعسكرية التى تضم أفراد المجموعات المتصارعة إلى أن يتخذ الصراع بين الاتجاهات المختلفة للطبقة أكثر الأشكال حدة , الصدام المباشر ومحاولات الانقلاب واستخدام السجن الحربى أو المعتقل أو المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى أو الإعدام السياسي ، وسيلة لحسم الصراع الذى يدور فى المجتمعات البرجوازية عادة متخذاً شكل الحملات الصحفية والمناورات البرلمانية والمعارك الانتخابية وسقوط وزارة ومجئ أخرى . لذلك فان الاتجاه اليمينى فى السلطة الذى لم يكن يسيطر على أجهزة القمع يرفع شعارات الحرية والديمقراطية وتقنين الثورة فى المناسبات والمواسم ، فى مواجهة التيار الأخر المسيطر على الأجهزة .
ولكن ما هو مفهوم الديمقراطية وسيادة القانون عند هؤلاء ؟ إنه مواصلة استخدام الصيغة الزائفة المفرغة من كل مضمون تقدمى ، التى تموه الواقع عن ( تحالف قوى الشعب العامل ) المؤكدة لإلغاء حق الطبقات الوطنية فى التنظيم السياسي المستقل والتنظيم الجماهيرى المستقل . والعمل على خلق ديكور اتحاد اشتراكى يسيطر عليه عملاؤهم .
إنه استمرار للشكل البونابرتى فى الحكم ( سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية ، ومجلس أمة صورى . وأجهزة قمع يسيطرون عليها ... إلى أخر القصة المعادة ) فما هو الجديد ؟ إنهم يختزلون الحريات الديمقراطية إلى مسألة طمأنة الفرد المنتمى إلى الفئات صاحبة الامتيازات وحقه فى التعبير عن ( الخلافات ) الثانوية بين هذه الفئات دون بطش الأجهزة . إلى مسألة طمأنة الملاك وأصحاب الثروات على أن ( الثورة ) قد وصلت إلى المرحلة النهائية فى اجراءاتها الاقتصادية التى وجهت الضربات إلى الأشكال التقليدية للملكية وأن نمطاً من العلاقات تتجه إليه رأسمالية الدولة يتميز بإفساح المزيد من الفرص أمام رأس المال الخاص ..
أما الذين يقومون بالصراع ( مطالبين بالحل الثورى) للمسألة الوطنية وبحقوق الطبقات الشعبية فى التنظيم , وبالحد من الامتيازات لإقامة اقتصاد حرب وبالمشاركة الفعالة للجماهير الشعبية المبعدة عن الإمساك بمصيرها ، فانهم " يمزقون " ما يسمى بالجبهة الداخلية الغارقة فى السلبية ويزعجون نوم القوات المسلحة على الجبهة المواجهة للعدو ، ولهم ديمقراطية المفرمة والسحق .
حقا أن هذه التعبيرات استخدمت ضد " المجموعة الاشتراكية " البوليسية ، ولكنها تلقى الضوء على آفاق المستقبل الديمقراطى فى مرحلة تتجه فيها الطبقة الحاكمة إلى تسوية سلمية وتخفت فيها حدة الصراع مع الاستعمار وعملائه والرجعية الداخلية ، وفى ظروف النجاح المؤقت للطبقة الحاكمة فى السيطرة الفكرية على الجماهير الشعبية مما لا يتطلب من أجهزة القمع أن تعمل بأقصى طاقتها ، ومما يتيح مؤقتا بأن يسمح للنيابة والقضاء بأن تنفذ القانون الذى وضعته السلطة لخدمة الفئات صاحبة الامتيازات .
ولكن قضية الحريات الديمقراطية التى تتفق مع المصالح الرئيسية للشعب المصرى فى معركته الوطنية تطرح برنامجاً لا يتفق مع البرنامج الفعلى للبيروقراطية ، برنامجاً يقدم الشعار الدعائى الآتى ) جمهورية برلمانية – ليست رئاسية – تقوم على مجلس نيابى واحد يتشكل نتيجة لانتخابات ، متحررة من التزييف البوليسى تخوضها أحزاب الطبقات الوطنية المعادية للاستعمار والرجعية وبينها الحزب الشيوعى ، حزب الطبقة العاملة وينتخب هذا المجلس كل أجهزة السلطة التنفيذية ).
الكفاح فى سبيل الحرية :
ويجب أن يكون واضحاً أن هذا الشعار ليس معناه تغيير الطبيعة الطبقية للسلطة فهى التى تجرى الانتخابات ، وهى التى تمتلك وسائل الإنتاج الرئيسية ، ولكنه يهدف إلى إرغام الطبقة الحاكمة على تغيير الشكل السياسى لسلطة الدولة وفقاً لعلاقات جديدة للقوى الطبقية فى مصر ، لعلاقات تحد من نفوذ الطبقة الحاكمة وتفتح أمام الطبقات الشعبية أفاقاً لتطوير كفاحها . إن هذا الشعار لا يعنى سلطة الحلف الطبقى الثورى بقيادة الطبقة العاملة ، فهذا الحلف لن تأتى به انتخابات إلى السلطة . ولكن هذا الشعار لا يمكن الوصول إليه إلا بالكفاح من أجل تحقيق مطالب مباشرة تتعلق بالحريات الديمقراطية :
• استقلال النقابات والروابط والاتحادات والتنظيمات الجماهيرية عن التنظيم السياسى للسلطة وعن الأجهزة الإدارية والبوليسية ، وإجراء انتخابات ديمقراطية لمجالسها .
• تشكيل لجان المواطنين من أجل المعركة فى الأحياء والقرى ومواقع العمل بالمبادرة والجماهيرية من جميع العناصر الوطنية بعيداً عن الاتحاد الاشتراكى واللجنة القيادية البيروقراطية الحالية ، وأن يكون لها دور عسكرى بأن تشرف على التعبئة العسكرية للمدنيين .
• إلغاء القوانين المعادية للحريات ، مثل قانون مكافحة الشيوعيين الذى أصدرته حكومة صدقى فى غياب البرلمان . وتعديل لوائح الجامعات والنقابات التى تحد من الفاعلية السياسية لجماهيرها .
• إشراف نقابة الصحفيين المنتخبة ديمقراطيا على الصحف ووقف تدخل الجهاز السياسى والادارى فى شؤونها .
• إلغاء الرقابة على المطبوعات والإنتاج الفنى إلا فيما يتعلق بالأمور العسكرية .
• تقرير حق العمال والعاملين عموماً فى الاضراب
• إخضاع الأجهزة البوليسية للرقابة الشعبية ، وإلغاء حق السلطة التنفيذية فى الاعتراض على قرارات محكمة تظلم المعتلقين فى أثناء حالة الطوارئ.
• تشكيل جمعية عمومية لكل وحدة من وحدات القطاع العام تعقد دورياً ، يكون لها حق المشاركة فى رسم الخطة الإنتاجية والسياسية والإدارية وحق متابعة التنفيذ وانتخاب العدد المقرر من الأعضاء المنتخبين فى مجالى الإدارة وسحبهم قبل المدة القانونية .
والنتيجة المنطقية لتحقيق هذه المطالب المتعلقة بالحريات الديمقراطية هى المطالبة بحق التنظيم السياسي المستقل لكل الطبقات الشعبي والوطنية وبينها الحزب الشيوعى حزب الطبقة العاملة .

2 -- فى ذكرى اتحاد الجمهوريات العربية :
تتجه حركة الجماهير الشعبية فى البلاد العربية المختلفة إلى تحقيق أهدافها الثورية رغم تفاوت مراحل التطور الاجتماعى داخل كل منها فى مواجهة نفس الأعداء الإمبريالية الاميركية على رأس المعسكر الاستعمارى والصهيونية والرجعية العربية .
وتلعب البرجوازية القومية بكافة أشكالها الليبرالية ورأسمالية الدولة فى كل بلد من هذه البلاد دور المناوئ للأعداء التقليديين فى الحدود التاريخية لهذه الطبقة وفقاً لميزان القوى الطبقية داخل كل بلد .
وفى هذه المرحلة التى تمر بها البلاد العربية بعد النكسة ، يتضح أكثر فأكثر عجز البرجوازيات القومية الحاكمة فى ما يسمى بالبلدان العربية المتحررة عن قيادة حركة التحرر الوطنى ، بل أنها فى هذه المرحلة بالذات تتجه إلى مزيد من التهادن والمساومات رغم أنها لم تستنفد بعد إمكانيات تناقضها مع الأعداء التقليديين . إنها فى كل من مصر وليبيا وسوريا والعراق معادية لحركة الجماهير الشعبية وللمواجهة الثورية الحاسمة مع الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية .
واستمراراً لهذا تحاول البرجوازيات الحاكمة فى البلاد العربية أن تتناول مسألة القومية العربية من زاوية مصالحها الأنانية الضيقة ، فهى تشترك جميعاً فى العمل على تحقيق أشكال علوية من الالتقاء بين الأنظمة يطلق يد كل واحدة فى بلدها ، ويدعم حكمها فى مواجهة الاستعمار والرجعية من ناحية ، وفى مواجهة الجماهير الشعبية بشكل تتزايد حدته ويعلو صوته يوماً بعد يوم من ناحية أخرى .
إنها أشكال من التنسيق السياسى والعسكرى والاقتصادى لا يخطو طرف فيها خطوات أبعد مما تسمح به استفادة نظامة الخاص منها , فلم تعد البورجوازية البيروقراطية المصرية حصنا تستند عليه البورجوازيات العربية المختلفة فى حل تناقضاتها , كما كان الحال أيام الوحدة المصرية السورية ، إنها تحاول أن تخلق شركة مساهمة سياسية للبرجوازايات العربية . ولكن التناقض بين مصالح هذه الأطراف يهدد أن تسير هذه الاتحادات الكونفيدرالية نحو مزيد من التماسك ، فالبيروقراطية المصرية تنظر إلى القومية العربية باعتبارها مجالها الحيوى الاقتصادى ، والبرجوازيات الأخرى تحسب ما تكسبة وما تخسره من الاتحاد وفقاً لمصالحها المؤقتة .
ويقوم الاتحاد الكونفيدرالى بين مصر وليبيا وسوريا باعتباره خطوة حاسمة فى اتجاه تحقيق الوحدة العربية . ولكن الجماهير الشعبية تعتبر قضية الوحدة العربية فى وضعها الراهن هى قضية الكفاح المشترك بين القوى الشعبية فى هذه البلاد لمواجهة الأعداء المشتركين والاستعمار الاميركى وعميلته إسرائيل فى المحل الأول .
إنها قضية كفاح كل شعب من الشعوب العربية لخلق أدوات نضاله ، كالتنظيمات الاقتصادية والسياسية والجماهيرية المستقلة للطبقات الشعبية منتزعة إياها من التنظيمات الحاكمة ، وتوثيق الروابط النضالية بين هذه التنظيمات فى جبهة عربية مشتركة ، تلتقى فيها القوى الثورية ، محتضنة التنظيمات المقاتلة للثورة الفلسطينية التى تلحق بها الرجعية العربية والتواطؤ المنافق من جانب الأنظمة البرجوازية السائرة فى طريق الحل السلمى أفدح الأضرار .
بالإضافة إلى ذلك فإن الجماهير الشعبية لا تكافح لتحقيق وحدة من أجل الوحدة ، بل باعتبار النضال الوحدوى هو أفضل إطار للسير بالثورة إلى الأمام .
إنها تكافح من أجل توثيق رباط الحركة الثورية العربية ، لا لخنقها فى فرض ما يسمى بالحركة العربية الواحدة عليها ، وهى تنظيم بوليسى بيروقراطى يوجه أقسى ضرباته للدعامة الأساسية للنضال الثورى للحركة العمالية والفلاحية وتنظيماتها السياسية والنقابية الحقيقية وفكرها المعبرعنها .
إن كل محاولات تقديم الاتفاقات العلوية والاجتماعات المغلقة وقرارات التنسيق بين الدوائر الحاكمة باعتبارها نصراً ضخماً يحجب الوضع المزرى ، الذى تتردى فيه المسألة الوطنية بين الدهاليز الاتصالات الدبلوماسية فى فترة مد وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى ، أو محاولة تقديم الاتحاد وبياناته رنانة الألفاظ بمظهر القوة الذى يمثلة كورقة للضغط على العدو ، إنها كلها محاولات قصيرة يكشفها الواقع .
وبالإضاقة إلى ذلك فان الشرايين التى تربط ليبيا بأوروبا الغربية وان السياسة الرجعية للحكومة الليبية التى مازالت تعترف بفورموزا وفيتنام الجنوبية وكوريا الجنوبية هى قناطر محدودة للبرجوازية العربية لتدعيم علاقاتها مع جانب من الغرب الاستعمارى للضغط على أميركا وموازنة الارتباط بالاتحاد السوفياتى وبلاد المعسكر الاشتراكى لتواصل بطريقة أكثر فاعلية سياسة اللعب على الحبال فى حل القضية الوطنية بعيداً عن الطريق الوحيد الذى يؤدى إلى الحل الحقيقى ، طريق الحرب الشعبية المسلحة .
إن الاتحاد فى هذه المرحلة والطريقة التى يتم بها لا يتجه نصله الحاد ضد الاستعمار لتوجيه الضربات إليه ، ومن أجل التعجيل بالمواجهة العسكرية مع العدو بل أنه يستهدف تدعيم مراكز البرجوازايات الحاكمة فى إطار العلاقات القائمة حالياً ، وأساليب المساومة والتهادن واعتبار الاستعداد العسكرى ورقة للضغط على مائدة المفاوضات فحسب .
ومن ناحية المبدأ فان الجماهير الشعبية لا ترفض شكلاً للاتحاد تقيمة طبقات قومية وتعمل من أجل إرساء أساس لهذا الشكل ، وموقفها من شكل الوحدة يحدد إلى أى مدى يتفق أو يتعارض هذا الشكل مع نمو الحركة الثورية ومع توجيه الضربات إلى الاستعمار والعدو الصهيونى .
ونحن نربط موقفنا من هذا الاتحاد بهذه الأسس :
- رفض أسلوب التهادن والتنازلات للاستعمار الاميركى وإسرائيل متمثلاً فى قبول قرار مجلس الأمن والمواقف التالية .
- رفض أسلوب التواطؤ مع الرجعية العربية عملية الاستعمار الاميركى
- إطلاق يد تنظيمات المقاومة الفلسطينية فى الأقطار الثلاثة والسماح لها بالعمل الجماهيرى وتجنيد المتطوعين وتدريبهم وجمع التبرعات .
- السماح للتنظيمات السياسية والجماهيرية المستقلة للطبقات الوطنية بحرية العمل وإلغاء احتكار فئة واحدة للعمل السياسى .
- خلق جبهة وطنية متحدة داخل كل بلد عربى وعلى النطاق العربى تكون أداة الكفاح الشعبى مع مواجهة الأعداء بالحرب الشعبية .
- الوقوف مع بلاد المعسكر الاشتراكى وحركة التحرر الوطنى فى العالم ضد الاستعمار العالمى البريطانى والفرنسى والألمانى الغربى ..الخ بقيادة الاستعمار الاميركى .
لذلك فعلى الرغم من إننا لا نقول " لا" لمبدأ الاتحاد إلا إننا نرفض الشكل الذى تتقدم فيه البرجوازيات الحاكمة الآن ونقدم الأسس الثورية لتحقيق متطلبات الوحدة العربية .
3 -- موقفنا من التغييرات الأخيرة

لم تكن البيروقراطية البرجوازية طبقة متجاسة منذ نشأتها ، فقد تشكلت باستيلاء الدولة على المواقع الرئيسية للإقتصاد الرأسمالى فى مصر . من مجموعات وأجنحة متباينة . وكان الاتجاه السائد بطبيعة الحال هو الاتجاه الذى يهدف إلى تدعيم رأسمالية الدولة فى مواجهة الرأسمالية التقليدية ، إلى إرساء أسس التنمية الاقتصادية وتقويض أركان الملكية الكبيرة للأرض ، باعتبارها عائقاً أمام نمو السوق الرأسمالية فى الريف والمدينة ، وقبل ذلك يهدف إلى انتزاع الاستقلال السياسي والاقتصادى من الإمبريالية العالمية والدفاع عنه .
وهذا الاتجاه السائد هو الذى كان يهدف إلى السيطرة على مراكز السلطة الأخرى : أجهزة القمه ، المخابرات والمباحث العامة ، وبقية الحلقات المماثلة فى مواجهة الجماهير الشعبية ، واستكمالا لذلك كانت الواجهة السياسية " الاتحاد الاشتراكى " هى السرادق الجماهيرى لهذا الاتجاه ، وهذا الاتجاه كان هو المحدد للطبيعة النوعية للتطور الرأسمالى فى مصر . الذى نقش كلمة الاشتراكية بارزة على رايته .
وفى مقابل هذا الاتجاه عرفت البيروقراطية الحاكمة اتجاهاً آخر بمثابة يمين هذه الطائفة أكثر ميلاً إلى تحقيق الاستقلال دون القطيعة مع الغرب بل بالعمل على تحسين العلاقات بهذا الجزء أو ذاك من الرأسمالية التقليلدية . وعلى ألا يحتدم التنافس بين القطاع الخاص والقطاع العام . فالقطاع الخاص مجاال استثمارى لفائض الدخول لا بد من استبقائه . وأقل ميلاً إلى تحديد الملكية الزراعية فى الريف .

وهذان الاتجاهان ، بوصفهما ميولاً موضوعية فى الحركة العامة للبرجوازية البيروقراطية .لم يتجسدا فى الأسماء السياسية البارزة على سطح السلطة فحسب , بل فى كافة المجالات فى الحياة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والثقافية الخ ... وهما لم يقتسما الأجهزة بحيث يقع نوع منها فى أيدى اتجاه ونوع اخر فى أيدى الاتجاه المقابل ، فلم تكن هناك أجهزة تقدمية وأجهزة أقل تقدما ، بل كان الصراع هناك بين الاتجاهين هو صراع داخل الأجهزة . ونتيجة لضمور الحياة السياسية فى مصر وهزال الأشكال السياسية التى تعبر عن التناقضات الاجتماعية فقد أخذ الصراع بين الاتجاهين طابع ما عرف باسم مراكز القوى .
أحد الرؤوس السياسية فى قمة السلطة على رأس هرم من الأتباع تغلغل فى عدد من المواقع داخل الجهاز الاقتصادى والبوليسى والعسكرى والإعلامى . وتتم عمليات التنسيق والمنافسة بين تحالف عدد من المراكز أو صراعها ، وكان الرئيس الراحل يقيم قياداته فى الفترة ما قبل النكسة على امساك الميزان فى الصراع بين مراكز القوى وترجيح جانب الاتجاه الأكثر تماسكاً فى معاداة الإمبريالية .
ولكن النضج الاقتصادى للطبقة الحاكمة فى مجموعها ، وتحقيقها الحد الأدنى من أهدافها بإرساء أسس اقتصاد رأسمالى مستقل ، وتحويلها من طبقة فى مرحلة التكوين إلى طبقة تتبلور بشكل محدد كان يقضى أن يمسك " الزعيم " بقبضة أكثر رسوخا على المواقع الرئيسية فى السلطة ، وأن يسدد الضربات إلى الأشكال المصاحبة لنشأة البيروقراطية . أشكال تعدد مراكز اتخاذ القرارت ، خاصة وأن حدة التناقضات بين الاتجاهين تميل إلى الخفوت .
فمنطق تطور البرجوازية البيروقراطية يدفعها إلى التهادن مع الاستعمار وإلى فتح مجالات أوسع أمام القطاع الخاص ، وإلى الوقوف بإصلاحها الزراعى عند الحد الذى يتمشى مع مصالح الرأسمالية الزراعية التى سيطرت على الريف بعد ضرب كبار ملاك الأرض ، مما يخلق بشكل تدريجى وبمرور الزمن أساساً لانصهار الاتجاهين داخل الطبقة الحاكمة ، رغم أنهما ما يزالان متعارضين فى معدل السير نحو حل سلمى ، وفى مدى العلاقة مع الاتحاد السوفياتى وفتح الباب لرأسمالية القطاع الخاص .
وجاءت وفاة الزعيم الراحل لتدفع بالإطار السياسى الذى تتبلور داخله الطبقة الحاكمة خطوة إلى الوراء ، لقد فقد الاتجاه الأقل استعداداً للتهادن أقوى ممثلية وأصبح من المحتم بغيابه أن يعود الصراع بين الاتجاهين ليتخذ شكل مراكز القوى .
وجاء اختيار السادات الذى كان مبعداً عن الفاعلية والسيطرة رئيساً للجمهورية تعبيراً عن أن الصراع لم يحسم بعد رغم أن ميزان الصراع كان يميل بشكل واضح لصالح الاتجاه الذى كان يمثلة الرئيس الراحل .

ولكن اتجاه الطبقة الحاكمة " ككل " إلى الحل السلمى بحكم مصالحها الأنانية وإبعادها الجماهير عن المعركة الوطنية ، والتاريخ الأسود لممثلى الأتجاه الأقل تهادناً فى مجال الاعتداء على حركة الجماهير الشعبية وحرياتها كان يفقد الصراع بين الاتجاهين فى نظر الجماهير الشعبية أى مضمون تقدمى جدير بالتأييد .
ولما كانت البيروقراطية فى أشد الاحتياج فى فترة تبلورها الحالية إلى شكل مستقر على رأسه حاكم مطلق لا يحققه صراع مراكز القوى ، بالاضافة إلى أنها فى مرحلة حاسمة من مراحل التسوية مع أعدائها التقليديين , الغرب الاستعمارى والرجعية العربية ، والانفتاح على رأسمالية القطاع الخاص وإقامة صيغة جديدة للعلاقة بينهما فقد أصبح الإطار السياسي الممزق الحافل بالصراعات والمناوشات ووليد المراحل " القديمة " فى النشأة عائقاً موضوعياً أمام مصالح الطبقة فى مجموعها لابد من حسمه .
إن المصالح الخاصة بكل مركز من مراكز القوى وكل مجموعة أو طائفة داخل السلطة البيروقراطية تأخذ وزناً وأبعاداً أكبر من مصالح الطبقة فى مجموعها نظرا للطبيعة الطفيلية للبيروقراطية .
وليس الإنقلاب الأخير ، الذى دفع السادات إلى موقع الحاكم المطلق إلا حلاً لها التناقض ، فقد أقصى عن السلطة رؤوس الاتجاه الأقل تهادناً فى مواجهة الاستعمار داخل البيروقراطية مستغلاً الاتجاه الأشد ضرواة فى إحكام القبضة البوليسية على الجماهير . بحكم كونه الاتجاه السائد والمسيطر بالتالى على وسائل القمع . باذلاً الوعود البراقه " بعهد جديد" من سيادة القانون والدستور الدائم وأمن المواطنين .
غير أن هذا الانقلاب لا يمكن تفسيره بالسيطرة المطلقة للإتجاه الأكثر استعداداً للتهادن مع الاستعمار الأميركى وإسرائيل : القضاء على رؤوس الاتجاه الأقل تهادناً لا يعنى بعد التصفية النهائية للأساس المادى والإقتصادى والسياسى له . ولم يكن هذا الاتجاه أملاً لأحد فى الاستمرار المتماسك بالمعركة الوطنية . إلا أن إقصاء مجموع ممثلية البارزين كاتجاه سياسى كامل فى قمة السلطة لأول مرة فى تاريخ مصر فتح الباب على مصراعيه لكل العناصر اليمينية الداعية إلى التهادن مع الاستعمار الأميركى وإسرائيل ، مما يعرض القضية الوطنية لأفدح الأضرار التى تنتهى إلى الكارثة الوطنية .
ومن ناحية أخرى فان البيروقراطية الحاكمة فى أضعف أوضاعها الآن فأجهزتها التقليدية البوليسية والسياسية مزعزعة والجماهير برغم النجاح المؤقت للسلطة فى الإمساك بأذانها – تهتف بشعارات الديمقراطية وتتحرك مطالبة بها .
لقد أشهر الواقع إفلاس " الديمقراطية الحقة " فى طبعتها البيروقراطية ، طبعة شعراوى جمعه وعلى صبرى والمرتدين الماركسيين ، ولكن الذين يتهادنون مع الاستعمار ويصفون القضية الوطنية لن يعطوا الشعب حقوقه الديمقراطية ، إنهم يقدمون لكل الفئات الطبقية ذات الامتيازات ضمانات لحماية امتيازاتهم فى الملكية والحياة الخاصة المطمئنة .



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى -- الق ...
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الحواش ...
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو - الفصل ا ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو -- الفصل ...
- الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر - بيير بورديو -- الفصل ...
- العبث القانونى وهل يحمى الرئيس الثورة ؟
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية -- جورج ل ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- المادية التاريخية والصراع الطبقى والممارسة الثورية - جورج لا ...
- فى حقوق إمتياز الدولة البوليسية - إعادة هيكلة - قوى الثورة
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو
- قانون حماية مكتسبات الثورة -- الا نقضاض على مكتسبات الثورة ت ...
- المفهوم الماركسى للقانون جانيجر كريموف
- القانون ونظرية الخطاب
- امبريالية ام مابعد امبريالية ؟
- القمع يؤرخ للثورة -- ضد مشروع قانون الطوارئ


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعيد العليمى - الوثائق التاريخية الأساسية لحزب العمال الشيوعى المصرى - القسم الثانى